محمود رافع: من بيروت إلى روما ومنها إلى إسرائيل
ليس خافياً على الأمنيين التعاون الاستخباري بين إسرائيل ودول أوروبية. وليس خافياً على المسؤولين اللبنانيين الخدمات التي تقدمها سفارات أوروبية في لبنان، على نحو مباشر، للاستخبارات الإسرائيلية، وخاصة في مجال تسهيل حركة العملاء. في المقابل، تكتفي السلطة السياسية برفع شعار الصداقة مع الرجل الأبيض
منذ بداية العام الجاري، حلّت في ضيافة لبنان أربعة وفود تشيكية رسمية: نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وزير المال، وفد من لجنة الدفاع والخارجية والأمن في مجلس الشيوخ التشيكي، إضافة إلى وفد اقتصادي. وتهدف هذه الهجمة التشيكية، بحسب أعضاء الوفود الذين لم يتركوا مسؤولاً لبنانياً يعتب عليهم، إلى تعزيز أواصر العلاقة بين البلدين. أما المسؤولون اللبنانيون، فيتباهى كل منهم بعدد زياراته للخارج، أو بعدد زواره الأجانب، ويعدّون ذلك سياسة خارجية، تعيد وضع لبنان على خريطة المجتمع الدولي. هم يتحفون اللبنانيين بالدعم (اللفظي وحسب) للأجهزة الأمنية اللبنانية في معركتها مع شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان. إلا أن أياً منهم لم يكلف نفسه عناء رفع الصوت جدياً تجاه الدور الخطير والمباشر الذي تؤدّيه السفارة التشيكية في لبنان، وغيرها من السفارات الأوروبية، دعماً لإسرائيل في معركتها التجسسية ضد لبنان.
مكمن الخطر أن ما تقوم به سفارات بعض الدول الأوروبية في لبنان لا يقتصر على تبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل، أو جمع المعلومات لحساب الأجهزة الإسرائيلية، أو تسخير عمل بعض الكتائب ضمن قوات اليونيفيل لمحاولة ملاحقة المقاومة ومعرفة ما تخفيه في الجنوب اللبناني. بل إن المشكلة التي يدور الحديث عنها همساً في الأروقة الأمنية هي التسهيل المباشر لحركة العملاء اللبنانيين الذين تجندهم إسرائيل. فهؤلاء العملاء يلتقون مشغّليهم دورياً، لتلقي التعليمات والخضوع لتدريبات أمنية مختلفة. وتجري معظم هذه اللقاءات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة التي ينتقل إليها العملاء، إما تسللاً عبر الحدود البرية، وإما بواسطة قوة كوماندوس بحرية تأتي إلى الشاطئ اللبناني لتنقل العميل ليلاً إلى زورق في عرض البحر، أو من خلال السفر إلى دولة أوروبية، ومنها إلى فلسطين المحتلة. والطريقة الأخيرة هي الأكثر استخداماً، بحسب ما يرد في التحقيقات مع الموقوفين حتى اليوم. وتظهر هذه التحقيقات أن الأجهزة الإسرائيلية بحاجة إلى مساعدة استخبارية من الدول الأوروبية لتسهيل انتقال العملاء.
ومساعدة إسرائيل على التجسس في لبنان ليست حكراً على تشيكيا، بل تشمل معظم الدول الأوروبية، وإن بنسب متفاوتة.
وبما أن للقضاء الكلمة الفصل في هذا المجال، فلنأخذ مثلاً ما ورد في القرار القضائي الصادر يوم 12/1/2010، عن قاضي التحقيق العسكري سميح الحاج. في الصفحة الرابعة من القرار، يروي الحاج وقائع سفر المتهم بجرم التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية، حسن شهاب، إلى المجر. يقول: ورد للمدعى عليه اتصال هاتفي من أحد الضباط الإسرائيليين، طالباً منه التوجه إلى سفارة دولة المجر في بيروت، والاستحصال منها على تأشيرة دخول إلى دولة المجر. وقال الضابط للعميل إن الاستخبارات الإسرائيلية ستعطي اسمه للسفارة المذكورة. نفذ شهاب التعليمات. وفي السفارة، «وما إن قرأت الموظفة اسمه حتى عمدت بنفسها إلى تعبئة طلبه وأخذت جواز سفره وطلبت إليه العودة بعد 3 أيام» من أجل تسلّمه. وبالفعل، أتى شقيقه حاملاً إيصالاً صادراً عن السفارة، فتسلّم جواز السفر الذي يحمل تأشيرة الدخول. وخلال التحقيق، قال شهاب إن الموظفة المذكورة نظرت إلى ورقة موجودة أمامها بعدما عرفت اسمه، فساعدته على تعبئة الطلب.
لنأخذ متهماً آخر. ماهر أبو جريش الذي أوقف حديثاً في منطقة مرجعيون. في عام 2008، طلب منه مشغله الإسرائيلي التوجه إلى السفارة التشيكية للحصول على فيزا. رفضت السفارة طلبه، فاتصل بمشغله ليخبره بما جرى معه. الأخير قال لأبو جريش: سأسوّي لك الأمر. وبعد أيام قليلة، عاد واتصل به طالباً منه التوجه مجدداً إلى السفارة، حيث تقدم بطلب ثان للحصول على تأشيرة، ولم يلق طلبه إلا القبول.
العملاء لا يواجهون أيّ صعوبة بالسفر إلى أوروبا
السفارة المجرية كانت أوقح في تعاملها، بحسب إفادات عدد من العملاء، كعلي منتش (أوقِف في زبدين الجنوبية منتصف عام 2009). الرجل الذي كان يزوّد الإسرائيليين بإحداثيات مبانٍ لمجرد شكه في أن أحد المقاومين يقطن فيها، قصد السفارة المجرية للحصول على تأشيرة دخول، بناءً على طلب مشغله الإسرائيلي. حدث ذلك في يوم ثلاثاء. عندما وصل إلى مبنى البعثة الدبلوماسية المجرية، قالت له الموظفة المعنية إن السفارة تستقبل الطلبات في أيام الاثنين حصراً. كان عليه إذاً أن يحضر في الأسبوع التالي. لكن موظفاً ملامحه غير عربية تقدم من الموظفة وحادثها بلغة أجنبية. أخذت الموظفة طلب التأشيرة من منتش، وملأته، ثم طلبت منه العودة بعد ساعات إلى السفارة لاستعادة جواز سفره مع الفيزا. وهذا ما حصل.
ويؤكد أمنيون رفيعو المستوى أن معظم العملاء لا يواجهون أي صعوبة بالسفر إلى أي دولة أوروبية يحددها لهم المشغلون الإسرائيليون، رغم أن حركتهم تتركز في المجر وتشيكيا وإيطاليا وبلجيكا وقبرص، إضافة إلى تركيا.
الأمر لا يقتصر على تسهيل حصول العملاء على سمات دخول إلى الدول الأوروبية، بل يتعداه إلى تسهيلات داخل الدول ذاتها، وخاصة في مطاراتها.
في العاصمة المجرية بودابست التي وصل إليها حسن شهاب في عام 2005، أنزل الإسرائيليون عميلهم في فندق. في اليوم التالي، زاره ضباط إسرائيليون. أخضعوه لتفتيش دقيق، قبل أن يأخذوا منه جواز سفره اللبناني ثم رافقوه إلى المطار. وفي المطار، لم يمر شهاب بأيّ حاجز للأمن العام المجري، كذلك لم تُفتّش حقائبه، ولم يسأله أحد عن تذكرة السفر ولا عن جواز السفر.
وفي أيار من العام ذاته، كان العمل الإسرائيلي في مطار بودابست أكثر وقاحة. يقول علي منتش إن مشغليه الإسرائيليين اصطحبوه بسيارة من الفندق إلى المطار. وعلى المداخل المحروسة للمطار، أبرز سائق السيارة بطاقة أدت إلى فتح الطريق من أمامه حتى وصل إلى الطائرة التابعة لشركة طيران إسرائيلية من دون الخضوع لأي تفتيش أو تدقيق أمني أو حاجة لإبراز جواز سفر. التدبير ذاته كان قد حصل مع حسن ياسين في عام 2002، لكن في مطار ليماسول بقبرص، ومع ميشال عبده (أوقف في العام الجاري) في أوكرانيا أكثر من مرة.
يُضاف إلى ذلك أنه في معظم الدول المذكورة، تستخدم الاستخبارات الإسرائيلية مكاتب شركات الطيران الإسرائيلي مراكز لها. في هذه المكاتب، يُفتّش الضباط الإسرائيليون عملاءهم، ويأخذون منهم جوازات السفر اللبنانية. بعضهم يجري اصطحابه مباشرة إلى الطائرة من دون المرور بالنقاط الأمنية للدولة المعنية، فيما البعض الآخر، كعلي الجراح (أوقف نهاية عام 2008 في البقاع، دخل إسرائيل عبر روما وبروكسيل) وأديب العلم (أوقف عام 2009، بروكسيل وروما وباريس) ومحمود رافع (أوقف عام 2006، روما) ومروان فقيه (أوقف عام 2009، بروكسيل)، يزوّدهم مشغلوهم بجوازات سفر إسرائيلية يستخدمونها للمرور بصورة طبيعية على نقاط التفتيش داخل المطارات.
وفي تشيكيا، تستخدم الاستخبارات الإسرائيلية أكثر من منزل آمن في مناطق ريفية، كمراكز لتدريب عملائها. وآخر من كشف هذا الأمر هو ماهر أبو جريش.
أما الجارة الغربية للبنان، قبرص، فيعجز الأمنيون عن إحصاء التسهيلات التي تتمتع بها الاستخبارات الإسرائيلية على أراضيها. يقول أحدهم: «إنها الحديقة الخلفية للاستخبارات الإسرائيلية التي تكاد تضع لافتات تدل على مكاتبها».
ما ذكر هو غيض من فيض ما يعترف به العملاء ويدوّن في محاضر التحقيقات الرسمية التي تجريها الأجهزة الأمنية، علماً بأن الأخيرة لا تدقق كثيراً في تفاصيل انتقال معظم العملاء إلى فلسطين المحتلة، عندما يمرّون بالدول الأوروبية.
ويقول مسؤول أمني رفيع إن الأجهزة اللبنانية تدرك جيداً مدى التنسيق بين الأجهزة الأمنية الغربية والإسرائيلية. «إلا أننا لم نكن نتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد». ويرى المسؤول ذاته أن ثمة احتمالين لما يجري في سفارات بعض الدول. فإما أن الاستخبارات الإسرائيلية تمكنت من تجنيد موظفين داخل هذه السفارات للعمل لحسابها، أو أن ثمة قرارات صادرة عن أعلى المستويات الأمنية والسياسية في هذه الدول لتسهيل عمل الاستخبارات الإسرائيلية في لبنان، مرجّحاً الاحتمال الثاني.
ويرى أحد المسؤولين المعنيين بمكافحة التجسس أن ما تقوم به السفارات الغربية في لبنان يجري في سياق تبادل الخدمات الاستخبارية بين «الدول الحليفة»، فضلاً عن رغبة بعض هذه الدول في تقديم كل ما تريده إسرائيل، في مقابل ألا تنفذ الاستخبارات الإسرائيلية أي عمل أمني (تفجيرات واغتيالات) على أراضيها».
إما أن إسرائيل تمكّنت من تجنيد موظفين في السفارات وإما أن ثمّة قرارات رسميّة
يضيف المصدر ذاته أن على الأجهزة الأمنية اللبنانية أن تعمل على توثيق هذا العمل توثيقاً دقيقاً، وأن تضعه على سلّم أولوياتها التحقيقية، لرفع تقارير مفصلة عن التسهيلات التي تقدمها الدول الأوروبية للإسرائيليين، سواء من خلال سفاراتها في لبنان، أو داخل أراضيها. وعلى هذه التقارير، يضيف المسؤول ذاته، أن تكون ضمن برنامج عمل السلطة السياسية في لبنان، «لأن ما يجري هو مساهمة مباشرة في الاعتداء على لبنان وسيادته وأمنه». لكن هذه السلطة لم تتعامل مع الأولويات الأمنية في البلاد إلا على قاعدة الاستخفاف، والسعي إلى توسّل المساعدات للأجهزة الأمنية، يستدرك المسؤول قبل أن يختم: «لا تأملوا الكثير من السلطة. فخلال الأعوام الأربعة الماضية، خرج مسؤولون حكوميون ليتهموا سوريا بالوقوف خلف إنشاء تنظيم فتح الإسلام، من دون الاستناد إلى أي دليل يعتدّ به. أما عندما يصل الأمر إلى الدول الأوروبية، فإنهم يتجاهلون ذلك، رغم أن إفادات العدد الأكبر من العملاء تحوي ما يؤكد خطورة هذا العمل».
وفي الإطار ذاته، ثمة ما تهمله السلطات اللبنانية لأسباب غير معروفة، وهو السعي لدى الانتربول من أجل القبض على العشرات من العملاء الذين فروا إلى فلسطين المحتلة عام 2000. وبعض هؤلاء انتقلوا إلى دول أوروبية وعربية، بهدف متابعة عملهم لحساب الاستخبارات الإسرائيلية، سواء من أجل تجنيد لبنانيين، أو للتجسس على أبناء الجاليات في المهجر. ومنذ بداية الموجة الأخيرة من التوقيفات، وردت أسماء عدد منهم في التحقيقات، من دون أن تحرك السلطات اللبنانية ساكناً تجاههم.
انفلات أمني
أثبتت التحقيقات مع عدد من الموقوفين بجرم التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية أن موقف السيارات في مطار رفيق الحريري الدولي يستخدم منذ سنوات طويلة كمحطة للبريد الميت بين العملاء ومشغليهم.
المتهم علي الجراح، الذي أوقفته مديرية استخبارات الجيش، ذكر خلال التحقيق معه أن مشغليه أمروه، عام 1998، بالتوجه إلى موقف المطار من أجل الحصول على أجهزة اتصال متطورة. وكانت الاجهزة موضوعة داخل صندوق سيارة مركونة في الموقف، ومفتاحها مخبأ خلف لوحة التسجيل. وبعد تسلمه الأجهزة، ترك الجراح السيارة ليحضر لاحقاً عميل آخر لأخذها من المكان.
أما العميل المحكوم محمود رافع، فقد أقر في مراحل التحقيق كلها بأنه تسلم من الموقف المذكور، في آذار 2006، السيارة التي استخدمت في أيار من العام ذاته لاغتيال الأخوين محمود ونضال المجذوب في صيدا. كان مفتاحها أيضاً خلف لوحة التسجيل، وقد دله عليها مشغله خلال اتصال هاتفي. ورغم اكتشاف هذا الأمر منذ حزيران 2006، فإن الأجهزة المعنية لم تتخذ أي إجراءات تذكر داخل موقف المطار، لمحاولة إحكام السيطرة المعلوماتية عليه.
قرار إسرائيلي بالعجز عن مواجهة حزب اللّه
عاد حديث إسرائيل عن تزود حزب الله بصواريخ سكود من سوريا، إلى الواجهة مجدداً، وسط إعادة تقويم للضجة الإعلامية الأخيرة، وإقرار واضح بارتداع تل أبيب عن مواجهة المقاومة، وعدم القدرة على تلقي أثمانها
يحيى دبوق
سأل معلق الشؤون السياسية والأمنية في صحيفة معاريف، عوفر شيلح، عن الأسباب التي منعت إسرائيل من استهداف صواريخ سكود، التي قيل إنها نُقلت من سوريا إلى لبنان، رغم «تأكيد ضابط رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي أن الضربة كانت قريبة جداً»، مشيراً إلى أن «تل أبيب التي تتعامل منذ سنوات مع السلاح المنقول إلى منظمات إرهابية، باعتباره هدفاً مشروعاً، لم تنظر هذه المرة إلى المسألة على أنها عمل شرعي أو لا، بل من خلال الثمن وردة الفعل المتوقعة، رغم أن سوريا لم تردّ حتى الآن على عمليات عسكرية نُفّذت على أراضيها».
ورأى شيلح أن نجاح نقل الصواريخ إلى لبنان قد يعود إلى أحد سببين: إما أن إسرائيل تفترض أن هناك حدوداً لضبط النفس لدى سوريا، وإما أن تل أبيب وصلت بالفعل إلى اقتناع بأن صواريخ سكود ليست سلاحاً كاسراً للتوازن، «مع العلم بأن الفرضية القائمة لدى المؤسسة الأمنية تشير إلى أن كل ما في مخازن سوريا سيُنقَل في نهاية المطاف إلى لبنان».
ربما وصلت تل أبيب إلى اقتناع بأن صواريخ سكود ليست سلاحاً كاسراً للتوازن
وحذر شيلح من إمكان المواجهة العسكرية مع حزب الله، مشيراً إلى أن «من يفكر في مواجهة جديدة مع حزب الله، على شاكلة المواجهات السابقة، سيكون مخطئاً بالتأكيد، ذلك أنهم في الجانب الآخر يستخلصون الدروس المطلوبة من الماضي، ويُشغَلون حالياً بإقامة الاستحكامات في باطن الأرض، والتغلغل في الأماكن المبنية، ومراكمة قدراتهم العسكرية في مناطق واسعة»، مضيفاً أن «المنطقة إلى الجنوب من نهر الليطاني أصبحت ممتلئة بصواريخ الكاتيوشا، والجزء الأكبر من الصواريخ البعيدة المدى والأكثر دقة، موجود إلى الشمال منه».
ويعترف شيلح بأن إسرائيل هي التي كانت دائماً تقرر الحرب مع لبنان، وأشار إلى أن «التقديرات في إسرائيل لم تتغير قط، فحزب الله لا يرغب في خوض مواجهة حالياً مع إسرائيل، مع أنه قد يُجَرّ إليها في حال حصول تصعيد إسرائيلي ـــــ إيراني». أضاف أن «التاريخ يثبت أكثر من مرة أن من يبدأ المواجهة ليس الجانب الثاني، بل تحديداً إسرائيل».
من جهته، كتب معلق الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، معيداً طرح السؤال عن معاني وجود صواريخ سكود في حوزة حزب الله، وتساءل: «هل هذه الصواريخ هي السلاح نفسه الكاسر للتوازن الذي حذرت منه القيادة الأمنية في العام الماضي؟ فإذا كانت سوريا قد زودت حزب الله بصاروخ سكود من طراز (د)، فهذا يعني تهديداً من نوع جديد، ليس بسبب مداه أو وزن رأسه المتفجر، بل بسبب دقة الإصابة لديه أيضاً».
وعن الاستراتيجيا التي يتبعها أعداء إسرائيل، يشير هرئيل إلى أن «امتلاك صواريخ سكود، وتدريب عناصر حزب الله على تشغيلها في سوريا، ليست إلا رأس جبل الجليد، ذلك أن الجميع لدينا قد حفظوا المعادلة الجديدة عن ظهر قلب، فالمحور الراديكالي في الشرق الأوسط، بقيادة إيران، تبنى فكرة المقاومة، لا تدمير إسرائيل أو احتلال أراضيها، لأنهم منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، يسعون إلى استنزاف الدولة العبرية على نحو متواصل، ما يجعل قدرة إسرائيل تتآكل، وهذا الهدف يتحقق بواسطة النار المكثفة على نقاط ضعفها، أي الجبهة الداخلية المدنية الإسرائيلية».
شيلح: من يفكر في مواجهة جديدة مع حزب الله فسيكون مخطئاً بالتأكيد
وللدلالة على حجم التهديد، ينقل هرئيل عن الرئيس السابق لإدارة مشروع اعتراض الصواريخ في وزارة الدفاع الإسرائيلية (الحيتس)، عوزي روبين، أن «الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل حالياً، هي أكثر من 13 ألف صاروخ، تحمل رؤوساً متفجرة تزن 1435 طناً، وهذا المعطى لا يشمل صواريخ الكاتيوشا التي يملكها حزب الله». وبحسب روبين، فإن «إيران وحلفاءها أوجدوا توازناً مقابل القوة الهجومية لسلاح الجو، وبنوا من خلال ذلك ردعاً حيال إسرائيل».
ويعود هرئيل ليستشهد بالمحاضرة التي ألقاها قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، في معهد أبحاث الأمن القومي قبل أشهر، التي عرض خلالها مبادئ النظرية العسكرية للمواجهة المقبلة مع حزب الله، موضحاً أن «أسوأ ما في هذه النظرية أن الصواريخ سيتواصل سقوطها على إسرائيل، وهو (أيزنكوت) غير متأكد من وجود حل هجومي ساحق للجيش (على حزب الله)، ما من شأنه أن يحسم مصير المعركة».
وعن منظومة الدفاع الإسرائيلية في مواجهة الصواريخ، يشدد الكاتب على أن «إيجاد حماية في مواجهة الصواريخ ليس في الوقت الحالي إلا فكرة أكثر من كونه واقعاً، ومن الصعب أن نتوقع صموداً متواصلاً للجبهة الداخلية خلال الحرب، من دون منظومة حماية فعالة. فإذا قُصفت إسرائيل في الأيام الأولى بآلاف الصواريخ، فسيضغط الجمهور على الحكومة لإصدار الأمر للجيش كي يحقق حلاً فورياً، رغم أن هيئة الأركان العامة في الجيش تدرك أهمية عامل الزمن، والخطط العسكرية لديها تستلزم وقتاً، وأي محاولة لتنفيذها على نحو غير واقعي سيؤدي إلى انهيارها وإلى خسائر كبيرة».
في سياق ذلك، كتب معلق الشؤون العسكرية في صحيفة معاريف، أمير بوحبوط، إلى أن «تقارير أجنبية بشرتنا بأن (الرئيس السوري بشار) الأسد أرسل إلى حزب الله صواريخ سكود، بل درب عناصر الحزب على كيفية استخدامها، ودربهم أيضاً على كيفية استخدام منظومات دفاع جوي متطورة، وبالتالي فإن إسرائيل لن تجلس بهدوء لفترة طويلة، إذا ما بقي اللاعب المجنون (سوريا) مستمراً في لعبه». رغم ذلك، عاد وأكد ـــــ في إقرار غير مباشر ـــــ مستوى الردع القائم حيال إسرائيل من جانب المقاومة، مشدداً على أن «إسرائيل لا تستطيع أن تستوعب ضربة أخرى لسفينة حربية جديدة، وبالتأكيد لا تستطيع أن تستوعب ضربة لمنشآتها الحساسة في البر، وبالتالي ستكون الحرب المقبلة أشد شراسة وأبشع من الحروب السابقة» على إسرائيل.
من جهته، كتب حامي شيلو في صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أن «حزب الله يملك حالياً 44 ألف صاروخ، قبل أن تصل إليه صواريخ سكود، من ضمنها المئات وربما الآلاف من الصواريخ القادرة على إصابة تل أبيب ورمات غان ونتانيا وريشون ليتسيون»، مشدداً على أن «الإسرائيليين يدركون، لكنهم يكبتون ذلك، أن إسرائيل ستكون بعد استهدافها دولة مختلفة تماماً».
تعليقات: