سيمور هيرش
تشعر بالإعجاب والتقدير، وكثير من الاحترام حين تتحدث مع هذا الرجل، فهو في قمة شهرته المهنية، ولكنه أيضا في قمة البساطة والتلقائية والحماس حين يتحدث عن السلطة الرابعة وهمومها، سواء في داخل أميركا أو خارجها، ولا يملك سيمور هيرش شيئا سوى قلمه الذي يكتب به مقاله في مجلة «النيويوركر» الأسبوعية الأميركية وتاريخه المهني المشرف. وبدأ اسم الكاتب الأميركي الشهير سيمور هيرش يطغى على الساحة حين كان يعمل صحافيا بالقطعة، وكشف عن مذبحة «ماي لاي» في فيتنام عام 1969 وقد أطلقت أميركا على هذه العملية اسم «العنقاء».. ففي 16 مارس 1968 دخلت مجموعة من الكتيبة 11 إلى قرية ماي لاي وقتلت 347 عجوزا وطفلا رضيعا وامرأة، وأحرق المشاة الأميركيون البيوت والأكواخ بأهالي القرية، وفي اليوم ذاته هاجمت مجموعة أقوى من هذه الكتيبة القرية نفسها وأجهزت على ما تبقى فيها من بشر.. وحين كشفها هيرش حققت تحقيقاته نجاحا مدويا، وبات رمزا نابضا للصحافة الاستقصائية الميدانية، لا يتعب من البحث عن المصادر أو تسجيل المصادر، ولا يتضايق عندما يؤكد أن كثيرا من قصصه لم تنشر أيضا بأمر رئيس التحرير، لأنها لم تكن مستوفاة للمعايير التحريرية، أو أن رئيسه أو المدقق الصحافي في « نيويوركر» ذهب ليتأكد من مصادره مرة أخرى حتى لا تقع المجلة في مطب قانوني لا يغتفر. وكشف هيرش بالوثائق أيضا أن أميركا تقف وراء الخلافات الطائفية بين السنة والشيعة في لبنان، كما أن هيرش هو الذي فجر فضيحة سجن أبو غريب، وقد هاجمه البيت الأبيض وقال إن مقالاته مليئة بالمغالطات.
الرجل يبلغ اليوم من العمر 75 عاما. وهو يستخدم للحصول على معطياته مصادر في المخابرات والكونغرس والإدارة والجيش. خصوصا أنه يتمتع بصداقات واسعة وعالية المستوى، كما أن كثيرين من المعترضين على سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة لا يجدون أفضل منه لكشف المعلومات التي يمتلكونها عن سياسات يعترضون عليها.
سيمور هيرش هو الصحافي الذي كشف عن استعمال القوات الأميركية لليورانيوم المنضب في حرب تحرير الكويت. وهو أول من كشف عن كذب بوش وتشيني في موضوع الأسلحة العراقية الخيالية، وهو من فجر فضيحة سجن أبو غريب عبر نشر القصة التي وصلته موثقة بالصور من ضباط خدموا في العراق. وجاء الحوار مع «الشرق الأوسط» في لندن على النحو التالي:
*كيف بدأت عملك كصحافي، وهل مرت عليك لحظة كنت واثقا خلالها أنك اخترت المهنة الملائمة لك؟
- لا.. قطعا لا. لقد كنت طالبا عاديا للغاية، ولكنني التحقت بجامعة متميزة وهي جامعة شيكاغو، ولكنني لم أستطع الحصول على وظيفة ملائمة فالتحقت بكلية الحقوق ولكنني كرهتها. كنت قد التحقت بكلية الحقوق في 30 أغسطس (آب) وتم قبولي بعدها بثلاثة أيام. ذلك لم يعد يحدث الآن، فقد كان ذلك في عام 1958. ولكنني كرهت دراسة القانون، وبالتالي خرجت إلى سوق العمل، وقد التقيت في عام 1960 بشخص كان يعمل صحافيا وأخبرني أنهم بحاجة إلى عامل لنسخ الملفات في «مكتب أخبار مدينة شيكاغو» وهو أحد المراكز الإعلامية الشهيرة التي تم تأسيسها في العشرينات من القرن الماضي.
وعلى الرغم من أن شيكاغو كان لديها عدد كبير من الصحف، فإن أخبار الجريمة كانت كثيرة للغاية حتى أنهم أنشأوا وكالة متخصصة في تغطية أخبار الجريمة، حتى لا تضطر الصحف إلى تغطية القصص نفسها.
وبالتالي، بدأت العمل كناسخ وقضيت أربعة أشهر أعدو بين ماكينات الاختزال، لم يكن لدينا في ذلك الوقت أجهزة فاكس، وبالتالي عملت على طباعة القصص الصحافية، ثم انتقلت للعمل كصحافي بوليسي، ثم انتقلت لتغطية الأخبار المتعلقة بالجيش. وبعد ذلك انتقلت للعمل في إحدى الصحف المحلية، ومنها إلى صحيفة «يونايتد برس» ثم انتقلت إلى «الأسوشييتدبرس». وبعد ذلك انتقلت إلى العمل مع المرشح الرئاسي السيناتور ماكرتني، لأنني كنت مناهضا للحرب في فيتنام، ثم انتقلت لـ«نيويورك تايمز» بعدما نشرت الموضوعات المتعلقة بمذبحة «ماي لاي» ولكنني في البداية لم أكن أعتقد أنني سوف أكون صحافيا.
*كصحافي تحقيقات، يستغرق إعداد كثير من كتبك وتحقيقاتك أسابيع وربما أشهر. كيف تقنع مصادرك أن يقدموا لك هذه المعلومات المهمة التي تكون في أغلب الأحوال غير متاحة للآخرين؟
- لقد اكتشفت أن الناس في الجيش والحكومة يتحدثون كثيرا حول الصحافيين، ويتحدثون حول القصص الصحافية. ومن جهة أخرى، فعندما تتوطد علاقتك بهم يقولون: «يمكنني التعامل مع هيرش لسببين: إنه لن يفضح أمري، بالإضافة إلى أنه لن يعود إلي مرة أخرى قائلا هل يمكنك إجراء حوار مع أحد أصدقائي». فعندما أنتهي من التحقيق الذي أقوم به أكون قد انتهيت فعلا. فقد ألفت كتابا حول كيسنجر في عام 1983 ولم أكتب كلمة واحدة إضافية عنه منذ ذلك الوقت. وبالتالي فأنا أتوقف فور انتهائي من تغطية القصة الصحافية. كما أنني لم أعد أريد كتابة موضوعات تدور حول التعذيب، فبعدما فرغت من موضوع كتابة أبو غريب توقفت عن ذلك. فإذا ما كنت أحد المسؤولين في الحكومة وكنت تريد التحدث معي، ستجد عدة مميزات في ذلك؛ أولا: إن معظم المعلومات التي أحصل عليها أتعامل معها باعتبارها مجرد إشارات؛ أي أنها مجرد جزء من القصة، وأنا أدرك الآن جيدا أنه علي أن أبدأ من تلك الإشارة محاولا الوصول إلى ما هو أبعد منها. وثانيا: إذا قدمت إلي معلومة تعرفها من مصادر داخلية فإنني أقضي وقتا في الحديث إلى الهيئات والأقسام الأخرى التي ليس لديها المعلومات التي أعطيتني إياها. وبالتالي فعندما أكتب القصة في النهاية، سيكون بها معلومات لا تتعلق بالمعلومات التي أعطيتني إياها، وبالتالي لن يبدو تحقيقا بشأن المعلومات التي أخبرتني بها، وهو ما يجنبك المساءلة. ومثلا، إذا ما أخبرتني بوجود انتهاكات في الجيش، فإنني سوف أبحث في الأماكن الأخرى، فإذا ما اكتشفت أن تلك الانتهاكات ليست في الجيش فقط، بل إنها موجودة كذلك في البحرية، فستخرج قصتي بشكل لا يمكن أن يدل على أن أحد المسؤولين بالجيش هو من منحني المعلومات. فيمكنك التحدث معي، وسوف أجعل القصة أفضل باستخدام معلومات لا تعرفها أنت، وبالتالي فمن الصعب الوصول لك ومساءلتك.
*تحتاج التحقيقات التي تستغرق وقتا طويلا خاصة تلك التحقيقات التي يتم إجراؤها في دول أخرى إلى تكلفة عالية. من الذي يدفع تكلفة تلك التحقيقات، وهل تم رفض أي من تحقيقاتك المقترحة نظرا لتكلفتها العالية؟
- بالطبع، فقد رفضت كثير من القصص الصحافية التي اقترحتها. إن المشكلة الأساسية - خاصة خلال فترة رئاسة جورج بوش - هي أنك يمكن أن تواجه مشكلات كثيرة على المستوى المهني إذا ما ضبطت وأنت تتحدث، فإذا ما كنت ميجور جنرال بالجيش فلن تترقى أبدا. وبالطبع هناك مشكلة فيما يتعلق بالنفقات. وعادة كنت أقوم بإعداد القصة، ولكن الإدارة كانت ترفضها، وفي بعض الأحيان كان المحررون يقولون: «ليس لدينا ما يكفي لكي نثبت صحتها بالنسبة للقراء».
وفي بعض الأحيان، تكون القصة معتمدة على مصدر واحد، وبالتالي فإذا ما نشرنا القصة سوف نكشف المصدر، وربما أضر شخصا آخر على المستوى المهني وهو ما سوف يضرني على المدى البعيد. وذلك أحد أهم العوامل. يتعلق العامل الثاني بما إذا كانت التكلفة مرتفعة، خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية، خاصة في ظل أن الصحف الأميركية تعاني بصفة عامة من أزمات مادية. فقد طلب مني خلال تغطية آخر موضوعاتي الصحافية أن أقلل التكلفة، وكأنني أقوم بعملي لأول مرة، فقد طلبوا مني أن لا أنزل في فنادق باهظة التكلفة وأن لا أسافر بطيران الدرجة الأولى. فهم مهتمون إلى حد كبير بخفض التكلفة، وأعتقد أن لذلك أثرا سلبيا. وقبل عامين أو ثلاثة قضيت خمسة أشهر في إعداد قصة لم نتمكن من نشرها، وأعتقد أنهم يمكن أن يفكروا في طريقة لنشرها الآن، نظرا لكل المال الذي تم إنفاقه كي تنجح القصة. ومن أسوأ الأشياء في مهنتي هي أنه ليس بها إحساس بالمشاركة. فإذا ما نشرت «واشنطن بوست» شيئا أنكره الجميع، لم تمد «نيويورك تايمز» يد العون لها. ولكنني عندما كنت أعمل في تغطية القصص المتعلقة بفضيحة ووترغيت، كانت الـ«واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» تتعاونان معا، ولكن ذلك لم يعد يحدث الآن، بل أصبحت الصحف تتصارع من أجل نشر قصص جيدة وأصبح الأمر كله يتعلق بالمال.
*وإذا ما وصلت لك معلومات ترى أنها مهمة، هل من الضروري أن تحصل مسبقا على موافقة رئيسك رئيس التحرير قبل نشرها؟
- بالطبع. وأكثر من ذلك، إنهم كانوا يتحدثون من «النيويوركر» إلى الأشخاص الذين تحدثت معهم حتى إن لم أذكر أسماءهم. وكنت أخبر مصادري أن هناك أشخاصا من المجلة التي أعمل بها سوف يتصلون بهم كي يتأكدوا من صحة المعلومات ويتحققوا من القصة. إن التحقق من المعلومات مهم للغاية، وبالتالي فقد كنت أخبر مصادري أنهم سوف يتلقون اتصالا من أحد الأشخاص الذي يمثلني، وأؤكد لهم أنهم يستطيعون الوثوق فيه. وكنت أخبرهم أنه سوف يتصل بكم على أي رقم تريدونه في أي وقت ومكان تريدونه، وأنه يمكنكم الحديث له وكأنكم تتحدثون معي تماما. وكان بعض الناس يرفضون، وبالتالي لم أكن أستطيع استخدام المعلومات التي يخبرونني بها، ولكن معظم الناس كانوا يقبلون.
ولكنني كنت أحب ذلك، فقد كنت أحيانا وأنا أعمل في «نيويورك تايمز» التي لا يتم فيها التحقق من المعلومات أكتشف بعض المعلومات التي أخطأت فيها. وأنا لا أخطئ في العادة عندما تكون المعلومات جديدة، ولكن إذا كنت أكتب عن شيء كتب عنه شخص آخر أو عن حقيقة أخرى كنت أعتقد أنني أعرفها، أحيانا أخطئ، وبالتالي كانوا يتحققون من كل الأشياء التي أكتبها. فعلى سبيل المثال، كتبت ذات مرة شيئا على الموقع الإلكتروني حول بشار الأسد، ولكنني أخطأت في كتابة عمره فصححوه لي. جميعنا نرتكب أخطاء، ولكن التحقق من المعلومات يقلل فرصة الخطأ.
*ما هي أفضل القصص التي قمت بها من بيروت؟
- يمكنني أن أقول لك إن نصر الله واحد من أفضل الشخصيات التي قابلتها على الإطلاق. أعرف أن الناس ينظرون له باعتباره إرهابيا، ولكنني أدرك أنهم كانوا يعتقدون في الثمانينات أن الطريقة الوحيدة التي يستطيعون عبرها مواجهة القنابل الإسرائيلية هي العمليات الانتحارية. وكانوا يعتقدون أن ذلك عادل. وأنا أتفهم ذلك. ولكنني أستطيع أن أؤكد لك بعيدا عن ذلك، وسوف يقول لك الإسرائيليون الشيء نفسه، إنه رجل يلتزم بكلمته. فإذا ما قال إنه سوف يفعل شيئا فإنه سوف يفعله؛ فمثلا، في عملية تبادل السجناء التي كان يتوسط فيها الألمان، سوف يخبرك الألمان أن معظم المشكلات كانت تأتي من جهة الإسرائيليين خلال عملية تبادل السجناء. وأنا لست أنفي ارتكاب أشياء قاسية قبل ثلاثين عاما في الوقت الذي تأسست فيه حماس، كما أنني لست أوافق على كل الأشياء التي قاموا بها، ولكنه أصبح بلا شك من أهم الشخصيات في الشرق الأوسط. وإذا كان الإسرائيليون أو السوريون يعتقدون أنهم يستطيعون السيطرة على حسن نصر الله، فإنهم بلا شك يمزحون. ومن الأشياء الطيبة التي يمكنني أن أذكرها عن أوباما (أنا لا أذكر كثيرا من الأشياء الطيبة حول أوباما) هي أنه أوضح عندما تولى السلطة أنه لا يعتقد أن حماس تسيطر تماما على بعض الحكومات الأخرى.
لقد التقيت بنصر الله خمس أو ست مرات. ومن المثير في شخصية نصر الله؛ لم أكن قد التقيت بنصر الله بعد الحرب مع إسرائيل عام 2006 لبعض الوقت، ولكنني عندما التقيت به كان الأمر صعبا للغاية لأنه كان مضطرا لحماية نفسه، وبالتالي فقد ظللت أتنقل من مخبأ إلى مخبأ للدواعي الأمنية، ولم أكن أعلم أين هو لأن الإسرائيليين كانوا يضعونه على قائمة الاغتيالات. وكان المترجم الذي يترجم من العربية إلى الإنجليزية سعيدا للغاية فكان يقول لي: «لم أر الزعيم منذ أن كنا هنا آخر مرة، فإنا لا آتي كي أرى الزعيم ولكنني أترجم للأجانب». ومن ثم كان سعيدا لأنه سوف يلقاه مرة أخرى. وخلال اللقاء، اتضح لي أن نصر الله يعرف اللغة الإنجليزية على نحو لا تتوقعه، حتى إنه كان يصحح للمترجم، وهو بالتأكيد يدرك متى لا تعبر اللغة العربية عن المعنى الذي قصده. وعند نقطة ما كنت أتحدث إلى نصر الله وقد أعطاني إجابة، وعندما بدأ المترجم يتحدث، دارت مناقشة حامية بينه وبين المترجم باللغة العربية. فاستوقفتهم، وسألت عما يحدث، فقال لي المترجم إنه يعتقد أن الزعيم لم يعطني الإجابة الملائمة لأنها غير دقيقة. والمهم في تلك القصة أن المترجم لم يكن يخشى أن يصحح لنصر الله أمامي.
*ما مدى أهمية الشرق الأوسط للتغطية الصحافية بـ«نيويوركر»؟
- ذلك سؤال سهل للغاية. فما زلت أعتقد أننا إذا ما تمكنا من حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سوف يختفي قدر كبير من حالة الغضب العربي. وبالطبع، يعني ذلك أنه علينا الخروج من العراق وأفغانستان وباكستان، كما علينا ألا ندخل لليمن.
*ما أكثر المقالات التي كتبتها تكلفة؟ وفي اعتقادك كم تكلفت تلك المقالة؟
- لا أعرف، ولكنني عندما بدأت عملي مع «نيويورك تايمز» أخبرني أحد المحررين أن أحد الموضوعات التي كتبتها كلفت الصحيفة ما يفوق 100 ألف دولار، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات. ولكنني لا أعرف شيئا عن التكلفة سوى ذلك القدر من النفقات التي أنفقها في الانتقالات. ولكن كل شيء يسهم في زيادة النفقات، وهذه هي المشكلة.
*هل كتبت قصة قبل ذلك تسببت في أن تخسر أحد أصدقائك أو أن تتلقى تهديدات؟
- لقد كلفتني كثير من القصص التي كتبتها صداقات كثيرة، كما أنني لا أحب فعليا أن أتحدث حول التهديدات حتى لا أسهم في تشجيعها.
*باعتبارك صحافيا محققا، هل تعرضت قبل ذلك لرقابة مكتب التحقيقات الفيدرالي أو غيرها من الهيئات الأمنية؟
- الجميع يخبرني أنني مجنون لأنني لا أخشى ذلك، ولكنني بالفعل لست قلقا بهذا الشأن. ومع ذلك فأنا حريص على أن لا أضع أبدا أسماء أو أرقام هواتف مصادري على الحاسوب تحسبا للطوارئ، ولكنني الآن أبلغ 72 عاما ولم أعد أحفل. فيمكن أن يكونوا قلقين بشأني، ولكنني لست قلقا بشأنهم، فأنا أفعل ما أريده. ولكن أكبر المشكلات التي واجهتني كانت تتعلق بالموضوعات التي تغطي الشركات الأميركية، فقد كان يجن جنونهم إذا ما كتبت عنهم. فإذا ما تعلق الأمر بالمال يصيبهم الجنون، فالتعامل مع الحكومة أسهل إلى حد كبير من الشركات.
*ما أكثر القصص التي تفتخر بها؟
- أحب جميع الأعمال التي قمت بها على نحو متساو، فهم كأبنائي تماما. ولكن يبدو أن الموضوعات المتعلقة بمذبحة «ماي لاي» كانت أكثرهم أهمية، كذلك الموضوعات المتعلقة بسجن أبو غريب، ولكن هناك قصصا أخرى كنت أحبها وإن لم تلفت انتباه أحد. فمثلا الموضوع الذي كتبته حول ملاحقة أميركا لإيران، والذي لم يهتم أحد به لمدة عامين كاملين. وبالطبع يعرف الآن الجميع أن ذلك كان حقيقيا، ولكنني كنت أكتب كثيرا من القصص التي تجعل الناس ينظرون إلي وكأنني مجنون.
*هل تعتقد أنه من الضروري أن يوجد صحافيون متخصصون لتغطية مجالات محددة، مثلا أن يتخصص أحدهم في العراق أو أفغانستان؟
- لقد كانت أكثر المشكلات التي واجهتني هي أنني لا أجيد لغات أخرى، فعلى غرار كثير من الأميركيين، لا أجيد أي لغات أجنبية. ولكن ابني الأصغر يدرس الآن اللغة العربية وأنا سعيد بذلك جدا، وأعتقد أنه أمر طيب. ولكن حتى في بيروت يتحدث معظم الناس اللغة الإنجليزية، وبالتالي فيمكنك تغطية بعض الموضوعات من خلال اللغة الإنجليزية، ولكن تغطية أخبار الحرب من خلال الحديث مع الجنود دون أن يكون ملما بالعربية أمر صعب للغاية. فيجب أن تجيد لغة البلد التي تعمل بها. وذلك نوع الاختصاص الذي أؤمن بأهميته، فإذا ما أردت أن تعمل في الشرق الأوسط يجب أن تكون قادرا على الحديث باللغة العربية، وإذا كنت سوف تذهب إلى إيران فيجب أن تكون ملما بالفارسية. ذلك هو الشيء المهم، ولكنني أتجاوز ذلك من خلال لغتي الإنجليزية فقط لأنني أغطي في معظم الأحيان موضوعات سياسية. وفي سورية على سبيل المثال، جعل الرئيس الأسد دراسة اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية بدءا من سن السادسة إجباريا، كما تحمل معظم المحال في بيروت لافتات باللغة الإنجليزية.
*أخبرتني أن بعض القصص تستغرق شهورا لإنهائها. ألم تخش قبل ذلك أن يحدث تسريب وأن يأخذ القصة أحد منافسيك؟
- لم أقلق حيال ذلك من قبل، وبالتحديد منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) لأن أيا من «نيويورك تايمز» أو «واشنطن بوست» لم يكونوا مهتمين بنوعية القصص التي كتبتها. فقد كانوا يرغبون في كتابة قصص توافق ما يفضله البيت الأبيض. فلم تكن هناك انتقادات واسعة لبوش، كما أعتقد أن الصحف فشلت في التزامها بالوقوف ضد وجوب خوضنا لحرب العراق. وبالطبع تخسر في بعض الأحيان، ولكن الحياة قصيرة.
*بعد تزايد انتشار شبكة الإنترنت، هل تعتقد أن الصحافة المطبوعة أصبحت مهددة، وما رأيك بالنسبة للقرار المقترح بأن يدفع المستخدم أجرا لقاء تصفحه لكل الأخبار المنشورة على شبكة الإنترنت بعدما كان مجانيا؟
- أستطيع أن أتفهم حالة الهلع التي أصابت الصحف. فهم يريدون استعادة أموالهم، فلم يعد هناك إعلانات مبوبة، فقد اختفى ذلك كله الآن. فأنت لم تعد تذهب إلى الصحف لشراء سيارة، بل تذهب إلى إحدى تلك القوائم المنشورة على شبكة الإنترنت. لقد أوشكت صناعة الصحف على الانتهاء. ولكنني أعتقد أن بعض الصحف القومية مثل «نيويورك تايمز» سوف تستمر، ولكن شكلها سوف يتغير. كما أنني أحب أن تنشر موضوعاتي على الموقع الإلكتروني قبل نشرها في الجريدة بيوم، لأنها تحصل على الملايين من المشاهدات العالمية. وعلى الرغم من أنني لا أخشى الإنترنت، فإنني لا أعرف كيف يمكننا أن نجني المال عبره. ولكن مما لا شك فيه أن معرفة كل تلك المعلومات عبر شبكة الإنترنت أمر مذهل.
تعليقات: