تستخدم أقمارا صناعية وأجهزة سرية لجمع معلومات عن شركات منافسة ودول خارجية..
واشنطن:
صدر الأسبوع الماضي كتاب «العالم السري لشركات التجسس: استثمار، تجارة، محاماة، تجسس» الذي كتبه إيمون جافرز، وهو صحافي من صحيفة «بوليتيكو» اليومية الصغيرة التي تغطي أخبار السياسة والسياسيين في واشنطن. وهو يتناول وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه»، التي «أصبحت عملاقة بعد هجوم 11 سبتمبر (أيلول) سنة 2001، والحرب ضد الإرهاب وغزو أفغانستان والعراق، وتضاعف حجمها وميزانيتها مرات ومرات، وصارت جزءا مهما من نشاطاتها شركات خاصة تتبناها، وتصرف عليها، لكنها تتخفى وراءها»، كما جاء في الكتاب.
وفي آخر تطور، وصلت «سي آي إيه» إلى «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك)، حيث صارت، باسم شركات استثمارية وهمية، تتاجر وتتنافس وتتعاقد، وتتجسس. فقبل أكثر من سنة، ذهب إلى هناك مجموعة من جواسيس الوكالة، بملابس مدنية أنيقة، وفي مكاتب جميلة تطل على شارع «وول ستريت»، وباعتمادات تبدو بلا حدود، وأسسوا شركة استشارات أمنية (لحماية أمن الشركات والبنوك)، هذا بالإضافة إلى شركات استخباراتية أخرى أسسها جواسيس سابقون في الوكالة. وخارج نيويورك، مثلا، تأسست قبل ثلاث سنوات، في بوسطن (ولاية ماساشوستس) شركة «بيزنس أنتيليجنس أدفايزارز» (مستشارو الاستخبارات الاقتصادية). واختصارها «بي آي إيه»، ومن كبار زبائنها «غولدمان ساكس»، وهو، ربما، أكبر بنك استثماري ليس فقط في أميركا، ولكن، أيضا، في العالم.
وتدير الشركة شيريل كوك، التي تركت «سي آي إيه» قبل ست سنوات. وهي تعترف بأن الشركة، رغم اعتمادها على جواسيس سابقين، فإنها تستخدم أيضا جواسيس حاليين يعملون في «سي آي إيه».
وتتعامل «بي آي إيه» مع شركات مقابل عقودات ما بين ربع مليون ونصف مليون دولار كل سنة. وذكر مؤلف الكتاب أنه حصل على وثائق عن بعض هذه الاستشارات، منها توفير أجهزة سرية تكشف، أولا، كذب المستثمرين والزبائن.. وتجمع، ثانيا، معلومات من شركات منافسة.. وثالثا، تجمع معلومات من دول خارجية.
ولا تستعمل هذه الشركات وسائل عادية، مثل جهاز لكشف الكذب، ولكن أساليب نفسية وتكنولوجيا متطورة، واستشعارات من على بعد (مثل: رصد ضربات القلب من على بعد).
وأشار الكتاب إلى ما حدث سنة 2006، عندما تعاقدت باتريشيا دان، رئيسة شركة «هيوليت باكارد» للكمبيوتر، مع شركة للتجسس على أعضاء مجلس الإدارة، وعلى صحافيين كانوا يحققون في مشاكل بينها وبين مجلس الإدارة، خاصة لأن صحفا مثل «لوس أنجليس تايمز» و«سانفراسسكو كرونيكل» نشرت أسرارا عن هذه المشاكل. وشكت باتريشيا دان من أن بعض أعضاء مجلس الإدارة سربوا هذه المعلومات إلى صحافيين.
استخدمت شركة التجسس التي استأجرتها باتريشيا دان وسيلة «بريتكس» (إذ ادعى جواسيس أنهم صحافيون، أو مستثمرون) لتكشف عن كيفية تهريب أسرار شركة «هيوليت باكارد».
في ذلك الوقت، تطورت المشكلة، واضطرت باتريشيا دان للاستقالة. وناقش الكونغرس الموضوع، وأصدر قانونا يمنع مثل هذا النوع من الادعاء.
لكن، مع العولمة وتعقيد الاستثمارات والعلاقات وسط الشركات والحكومات والمنظمات، لم يتوقف مثل هذا النوع من التجسس. بل زاد عدد شركات التجسس العالمية (لم تعد كلمة «تجسس» عيبا)، وصارت لها مواقع في الإنترنت، تطلب معلومات سرية عن شركات أو أفراد مقابل مكافآت مالية. وتستخدم هذه الشركات وسائل مثل:
أولا: أقمار فضائية لالتقاط صور وخرائط وتحركات (مثل متابعة تحركات شخص معين من مبنى شركة إلى مبنى شركة أخرى).
ثانيا: شركات جمع أوساخ وهمية لتجمع أوساخ منازل تجار أو مستثمرين كبار، لربما فيها وثائق مفيدة رموها في سلات المهملات والأوساخ.
ثالثا: شركات أمنية توفر رجال أمن لبنوك أو شركات، وسرا تحصل على وثائق هذه البنوك والشركات.
ويعلق الكاتب على هذه الظاهرة بقوله «لم يعد هذا شيئا غريبا مع العولمة وزيادة المنافسات بين البنوك والشركات. صارت هذه المنافسات لا تقل عن المنافسات بين الدول».
ويضيف «تبدو هذه وظائف مثيرة وممتعة. وفعلا، يتجه نحوها عدد كبير من الناس، خاصة الشبان والشابات خريجي الجامعات الذين يريدون وظائف إثارة ومغامرة. لكن، الحقيقة هي أن هذه الأعمال التجسسية، إن لم تخرق القانون، فإنها تدعو للشكوك في أخلاقياتها».
وفي الكتاب فصل عن أسماء الشركات الوهمية والتجسسية، خاصة شركات كانت «سي آي إيه» تملكها سرا، مثل شركة «سيفيل إير» التي تأسست قبل نصف قرن تقريبا. وعملت على هامش حرب كوريا (سنوات 1950 - 1953)، ومواجهة الثورة في الصين (سنة 1948). وشركة «إير أميركا» التي تأسست خلال تلك الفترة. وقامت بنشاطات كثيرة خلال التدخل الأميركي في فيتنام (1960 - 1975)، وشركة «ساوثيرن إير»، التي، من مركزها في ميامي (ولاية فلوريدا)، عملت خلال الخمسينات والستينات على هامش تدخلات واشنطن في دول أميركا الجنوبية والوسطى.
ولم يستبعد الكتاب، في الوقت الحاضر، وبسبب الحروب ضد الإرهاب التي تشمل حرب أفغانستان وحرب العراق، أن تكون هناك شركات طيران، وأطعمة، وإعلام، إلخ.. تملكها سرا «سي آي إيه». وأشار أيضا إلى شركات صحافية تطبع صحفا، وتملك محطات تلفزيونات وإذاعات في العراق وأفغانستان، وقال إنها، في الحقيقة، واجهة للبنتاغون أو «سي آي إيه».
وقال الكتاب إن هناك مؤسسات خيرية وإنسانية أيضا تملكها «سي آي إيه» والبنتاغون، وإن شركات طيران، وغير طيران، سرية تعمل في نقل المساعدات الإنسانية (بل وجمعها) لكنها، في الحقيقة، واجهة سرية.
تعليقات: