«الزمن شيء مبهم وغريب» تشعر آني أنّ استشهاد زوجها غسان كنفاني وقع بالأمس، فيما تشعر أحياناً بثقل السنوات التي مرّت: «35 سنة إنه زمن طويل».
تذكر آني جيداً ذلك الصباح، يوم السبت 8-7-1972 اجتمع غسان وزوجته وأولاده، وشقيقته فايزة وأولادها، وأم سعد (بطلة قصة «أم سعد»)، عند شرفة منزله في مار تقلا، وكانوا يتناولون وجبة الفطور. دار حديث طويل بين غسان وفايزة، استعادا خلاله سنوات طفولتهما في يافا. هذا آخر ما تحدث به، وكانت لميس ابنة اخته على عجلة من أمرها، تريد أن تذهب إلى بيروت، فخرجا معاً، وبعد دقائق دوى صوت الانفجار المزلزل. تقول آني: «الكل في المنزل أدرك الفاجعة. ركضت أم سعد أولاً ولحقنا بها». مات غسان وكان يشعر بأنّه مهدد: «أعتقد أن الإسرائيليين سيحاولون خطفه، لم يكن يتوقع اغتياله. لذلك اصطحب لميس معه. وقبل وفاته بيوم واحد، أخذ أولاده وأولاد فايزة في نزهة إلى البحر».
آني لم تغادر لبنان. الزوجة التي كانت صبية شابت. تركت منزلها في مار تقلا وتعيش حالياً في محلة فردان. على الجدران صور غسان تُشعر الزائر بأن الناظر إليه شاب دائماً، وأنه على قيد الحياة. تقول آني إنّ ثمة أشخاصاً لا نشعر أنهم ماتوا: «عندما يكون هذا الشخص قريباً منّا، وعندما يكون مهماً، إنه هنا من خلال كتبه ومن خلال الناس». وتضيف: «نشعر بوجود لميس من خلال أطفال مؤسسة غسان كنفاني».
رغم مرور السنوات ومئات الدراسات والأفلام والمسرحيات التي وضعت عنه، لا يزال الكلام عن غسان كنفاني يحتمل البحث عن جديد، «فغسان ترك 18 كتاباً، وكان علامة متميزة في الأدب العربي، وقد كان صحافياً مميزاً».
هذا الذي يبتسم في بعض أشهر صوره، لم يكن يصطنع ضحكته. الكاتب الموهوب والمناضل السياسي العنيد كان يتمتع بروح النكتة، لذلك لم تكن له عداوات شخصية حتى بين مَن كانوا يخالفونه الرأي... أو يناصبونه عداءً سياسياً. «في جنازته مشى المثقفون وعامة الناس، جاؤوا من مختلف التيارات السياسية». أخصامه الذين أنكروا عليه حقّه في الدفاع عن قضيته، «لم ينكروا أبداً موهبته الأدبية». وتتذكّر آني: «كان يحب بشكل خاص كتابات دوستويفسكي وغوركي وهمنغواي». وكان مكتبه في مجلة «الهدف» ملتقى لصحافيين عالميين.
استعادة كتاباته وقناعاته السياسية أمر أكثر من ضروري في الوقت الحالي:«كان يؤكد أنّ حلّ القضية الفلسطينية يكون عربياً أو لا يكون. كان قومياً عربياً يعشق جمال عبد الناصر. أدرك أنه لن يعود إلى فلسطين، لكنه كان يشعر بأن «أطفالنا سيعودون إليها». كان يردد هذه الجملة رغم وعيه بأن «المعركة من أجل القضية الفلسطينية قاسية جداً جداً، بل أنها ستكون وحشية».
إذا سألت آني «عن الرغبة في الثأر»، تجيب من دون طول تفكير: «قد يكون الثأر على طريقتي، أي الرغبة في التحدي وإكمال ما أراده غسان. لذلك أنشأنا مؤسسة غسان كنفاني الثقافية التي تُعنى بالأطفال، فهو كان يؤمن كثيراً بالصغار».
هذه المؤسسة تحيي ذكرى كنفاني كل عام، تقام معارض وأنشطة ثقافية في المخيمات الفلسطينية. لكن الأوضاع الأمنية المتردية في لبنان لن تسمح بإقامة احتفالات ضخمة هذا العام. وتبحث المؤسسة حالياً في برنامج مميز تقيمه العام المقبل في الذكرى 36 لاستشهاد غسان كنفاني الذي توفي عن 36 سنة، هو المولود في عكا عام 1936، والثورة الفلسطينية في أوجها.
تعليقات: