قرار قضائي يكشف قتلة "شهيد الوطن والمقاومة" رمزي نهرا..
كشف قاضي التحقيق العسكري سميح الحاج معلومات جديدة تنشر للمرة الأولى، عن قتلة رمزي نهرا الذي عمل مع فريق أمن المقاومة الإسلامية ومخابرات الجيش اللبناني في صراعهما الطويل مع جهاز " الموساد" الذي استاء منه فصمّم على التخلّص منه ونفّذ جريمته يوم الجمعة في 6 كانون الأوّل/ديسمبر من العام 2002.
ويسرد القاضي الحاج أنّ من يقف وراء تزويد العدوّ الإسرائيلي بالمعلومات التي مهدت اغتيال نهرا وابن أخته إيلي عيسى بعبوة ناسفة زرعت في الجدار على طريق إبل السقي ـ كوكبا، هو صهره المحرّك الأمني سابقاً في ميليشيا أمن لحد سامي إيليا فرحات وصديقه جان فؤاد زنقول الذي تولى الرصد والمراقبة والتنفيذ.
وللتذكير فقط، فإنّ رمزي نهرا عمل مع آخرين وضمن مخطّط منسّق بين المقاومة ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني، على خطف العميل أحمد الحلاق من قلب الشريط الحدودي المحتل في العام 1996، ومن بين يدي الإسرائيليين، ونقلوه بطريقة ناجحة إلى بيروت وسط ذهول العدوّ وفي اختراق أمني ناجح، فصمّم الإسرائيليون على الانتقام من رمزي نهرا لهذا العمل ولأعمال أمنية أخرى، فاغتالوه، ليسقط شهيداً للوطن كلّه. وقد نعاه حزب الله آنذاك، وأسماه شهيد الوطن والمقاومة.
كما أنّ لشقيقيه الآخرين بصمات واضحة ضمن الصراع المخابراتي بين المقاومة والمخابرات اللبنانية من جهة و"الموساد" من جهة ثانية.
وخلص الحاج إلى طلب عقوبة تصل إلى الإعدام للموقوفين جان أسعد نهرا( والدته خرمة مواليد القليعة العام 1962 رقم السجل 185)، وجان فؤاد زنقول( والدته جوزفين مواليد أبو قمحة حاصبيا في العام 1969، رقم السجل 15) والمتواري عن وجه العدالة سامي ايليا فرحات( والدته لوريس مواليد العام 1953)، وأحالهم على المحاكمة أمام المحكمة العسكرية الدائمة، وسطّر مذكّرة تحرّ دائم توصّلاً لمعرفة كامل هوّية فادي جميل عيد مارون.
وهنا وقائع القرار:
تبين أنه توفرت معلومات عن قيام المدعى عليه جان نهرا بالتعامل مع مخابرات العدو الاسرائيلي ومحاولة تجنيد عدد من الأشخاص في الجنوب اللبناني للعمل أمنيا لصالحها. وانه كان على علاقة جيدة بعملاء العدو خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، فضلا عن قيامه خلال العام 2002 بالتواصل هاتفيا مع أحد ضباط المخابرات الاسرائيلية، واستقباله خلال حرب تموز 2006 عناصر من قوات العدو في منزله. وانه كان على تواصل دائم مع العميل الفار فادي جميل عيد مارون.
وتبين أنه كان يعمل في مجال التعهدات والحفريات. وانه كان يقوم بأعمال حفريات لصالح قوات العدو الاسرائيلي والمتعاملين معها. وان له شقيقاً يدعى سمير وشقيقة تدعى شهناز متأهلة من المدعو بولس مطر كان يعمل مع قوات العدو الاسرائيلي في ثكنة مرجعيون قد فروا جميعا إلى الأراضي المحتلة عند حصول التحرير. وانه كان يتواصل مع شقيقه سمير بواسطة جهاز هاتف اسرائيلي بدون خط، على جهاز مماثل يحمله شقيقه المذكور، كما كان يتواصل مع شقيقه وشقيقته بواسطة الانترنت الذي يشغّله إبنه في منزله، او بواسطة الهاتف الثابت، حيث كان يتصل به أشقاؤه بواسطته من داخل الأراضي المحتلة. وانه عمل لصالح مخابرات الجيش اللبناني من العام 2001 لغاية العام 2003 بشخص رئيس فرع بيروت في الجيش اللبناني.
وتبين ان المدعى عليه جان نهرا أنكر أي تعامل مع مخابرات الجيش الاسرائيلي بعد هذه الفترة، إلا أنه تبين عدم صحة أقواله بدليل محاولته تجنيد كل من علي خليل حمود ومصطفى ابو زكي وحسن بحمد ويوسف عطوي للعمل أمنيا لصالح مخابرات العدو الاسرائيلي.
معلومات عن حزب الله
وتبين أن حسن بحمد أدلى انه تعرّف على جان نهرا عام 2004 بمعرض مصالحة بين شقيقه وشقيق جان، وانه بعد إتمام المصالحة أبلغه جان نهرا ان لديه عملا يمكن ان يدر عليه الكثير من المال، بعد أن أعلمه أنه مسؤول في حزب الله، فقام المدعو حسن بإبلاغ مسؤولي المقاومة الذين طلبوا منه متابعة الموضوع مع جان بسرية تامة بغية كشفه. وانه قابله 15 مرة ما بين عامي 2004 و2006 في منزله في القليعة وأحيانا أخرى في أرض زراعية يملكها جان في بلدة القليعة. وانه أوهم المدعى عليه انه بحاجة ماسة إلى المال، عندها أبلغه المدعى عليه جان نهرا أن شخصا يدعى داوود سيتصل به من خارج لبنان. وان اتصالات خارجية كان ترد إلى المدعى عليه. وان المدعى عليه أبلغه أواخر عام 2005 انه توجد فرصة كبيرة للاستفادة مادياً في حال تعامله مع مخابرات العدو الاسرائيلي كون اسرائيل ستشن حربا على لبنان وبعدها تحصل تسوية. وإن المدعى عليه كان يطلب منه معلومات عن مسؤولين في حزب الله وعن إمكانية جمعه به. وانه بعد إطلاعه المسؤولين في حزب الله عن المعلومات عن الهجوم الاسرائيلي طلبوا اليه قطع علاقته كلياً مع المدعى عليه جان وإبلاغهم فيما لو حاول معاودة الاتصال به.
وتبين أن علي حمود أدلى انه تعرف على المدعى عليه جان عام 2002 أثناء مروره بجرافة أمام منزله وشق طريق صغيرة له، وتوطدت علاقتهما بعدها. وإنه في بداية العام 2003 اصطحبه المدعى عليه إلى سهل مزروع بالحمص في سهل الخيام حيث أبلغه ان شخصا موجودا داخل الأراضي المحتلة سيتحدث إليه، وقد اتصل جان بواسطة جهاز يحمله بشخص وطلب منه التحدث معه، حيث أبلغه ذلك الشخص انه بإمكانه إثراءه في حال التعاون معهم وانه سيعرّفه على ضابط إسرائيلي، وقد أبلغه المدعى عليه ان ذلك الشخص هو لبناني من بلدة القليعة. وان علي حمود أبلغ بعد ذلك أحد مسؤولي حزب الله بما حصل معه. وانه تلقى حوالي أربعة اتصالات من ضابط اسرائيلي طلب منه خلالها مراقبة أهالي بلدته حولا وخاصة عناصر حزب الله. وإن الضابط الاسرائيلي طلب منه خطاً جديداً، أعطاه ثمنه المسؤولون في حزب الله.
وتبين ان مصطفى ابو زكلي أدلى بأنه يهرف المدعى عليه جان نهرا منذ الطفولة، من خلال تردده الى بلدته حولا لتعبئة المياه وانه على اثر التحرير وعودته الى بلدته، وخلال العام 2002 صادف مرور المدعى عليه المذكور أمام منزله وناداه باسمه رغم مرور سنين طويلة على عدم رؤيته، ومن ثم أخذ المدعى عليه يتردد الى منزله. وانه في احدى المرات أخبره بوجود شخص في بلاد العدو يرغب بتهريب مبلغ من المال الى قريبه وطلب مساعدته لا سيما وان شقيقه مسؤول في حزب الله في منطقة الغجر. وانه أخبر شقيقه بالأمر، الذي أبلغ بدوره قيادة حزب الله. وان المدعى عليه جان نهرا عاود الاتصال به لتأمين شخص لنقل مبلغ /150/ ألف دولار من شخص في الأراضي المحتلة الى شقيقه الموجود في بلدة القليعة يعاني الشلل، كما ان المدعى عليه أخبره انه يحتفظ بهاتف اسرائيلي يتواصل من خلاله مع شقيقه سمير داخل الأراضي المحتلة، وبالتالي يمكنه التواصل مع أي شخص داخل هذه الأراضي.
رون آراد
وتبين ان يوسف عطوي تعرّف على المدعى عليه جان نهرا خلال العام 2006. وانه بعد حرب تموز بحوالي العشرين يوماً التقى به في بلدة الخيام، وان المدعى عليه أخذ يسأله عن المسؤول الاعلامي في حزب الله محمد غصن وعن رقم هاتفه كونه يرغب بلقائه لوجود معلومات هامة لديه تتعلق بالطيار الاسرائيلي رون آراد، تتمثل بوجود أربعة اشخاص اقارب له يحتفظون بجثة رود آراد. وانه بحاجة للقاء محمد غصن للتفاوض مع حزب الله على مبلغ معين لقاء تسليمه الجثة. وانه أجريت مقابلة وجاهية بين المدعى عليه والشهود الأربعة حيث اصرّ المدعى عليه على انكاره حول ما أدلوا به معترفاً بأنه طلب من الشاهد محمد عطوي تنظيم لقاء له مع محمد غصن لاعطائه معلومات تتعلق بالطيار رون آراد مدلياً بأن نسيب خالته الموجود في الخارج هو من طلب اليه ذلك ولا علاقة للعدو الاسرائيلي بذلك. وان الشهود أكدوا على ما جاء في افادتهم.
اغتيال نهرا
أما فيما يتعلق بالمدعى عليه جان زنقول فقد تبين انه كان خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة الحدودية على علاقة بالمحرك الأمني سامي ايليا فرحات الفار الى الأراضي المحتلة منذ التحرير وانه ساعده بالاختباء في منزله مدة يومين قبل فراره. وانه كان على علاقة قوية بجيش العميل لحد، وكان يمتلك سلاحاً بشكل علني إبان الاحتلال وشارك العملاء بالحراسة. وانه بقي على تواصل مع العميل الفار سامي فرحات، وكان يعمل سابقا في معمل أجبان وألبان على خط سير الشهيد رمزي نهرا ومكان تفجير عبوة ناسفة به بتاريخ 6/12/2002 وغادر البلدة بعد عملية الاغتيال بفترة قصيرة عارضاً معمله للبيع. وتبين انه سافر الى قبرص قبل حوالى أربعة أشهر من عملية الاغتيال حيث اجتمع بضباط من المخابرات الإسرائيلية، كما شوهد بعدها في منطقة بئر العبد عدة مرات خلال العام 2008. وانه بالتحقيق معه اعترف بأنه يرتبط بعلاقة صداقة قوية مع العميل الفار سامي فرحات وان الأخير كان يكلفه ما بين العام 1996 والعام 2000 قبل التحرير بنقل المال الى عدة مناطق في بيروت عن طريق وضعه في علبة دخان في أماكن محددة لقاء مايتي دولار أميركي لكل مرة، وحصل ذلك حوالى الخمس مرات منها الى ذوق مصبح ويسوع الملك، وطريق القليعات ومنطقة كفرذبيان، ومنطقة على طريق بكفيا ـ الدوار. وكانت المبالغ تتراوح ما بين الف والفي دولار أميركي.
وتبين انه خلال العام 2001 اتصل به ابن العميل الفار سامي فرحات وأبلغه ان والده يريد التحدث معه، حيث قام العميل سامي بالاتصال على رقم هاتف ابنه واستحصل منه على رقم هاتفه وهو 381520/03 وراح بعدها يتصل به مباشرة، وانه طلب منه السفر الى قبرص للقائه حيث سافر اليها بتاريخ 23/8/2002 وقابله في فندق البوريفاج وكان برفقته شخصان يدعيان سيمون وابو موسى وطلبوا منه جمع معلومات دقيقة عن رمزي نهرا وشقيقيه مفيد وكميل وأعطاه سامي فرحات مبلغ ألف دولار أميركي، فراح بعد عودته يزوده بتحركات رمزي نهرا وأرقام سياراته إضافة الى شقيقيه والطرقات التي يسلكونها، وكان الاتصال بينهما يحصل كل أسبوعين تقريباً. وأدلى بأن معمل الأجبان والألبان الذي كان يملكه في بلدة إبل السقي يطل على الطريق الذي اغتيل فيه رمزي نهرا وعلى بعد حوالى 3 كلم من المعمل وانه بعد عملية الاغتيال استمر سامي فرحات بالاتصال به وسأله عن عملية الاغتيال وردة فعل الأهالي في المنطقة لمرتين او ثلاث مرات. واعترف المدعى عليه بتعامله مع مخابرات العدو غير الضابط سيمون والعميل الفار سامي فرحات. وتبين انه ضبط داخل منزله علبتين حديديتين مكتوب عليهما باللغة العبرية وبداخلهما ذخيرة عيار 12,7 و7,62 وهي مظاريف فارغة. وانه بالتحقيق الاستنطاقي نفى المدعى عليه جان زنقول ما أسند اليه ونفى ما كان قد اعترف به تفصيلياً في التحقيق الأولي.
من "أرشيف" المخابرات اللبنانية: اعتقال أحمد الحلاق وإعدامه
علي الموسوي
كان أحمد الحلاق أول عميل لإسرائيل يتم إعدامه في لبنان بعد إدانته بارتكاب متفجرة صفير في الضاحية الجنوبية، حيث قتل ثلاثة مدنيين هم: فؤاد مغنية، ومحمد مسلماني ومحمود حسون وجُرح خمسة عشر آخرون.
هنا فصل من كتاب الزميل علي الموسوي "شبكات الوهن، عملاء إسرائيل في قبضة القضاء" الصادر حديثا بجزئه الأول عن دار الهادي، يروي للمرة الأولى تفاصيل اختطاف الحلاق من عمق "الشريط المحتل" بعد لقاء مع المخبرين الخاطفين:
اعتقال الحلاق
اتخذت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني قرارا باعتقال الحلاق وسوقه مخفورا في تحدّ ظاهري للاستخبارات الاسرائيلية التي كانت مسؤولة عن سلامة عميلها، وتوافرت معلومات امنية دقيقة عن عودته من الخارج الى منطقة "الشريط المحتل" من جنوب لبنان، وكلفت المديرية بشخص مسؤول فرع المخابرات في صيدا والجنوب آنذاك العميد الركن ماهر الطفيلي وضع الخطة المناسبة وإجراء اللازم، فتوصل الى تسليم المهمة للمخبر رمزي سعيد نهرا (والدته سمية خليل سويدي مواليد إبل السقي في العام 1962رقم السجل 65) الذي وافق على هذا الأمر على الرغم من عدم خلوه من المخاطرة وباشر التنفيذ.
يعيش رمزي نهرا الذي يجيد اللغتين الانكليزية والعبرية، في بلدته إبل السقي وتربطه صلات صداقة وتعارف مع عدد من المسؤولين في ميليشيا انطوان لحد وجهازها الأمني، ومن بينهم العميل محمد مصطفى الغرمتي الملقب بـ"أبو عريضة" الذي كان مولجا بالحراسة على الحلاق، وعرف نهرا ان أبا عريضة يسير مع شخص غريب، فذهب إليه للتحقق مما إذا كان هو الحلاق نفسه المطلوب أم لا، خصوصا ان مديرية المخابرات ارسلت لنهرا رسما شمسيا صغيرا له، فاستقبله ابو عريضة وعرفه الى صديقه ميشال خير امين وهو الاسم المستعار للحلاق، فعرفه فورا وفكر بطريقة تقربه منه فدعاهما الى تناول فنجان قهوة في منزله ووافقا.
استعد رمزي نهرا للضيافة جيدا وكلف ابن بنت عمه المدعو فادي كوزال بالوقوف في مكان خفي في الطبقة الثانية من منزله، وحمله كاميرا فيديو لكي يصور الضيفين من دون ان يشعرا به، وبالفعل حضر أبو عريضة ومرافقه رمزي عكرة والحلاق والتقطت لهم الصور مع صاحب المنزل خلسة.
وبعد يومين او ثلاثة دعاهما ثانية الى تمضية السهرة في منزله فقبلا. وقبل وصولهما دس رمزي نهرا آلات تصوير في الغرفة وآلات تسجيل في جنبات "الصوفيات" لكي يسجل الحديث المتوقع تناوله بينهم. وحضر أبو عريضة والحلاق واسترسلا في شرب "الويسكي" والمشروبات الروحية و"المقلب" أيضا. وبعد رحيلهما جمع نهرا معلوماته وشريط الفيديو والاحاديث وأرسلها بطريقة ما الى بيروت حيث تحققت مديرية المخابرات من ان ميشال امين هو نفسه الحلاق وأعطته الضوء الأخضر للقيام بخطفه.
استدعى رمزي صديقه وعديله لاحقا بسام جرجس الحاصباني عند الساعة الثالثة من فجر يوم عيد الفطر بتاريخ 20 شباط (فبراير) من العام 1996، وأبلغه بضرورة الاتصال بصلة الوصل بالمخابرات اللبنانية عبد الله همدر، وحثه على نسيان قضية خطف الحلاق وذلك من اجل إبعاد الشبهات.
ثم وضع رمزي بالاشتراك مع شقيقه مفيد وصديقه ماهر سليم توما على مدى ثلاث ساعات متواصلة، أي من الساعة الثالثة حتى الساعة السادسة فجرا، خطة محكمة للانقضاض على الحلاق، وعند الصباح استعار رمزي سيارة من نوع "مرسيدس" صفراء اللون تخص صديقه غطاس طانيوس ابو سمرا لكونها تشبه سيارة العميل ابو عريضة، سواء من حيث اللون او من حيث الشكل والطراز وذلك للتمويه، واستقلها مع ماهر توما وتوجها بها الى منزل الحلاق في بلدة القليعة التي كانت شبه خالية من المارة، مع ان العيد هو للمسلمين، وصودف ايضا آنذاك ان أبا عريضة كان يستريح في منزله من عناء السهر على الحلاق ويغط في نوم عميق. وصلا إليه، سلما عليه وسأله رمزي عما اذا كان مستعدا لرؤية شقيقه مفيد نهرا الذي سبق للحلاق ان ابدى رغبة في التعرف إليه عن قرب ولم يتردد في الاستفادة من هذه الفرصة السعيدة، فارتدى ثيابه ونسق هندامه وتزنر بمسدسه وتسلح بممشطين إضافيين باعتبار ان الاحتياطات لازمة وضرورية حتى في لحظات السعادة، وهذا ما يدل على ان الحلاق نفسه الغارق في الولاء للاسرائيليين لم يكن مقتنعا بالحماية المفروضة منهم عليه.
التفت الحلاق بكثير من الحذر الى رمزي المتربص به، والذي فهم مغزى هذه النظرات المشرعة على اليقظة، فناوله مسدسه الخاص لكي يزيد من جرعات الاطمئنان لديه فرفض أن يأخذه، لكن هذه المبادرة كانت كفيلة بالإجهاز على مخاوف الحلاق الذي تنفس الصعداء وركب في السيارة معهما وتوجهوا الى الكمين المصطنع.
خلال الطريق تبادل الثلاثة أطراف الحديث الأخير. كان الحلاق جديا في كلامه اكثر من المعتاد وأكثر من المنتظر، كان شارد الذهن يستخرج من تجاربه المديدة في بساتين الحياة المثمرة والوعرة، بوحا ناضجا ينم عن خبرة كهل عركته الأيام والسنون. قال لرمزي: "بدي علمك مثل.. وين ما بتأمن خاف"، فرد الأخير مسبغا عليه مسحات من الاطمئنان: "إبل السقي بيحميها النروجيين، وما فيها مقاومة ولا ينشغل بالك، وكمان مسدسك معك، وهيدا مسدسي بدك ياه خدو. وعلى حاجز القوات النروجية رح نعطيك بطاقة هوية لإبرازها للعناصر حتى نقدر نمرق".
وهكذا كان فعبروا الحاجز بشكل طبيعي وسلام، ومن المعروف ان القوات النروجية الموجودة آنذاك في بلدة إبل السقي لم تكن تدقق في هويات العابرين، فمجرد التلويح بها يكفي لسلوك الطريق.
لم يكن الحلاق في يوم سعده عندما كان رمزي نهرا يحبك خيطان شباكه جيدا. فمن سوء حظه ان الطريق بين القليعة وإبل السقي كانت خالية تماما من السيارات والمواطنين وهذا ما زاد من وتيرة نجاح عملية الخطف.
وصل الثلاثة الى منزل رمزي حيث الكمين منصوب، ركنت السيارة في المرأب وصعدوا الدرج الخلفي، وأقفل رمزي النوافذ والستائر وصب أكوابا من "الويسكي" للحلاق الذي جاراه ماهر توما في الشرب ليؤنسه ودار حديث عام فقال الحلاق: "كنت مبارح في زيارة لعقل هاشم وأطلقت النار من المسدس وبدي نظفو".
لبى ماهر الطلب المستعجل، اخذ المسدس منه نظفه وأعاده إليه وفي هذه الاثناء كان الفريق الآخر المؤلف من مفيد نهرا وغطاس ابو سمرا وفادي كوزال يتفحصون الطرقات ذهابا وإيابا خشية ان تكون ثمة حواجز امنية لميليشيا لحد منتشرة في المنطقة فتعيق الخطة وتؤجلها، تحققوا من خلوها وعاد مفيد الى المنزل سرا ليأخذ مكانه المتفق عليه.
الامور تسير على احسن ما يرام ولم يعد ينقص سوى رنين ساعة الصفر.
كانت عقارب الساعة تشير الى الرابعة والثلث عصرا، ولم يعد يفصل عن إقفال معبر باتر جزين عند الساعة الخامسة سوى اربعين دقيقة بالتمام.
دخل ماهر توما الى المطبخ المجاور بحجة إحضار بعض المتاع، وأشار على مفيد نهرا بتجهيز نفسه للسيطرة على الحلاق، وضع في جيبه أصفادا وعاد الى مكانه ليجلس الى يسار الحلاق المطوق من ناحية اليمين برمزي نهرا، وما هي إلا لحظات حتى دخل عليهم مفيد شاهرا رشاشا من نوع "أنيغرم" مع كاتم للصوت، وصوبه نحو الحلاق صارخا بوجهه "ولا حركة احمد الحلاق نحن حزب الله والبيت مطوق".
حاول الحلاق ان يستدرك الموقف، خصوصا انه غير معتاد على الاستسلام بسهولة فعاجله ماهر بضربة قوية بعقب مسدسه على رأسه، فشجّه حتى تغسل بالدماء، استنجد الحلاق برمزي، وصرخ به ليدافع عنه غير ان أصفاد رمزي كبلت اليد الأخرى للحلاق وقال له: "مش رح دافع عنك"، فأجاب الحلاق مستغربا من دون ان تخور قواه: "ليش إنت مش مع المخابرات الاسرائيلية؟" فقال له: "لأ" فرد الحلاق غاضبا ومتحديا: "إذا إنتو زلام فلتوني".
أسكتوه وسحبوه الى غرفة مجاورة وضمدوا جروحه، وعصبوا عينيه بلاصق خصوصي وقيدوه وأعطوه أربع إبر "فاليوم" لم تعط المفعول المرتجى، فأوثقوه جيدا خشية ان يفلت منهم وألصقوا فمه لئلا يصدر أي صوت يثير جلبة تفضح الخطة ووضعوه في صندوق سيارة من نوع "مرسيدس 230" بيضاء اللون، وتولى مفيد قيادتها وجلس ماهر الى جانبه، فيما واكبهم رمزي وفادي كوزال في سيارة اخرى من نوع "ب ام ف" وانطلقوا نحو المعبر الاخير في جزين.
خلال مرور السيارتين بالقرب من ثكنة الريحان التقتا بدورية اسرائيلية كانت تمشط الطريق. توقفت السيارتان جانبا، تحدث رمزي مع الجنود الاسرائيليين بلغتهم الأم العبرية، ورفع لهم لوحة تعريف تحمل كلمات عبرية أيضا كان "جيش الدفاع الاسرائيلي" يزوّد السيارات المدنية بها وقال لهم: "شاباك" وأفسحوا الطريق لتعبر السيارتان فيما الحلاق يئن في عتمة الصندوق.
عند مدخل مدينة جزين أنيطت قيادة سيارة "المرسيدس" بفادي كوزال وصعد ماهر ومفيد مع رمزي في السيارة الاخرى، وسبقوه الى المعبر لتسهيل مروره. وصلوا عند الساعة الخامسة إلا خمس دقائق الى المعبر الذي كان بحراسة ثلاثة عناصر من ميليشيا لحد يتأهبون لإقفاله "رسميا" أطلت سيارة "المرسيدس".. دقيقة واحدة ويغلق المعبر. رمزي ورفيقاه يغرقون في حديث مطول مع "اللحديين" الثلاثة يستدرجونهم الى نسيان الوقت. تمر السيارة بأمان ويظل الحديث المشوق دائرا بين هؤلاء ولم ينقطع إلا بعدما غابت السيارة عن الأنظار بحيث أصبح الحلاق في أيدٍ أمينة.. صار لدى القضاء.
لم تنته فصول العملية بعد.
يتوقف رمزي لحظة واحدة، يبلع ريقه ويتابع: "عدنا الى المنزل لتنظيف الارض من بقع الدماء وحضر بسام الحاصباني وسليم سلامة الى هناك حيث أخبرناهما بنجاح خطة خطف الحلاق".
تحركت "الماكينة" الاستخباراتية الاسرائيلية للعثور على الحلاق فلم تفلح، مديرية المخابرات في الجيش اللبناني تعلن من بيروت انتصارها. وبعد ست وثلاثين ساعة يطرق العميل ابو عريضة منزل رمزي نهرا ويستدعيه على عجل للقاء المخابرات الاسرائيلية والمثول أمامها. لا مجال هنا للفرار. قاده الى مستعمرة "المطلة" حقق معه وتوصل الاسرائيليون الى الاعتذار منه في بادئ الأمر.
كان مفيد نهرا وفادي كوزال الذي عاد في اليوم الثاني الى منطقة "الشريط المحتل" يختبئان في بيوت ابل السقي، وبعد ثلاثة ايام من "السجن الافرادي" تمكنا من التسلل الى المنطقة المحررة والنجاة.
السفير (الخميس، 24 أيار/مايو 2001)
تعليقات: