الاحتلال في القدس وبغداد، كما في الجولان ومزارع شبعا، والمقاومة واحدة
قيل الكثير والكثير في الهبة الشعبية الفلسطينية التي تشهدها أحياء القدس، وباحات المسجد الأقصى منذ أيام، خصوصاً بعد إعلان العدو الصهيوني عن افتتاح "كنيس الخراب" الملاصق للمسجد الأقصى تمهيداً لتقسيم المسجد فهدمه.
فلقد قيل إن الهبة الشعبية الفلسطينية تلامس انتفاضة ثالثة، وقيل إن جيلاً جديداً من شباب فلسطين وفتيتها الميامين قد دخل المعركة ضد المحتل الذي راهن، بل وسعى إلى إلغاء الذاكرة الوطنية الفلسطينية، فإذا به يواجه جيلاً جديداً يستعيد روح انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى فيؤكد أنه إذا كانت قيادات تتعب، وأجيال تتعب، فإن الشعوب لا تتعب بل هي تتجدد باستمرار مع تجدد الأجيال فيها.
وقيل أيضاً إنه إذا كان الصهاينة يحتفلون بافتتاح كنيس صهيوني في القدس، فإن الفلسطينيين يعلنون في انتفاضتهم إغلاق مرحلة من الرهانات والسياسات والتسويات وقع أسرَها كثيرون في فلسطين وخارجها منذ كامب ديفيد إلى أوسلو إلى وادي عربة.
وقيل أيضاً إن هذه الهبّة قد أكدت أن كل قيود الاحتلال، والمتعاونين مع الاحتلال، وإجراءات دايتون والتنسيق الأمني الذي يشرف عليه، لا يمكن أن تصمد أمام إرادة الشعوب وحركة التاريخ.
وقيل أيضاً إن النظام الرسمي العربي عشية انعقاد القمة بعد أيام سيقف محرجاً أمام الحقيقة الساطعة التي تطل من فلسطين، سواء تلك التي تكشف نوايا العدو العدوانية أو التي تُبرز إرادة الشعب الفلسطيني، فإما أن تخرج عن القمة قرارات شجاعة تحمل مراجعة لسياسات وتسويات واتفاقات ومبادرات وتنطوي على اعتماد استراتيجيات جديدة أبرزها التضامن والمقاومة والممانعة وتوجيه البوصلة باتجاه العدو الرئيسي للأمة وهو العدو الصهيوني، وإما أن يسقط هذا النظام من جديد في خانة العجز والتخاذل والتواطؤ مع العدو؛ فأمام معركة القدس وانتفاضة فلسطين لا مجال للتشاطر أو التحايل او التلاعب ، فإما أن نكون مع القدس وأهل فلسطين، وإما أن نكون في خدمة الأعداء ومخططاتهم.
ولكن ما يجب أن يقال أيضاً، إن القدس اليوم، ومعها كل فلسطين، تثأر لبغداد، ولكل العراق، في الذكرى السابعة لغزو العراق واحتلاله وتدمير بناه ودولته وجيشه واجتثاث قواه الحيّة.
فالعراق دفع، وما زال، منذ سنوات، ثمن موقف شعبه وقيادته المدافعة عن فلسطين وحقوقها، والقدس ومقدساتها، والشهداء وذويهم، بل بات واضحاً أن الحرب على العراق والحصار على شعبه منذ بداية التسعينات في القرن الماضي وصولاً إلى حرب 2003، كانا في جانب كبير منهما حرباً إسرائيلية بأدوات أمريكية وبريطانية وأجنبية، تماما مثلما التحريض اليوم على إيران هو أساساً تحريض صهيوني يسعى لتوريط واشنطن في حرب جديدة ومستنقع جديد، بعد العراق وأفغانستان؛ بل تماما كما كانت الحرب على لبنان عام 2006 في منطلقاتها حرباً أمريكية بأدوات صهيونية.
وأفضل ما نفعله لأهلنا في فلسطين، كما في العراق، كما في كل بلد عربي أو إسلامي يتعرض للاحتلال والعدوان، هو أن نتذكر أن المعركة واحدة على امتداد الأمة وصولاً إلى كل أرجاء العالم، وأن نسقط كل محاولات الفصل بين مقاومة هنا ومقاومة هناك، بين قضية عادلة في هذا البلد وقضية عادلة في بلد آخر، فنغرق في تغليب اعتبارات صغيرة على المعركة الكبيرة وإعلاء التناقضات الثانوية على التناقضات الرئيسية، وتحريك العصبيات العابرة على الروابط الثابتة.
فالاحتلال في القدس وبغداد، كما في الجولان ومزارع شبعا، والمقاومة واحدة... ومثلما يربك أهل فلسطين اليوم الاحتلال الصهيوني وحلفاءه فيفتحون لإخوانهم في العراق ولبنان وسوريا آفاق التحرر من الاحتلال، أمريكياً كان أم إسرائيلياً، فلقد أدى الفعل المقاوم في العراق إلى تعثر المشروع الإمبراطوري الأمريكي وارتباك أصحابه من المحافظين الجدد، وبالتالي إلى خسارة المحتل الصهيوني لواحد من أهم ركائز مساندته ودعمه
معن بشور- أمين عام المؤتمر القومي العربي
تعليقات: