حنان الحاج علي
لعلّ الصحافي غسان حجّار لا يعرف حنان الحاج علي تماماً، وإلا لما كتب عن رفيق دربها روجيه عسّاف أنّه «عمد الى إخفاء شعر زوجته»... لا أحد يسعه أن يحكم تلك الممثلة اللبنانيّة المشاكسة التي تجدها في كل المعارك الاجتماعيّة والثقافيّة، والتي تثير الاستغراب أحياناً بحجابها... فقط عند الذين لا يعرفونها! كانت الحرب الأهلية اللبنانيّة، وحنان الحاج علي لم تتجاوز السابعة عشرة. «كنت أبحث عن وسيلة أستطيع من خلالها التعبير عن الغضب والأسى، وأحياناً عن الفرح... وكان أن تعرفت، من طريق المصادفة، إلى المسرح». أبوها علي أمين الحاج علي من النبطيّة، كان رئيس المخفر في قوى الأمن الداخلي. تنقّلت معه بين المناطق اللبنانية: طرابلس وبنت جبيل ورياق وبعقلين... ما منحها «مصدر غنى كبيراً».
تفوّقت طالبة مدرسة اليسوعية في الحدث، في الشهادة الثانويّة، فاختار أهلها الطب. لكنّها تمردت، وفضلت العلوم الطبيعية في «كلية التربية». ثم اندلع الحريق في عام 1975: «شعرت بأنني تلقيت ضربة فظيعة على رأسي، رحت أبحث عن وسيلة تعبير، فاليوميات لم تعد تكفي». عملت متطوّعة في الخدمات الإنسانية والاجتماعية. في المعمعة تعرفت إلى بطرس روحانا ومارسيل خليفة وأحمد قعبور... «كانوا في بداياتهم، يجتمعون ويعدّون جلسات عمل وغناءً مرتجلاً. بدأت أكتب حينها، وأرتجل الاسكتشات. قالت لي ندى الأحدب: لماذا لا تدرسين المسرح؟ قلت: مسرح؟ وعندما دعتنا الجامعة سنة 1976 إلى الالتحاق بكليّة التربية بعد عام من الانقطاع، كانت كلية الفنون قد انقسمت وانتقلت من وسط البلد، وصار الفرع الأول في كلية التربية».
خلال مباراة الدخول، كان في اللجنة الفاحصة روجيه عساف الذي سيصبح زوجها بعد سنوات. سألها أحدهم: مَن الأفضل برأيك، روجيه عساف الممثل أم المخرج؟ أجابت: للأسف، الممثل لا أعرفه، لكنني أعرف المخرج. وحكت لهم عن مسرحيّة «إزار» التي شاهدتها وهي صغيرة أيام «محترف بيروت». هكذا دخلت إلى قسم المسرح في كليّة الفنون. قاومت فكرة أنّ الممثلة امرأة سيئة السمعة، وتشبثت بصورة الراحلة رضا خوري أو نضال الأشقر. عارض الأهل خياراتها، «لكنّ أمي وجدتي وأبي، هم الذين زرعوا فيّ حب الفنّ... جدتي فاطمة قمر الدين، كانت فنانة بالفطرة، هي التي زرعت عندي سوسة الفن».
تتذكر أيام الجامعة اللبنانيّة: «كان القسم نموذجياً، يغلي بالأفكار لأنّ فيه فنانين كباراً، ولأنّ الجامعة اللبنانية كانت في أوج مجدها، قبل أن تدخل فيها سوسة الميليشيات». حازت حنان منحة لتكمل دراستها العليا في مجال «التربية بالمسرح» عام 1985، واختارت الدراسة في الولايات المتحدة، «لكنني لم أكمل حينها بسبب موقف وطني. أنا نادمة الآن، بعد مآل الأمور في لبنان. لكن عندما يسألني روجيه: إن أكملت، فمن أين كنّا سنتزوج؟ أيهما أفضل الدكتوراه أم زينب؟ وبإمكانك أن تحزر جوابي!». عندما تأسست فرقة «الحكواتي»، كانت في السنة الثانية، ولم تلتحق بهم إلا في عملهم الثاني «من حكايات 1936» عام 1979. كانت حينها تدرس المسرح بالسرّ عن والدها، لكن بالتواطؤ مع أمها وجدتها. كان أول عرض لها في «الجامعة الأميركية»، ودعي والدها على أساس أنها أمسية شعريّة للجواهري، فكانت المفاجأة: «عندما نزلت، بدأ يقبّلني وهو يبكي ويضحك في آن». بعد تلك الليلة، تحول إلى مشجِّعها الأول وراح يتنقل معها بين القرى، بحثاً عن مصادر الحكايات الشعبية.
أدّت سنة 1982 دوراً في فيلم «عائد إلى حيفا» للعراقي قاسم حول عن رائعة غسان كنفاني. في «أيام الخيام»، ظهرت ممثلة من الدرجة الأولى، وخصوصاً بأدائها الشعبي الجنوبي... كذلك شاركت مع يعقوب الشدراوي في مسرحية «جبران والقاعدة» (1983). «يعقوب الشدراوي من العباقرة المنسيين. تجربتي معه كانت من أغنى التجارب التي حفرت في نفسي». شاركت في فيلم «باب الشمس» (2004) ومسرحية «بوابة فاطمة» (2006)، ووقفت على مسرح «قصر شايو» في باريس مؤدية دوراً في مسرحيّة «السواتر» لجان جينيه عام 2004 من توقيع المخرج جان باتيست ساستر. أسهمت مع رفيق دربها سنة 1999 في تأسيس جمعية «شمس» (التعاونية الثقافية لشباب المسرح والسينما) وتولت بعض الأمور الإدارية. عادت طالبة في الفترة الأخيرة، وحصلت على ماجستير في علم المسرح. بحثها الدؤوب حول «مسرح بيروت»، سيصدر قريباً في كتاب يحمل عنوان «تياتر بيروت».
بعد سفرها إلى الولايات المتحدة منتصف الثمانينيات، عادت بحجاب على رأسها. أثارت خطوتها صدمة في الوسط الفنّي والثقافي. ماذا حلّ بتلك الممثلة الموهوبة، وصاحبة الجسد الحرّ الذي ينضح حيويّة؟ بعضهم تسرّع في اعتبار تلك الخطوة «خيانة» أو «ردّة». لكن حنان لم تتغيّر. لم تهادن يوماً أو تساوم على حريّتها، بما في ذلك حق اختيار الحجاب... وبقي رهانها الأول الاختلاف والانفتاح على الآخر. «الحجاب مجرد عنوان، هوية تقربك من الناس الفعليين. قد يكون تخلُّفاً بالنسبة إلى بعضهم، عنواناً للجهل أو للتعصب. فاجأتني ردود الفعل السلبيّة من مثقفين يُفترض أنهم يؤمنون بالحرية». الحجاب دفع حنان لأن تكون أكثر انفتاحاً، ومتقبلة أكثر للفروق والاختلافات التي هي عنصر غنى في النهاية: «سألتني مراسلة إحدى المحطات الفرنسية بعد عرض «السواتر» في باريس، لماذا الحجاب؟ قلت: لأنني أراه جميلاً، أرى من خلاله جدتي، صاحبة المنديل الأبيض الحرّ».
في مدينة تخاف على الحريّة من أن تتحوّل إلى مجرد صرعة، ومظاهر خادعة، وواجهة من كرتون، تلتقي بحنان على كل الجبهات. في التحركات ضدّ الرقابة، في التنمية الثقافية، وفي الكتابة والتمثيل. وفي خندق «دوار الشمس» الذي يقاوم الأميّة الثقافيّة والتصحّر. وحين تلتقيها تتذكّر الشخصيات التي مثلتها: إنّها بطلة بريختية بامتياز تعمل على نزع الأقنعة، وتقاوم الاستلاب والتسلّط. ألم تقل لنا إن المسرح طريقها إلى الحريّة؟
5 تواريخ
1958
الولادة في بعبدا (لبنان)
1979
مثلت للمرة الأولى مع فرقة «الحكواتي» في مسرحية «من حكايات 1936».
1982
مثّلت في فيلم «عائد إلى حيفا»، وشاركت في مسرحية منعطف هي «أيام الخيام»، ومثّلت في العام التالي بإدارة يعقوب الشدراوي في «جبران والقاعدة»
1997
شاركت تمثيلاً وإعداداً في مسرحية «جنينة الصنايع» لروجيه عساف
2009
تُعدّ بحثاً عن مسرح بيروت سيصدر في كتاب «تياتر بيروت»، ضمن احتفالية «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»
تعليقات: