كيف تدير أحزابنا اللبنانية انتخاباتها؟

كيف تدير الأحزاب اللبنانية انتخاباتها
كيف تدير الأحزاب اللبنانية انتخاباتها


الحزب هو جماعة ضمن نصاب سياسي تلتقي حول أفكار ومصالح من أجل المشاركة في السلطة، جزئياً أو كلياً، وتبني في ما بينها علاقات تسهِّل تحقيق الهدف.

فهو - بهذا الفهم – يتكون من عناصر يحمل كل منها بعدين:

الثابت والمتحول، والعناصر هي:

1- الجماعة في نصاب اجتماعي – سياسي،

2- المبادئ المشتركة،

3- العلاقات الداخلية المنتظمة،

4- المصلحة المشترك،

5- استهداف المشاركة في السلطة.

إذ يعتبر الحزب السياسي هو من أعلن نفسه ذلك ومن بنى وجوده على نصٍّ مكتوب ونظام معلن واستهداف للسلطة، وإن لم يسمِّ نفسه حزباً، ومن توافرت فيه مقومات الحزب: جماعة، فكر جامع، علاقات تنظيمية، استهداف السلطة، وإن لم يصغ فكره نصاً ولم يبنِ علاقاته الداخلية نظاماً داخلياً.

ويعزز هذا الواقع ثلاثة أمور:

الأول: عدم تمييز قانون الجمعيات اللبناني المعمول به بين الجمعية والحزب، لا بل يعطى العلم والخبر للحزب السياسي باسم جمعية حزب وأحياناً باسم جمعية سياسية، أي أن القانون لا يميز بين الحزب السياسي والجمعية السياسية.

الثاني: إقدام حزبيات تقليدية كثيرة قائمة في الاساس على عائلات سياسية على بناء أحزاب سياسية حديثة وارتداء لبوسها، مثل حزبية آل الأسعد وآل اده وآل الجميل، والحزبية الجنبلاطية في الأربعينات، وحزبية آل كرامي في الخمسينات، وحزبية آل أرسلان وآل فرنجية في الأيام الراهنة.

الثالث: عرف لبنان تداخلاً بين الأحزاب المؤسسة حديثاً وحزبيات سياسية تقليدية، قبلية أو طائفية،

•••

يمثّل وجود الأحزاب السياسية في لبنان ظاهرة مميزة، قياساً على غيرها من البلدان العربية، فقد رافقت بناء دولته الحديثة، وبعضها سابق على وجودها، واستمرت فاعلة في العهود التي تعاقبت على الحكم فيها، سواء في حالات السلم أو الحرب، بحيث بدا للمراقب ويبدو أن لبنان محكوم بنظام حزبي وأن أحزابه قائدة العملية السياسية فيه.

إلا أن التمعن في وجود الأحزاب والمعرفة بها يظهر نقصاً في الإحاطة الشاملة بوجودها وبمعرفة الإطار القانوني الناظم لعملها، كما يظهر ضعفاً في دراسة بناها المجتمعية ومصادر تمويلها وتوجهاتها وأحجامها وطبيعة موقعها في الانتظام السياسي العام (سلطة، وبرلماناً ومجتمعاً مدنياً)، كما يظهر تبايناً في تحديد المقصود بـ"الحزب السياسي".

لذا يتطلب أي بحث عن تطوّر الأحزاب السياسية في لبنان، طرح التساؤل الأساسي: ماذا نقصد بالأحزاب السياسية؟ ليسهل ولوج البحث بوضوح. فهل من سمّى نفسه حزباً هو حزب؟ وهل من التزم بشروط نموذج الحزب السياسي الحديث من انتساب حر ومبادئ معلنة وتنظيم داخلي هو الحزب؟

وهل تعتبر الجماعة، بتنظيم معلن ومبادئ معلنه أم بدونهما، التي تسعى للسلطة، هي حزب سياسي؟ وحينئذٍ تتسع دائرة المنضوين في المفهوم لتشمل كل القوى السياسية؟

•••

بعد هذا التقديم السريع للأحزاب ولمفهوم الاحزاب في لبنان، يطرح السؤال، هل للأحزاب نماذج معينة معدة سلفاً او أساليب او آلية معينة مكتوبة لادارة حملاتها الانتخابية؟

الجواب البديهي الفوري، كلا. لا يوجد آلية معينة معدة ومكتوبة لدى اي حزب من الاحزاب اللبنانية، وانما تدير الاحزاب حملاتها الانتخابية بفضل تراكم خبرات الادارة الانتخابية لدى قياداتها او المولوجين بإدارة الحملات الانتخابية في الاحزاب كافة.

فهذه الادارة تعتمد على عناصر عدة:

1- كفاءة مديري الحملات الانتخابية في مختلف الاحزاب:

تراكم خبرات مديري الحملات الانتخابية، تجعلهم على معرفة قريبة جداً بما يسمى المفاتيح الانتخابية في القرى المشرف عليها. هذه الخبرة يعوّل عليها في الانتخابات النيابية والبلدية، بحيث يصبح الشخص "المشرف" هو الآلية وهو الانتخابات.

2- التعبئة الانتخابية:

ان النجاح في اي معركة انتخابية يعتمد وفق المفهوم الانتخابي اللبناني على التعبئة، وبدلاً من اعتمدها على برامج سياسية واجتماعية واقتصادية تخوض وتتنافس الاحزاب على اساسها في الإنتخابات فإنها تعتمد بشكل اساسي على اثارة الغرائز والنعرات الطائفية والمذهبية فضلاً عن النعرات المنطقية ثم العائلية والاخيرة اساسية في الانتخابات البلدية.

3- المال الانتخابي:

الرشوة وشراء الاصوات وان اخذت اشكالاً عدة كتقديم مساعدات او هبات، ثم ضرورة المال لتأمين "ماكينة" انتخابية كبيرة وفعّالة من مندوبين ومكاتب انتخابية ويافطات و صور للمرشحين و الاتصالات الهاتفية و "بنزين" للسيارات الجوالة المكلفة نقل الناخبين، ثم استدعاء الناخبين من الخارج وشراء تذاكر السفر لهم؛ كل هذه الامور تؤثر بشكل اساسي في مجريات العملية الانتخابية.

4- شخصية الزعيم:

ان شخصية الزعيم او رئيس الحزب تكون العنصر الاساسي في العملية الانتخابية، إذ ان معظم الناخبين لا يعرفون لمن ينتخبون ولكن يصوتون كرمى لعيون الزعيم او فداءً له، حتى يصبح الزعيم احياناً نصف إله. فلا يعول على مؤهلات المرشحين او امكاناتهم في نظر الناخبين، فحين يختاره الزعيم ويصبح ضمن اللائحة تمحى كل عيوبه وتغفر كل ذنوبه.

اما العناصر اللوجيستية الاساسية فهي:

1- توزيع المندوبين:

من عوامل نجاح العملية الانتخابية كيفية توزيع عناصر يعتمد عليها كمندوبين على الصناديق وفي المراكز وفي اقلام الاقتراع، وتدريبهم على استخدام لوائح الشطب، وعلى كيفية نقل المعلومات من المندوب الثابت داخل القلم الى المندوب المتجول في المركز الى مكتب عمليات الحزب (ولا ننسى دور بعض العناصر اللوجيستية في تأمين وجبات الطعام للمندوبين الثابتين والمتجولين أثناء النهار الإنتخابي).

2- نقل الناخبين:

بعض الماكينات الانتخابية تقوم بنقل الناخبين من منازلهم او امكنة اقامتهم يوم الانتخاب الى مراكز الاقتراع، وهنا ضرورة تنظيم لوائح بإماكن اقامة الناخبين المناصرين او الموالين (مع كل التفاصيل من عناوين وارقام هواتف وغيرها) لتأمين سيارات لمجيئهم او نقلهم لإنتخاب مرشحي الحزب او التيار المعين، فضلاً عن تنظيم لوائح بمناصري الحزب في الخارج، اي في بلدان الاغتراب وثم الاتصال بهم وشراء تذاكر سفر لتأمين مجيئهم الى لبنان للتصويت للحزب.

3- الشبكة الكترونية:

تأمين برنامج الكتروني لضمان فرز وجمع سريع ودقيق للأصوات ونقلها من اماكن المكاتب المحلية في مختلف القرى والبلدات الى المكتب المركزي للحزب. هذا العنصر الالكتروني اصبح من اساسيات مجريات العملية الانتخابية واليوم الانتخابي.

4- هذا فضلاً عن تأمين شبكة من خطوط الهاتف المحمولة على المندوبين لتأمين تواصل سريع بينهم لمعالجة اي اشكال قد يقع.

وفي مقارنة مع الاحزاب الاجنبية وخاصة في البلدان الاوروبية نرى ان هناك اهمية كبيرة تعطى للبرنامج السياسي للحزب والذي يعالج او يقدم مقاربة الحزب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ثم بناء خطاب سياسي على اساس هذا البرنامج، وأيضاً هناك عناية خاصة تعطى لأسلوب او طريقة الظهور الاعلامي والإعلاني والمؤتمرات الصحافية، وصور المرشحين والوان هذه الصور، ناهيك عن توجيه رسائل الى الناخبين عبر البريد او عبر المتطوعين.

كل هذه الأمور لا تعطى عناية كافية من جانب الاحزاب في لبنان إذ تعتمد بشكل اساسي على العناصر المذكورة في البحث اعلاه.

•••

حبذا لو تصبح الاحزاب اللبنانية اكثر اختلاطاً اي من اكثر من طائفة ومذهب ومنتشرة على اكثر من بقعة او منطقة لبنانية، وحبذا لو تعتمد الاحزاب اللبنانية البرامج العلمية سبيلاً لاستقطاب الناخبين ولترويج لمشروعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي بدلاً من الخطابات الطائفية والغريزية، وحبذا لو تصبح الاحزاب اللبنانية مؤسسات بكل ما للكلمة من معنى وان لا تكون مجرد جهاز او سكرتاريا لرئيس الحزب يستخدمها حينما يشاء ويقمعها عند الضرورة.

وحبذا لو يصبح عندنا شعب يقترع ولا يصوّت،

حبذا...

(محام، استاذ جامعي، منسق برامج في المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم)

تعليقات: