سلمان يتسلم درعاً تكريمية ويبدو النائب نهاد المشنوق والمدير العام لـ«السفير» ياسر نعمة
صباح السادس والعشرين من آذار من العام 1974، ولدت جريدة «السفير». خرجت إلى النور، لتحضن بيروت ومناطقها. ولازمت «حاضنة العمل الوطني»، حيث مقر قيادة المقاومة اللبنانية والفلسطينية: الطريق الجديدة.
المنطقة هذه، التي ظلت دائماً عربية، أعادت أمس إحياء تاريخ قديم يجمع المنطقة وأهلها وتاريخها السياسي بصحيفة ما انفصلت عن حركة وطنية ولا عن يوميات بيروتية. الطريق الجديدة فتحت أمس بابها لتكرم ناشر جريدة «السفير» طلال سلمان وهي تعلن «شهادة حق في رجل يستحق».
حفل التكريم الذي دعت إليه الرابطة الأهلية في الطريق الجديدة واتحاد الجمعيات والروابط والهيئات البيروتية، أعاد التذكير بطريق شقها صحافي شاب هنا، حيث بدأ سلمان رحلته مع الصحافة، من مهرجان المعارضة الوطنية في أرض جلول في العام 1957، والذي انتهى باعتداءات الأمن على قادة المعارضة.
المنطقة - المدينة الصغيرة، التي حملت على ظهرها المعاناة الفلسطينية، وشكلت خزان ثوار المقاومة في آن، حفظت على مدى سنوات ملامح قادة وصحافيين اختبروا سجن رملها، وخرّجت أجيالاً من جامعة بيروت العربية.. وما تزال. هذا كله، وتاريخها مع الاجتياح الإسرائيلي الذي احتل بيروت ولم يهزمها، حضر في احتفال الأمس الذي لم ينس محاضروه التذكير بعنوان «السفير» الأشهر في هذا الاجتياح: «بيروت تحترق ولا ترفع الأعلام البيضاء».
في حفل أمس في عاصمة العروبة، حام أيضاً جمال عبد الناصر بطيفه وبمقولات له أسست للقومية العربية، بمفهومها الحديث والذي لم يغب عن صفحات جريدة يومية تصدر منذ ستة وثلاثين عاماً.
تكريم الطريق الجديدة، ما كان يحتفل بشخص واحد فقط، بل وبقصة صحيفة هي بحسب النائب السابق بشارة مرهج «حبيبة سلمان التي يجالسها ويصانعها ويرافقها حتى يطلع الفجر، وتختال رفيقة الصباح على أدراج البيوت وتقدم نفسها مع قهوة الصباح فتطيب الكلمات وينفتح النهار على معلومة ورأي واجتهاد فتنقشع الرؤية وتسهل الخطى».
القاعة التي غصت بحضور ظل يتوافد حتى اللحظات الأخيرة للاحتفال، جمعت النائب نهاد المشنوق، نقيب المحررين ملحم كرم، ممثل قائد الجيش العقيد جهاد كروب، النائب السابق بشارة مرهج، المدير العام لـ«السفير» ياسر نعمة، رئيس مجلس ادارة طيران الشرق الاوسط محمد الحوت والمنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية معن بشور، رئيس اتحاد الجمعيات والروابط والهيئات البيروتية راجي الحكيم، مسؤول المجلس الفلسطيني والإسلامي في لبنان والشتات الشيخ محمد زغموت، عضو مجلس بلدية بيروت سعد الدين الوزان ومخاتير طريق الجديدة إضافة إلى فعاليات دينية وسياسية وإجتماعية.
«هو صاحب صوت الذين لا صوت لهم»، بهذه الكلمات رحب رئيس الاتحاد راجي الحكيم بناشر «السفير» طلال سلمان. وقال: «باسم صوت أهالي الطريق الجديدة، وباسم الوطنيين والشرفاء، نقول نحن معكم، نحن مع «السفير».
أما الدكتور خليل خرما وباسم المنتدى القومي العربي، فتحدث عن دلالة اللقاء في الطريق الجديدة «على بعد أمتار قليلة عن المكان الذي أُطلقت منه أول رصاصة ضد العدو الصهيوني، وفي الرابطة التي انطلق منها أول شهيدين في بيروت في تلك الحرب». وقال خرما: «لا ننسى كيف قاومت «السفير» على طريقتها في تلك الحرب ولا ننسى عنوانها «بيروت تحترق ولا ترفع الأعلام البيضاء»، ونقول لطلال سلمان، بيروت ستبقى وفية لكل وفي لها، ولكل صوت حمل بشرف راية الوحدة الوطنية والعربية». وكرر «هذه شهادة حق في رجل يستحق».
الفن ممثلاً بالممثل صلاح تيزاني كان له كلمة في هذه المناسبة أيضاً، حيث سأل «أبو سليم»: «كيف أقول كلمة لسيد الكلمة؟ لهذا البطل من أبطال لبنان، الرجل الذي عمل طوال سنوات الحرب على توحيد الناس في حين كانت صحف أخرى تضيف زيتاً على نار». ومن تيزاني لسلمان دعوة أخيرة «الله يحميك ويأخذ بيدك، لتبقى رمز الإعلام».
«وكما للصوت مداه، فللقلم صليله وتأثيره وندوبه»، الكلمات لعضو مجلس بلدية بيروت سعد الدين الوزان، الذي اعتبر أن «القلم هو مؤشر الخطوة بين الحق والباطل، وبين المسافة والمسافة، وبين لحظة أمل تأتي ومسافة فعل ورحلة نور. وحينما لا يعود هناك فاصل بين الخير والشر، وحينما تضيع المسافات ويصير الزمن ينفلت إلى الوراء، ترى ما الذي يضبط الموازين؟ ما الذي يجعل مسيرتنا على الطريق تطل على الوضوح، ما الذي يجعل «نسمة» لها معنى في صباحاتنا الربيعية». وأضاف «على الطريق» مع طلال سلمان، هناك «نسمة» دائماً لأمل يأتي، لصبح جميل يطل».
وذكر الوزان أن «طلال سلمان سفير الحقيقة الدائمة، وكلامك على الطريق أوسمة لنا وجوائز دائمة لقراء يبحثون عن الفجر ودروع تكريم لباحث عن كلمة سواء وعن أمل». وختم بالقول «نون والقلم وما يسطرون، فما تسطر إلا كوة من نور في جدار السلام، تحية من القلب إلى القلم الرزين، تحية من الصميم إلى الأستاذ طلال سلمان».
وعبّر الحوت عن فرحته بهذا اللقاء في الرابطة، مشيراً إلى أن «التكريم تقدير للجمع لا للتفرقة، تقدير للكلمة الحرة لا الوصولية»، مؤكداً أن «تكريم طلال سلمان في الطريق الجديدة له نكهة خاصة».
وألقى الشيخ محمد زغموت كلمة مسؤول المجلس الفلسطيني والإسلامي في لبنان والشتات، وخاطب سلمان بالقول «أنت الأخ العزيز، الفلسطيني بامتياز، الصوت الفلسطيني والمدافع عن فلسطين وعن شعبها حتى بعدما تنكر لهذا الشعب أكثر حكام الأنظمة العربية». وقال «نأمل أن يعتبر غيرك ممن باع كرامته وقلمه، نحن أمامك وليس خلفك ولا معك».
وأشار عبد الرحمن سلام باسم الطريق الجديدة وأهلها إلى «أن أكثر لقاءاتنا حميمية، هي تلك التي تجمعنا بأبناء السلطة الرابعة بشكل عام والمميزين بشكل خاص، ولا أكثر تميزاً من طلال سلمان». وأضاف «أهالي بيروت يتمتعون بالذاكرة القوية، ونحن لا ننسى مواقف طلال سلمان المساندة لهم ولمدينتهم منذ حملت «السفير» شعار «صوت الذين لا صوت لهم». وذكر سلام «أننا كلنا بحاجة إلى صوت التوحيد، صوت وفيّ لم يعرف معنى الطائفــية، ولا المذهبية، صوت لم يخذلــنا يومــاً من العدد الأول في 26 آذار 1974. ونحن ما تعــودنا الوفاء إلا لكل من نصر بيروت الموحدة، والوفـاء للأوفياء».
أما النائب السابق بشارة مرهج فقال: «طلال سلمان قلم حر تعرفه بيروت كما تعرفه كل عاصمة عربية من بغدان لتطوان ومن القاهرة إلى صفوان ومن دمشق إلى أم درمان. له في كل منها موئل ينهمر وديوان يلتئم، ولها كلها فيه حبة قلب تسكن وجدانه وقد أنسكب على صحيفة حرفا عربيا ينبض عزة انتماء وينزف عهد المسؤولية، فلكأنه الساهر الوحيد على شؤون الأمة يذكر وينذر، يستخرج من الوحدة درها المكنون ينثره على طريق الأجيال تستنير به في وجه العتمة والرجعية والعولمة، يرسم القدس من الأفق الأقصى نجماً ساطعاً يستعصي على بحر الخزر، يسكن شغاف القلب، يهزه الحنين إلى عهد العنفوان، إلى أحياء بور سعيد، إلى معركة القنال، إلى خطاب الاسكندرية، إلى قرار الوحدة الجريء فيعيد بناء الأسطورة ويطلق شحنه عربية أصيلة».
ولفت مرهج إلى أنها «مهمة كل يوم، تتغذى بها حلقات وأندية وتيارات حيث أقطار وأمصار تنشغل بذاتها وتنقسم على ذاتها تحرجها ذكرى جمال عبد الناصر ومعارك جمال عبد الناصر فتنزح إلى مطارح القحط واليباب». وأضاف «حسبه أنه أطلق «السفير» زهرة لا يجف عبيرها وحسب «السفير» أنها شريك في تيار يمتد الزمان عمقاً وبعداً ويخترق المكان حدوداً وترسيماً. فهي جريدة العروبة من لبنان وهدية لبنان إلى العروبة تملأ الفراغ متى انحسر الولاة إلى هياكلهم الهزيلة وتفتح الأبواب إذا توارت السياسة خلف الأقنعة، فسر المهنة كيف تضيف كل يوم وكيف تروي عطشا يتجدد على ضفاف الإنجاز». واعتبر أن «على صفحات «السفير» يخوض طلال سلمان معركة مصيرية كل يوم يقبل عليها كأنه ولد لمثلها مدركا في آن دقة حساب يتعدى عابر الكلام. وهو رئيس تحرير وناشر لكنه لا يكتفي بمكتبه ولا يقتنع بأمجاد الرئاسة، طموحه كتاب جديد وتجديد فكر وصوغ عبارة تستوي على عرش يخشى الجمود ويأبى الاجترار، وجريدته قصته حبيبته يجالسها ويصانعها ويرافقها حتى يطلع الفجر وتختال رفيقة الصباح على أدراج البيوت وتقدم نفسها مع قهوة الصباح فتطيب الكلمات وينفتح النهار على معلومة ورأي واجتهاد فتنقشع الرؤية وتسهل الخطى».
بدوره لفت نقيب المحررين ملحم كرم إلى أن «ناشر «السفير» يقول الكلمة المناسبة في الوقفة المناسبة، متماسك في كل ما كتب. لطيف الكنايات، عالم لمواطن النقد، عالق بذاكرته الكثير وكل يوم بمزيد. وهو أحد الذين يتعاملون مع الكلمة برهافة». ورأى كرم أن «طلال سلمان علم أن الصحافة ليست معاناة من زاوية واحدة، فعلى الصحافيين إمساك السيف إلى جانب القلم، وخوض المعارك القومية والوطنية.
«هزنا الشوق فجئناكم»، بهذه الكلمات الثلاث رد ناشر «السفير» التحية بمثلها، مضيفاً: «الطريق هي الطريق، الأهل هم الأهل، لا غربة ولا استغراب. ولا أنت بحاجة إلى من يعرفك إلى وجهك وقلبك ونسبك، ولا هم بحاجة لمن يؤكد لهم انك منهم ومعهم وبهم. ابدأ حديثك من حيث توقفت في اللقاء الأخير، فالناس ناسك والأرض أرضك، واللغة هي اللغة بلا تحوير أو تحريف. الشعار هو الطريق والهدف واضح لا مجال لإضاعته أو الضياع عنه».
وعاد سلمان ليذكر أن «الزمان اختلف، لكن العروبة ليست موضة موسم، لا تشيخ بمرور الأيام، فهي ليست طارئة عليه، بل هي فيه وهو منها. ولا الوطنية وجه مستعار، تلبسه للتقية مرة أو للتباهي مرة، ثم تخلعه فتنكرها إذا ما احتاجتك بينما هي ملاذك وحمايتك. واختلفت معالم الأمكنة، لكن فلسطين ما زالت هنا، في قلوب الناس، كل الناس، في عقولهم وفي زنودهم، وليس فقط في قلوب أبنائها الذين لا هم ينسونها ولا هي تنساهم».
وذكّر سلمان ببدايات عمله الصحافي منحازاً إلى الحركة الوطنية، من مهرجان المعارضة الوطنية في ارض جلول الذي «كان يمكن أن ينتهي برفع الصوت عالياً بالاعتراض، لولا أن بعض قادة قوى الأمن تصرفوا بطريقة استفزازية، واعتدى بعضهم على عدد من قادة المعارضة، أبرزهم الرئيس صائب سلام، ثم تطور الوضع عندما أمروا العناصر بإطلاق النار، فسقط عدد من القتلى والجرحى».
لقد انطلقت» السفير»في 26 آذار 1974 وهذه المنطقة تحتل صدر صفحاتها الأولى، بفضل موقعها المؤثر في العمل الوطني، مقراً لقيادة المقاومة الفلسطينية يحتضن أحلام العودة بالتحرير. كنا نجوبها يومياً، نهاراً وليلاً، لنلتقي المسؤولين في جبهات المقاومة: القادة ياسر عرفات والحكيم جورج حبش وخليل الوزير (ابو جهاد) وصلاح خلف (ابو إياد)، والقائد البطل الذي ما زال صامداً قريباً من هنا وقد هد صحته المرض لكن اليأس لم يقاربه برغم كل المحن التي عاشها وعشناها معه: ابو ماهر اليماني». واعتبر سلمان أنه «مثلما كانت هذه المنطقة حاضنة العمل الوطني ـ التقدمي بأفقه القومي العربي، كانت كذلك ـ وبهذه الصفة ـ حاضنة العمل الوطني الفلسطيني بأفق التحرير. وكانت مع الضاحية النوارة الخزان البشري لكل حركة تحررية، ولكل تحرك مطلبي، كما صيرتها الجامعة العربية وبعض فروع الجامعة اللبنانية فيها منارة علم وإشعاع».
ورأى أن «تكريم «السفير» هنا هو تكريم للتاريخ المشترك في السعي لتحقيق الأهداف والمطامح الوطنية في التحرر والعدل وحماية الهوية العربية».
وختم بالقول «لم نغب يوماً عنكم، ولم تغيبوا يوماً عن «السفير»، بقيتم أهلها وبقيت تجتهد لأن تكون صوتكم وحاملة راياتكم، وطنياً وقومياً، مطلبياً وثقافياً».
مرهج
تعليقات: