مستوصف كفرحمام من العقارات المحددة ملكيتها
.
هل هناك أيّ مبرّر يدفع أبناء بلدة إلى التخلي عن ملكية أراضي بلدتهم؟
هذا السؤال يحيّر أهالي كفرحمام منذ اكتشاف أحد أبناء البلدة، قبل نحو عام، أن كلّ العقارات الواقعة في نطاق البلدة باتت ملكاً للجمهورية اللبنانية، ولم يبق منها شيء للبلدية التي تقتصر «ممتلكاتها» على التجهيزات المكتبية فقط.
لا حراك انتخابياً في كفرحمام بعد، لكن قضية ساخنة تشغل بال أهالي تلك البلدة الصغيرة منذ نحو عام: لماذا لا تملك البلدية أرضاً في نطاق عملها الجغرافي؟ بل لماذا سُجّلت أراض يعرف الجميع أنها ملك للبلدية باسم وزارت الدولة المختلفة؟ سؤالان لا إجابة شافية عنهما، لكنهما لا يمنعان من طرح القضية التي تمثّل حديثاً يومياً بين أهالي البلدة.
تعود القصة إلى زمن بعيد، لكن ملامحها بدأت تتكشف في ربيع عام 2008، حين بدأ العمل بالمسح الإجباري في البلدة. في ذلك الوقت كان مختار البلدة قاسم شحرور، هو من يتولى عمليات تحديد الأراضي والبتّ بكلّ ما هو عالق بين وارثين أو شركاء أو... ولم يكن أحدٌ مهتماً بالأملاك العامة، فالجميع كان منهمكاً بتحديد أملاكه الخاصة وحلّ مشاكله على «السنتيمتر» كما يحصل في كلّ القرى، حتى أن رئيس البلدية وأعضاءها لم يلتفتوا إلى أهمية التمييز بين الأملاك البلدية وأملاك الدولة العامة أو الخاصة والأملاك الخاصة للمواطنين.
وثائق رسمية تثبت الملكية الخاصة لخمسة عقارات على الأقلّ
ومع توغّل المسح في العقارات الواقعة ضمن النطاق الجغرافي لبلدة كفرحمام، التي تقع في قضاء حاصبيا ضمن ما يُعرف باسم «قرى العرقوب»، تبيّن أن العقارات التي حُدّدت على أنها من أملاك البلدية، أو ما يعرف بأنها مشاعات بلدية، هي مقبرة البلدة فقط، وتبيّن في وقت لاحق أن هناك 10 عقارات، تعود ملكيتها للبلدية، لم تسجّل على هذا الأساس في المسح.
الصدفة وحدها كشفت ما جرى عندما تقدّم أحد سكان البلدة بمراجعة تتعلق بملكية عقار خاص لدى القاضي العقاري، واكتشف أن عقارات البلدية ليست مسجّلة باسمها، وهذا يعني أن البلدية لا تملك شيئاً في كفرحمام إلا تجهيزات مكاتبها الكائنة في مدرسة القرية.
يمكن القبول بهذه النتيجة لو كان الأمر كذلك فعلاً، إلا أن الوقائع والوثائق الرسمية تثبت أن خمسة عقارات على الأقل هي ملك البلدية. لذلك يشكك عدد من أهالي البلدة بعملية المسح التي حصلت، مفترضين حصول تقصير وإهمال، وحتى تواطؤ، لتمييع بعض المسوحات التي جرت لعقارات مجاورة للمشاعات البلدية، فاقتطعت منها أمتاراً وسجّلت على أنها أملاك خاصة.
أبرز العقارات الخمسة هو مبنى المدرسة الرسمية، حيث تؤكد الوثائق الموجودة لدى البلدية والمعروفة بين الناس، أن المغتربين حسن قاسم علاء الدين وعلي حسين جمعة، هما من تبرّع بالأموال اللازمة لإنشائه على أرض خاصة اشتُريت عام 1957، وقد أنشئ المبنى عام 1960، واستعمل مدرسةً رسمية. وتظهر التقارير السنوية الرسمية التي كانت يرسلها مدير المدرسة في حينه إلى الوزارة، غسان علاء الدين «أن هذا العقار ملك البلدية وهو تقدمة لوزارة التربية»، أي إن البلدة لا تريد مقابلاً مادياً لإشغال وزارة التربية المبنى.
العقار الثاني هو عبارة عن منشأة لتكرير المياه وتنقيتها أنشئت في مطلع عام 2005. وقد اشترت البلدية قطعة أرض مناسبة للمشروع وسدّدت ثمنها 6 ملايين ليرة نقداً لأحد أبناء البلدة.
العقار الثالث هو أحراج الصنوبر التي تحيط البلدة من ثلاث جهات، وتقدّر بنحو 15 ألف شجرة صنوبر مثمرة سُجّلت باسم وزارة الزراعة من دون أي وثيقة تثبت أن الوزارة هي من زرعها. بل إن المعمّر قاسم شحرور، يروي أن عملية التحريج جرت على أيدي أهل البلدة بعدما قدّمت فرنسا حبوب الصنوبر هبة للبلدة، مؤكداً أنه «لم يكن لوزارة الزراعة دخل بهذا الموضوع لا من قريب أو بعيد».
العقار الرابع هو عبارة عن تلّة من الرمل الأصفر يصلح للاستعمال في التشييد والبناء، إذ كانت البلدية السابقة قد حوّلته إلى مرملة ولزّمته لأحد المتعهدين النافذين في الجنوب على أساس المشاركة في قيمة الرمل. أما العقار الخامس، فهو مستوصف البلدة الذي أنشئ على قطعتَي أرض يملك الأولى أشخاص من آل سمور، والثانية تعود ملكيتها للمشاع.
ما جرى أثار استياء عدد كبير من أبناء البلدة، لا سيما أن قسماً كبيراً منهم كان مستاءً أصلاً من عملية المسح بكاملها وما جرى على هامشها. فما هو غريب ومثير للشكوك أن يستغني مسؤولو البلدة عن مشاعات بلدتهم، مما يجعل البلدية بلا أي موارد وغير قادرة على التصرّف بأيّ من هذه العقارات التي تقع ضمن نطاقها الجغرافي.
كتاب من رئيس البلدية ينفي وجود وثائق تثبت ملكية البلدية للمدرسة
على سبيل المثال، أجرت مصلحة النبطية في وزارة الزراعة مزايدة لتلزيم قطف أكواز الصنوبر على نحو مشتبه فيه، بعدما كانت البلدية تتولى العملية مباشرة، فيما إشغال غرف المدرسة الرسمية من جمعيات أهلية بات خاضعاً لمزاجية وزارة التربية وخلافات الوزير مع المدير العام. أما محطة التكرير فهي مثل كثير من المحطات التي أنشأتها في لبنان جهات مانحة خارجية، لم تشغّل بعد. وبالنسبة للمرملة، يعتقد أعضاء في بلدية كفرحمام أن الهدف من تسجيلها ملكاً للجمهورية اللبنانية سيسمح للمتعهد بأن يسيطر عليها كلّياً من دون أن يسدّد أي قرش للبلدية، علماً بأن تلك الفترة سجّلت حصول خلافات كبيرة بين المتعهد والبلدية، لا سيما على أسعار الرمل وحصّة البلدية منه.
التراجع عن الخطيئة لم يكن أصعب ما جرى بعد ذلك، فقد عقد مجلس بلدية كفرحمام جلسة طارئة لمناقشة موضوع المشاعات البلدية وكيفية استردادها، ويروي أحد أعضاء البلدية ما جرى خلال الجلسة، مشيراً إلى أن حمود أبلغ المجلس البلدي أن «آلية التسجيل كانت من اقتراح المسّاح». وعمد مع المختار شحرور إلى التراجع عن الوضع السابق، من خلال توقيع وثيقة تقول إن 9 عقارات «مُسحت بطريقة الخطأ باسم الجمهورية اللبنانية»، وصدر قرار بتكليف محام لمتابعة كلّ ما يتعلق بموضوع المشاعات.
إلا أن حماسة حمود لاسترداد المشاعات بدت فاترة، فلم يبادر إلى الحصول على موافقة سريعة من وزارة الداخلية والبلديات على تكليف محام لاسترداد المشاعات، بل تطلب الأمر نحو شهرين بعدما تُركت المعاملة تذهب في بريد «ليبان بوست» بين حاصبيا ومكاتب الداخلية. وأكثر من ذلك، أرسل حمود طلباً إلى وزارة التربية يقول فيه ان لا وثائق رسمية تثبت أن البلدية تملك العقار المسمى المدرسة الرسمية! على الرغم من وجود الإثباتات. وكرد فعل على ما قام به حمود، استنفر بعض أعضاء البلدية في الجلسة الأخيرة للمجلس وقرّروا عدم الموافقة على صرف مخصصاته...
«المشاع للدولة»
يستغرب رئيس البلدية سعيد حمود مقاربة موضوع أراضي المشاعات بهذه الطريقة من جانب الأهالي «لأن لا مشاعات للبلدية بل هذه أراضي الدولة اللبنانية، وهذا ما قرّره الخبير العقاري الذي عاد إلى خرائط الدولة».
وفيما لا ينفي المعلومات التي يكرّرها أهالي القرية عن ملكية المدرسة مثلاً، أو أحراج الصنوبر، إلا أنه يرى أن المشكلة تعود إلى ستينيات القرن الماضي، إذ لم تبادر المجالس البلدية السابقة إلى معالجة هذا الموضوع. ويرى حمود أن حصول البلدية على أرض لها من الدولة، يفترض منها إصدار قرار بلدي يخضع للتسلسل الإداري (من قائمقام إلى محافظ إلى وزارة الداخلية فوزارة المالية)، آملاً أن يبادر المجلس البلدي المقبل إلى القيام بهذه الخطوة.
تعليقات: