شكلت الانتخابات العراقية محطة مفصلية في المسيرة السياسية للعراق بعد انهيار النظام السابق في عام 2003, فالانتخابات لم تعد مسألة شكلية وصورية كما كانت في السابق، بل أصبحت جزءاً أساسياً من حياة الشعب العراقي، وباتت قضية حاسمة في رسم مستقبل البلاد.فهي الانتخابات الاولى عمليا التي تطلق حراكا يتجاوز الطوائف والمذاهب بشكل لافت انعكس في التحالفات واللوائح من شأنه ان يفرض نفسه في الواقع السياسي العراقي في سياق المساهمة بتضييق شقة الصراع الطائفي ويدفع العراقيين الى التفكير جديا بضرورة الاقتناع ان مظلة الدولة الواحدة هي السقف والملجأ. ومن المفترض أن تكون هذه الانتخابات هي الأولى من نوعها التي تنظم على المستوى الوطني والتي تشهد منافسة حقيقية بين الكتل والاحزاب السياسية، وتمثّل لحظة طلاق مع الفترة السابقة التي هيمنت فيها الاحزاب الدينية على الحياة السياسية في ظل الرعاية الأمريكية للعملية السياسية. ووفق قراءة تداعيات نتائج الانتخابات فان البارزانها تمثل خطوة مهمة جدا بالنسبة للشعب العراقي، لأنها تسهم في حصول تغيير يمكن القول عنه إنه يوضع في خانة الجيد افرزت نتيجة مهمة هي تنامي الايمان لدى الاحزاب والتشكيلات السياسية بجدوى العملية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وكان ذلك جليا في انتخابات مجالس المحافظات العام الماضي التي شهدت مشاركة ومؤشرا نحو التحول إلى دولة مدنية بعيدة عن تسييس الدين وبعيداً عن الطائفية. وقد تكون التمنيات والامال هي الغالبة على هذا القول الا ان مسار التحالفات الانتخابية اكدت بما لايقبل الشك ان بناء الدولة ليست فكرة بعيدة المنال وانما هدف للعراقيين بمختلف انتماءاتهم الطائفية والسياسية لانهم لايريدون ابدا بقاء الحال على ما عليه الان من صراع وتشتت وتخندق مذهبي . والعراقيون حين يسلمون بمنطق التشرذم و الاحقاد فيما بينهم فانهم يهزون وحدة دول المنطقة لان وحدة العراق صمام امان لوحدة المنطقة ككل التي يحاول الاجنبي وبشتى الطرق زعزعتها عبر اشعال الخلافات الطائفية والسياسية . فالاستراتيجية الجغرافية للعراق وتنوعه الديني والقومي يمكن ان يلغب دور صاعق التفجير اذا ما استغل سلبيا . ومن الاهمية بمكان ان يكون العراقيون على قدر كبير من الوعي من ان الوطن يتسع لجميع ابنائه وان التعايش بين كل طوائفه هو الخيار الوحيد المتاح لانقاذ الهوية والشخصية العراقية من الضياع والذوبان ولذلك تلاشت واختفت التحالفات الانتخابية القائمة على اساس مذهبي وطائفي، إلى حد كبير عن المشهد، واضطر المرشحون الى التركيز في حملاتهم الانتخابية على شعارات وطنية جامعة قريبة الى مشاعر واحاسيس الناخب العراقي الذي تكمن مصلحته في تظهير الانتماء الوطني والمواطنة تحت علم واحد على وقع "كلنا للوطن والوطن كله لنا " . وعلى الرغم من ان انفراط التحالفات السابقة لاسيما التي قامت في انتخابات عام 2005 جاء على خلفية الصراعات والنفوذ والسلطة والمناصب الحكومية الا ان هذا الانفراط والذي دفع الكتل السياسية والطائفية الكبيرة الى تنويع تحالفاتها في انتخابات 2010 بمعزل عن الانتماء الطائفي والمذهبي له فائدة كبيرة في مسيرة الانصهار الوطني بعدما شعر العراقيون انهم بحاجة الى بعضهم البعض الشيعي بحاجة الى السني والسني بحاجة الى الشيعي والمسيحي والكردي وانه لايمكن لاي طائفة او عرق او مذهب ان يحتكر العراق . وبقدر ما هو التفاؤل كبير من ان الانتخابات وما بعدها ستكون مرحلة مختلفة عن تلك التي سبقتها فان هناك عقبة اساسية ما تزال تمنع اكتمال عقد الوحدة الوطنية وهي اقصاء شريحة من العراقيين عن الحياة السياسية مما يبقي الجرح نازفا والانقسام قائما فالعراق هو بامس الحاجة الى مشروع مصالحة وطنية حقيقي، لأن مثل هذا المشروع يمثل الشرط الأساس لاستقرار العراق من جميع الجوانب واشراك مكونات الطيف العراقي في مسيرة بناء الدولة . ومن الخطير ان يعتقد البعض ان اسلوب الاقصاء والابعاد عن السلطة يمكنه من الامساك بها باطمئنان وهدوء .فهذا الاعنقاد خاطىء ومصاب بحول في الرؤية , فلقد دفع النظام السابق حياته ثمنا لعدم الافساح في المجال لشرائح واسعة من العراقيين في المشاركة في الحياة السياسية وعلى الذين يقيمون الان على انقاضه عدم تكرار هذه الغلطة التاريخية .
* كاتب لبناني
تعليقات: