يحق للمرأة من الناحية الشرعية والقانونية أن تطالب بمهرها
يستوقفني مفهوم شائع بين الناس ملخصه أنَّ المهر أو " الحق " ـ كما يسمونه ـ ما هو إلا "حبرٌ على ورق"، ولذا يستسهل أولياء الخاطب الوقوف عند هذه المحطة الحقوقية، وتراهم يبالغون في السخاء وإظهار الكرم عندما يسمّون مهر عروستهم آلافً مؤلّفةً من العملة الصعبة، يقيناً منهم أنَّ تلك المبالغ الطائلة لن تكون يوماً دَيناً يتوجّب على ولدهم سداده بإلزامٍ قانوني أو أخلاقي أو إنساني..
وما هذا الإلتباس أو الجهل إلا واحدٌ من إفرازات التكوين المعرفي الإلتقاطي الذي لا يستند إلى حجة علمية أو استدلال حقوقي، ولا شكَّ أنَّ تطبيعه ينتج ظلماً وحرماناً للمرأة من حقوق مكتسبة لا يجوز تضييعها أو نكرانها بأي وجه من الوجوه..
لذا لا بدَّ من تعميم المعرفة الكاملة في هذا الشأن دفعاً لجهل الجاهل ،وإلزاماً لمن يتوسّل التهرّب من الحقوق المتوجّبة عليه.
وبادئ ذي بدء ينبغي التعريف بالمهر أو الصداق لغةً واصطلاحا، فالصداق بفتح الصاد وكسرها هو مهر المرأة وجمعها في أدنى العدد أصدقة والكثير صدق، وأصدق المرأة جعل لها صداقاً ، والصدقات جمع صدقة.
واصطلاحا: هو مأخوذ من الصدق ضد الكذب لأنَّ دخوله بينهما دليل على صدقهما وسمي مهراً وطولاً ونفقة ونحلة ،وهو هدية لازمة وعطاء مقرر وليس عوضاً عن ملك الزوج الإستمتاع بزوجته بدليل ما ورد في القرآن من تسميته صدقة ونحلة يقول الله تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" والنحلة هي الهدية الواجبة أو العطاء بلا مقابل.
وبناء على التعريف المتقدم فالمهر عطاء لازم للزوجة تنشغل ذمة الزوج به لحظة إبرام عقد الزوجية وهو ليس ثمناً أو بدلاً مالياً ، وعليه فإنَّ إطلاق كلمة " حق " على المهر ولو من باب التسامح العرفي يعتبر انتقاصاً من قيمة المرأة كإنسان له ما للرجل من مكانة ومنزلة مصونة.
يتبين لنا إذ أنّ المهر دين للزوجة في ذمة زوجها، ولا يسقط هذا الدين إلا بالبذل او الإبراء عن طيب خاطر، إذا فمقولة "حبر على ورق" ليست إلا وهماً أو جهلاً بحقيقة التعاقد الزوجي وما يرتبط به من حقوق وواجبات، وعليه فإنَّ الشريعة الإسلامية لا تسمح بنكران مهر الزوجة وغصبه من قبل الزوج أو أوليائه فيما لو أصبح دفع المهر حالاً بحلول أحد أجليه المقررين الموت أو الطلاق.
ومن هنا يحق للمرأة من الناحية الشرعية والقانونية أن تطالب بمهرها فيما لو تمنّع الزوج عن دفعه لها ولها أن تتخذ صفة الإدّعاء لدى الجهات القضائية المختصة، ومن واجب هذه الجهات مساعدة الزوجة على استيفاء حقها ، كذلك فإنَّه يحق للزوجة المتوفى زوجها أن تطالب أولياءه وسائر ورثته بمهرها باعتباره من الدين الذي يستثنى من أصل التركة كما نصّ على ذلك الفقه الإسلامي.
كذلك فإنَّ المعاملة السيئة والتنكيل الذي يعمد إليه بعض الأزواج بغية إخضاع الزوجة وإجبارها للتنازل عن مهرها ما هو إلا شكل من أشكال العنف الزوجي وغصب للحق الثابت ، وأكل للسحت والمال الحرام المأخوذ غصباً وعدوانا ..
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الظاهرة المقيتة في آياته البينات حيث يقول تعالى : (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ).
ولعلَّ الكلام في المهر يقودنا في نهاية المطاف إلى ضرورة الإعتراف بسائر حقوق الزوجة المالية كحق النفقة الواجبة وما تتضمنه من متطلبات لازمة وضرورية ، كذلك حقها في الملكية الفردية والتصرّف بمالها الخاص ،فالإسلام يحفظ لها حقَّ التصرّف بمالها ، وهو لا يعفي زوجها من مسؤولياته المادية اتجاهها، حتى لو كانت منتجةً أو مالكةً أو وارثة ، والإسلام لا يبيح للزوج التسلّط على مال زوجته والتصرّف به دون إذنها ورضاها ..
وهكذا نستخلص أنَّ مقتضى العدالة الإجتماعية يتحقق باحترام الحقوق المتبادلة بين الرجل والمرأة سواء منها الحقوق المادية أو المعنوية ، وأنَّ ما نهدف إليه من خلال هذه السطور ليس إلا سعياً لتحقيق التكافؤ والمساواة ، واعترافاً للمرأة فيما تملكه من حقوق كفلتها لها الشرائع والديانات ..
* كاتب وباحث لبناني
Ch.m.kanso@hotmail.com
تعليقات: