صبحيّة حجازي تحمل صورة لشقيقها الذي فُقد خلال الحرب الأهلية اللبنانيّة
طوائف وملل ونحل ومذاهب. زعماء ووكلاء ومحترفون في الكراهية. متفرّغون لشؤون التحريض والتأجيج الطائفي في مسخ الوطن، لبنان، أنّى التفتّ. منابر وقصور وزعامات بُنيت بنار اللهيب الطائفي. لكن، لا أجد طائفة لي، وعلى مقاسي. لا أجد طائفة تملأ رئتيّ بالهواء. «اتحاد الشباب الديموقراطي» يريد شطب الطائفة عن الهويّة، وأنا أريد شطب الطائفة من الوطن. لا، أريد شطب الوطن من الهويّة. لا، بل أريد شطب الهويّة من الوطن. أريد طائفة. أنا أريد طائفة. مَن يَقتني لي طائفة؟
(إلى ف.)
أريد طائفة لي. لا تتسع الطوائف والمذاهب كلها لي، أو هي كلّها تضيق بي. بيني وبينها نفور صعب. لا أنسجم مع زعمائها ولا أنسجم مع جماهيرها ولا أنساق وراء شعاراتها. أريد أن أبني طائفة لي وحدي ولكن من يريد منكم ومنكنّ يمكن أن ينضم لطائفتي أنا فسأرحب بها وبه. لكنّ لطائفتي شروطاً لا تتفق مع شروط الطوائف الأخرى، ولا تخضع لمشيئة رجال دين الطوائف. وطائفتي بلا طقوس وبلا تقاليد وبلا أعراف. هي طائفة حريّة، يحدّد فيها الفرد مساره ومسارها. أريد طائفة لا ترد في تعداد الطوائف اللبنانيّة، ولا تفاخر بأنها واحدة من الطوائف المتناحرة والمتصارعة. أريد طائفة لا تعترف بها سجلات وزارة الداخليّة اللبنانيّة. طائفتي لا تظهر في الصور التذكاريّة ولا تُدعى إلى القصر الجمهوري ولا ترونها في احتفالات السفارات. لا تتلقّى طائفتي أموالاً من آل سعود أو من أتباعهم في لبنان.
أريد طائفة في لبنان من غير أن تكون لبنانيّة. لطائفتي عَلَم غير العلم اللبناني بأرزته المثّلثة (الكتائبيّة). طائفتي لا تمتّ بصلة إلى رموز الأرز وصور الأرز ومهرجانات الأرز، وهي لا تذكر عن الفينيقيّين إلا ما جاء في الكتاب الكلاسيكي التأريخي (الذي لا يرد في كتابات لبنان الدعائيّة) عنهم: «كانوا (الفينيقيّون) مُحتقرين كنصّابين ومرائين ممن لا يستحقون الثقة. كبائعين طمّاعين وكساعين وراء الربح من دون وازع، يخطفون الضعفاء ويتاجرون بالبشر، وكعِرق من الناس فاسد أخلاقيّاً وشهواني ويعمد إلى دفع بناته لبيع أجسادهن، ويقتل أطفاله تكريماً للآلهة». وكلمة «جيزبيل» هي في الأصل اسم لأميرة من صور. (راجع غلن ماركو، «الفينيقيّون: شعب من الماضي»، ص. 10). هذا كل ما تحتاجه طائفتي لتعرف ماهية التاريخ الفينيقي. لا تسمح طائفتي لترّهات سعيد عقل ومي المرّ وفؤاد أفرام البستاني بأن تتسرّب للمنهاج الدراسي أبداً.
طائفتي ترحّب بالحرب محبّة بالحياة الحرّة وتعتبر الدين مسألة محض خاصة بالفرد
لكن طائفتي من هذا العالم، لا من خارجه. أريد طائفة لا ترد في سجلات القيد الطائفي ولا تُمثل في مجالس الطوائف في لبنان. طائفتي لا يُرمز لها بأرزة، ولا برمز ديني. ليس لطائفتي أصحاب مليارات يسوسونها، ولا أوقاف لا يدري أحد كيف تكبر أو كيف تصغر. لا أريد لطائفتي أن تتمثّل في مهرجانات الطوائف ولا في انتخابات ملكات جمال الكبيس والبقدونس، ولا في رعية مسابقات أكبر صحن حمّص. لا يرد اسم طائفتي في المراسيم الجمهوريّة والقرارات الحكوميّة، ولا تذكر البرامج الحواريّة اسم طائفتي. طائفتي لا تسير بأمر من الأمير مقرن، ولا تلتزم بأولويّات محاور، ولا تنتظر تعليمات من عواصم الغرب. لا تعترف طائفتي بحدود وتسعى إلى تذويب كيان مسخ الوطن، لبنان. طائفتي تريد أن تدمّر الحدود مع فلسطين المحتلّة، وتريد أن تذوب في كيان واحد مع فلسطين المحرّرة. لا تعترف طائفتي باتفاق الطائف ولا بمضمونه الطائفي. طائفتي لم تطأ أرض الطائف، ولم تتلوّث بأموالها.
أريد طائفة يسرح فيها الأطفال ويمرحون. طائفة لا مكان للأطفال فيها إلا على المراجيح وفي الملاعب وفي برك المياه. في طائفتي لا مكان للتلقين العقيم للأطفال ولا عقاب ولا ثواب. طائفة لا تعترف بدونيّة الطفل، بل تحترمه. في طائفتي يلعب الأولاد في الوحول ويهملون دروسهم متى أرادوا. لا يتعلّم الأطفال أصول التهذيب في طائفتي، بل يتعلّمون التمرّد متى شاؤوا. يستطيع الأطفال في طائفتي أن يتزركشوا بكلّ الألوان، وأن يتمتّعوا بالأطايب، وألا يقعوا ضحيّة شركات دعاية غربيّة تضرّ بمصلحة الأطفال العقليّة والجسديّة. ويستطيع الأطفال في مملكتي أن يسكبوا الحساء والحلوى والشوكولا على ثيابهم دون خوف. في طائفتي ينهل الأطفال العلم من الأراجيح ومن بعضهم بعضاً وممن شاؤوا. الأطفال في طائفتي لا يقتاتون من المستوردات الأميركيّة. في طائفتي يتحدّث الأطفال باللغة العربيّة في الملعب، ومن دون حرج. لا يتعلّم أطفال طائفتي بالحفظ الجامد ولا بالترداد الببّغائي. لا يحتفل أطفال طائفتي بعيد المعلّم وهم ينبذون قصيدة أحمد شوقي في «تبجيل» المعلّم. العلاقة بين المعلّم والأطفال في طائفتي ديموقراطيّة، وليست هرميّة. لا يصيح المعلّم في طائفتي ولا يرمي الطبشور ولا يعنّف. يستطيع الأطفال في طائفتي أن يرسموا بالحبر على قمصانهم البيضاء، لو أرادوا، وأن يمضغوا العلكة، لو أرادوا، وأن يرقصوا في حصّة الحساب، لو أرادوا.
أريد طائفة يقوم فيها أبناؤها وبناتها بعصر قلبي وتقديمه في كوب لحبيبتي فقط. طائفتي تنشر قلبي الرهيف على حبل غسيل أمام منزل حبيبتي. طائفتي تسجّل خفقات قلبي على قرص مدمج وتضعه على باب الحبيبة. يعزف أبناء طائفتي وبناتها على أوتار قلبي سيمفونيا الحب الخالد. طائفتي تحفظ لي وعني كل أشعار الحب والسكينة. في طائفتي مزاوجة بين الحب والبأس في المقاومة والثورة. تحب طائفتي الحياة، لكن ليس الحياة الذليلة التي يريدها آل الحريري وآل الجميّل لنا في لبنان. طائفتي لا تغنّي للسلم الفارغ ولا تحمل الشموع لتقليد الرجل الأبيض الذي يريد أن يفرض علينا حتى وتيرة التنفّس ونمط الضحك. طائفتي لا تقتفي آثار غاندي وتتذكّر كيف كان الأخير «يختبر العفّة» في حياته. طائفتي ترحّب بالحرب مَحبّة بالحياة الحرّة. تعرف طائفتي أن شعارات السلم واللاعنف هي العنوان الآخر للتطبيع مع إسرائيل. الغناء والرقص مسموح للجميع في طائفتي ولا يحتاج لإذن من الشرطة أو من جهاز المعلومات. يستطيع أن يمشي المحبون والمُحبّات مشبوكي الأيدي في طائفتي دون الحذر من شرطة التزمّت الديني على النسق السعودي أو الإيراني، لا فرق. طائفتي لا يرقص أبناؤها وبناتها بذلّ، كما رقص عقاب صقر أخيراً، في مهرجان الجنادريّة أمام الأمير سلمان وغيره من الأمراء.
طائفتي تعتبر الدين مسألة محض خاصة بالفرد وتحرّض على إبعاد الدولة عن شأن الاعتناق الديني والفضيلة، إلا في ما يتعلّق بالصحّة العامّة بعد تنظيف الدولة من أدران الطائفيّة ومن قاذورات زعماء الطوائف كافّة. الفرد يؤمن أو يكفر لو يشاء، من دون مرسوم جمهوري أو ملكي. الدولة تحترم حريّة التعبير وترفض مشروع طارق متري لاستحداث منصب رقيب أعلى في الدولة للحفاظ على مصالح آل الحريري في لبنان. طائفتي لا تحارب عقيدة الفرد، لو شاء أن يتعبّد أو أن يغنّي في المنصوريّة أو في صور أو في شتورة. تسمح طائفتي بالتعبّد على أن يكون خاصّاً وعلى أن لا تستفيد المعابد الدينيّة من دعم الدولة الديني. طائفتي تحرس العلمانيّة من دون خجل أو وجل أو نفاق. طائفتي تدعو مارسيل خليفة (لماذا قدّم أخيراً هديّة لسعد الحريري؟ لماذا يا مارسيل؟ ما هكذا نذكر إرثك في سنوات الحرب) لتقديم أغنية «أنا يوسف يا أبي» في حفل عام في ساحة عامّة. طائفتي تبيح ولا تحرّم، تسمح ولا تضيّق، تدعو ولا تُدين، ترقص ولا تجمد (لكنها ترقص بحريّة وليس تملّقاً لشيوخ النفط على طريقة فرقة كركلا).
طائفتي تعج بـ«شباب ضد التطبيع» مع إسرائيل وشيوخ ضد التطبيع وأطفال ضد التطبيع ونساء ضد التطبيع وطلاّب ضد التطبيع. طائفتي تحارب التطبيع في كل ركن وفي كل زاوية. هي: وراء العدو في كل مكان. طائفتي تسعى إلى تحرير كل فلسطين، وإلى تحرير لبنان أيضاً (من الخزعبلات والخرافات والأساطير والجنون الجماعي، بالإضافة إلى تحريره من ربقة الاستعمار الغربي والإسرائيلي). طائفتي لا تقلّد الغرب ولا تعاني من عقد الدونيّة أمام الرجل الأبيض. طائفتي لا تخجل من المقارنة والتشبّه بأفريقيا. طائفتي تقرأ ما تشاء دون أن تسهم في موازنة الكيان الغاصب وفي جيب «آموس عوز». طائفتي لا تريد أن تظهر حضاريّة أمام الزائر الأوروبي. طائفتي ترتاح أن تكون على حقيقتها كما هي. لا تدخل طائفتي في تجمعات فرنكوفونيّة أو متوسّطيّة من أجل التحضير لدخول إسرائيل إلى بيوتنا ومخادعنا. لا تقيم علاقات بالأنظمة العربيّة لكنها تقيم أوثق العلاقات بالشعوب العربيّة. طائفتي تقفز فوق رؤوس كل الأنظمة ولا تطيع حاكماً عربيّاً واحداً. طائفتي يتعلّم أبناؤها وبناتها منذ الصغر رفض طأطأة الرأس، إلا للأشجار والعصافير والغيوم والجبال.
لكن طائفتي ليست مسالمة ووادعة. بل هي تهبّ إلى القتال والمقاومة والثورة متى تدعو الحاجة. طائفتي تشجّع على امتشاق السلاح ضد العدو الإسرائيلي ومن أجل الثورة الداخليّة. حبّ الحياة في عزّة لا في ذل عند أبناء الطائفة وبناتها. لا تقيم طائفتي مجالس تجتمع شهريّاً للتداول في شؤون التأجيج الطائفي وفي قضايا عالميّة وإقليميّة. لا حكماء لطائفتي ممن يتصنّعون الوقار والوجوم أمام عدسات التلفزيون. طائفتي تؤمن باستراتيجيا دفاعيّة على ألا يكون قرار الحرب والسلم بيد الحكومة اللبنانيّة، وعلى أن يلتزم أفراد قوى الدولة المسلّحة بيوتهم عندما يأتي يوم الكريهة. من شاء أن يقاوم منهم يستطيع أن يلتحق بالمقاومة، لا العكس على طريقة خزعبلات فارس سعيد الدفاعيّة، أو نظريّات دوري شمعون الذي يرفض أن يقبل فكرة فشل إسرائيل الذريع في حرب تمّوز.
طائفتي تحترم المرأة وتحبّها وتجلّها من دون حثّها على اقتفاء آثار مريم العذراء. لا مكان في طائفتي للبنانيّين الذكور الذين لا يرون في المرأة إلا جسداً للتعرية، ولا يرون في رأس المرأة إلا علائم الماكياج ومسرحاً للزينة. لا مكان في طائفتي للذين لا يتقنون من اللغة إلا المناداة السوقيّة و«التلطيش» البذيء لكلّ مارّة في الشارع أو مارّة على «الفايسبوك». في طائفتي يُمنع منعاً باتاً تداول النكات عن هيفاء وهبي، ويُسمح بتداول النكات والنقد ضد الذكور الذين أودوا بمسخ الوطن إلى التهلكة. ماذا فعلت هيفاء وهبي كي تصبح مادة للنكات الرخيصة في مجتمع الذكوريّة المبتذلة؟ هل أفقرت الشعب؟ هل موّلت ميليشيات الحرب؟ هل زعمت أنها «عمّرت» لبنان فيما كانت تكنز ثروات على حساب الشعب اللبناني؟ هل تآمرت على لبنان وفلسطين؟ اتركوا هيفاء وهبي وشأنها. في طائفتي الحب والوصال والباه قائمة على القبول وعلى التساوي في تلبية الرغبات. طائفتي تشدّد على المساواة بين المرأة والرجل، وتطرد كل الذكور من إدارة شبكات التلفزيون اللبنانيّة لتنقيته من تسليع المرأة ومن تحقيرها ومن عَرضها بضاعةً. تستضيف طائفتي الخادمات السريلانكيّات والحبشيّات مدّة سنة على الأقل لخدمتهن وللسهر على راحتهنّ. يعمد أبناء طائفتي وبناتها إلى تدليك أقدام الخادمات السريلانكيّات والحبشيّات قبل أن يخلدن إلى النوم. يتطوّع أبناء طائفتي وبناتها لغسل ثيابهن تعويضاً بسيطاً عن سنوات أتعابهن.
طائفتي تسأل المرأة عن رغباتها وتطلّعاتها، لا تفترض ولا تزعم ولا تقرّر عنها. طائفتي تعيد تعريف جمال المرأة وتحرّم عمليّات التجميل باستثناء تلك المتعلّقة بعمليّات ذات صلة بالصحّة وسلامة المرأة (أي عمليّات إعادة تركيب تجميلي). طائفتي لا تحكم على المرأة فقط بناءً على وزنها وحجم نهديها وغلاظة شفتيها. طائفتي تَقبل بالمرأة كما هي من دون الاستعانة بمباضع ومركّبات وأعشاب وعقاقير من صنع مشعوذين ونصّابين. لا تقبل طائفتي باستيراد معايير جمال المرأة من مصانع هوليوود الذكوريّة. ترفض طائفتي أن تجعل من المرأة الحاضنة الوحيدة في العائلة، وتفرض على الرجل التزامات. لا تعتبر طائفتي أن العضو الذكوري يمنع الرجل من الطهو ومن الغسيل ومن التمسيح ومن جلي الحصون.
أريد طائفة تعيد تعريف الجندرة وتغيّر جذريّاً طرق التنشئة والتربية المعتمدة. في طائفتي، التربية تتأسّس على التعاون والتكافل والمحبّة والمساواة. طائفتي تنبذ التعنيف والتحقير كوسائل لزرع الطاعة والولاء الأعمى. طائفتي لا تسمح بقوانين أحوال شخصيّة تكرّس احتكاراً لقوانين الطوائف والمذاهب الذكوريّة. طائفتي تطلق سراح الخادمات الأجنبيّات في لبنان وتجرّم استخدامهن. طائفتي تطلق سراح العاملات في خدمات «الجنس» في لبنان، وتجرّم شراء ـــــ لا بيع ـــــ «الجنس» ـــــ إذا كان ذاك جنساً، لأن الجنس يفترض توافقاً من الطرفيْن والحاجة الماديّة تتنافى مع حريّة الاختيار والتقرير. طائفتي ستجعل من المعاملتيْن مقرّاً لمراكز تعنى بنشر فكر النسويّة الجذريّة في أنحاء لبنان.
لا تعترف طائفتي بالرأسماليّة وتعمل من أجل إلغائها. طائفتي تتفق مع «بلزاك» أن وراء كل ثروة جريمة، وتتفق مع «برودون» أن الملكيّة الخاصّة سرقة. تؤمن طائفتي بمطالب «البيان الشيوعي» حدّاً أدنى. تحتضن طائفتي الفقراء وتزدري الأغنياء وتمنعهم من تمثيل الناس ومن السيطرة عليهم. طائفتي تحرّم القصور في لبنان، وتستولي على كل القصور وتحوّلها إلى مساكن للفقراء. تهدم طائفتي كل تماثيل الأثرياء وإذناب المستعمر وتسمح بتمثال من مرمر لـ«الرجل الخطير». «الرجل الخطير» ابن طائفتي البارّ. طائفتي تمشي عكس الخصخصة وتؤمم كل القطاعات، بعد أن تحرّر الدولة من نفوذ الطوائف. طائفتي تستيعن بآراء الرفيقيْن خالد صاغيّة ومحمد زبيب في الاقتصاد، وتهمل كلّ ما يصدر عن مروان اسكندر. طائفتي تشجّع الناس على القرصنة لكسر احتكار أرباح الشركات المتعدّدة الجنسيّة ذات النهم الوحشي أو خفضها. وترفض طائفتي إفقار مزارعي البقاع تلبية لحرب فضيلة كاذبة مُستوردة من الولايات المتحدة.
طائفتي تعترف بدين إلى العمّال السوريّين في لبنان، وتعطيهم الجنسيّة اللبنانيّة. هؤلاء أعادوا إعمار بيروت، لا فقيد عائلته الذي أفقر الشعب اللبناني وشارك في التآمر على شعب لبنان وعلى شعوب البلدان العربيّة المُجاورة. تلاحق طائفتي وتجرّم كل من اعتدى ومن يعتدي على العمّال السوريّين وتلاحق كل السياسيّين الذي حرّضوا على الشعب السوري في لبنان، كما تحمّل النظام السوري مسؤوليّة إغفال حقوق العمّال السوريّين وأوضاعهم في لبنان. طائفتي تعتبر العمّال السوريّين في لبنان طائفة بذاتها، وتحضّ اتحادات العمّال في لبنان (بعد إقصاء رئيسها غسان غصن عنها ـــــ هذا المُنصّب من قبل حركة أمل لأسباب لا علاقة لها بحقوق العمّال في لبنان) على التعاون والاتحاد مع نقابة للعمّال السوريّين في لبنان.
طائفتي تزيل الحدود التي تفصل بين المخيّمات الفلسطينيّة وباقي لبنان (هل شاهدتم الحدود بين مخيّم برج البراجنة ومحيطه؟ تعرفه من لون الزفت). طائفتي تحارب من أجل التحرير ولا تستعمل خطاب «التوطين» لقمع الشعب الفلسطيني في لبنان. طائفتي تزيل حواجز الجيش اللبناني من حول كل المخيّمات الفلسطينيّة وترسل كل عناصرها نحو الحدود مع فلسطين المحتلّة. لا يهنأ بال لطائفتي قبل إجراء تحقيق مستفيض في مجزرة (لا بطولة فيها) نهر البارد. يعيد أبناء طائفتي وبناتها بناء مخيّم نهر البارد دون إذن من الدولة اللبنانيّة التي تكذّب في موضوع نهر البارد بمعدّل ثلاث مرّات في اليوم، على الأقل. طائفتي تساهم في تهريب السلاح إلى المخيّمات الفلسطينيّة.
طائفتي تطرد كلّ الذكور من إدارة شبكات التلفزيون لتنقيته من تسليع المرأة وتحقيرها
ليس في طائفتي زعماء وقطيع، بل أبناء وبنات يتشاركون في صنع القرار على المستوى المحلّي والوطني. لا تسمح طائفتي بانتخابات اشتراعيّة أو بلديّة قبل تغيير القوانين الانتخابيّة ورفع السريّة المصرفيّة التي سهّلت التآمر الغربي والخليجي على لبنان وعلى فلسطين. طائفتي تطالب بالعودة إلى اتفاق القاهرة وتطلب من الأمانة العامة لـ14 الأمير مقرن أن ترابط في الجنوب اللبناني التزاماً منها ببديل من استراتيجيا مقاومة إسرائيل في لبنان. طائفتي تطالب بفتح الحدود اللبنانيّة مع سوريا وباستيراد كل أنواع السلاح للدفاع عن لبنان بوجه إسرائيل وعدوانها.
أريد طائفة تطير وتحلّق وتغني قبل العصافير. طائفة تستيقظ مع غروب الشمس وتنام مع طلوع الفجر. أريد طائفة تتلوّن بألوان قوس قزح، ولا تخشى المبيت في الغيوم. أريد طائفة لا تتبع ولا تصفّق ولا تهتف إلا بحريّة ومن دون أجر أو تحريض أو أمر أو إيعاز أو بغريزة. أريد طائفة تشرب من الأرض وتأكل، ثم تعيد إليها. طائفة تفهم النضال البيئي على غير ما يفهمه أكرم شهيّب وحزب الخضر. مفهوم طائفتي للبيئة يقترب من مفهوم نضال حزب الخضر الأميركي الاشتراكي لا حزب الخضر اللبناني الرأسمالي. النضال البيئي لطائفتي مقرون بالنضال ضد الرأسماليّة وضد العولمة الأميركيّة، فيما يقترن «نضال» حزب الخضر اللبناني بمسيرة الرأسماليّة الاحتكاريّة للنظام الاقتصادي اللبناني. طائفتي تفهم الحاجة البيئيّة كنضال ضد جشع أمراء النفط وتوابعهم في الاقتصاد والمجتمع في لبنان. طائفتي تبدأ بإقفال الكسّارات ومنع الصيد ومنع الشركات الغربيّة ذات التراث العريق في إفساد البيئة.
أريد طائفة يقيم أبناؤها وبناتها في لبنان، من غير أن يكونوا يقيمون في لبنان. أريد طائفة لا تنتمي إلى أساطير التفوّق اللبناني ومزاعم العبقريّة اللبنانيّة. أريد طائفة تعترف بالمساواة بين البشر. هل هذا كثير عليكم وعليكنّ يا أبناء طوائف لبنان وبناتها؟ أريد طائفة ترسم خرابيش وتزاوج بين الأحمر والأخضر في العلم اللبناني. أريد طائفة تعيد كتابة تاريخ لبنان للتحدّث عن معركة استقلال لم تُنجز الاستقلال. تعد طائفتي بالشروع في معركة من أجل استقلال حقيقي للبنان.
هذه هي طائفتي، هل من ينضمّ (أو تنضمّ) إليها؟
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
تعليقات: