القليعة... ذاك الصرح الذي طالما احتضن آل فرنسيس
لهم تاريخ طويل يزخر بالاحداث والرجال ولا سيما الشيخ يوسف فرنسيس الــحــاج الحاصباني الــذي اشتهر في مجال الطب والجراحة، وتنقلوا بين اكثر من منطقة، من معاد الى قيتولي فحاصبيا...
فا لقليعة حيث ا ستقر وعاش آل فرنسيس.
تعود جذور اسرة "الحاج" الى المقدم بصبوص العاقوري من بلدة "معاد" في قضاﺀ جبيل، ومنها رحــل الحاج موسى المعادي الى بلدة قيتولي في قضاﺀ جزين في لبنان الجنوبي. وكان ذلك منذ اكثر من قرنين ونصف. وهناك تملك الحاج موسى معظم اراضي قيتولي وجوارها والتي كانت ملكا لدروز نيحا. ثم توسع في تملك حوالى ثـــلاث عــشــرة مــزرعــة فــي منطقة جزين، وكان الحاج موسى في تلك الايام من اكبر الاثرياﺀ في جنوب لبنان عامة، ومنطقة جزين بصورة خاصة.
بالاستناد الى مخطوطات قيّمة دونها سيادة المطران نعمة الله سلوان سنة 1892 نزولا عند رغبة غبطة البطريرك يوحنا الحاج، فلقد اشتهروا بالوجاهة واعمال الخير، وتميزت تلك العائلة ببطولات ومواقف خارقة، وبرز منها العديد ولا سيما الحاج ميخائيل الحكيم الشهيرالذي اقتبس الطب عن طبيب يوناني اشتهر كثيرا في تلك الايـــام، وتتلمذ معظم ابناﺀ عائلته عليه وجعلوا منازلهم بمثابة "مستوصفات" يعالجون فيها المرضى مجانا.
وفي تلك الايام كانت شقيقة السلطان العثماني مصابة بسرطان في "الرحم" وقد عجز كبار الاطباﺀ عن شفائها. فطلب منها السلطان بأن تقوم برحلة استجمام الى بر الشام، وعندما وصلت الى صيدا سمعت بالطبيب الشهير الحاج ميخائيل فأرسلت بطلبه، وكــان الحاج قد اصبح متقدما في السن فتمنى على الامــيــرة ان تنتقل الــى قيتولي وتحل ضيفة عليه، وهكذا كان فقامت بضيافته مدة غير قصيرة تحت المعالجة حتى شفيت، فعرضت عليه ان يطلب منها ما يشاﺀ. فكان ان طلب بأن يدعه شقيقها السلطان يعيش مع عائلته موفور الكرامة وبأمان.
وبعد مضي بضعة اشهر من سفر الاميرة، حمل احد القادة العثمانيين رفيع المستوى، الى الحاج ميخائيل فرمانا سلطانيا عالي الشأن "براﺀة" يعفى بموجبه "مشايخ آل الحاج" من جميع الضرائب العثمانية مما زاد من مقام واحترام تلك العائلة لدى المواطنين والحكام.
ومــــن اولاد واحـــفـــاد الــحــاج ميخائيل الذين برعوا وتفوقوا واشــتــهــروا بــمــمــارســة الطبابة والجراحة كان الشيخ فرنسيس الحاج، وهو جد عائلة فرنسيس في مرجعيون، وقد لعب دورا هاما ومميزا في حقلي الطب والسياسة، وكان "معتمد" الامير بشير الكبير في بلاد حاصبيا، كما كان الطبيب الخاص لحريم الامير بشير، وكذلك كان شقيقه بطرس.
وعــنــدمــا قـــام ابــراهــيــم باشا بحصار عكا، طلب من حليفه الامير بشير ان يمده بأطباﺀ وجراحين.
فأرسل اليه طبيبه الخاص الشيخ فرنسيس الذي بقي في معسكر الــبــاشــا ســنــة يــعــالــج الــمــرضــى والجرحى، وقد رفض ان يتقاضى اي اجر من الباشا.
ومن الذين تفوقوا من ابناﺀ تلك العائلة الكريمة في حقل الطب والــجــراحــة، هما الشيخ يوسف فرنسيس وابنته الحاجة عليا.
وقــد استحضرا ادوات جراحية مــن فــرنــســا لــم يــكــن لــهــا مثيل لدى جراحي بيروت. وعندما دارت الحروب الشهيرة بين بني معروف وجــيــوش عــمــر بــاشــا النمسوي، انتقل الشيخ يوسف فرنسيس وابنته عليا الــى جبهة القتال في السمقانية ليعالجوا جرحى الدروز، وقد نقلوا قسما منهم الى منزلهما في حاصبيا بعيدا عن ساحة المعارك.
هــذا وقــد درجــت الحاجة عليا فرنسيس على معالجة النساﺀ من الطوائف الاسلامية الشقيقة، اللواتي كن يرفضن المعالجة على ايدي الاطباﺀ الرجال ومن بطولاتها انه عندما وقفت الحروب في اواخــر القرن التاسع عشر بين دروز اقليم البلان بالقرب مــن "مــجــدل شــمــس" مــن جهة وحلف عــرب الــجــولان والجركس وعساكر الدراكون، فما كان منها الا ان سارعت مع اشقائها ورجالها الى ساحة القتال لمداواة الجرحى الذين اصيبوا في المعارك، واما الطبيب فاعور الحاج فكان يقيم في بلدة "قيتولي" وكان مرجعا لمرضى تلك المنطقة وكــان ان جردت الدولة العليا حملة جبارة على الامير ابن الرشيد امير نجد، فطلب من الشيخ فاعور الحاج ان يترأس جراحي الحملة فلبى النداﺀ مجانا وظل في الخدمة عدة اشهر حتى تمكنت الدولة من احتلال "حائل" عاصمة ابن الرشيد.
ولــد فــي بلدة حاصبيا قضاﺀ مرجعيون سنة 1819 وما ان شب حتى انتخبه عــمــوم ابــنــاﺀ تلك المنطقة "شيخ مشايخ شبان وادي التيم" بالاجماع. وفي سنة 1843 قضى على حملة قادها عمر اغا ليوزلي زعيم اكراد سورية وكانت معارك طاحنة في منطقة "سهل الحولة" الهيب والحمدون اللتين عجزت دول الانتداب عن تأديبهما وكان ان تدخلت السلطات السورية ووالــي بيروت لاعــادة الامــور الى نصابها واستتاب الامن، وبناﺀ على امر صادر عن والي بيروت باعتقال الشيخ يوسف فرنسيس، مشت فرقة عساكر الــدراكــون الاتــراك الى مرجعيون سنة 1888 وفور وصولها الــى هناك ابلغ رئيس الفرقة الشيخ يوسف باوامر الدولة باعتقاله فلبى الشيخ فورا الاوامر، وقد منع من ركوب جواده او مرافقة احــد ابنائه او رجاله له واكتفى بركوب احد جياد الضباط الاتراك وتوجهوا نحو بيروت.
وعند مــرور القافلة فــي بلدة النبطية خرج وجهاﺀ وابناﺀ تلك المدينة لاستقبال الشيخ يوسف وتأييده وفي مدينة صيدا جرى للموكب استقبال كبير وتجمع الاهــالــي وعلى رأسهم الوجهاﺀ نذكر منهم رضا بيك الصلح والحاج احمد ابي ظهر، وعند وصولهم الى مشارف بيروت في منطقة الحرج تجمع آلاف المواطنين هناك يتقدمهم الوجهاﺀ امثال: الحاج محيي الدين بيهم "ابو عمر" واغا الغزاوي "ابو عبدالله" وسواهم من آل سلام والحص. وقدم هؤلاﺀ الزعماﺀ الاحتجاجات الــى كافة المراجع الرسمية! كما قامت وفود عــديــدة ووجــهــاﺀ مــن جبل لبنان بتقديم الاحتجاجات الى قناصل الــدول المنتدبين في لبنان، اما غبطة البطريرك الماروني بولس مسعد فقد اوفــد ثلاثة مطارنة لتفقد الشيخ يوسف الموقوف ولــلاحــتــجــاج على توقيفه، شعر الوالي بفداحة الخطأ الذي ارتكبه وبالنقمة الشعبية العارمة من قبل جميع الطوائف اللبنانية، فقام بزيارة الى سنجق نابلس وكان ان وافته المنية هناك. وبعد وفاته بأيام قليلة اخلي سبيل الشيخ يوسف فخرج من معتقله موفور الكرامة وغادر العاصمة عائدا الى حاصبيا وسط تظاهرات شعبية قل نظيرها واكبته من العاصمة حتى مرجعيون.
ومــن احــفــاد الشيخ يوسف كــان ابراهيم ابــن الشيخ ملحم يــوســف فرنسيس وقـــد توفي هـــذا الاخــيــر وابــراهــيــم لا يــزال ولــدا صغيرا. فتربى برعاية عمه سليم وعمته الحاجة عليا اللذين سهرا على تربيته تربية حسنة.
وقـــد شــب عــلــى عــمــل الــمــعــروف والاحسان. وكان له مقام واحترام في الاوساط السياسية ثم خلفه ابنه الشيخ انطوان الذي انخرط في السلك الدبلوماسي، وعمل سنين طويلة كسفير للبنان في العديد من العواصم الاوروبــيــة والاميركية، ومــن احفاد الشيخ يوسف فرنسيس المعاصرين الــذي لمعوا واشتهروا في حقل الطب، هناك المغفور له الدكتور خالد سليم فرنسيس الجراح في طب الاسنان والذي اكتشف علاجا شافيا لداﺀ "استسقاﺀ اللثة" وهذا العلاج فريد من نوعه، وحتى اليوم لم يتوصل الاطباﺀ في العالم الى مــداواة هذا، الــداﺀ هذا بالاضافة الى العديد من العاملين في مجال الطب والهندسة والمحاماة.
تمتاز عائلة فرنسيس بمحافظتها على صداقات الآباﺀ والاجداد في الجنوب وخارجه: ففي منطقة جبل عامل والنبطية: "آل الاسعد... والزين والعبدالله وشاهين والصباح وجابر وعسيران والخليل والصلح وبدر الدين". وفي حاصبيا والشوف "جنبلاط وارسلان وشمس وخير الدين والخليل وعساف وحلبي" وفي خارج الجنوب: "آل سلام وبيهم وسعد والبزري والسنيورة وحمود وكرامة وفرنجيه والدويهي وكرم".
تعليقات: