التفاوض مع سوريا... أم الركض خلف حزب الله؟
بعد أربعة أيام من إرسال سلاح الجو لإسكات مصادر النيران، وتركيع حزب الله، بدأ اللواء في الاحتياط (الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية) أوري ساغي السباحة ضد التيار والتشكيك في ذلك. إذ عندما لوح رفاقه في السلاح من استوديوات التلفزة بأياديهم وأدوا التحية باليد الأخرى لسكان الشمال بسبب صمودهم، قدّم ساغي اقتراحاً بدا في حينه اقتراحاً مرفوضاً وغير مقبول: التحدث مع العدو. هذا العدو كان، ولا يزال، رئيس سوريا بشار الأسد، حسب وجهة نظره.
عندما قرأت على مسامعه مقاطع من كلماته التي نشرت فوق هذه الصفحات في الثامن عشر من تموز، تنفس ساغي الصعداء. ولولا أن الأمر يتعلق بدولته، لقام بقص تلك الصحيفة ووضع إطاراً حولها. «من يقل إننا نمتلك كل الوقت الذي في العالم، فهو لا يقول الحقيقة لنفسه ولا لمواطني إسرائيل. كم يمكننا أن نواصل في ظل هذا الوضع.. عمليات سلاح الجو هامة، لكنها ليست كافية للقضاء على كل البنية التحتية لحزب الله. هذا الأمر يستوجب الاجتياح البري الذي أعارضه بشدة، وكلما مر الوقت، ازدادت مخاطر حدوث أخطاء على شاكلة (مجزرة) قانا».
بعد اندلاع المعارك بأربعة أيام، أوصى ساغي بالتوصل إلى تسوية تتيح للجيش اللبناني الانتشار في الجنوب والحصول على دعم من قوة دولية تنتشر خلف الليطاني ولا تسمح لحزب الله بالوصول إلى الحدود الشمالية وإدخال السلاح الى المنطقة. إلا أنه أضاف حينها أن هذه التسوية لن تصمد لأيام إذا لم يتم التوصل إلى تسوية مع سوريا. ساغي، الذي كان على رأس طاقم المفاوضات مع سوريا في ظل حكومة إيهود باراك، قال آنذاك إن مفتاح المشاكل الأمنية الإسرائيلية البعيدة المدى موجود في دمشق، سواء عبر إزالة التهديد السوري نفسه أو عبر ترسيخ الهدوء على الحدود مع لبنان أو فتح بوابة نحو إيران، ذلك أن التقدير هو أنه إذا لم تكن هناك تسوية مع سوريا، فالحرب اللبنانية الثالثة تصبح مسألة وقت.
ويقول ساغي إن إسرائيل أيضاً لا تستطيع التوصل إلى سلام مع سوريا ولبنان من دون أميركا، لأنها لا تستطيع أن تسمح لنفسها بالتناقض في المصالح مع واشنطن، لذلك لم يبق إلا الأسف على تنازل الأميركيين عن دور الوسيط النزيه بين إسرائيل وسوريا، ودفعهم دمشق إلى زاوية التطرف التي توجد فيها.
رفض الولايات المتحدة دفْع التسوية السلمية مع سوريا باسم الدمقرطة التي بدا أنها قد رحلت عن العالم في ظل النجاحات في العراق اعتُبر في المستويات المهنية في إسرائيل مصيبة صغيرة نسبياً. أما المصيبة الأكبر فتكمن في هوس الرئيس جورج بوش في إسقاط النظام السوري، إذ اتضح من خلال محادثات تجري مع مسؤولين أميركيين أنهم لا يمتلكون أي تصور عن الجهة التي ستحل مكان الأسد إذا رحل. تحذيرات مسؤولين إسرائيليين من خطر سيطرة المتطرفين الإسلاميين على سوريا، كما يحدث في العراق، لا تؤثر على الرئيس. فهو يعتقد أن الموت وحده هو الذي يُخلص المتهم من محور الشر.
يعتقد ساغي أنه إذا قررت الحكومة أنها تريد التقدم وبذلت جهداً لتجنيد الأميركيين، فسيكون السلام مع سوريا في متناول اليد. ساغي متمترس خلف موقفه بأن الاختلاف في قضايا الحدود والترتيبات الأمنية قد انتهى قبل سبع سنوات، وأن باراك قد أصيب بالخوف في اللحظة الأخيرة من عقد اتفاق مع حافظ الأسد. يقول: «صحيح، أن سوريا ليست لطيفة، لكن ما هو الأفضل: التفاوض مع دول مثل سوريا في اتفاقات مستقرة، أم الركض في الأزقة خلف التنظيمات التي لا ترغب بالتسوية معنا، مثل حزب الله الذي قد يتبوأ الحكم في لبنان في أية لحظة؟».
تعليقات: