«المستقبل» يخوض معركة الثأر من نحّاس

وزير الاتصالات شربل نحاس
وزير الاتصالات شربل نحاس


ما إن سحبت قضيّة الاتفاقيّة الأمنيّة من التداول، حتى عادت من باب اتهام وزير الاتصالات شربل نحاس بإخفاء تقرير تقني عن لجنة الاتصالات النيابية. اتهام ينفيه نحاس، وتبطله تركيبة اللجنة التي وضعت التقرير النهائي، ووقائع لجنة الاتصالات التي وضعها نحاس في صورة تأليف لجنتين

يريد النائب عقاب صقر استقالة وزير الاتصالات شربل نحاس أو إقالته، «ليكون عبرة لمن اعتبر». هكذا، ومن دون أي تدقيق في ما نشرته إحدى الصحف يوم الجمعة الماضي، بدأت قوى 14 آذار هجومها الذي بدا استباقاً لتوصية رئيس مجلس النواب نبيه بري بشأن التعامل مع الاتفاقية الأمنية الموقّعة بين لبنان والولايات المتحدة 2007.

كيف بدأ الهجوم على نحاس؟

يوم الجمعة الفائت، نشرت صحيفة «الشرق» خبراً مفاده أن نحاس أخفى عن لجنة الاتصالات النيابية تقريراً أعدّته لجنة من وزارته، كان قد ألّفها بناءً على توصية نيابية (صادرة يوم 10/3/2010)، بهدف درس ماهية المعلومات المتعلقة بشبكة الهاتف الخلوي، التي كانت السفارة الأميركية قد طلبتها من قوى الأمن الداخلي في نيسان 2007. أضافت «الشرق» إن اللجنة ضمّت المهندسَين كمال أبو فرحات وعبد الله قصير، والرائد في الجيش أنطوان قهوجي. ولفتت إلى أن التقرير الذي أعدّته اللجنة لم يرق نحاس، لأنه يؤكد أن المعلومات التي طلبها الأميركيون لا تمثّل أي خطورة على أمن شبكة الخلوي في لبنان، وأن بإمكان أي كان الحصول عليها من الإنترنت. بناءً على ذلك، تابعت الصحيفة، أخفى نحاس التقرير، وألّف لجنة جديدة تضم إلى قصير كلاً من المهندسين عماد حب الله وباتريك عيد وديانا بو غانم ودانيال حمادة. وبحسب «الشرق»، فإن هؤلاء مقرّبون إمّا من نحّاس، وإما من حزب الله أو من حركة أمل. أما المهندسة في الوزارة ديانا بو غانم، فوصفتها الصحيفة بأنها «من عناصر استخبارات الجيش، ويُقال إنها كانت من المقرّبين إلى اللواء جميل السيد ولها دور في العديد من الملفات أيام الرئيس السابق إميل لحود»! وهذه اللجنة هي التي وضعت التقرير النهائي الذي يؤكد أن المعلومات المطلوبة من الأميركيين شديدة الحساسية وينبغي الحفاظ على سرّيتها.

ما ذكرته الصحيفة بات بمثابة الحقيقة المنزلة عند عدد من نواب 14 آذار، وخاصة في تيار المستقبل، واصفين «الواقعة» بالفضيحة التي تثبت عدم أهليّة شربل نحاس لتولّي الوزارة.

لكن التدقيق بما قيل خلال اليومين الماضيين، ومقاطعته عند أكثر من مصدر، يظهر الآتي:

أولاً، من الثابت أن نحاس ألّف لجنة يوم 12/3/2010 بعضوية أبو فرحات وقصير والرائد أنطوان قهوجي (أحد أبرز ضباط الفرع التقني في استخبارات الجيش). إلا أن الأخير لم يلتحق باللجنة، بحسب مصادر واسعة الاطلاع في وزارتي الاتصالات والدفاع، لأن وزير الدفاع الياس المر لم يشأ أن يكون الجيش طرفاً في قضية سجالية. ولهذا السبب، فإن اللجنة المذكورة لم ترفع أيّ تقرير إلى وزير الاتصالات. لاحقاً، أصدرت لجنة الاتصالات النيابية توصية ثانية (يوم 18/3/2010) تطلب فيها من نحاس حصر عمل اللجنة بالشق التقني والابتعاد عن الشق الأمني. ففي تلك الجلسة للجنة الاتصالات، أصرّ عدد من نوّاب 14 آذار على ألا يكون بين أعضاء اللجنة أي أمني أو عسكري. وفي قرار نحاس القاضي بتأليف لجنة فنية ثانية (30/3/2010)، ذكر الوزير التوصية الجديدة التي أصدرتها اللجنة النيابية. واللافت أنّ النوّاب الذين هاجموا نحاس، حصلوا على نسخة من التقرير، مرفقة بنسخة من القرار الذي يأتي على ذكر التوصية الثانية.

ثانياً، إن عضو اللجنة الأولى، كمال أبو فرحات، معروف بتأييده للتيار الوطني الحر. وهو مستشار للوزير شربل نحاس. ووجهة نظره السياسية أقرب إلى وجهة نظر الوزير، مما هي عليه الحال بين نحاس وأعضاء الهيئة المنظّمة للاتصالات، المستقلة تماماً عن سلطته. ومنذ وصوله إلى الوزارة، لم يترك نحاس مناسبة من دون أن يعترض فيها على الهيئة المنظمة للاتصالات ودورها وميزانيتها. ورغم ذلك، اختار اثنين من أعضائها (عماد حب الله وباتريك عيد) والمهندس المتعاقد معها دانيال حمادة، لعضوية اللجنة. ومعروف لدى المطلعين على قطاع الاتصالات في لبنان أن حب الله وعيد عُيّنا في عهد رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، عندما كان مروان حمادة وزيراً للاتصالات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دانيال حمادة المحسوب على النائب وليد جنبلاط. «أما القول إن المهندس عبد الله قصير قريب للنائب السابق عبد الله قصير (حزب الله)، فلا يعدو كونه محاولة لوضع المهندس قصير في خانة المؤيّدين للحزب، علماً بأنه عضو سابق في الحزب الشيوعي اللبناني، ويقول في حزب الله ما لم يقله مالك في الخمرة»، بحسب مصادر في الوزارة. كذلك، فإنه شارك في وضع تقرير اللجنة التقنية الثانية، ووقّع، كغيره من أعضائها، على جميع صفحاته. وبالتالي، «فإن رأي عبد الله قصير موجود في تقرير اللجنة الثانية، لا في التقرير المزعوم. ولو أن فرضيّة وجود تقرير مخفيّ صحيحة، لما كان نحاس قد أعاد تعيين قصير في اللجنة الثانية».

أشار نحاس في قرار تأليف اللجنة الثانية إلى التوصية الجديدة الصادرة عن اللجنة

وضعت مصادر في المعارضة السابقة الهجوم على نحاس في إطار الرد على معارضته سياسة «المستقبل» المالية

تبقى المهندسة ديانا بو غانم التي اتهمتها الصحيفة بأنها من «عناصر استخبارات الجيش»(!). وبحسب مسؤولين في الوزارة، فإن «مصدر هذه التهمة، التي تذكّر بالنغمة التي درجت في الفترة اللاحقة لانسحاب الجيش السوري من لبنان، أن بو غانم كانت ضمن الفريق الذي عمل على مكافحة الاتصالات الدولية غير الشرعية، الذي كان يرأسه العقيد دانيال فارس. لكن المستغرب هو الإيحاء بأن نحاس كان بحاجة إلى بو غانم من أجل وضع التقرير الذي يلائمه، فيما اللجنة الأولى كانت تضمّ ضابطاً من استخبارات الجيش، لا مهندسة توجّه إليها تهمة سخيفة بالعمل لحساب هذه الاستخبارات».

من جهته، أصدر وزير الاتصالات شربل نحاس بياناً أكد فيه أن تقريراً وحيداً كان قد صدر، وهو الذي تسلمته لجنة الاتصالات النيابية، «وكل ما عدا ذلك لا يشكل تقريراً ولا يتعدى كونه مسوّدات جزئية واكبت عملية الصياغة، وكان يعدلها تباعاً الفريق الفني وفق تقدم الأبحاث التي كان يتولاها أعضاؤه». ولفت نحاس إلى أن «اللجنة البرلمانية كانت قد اطّلعت على كل مراحل العمل، بما فيها مرحلة التركيز على حصر عمل اللجنة الفنية بالفنيين وحدهم».

هذا في الشق المتعلق بوزارة الاتصالات، أما على صعيد عمل لجنة الاتصالات النيابية، فقد أبدى رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله استعداده لعقد اجتماعات تهدف إلى مساءلة الوزير شربل نحاس، «في حال حصوله على نسخة عن التقرير المزعوم». ولفتت مصادر واسعة الاطلاع إلى أن الحملة المثارة في وجه نحاس تهدف إلى أمرين: الأول هو السعي من أجل تطويق توصية الرئيس نبيه بري التي سيقدمها إلى رئيسَي الجمهورية والحكومة بشأن التعامل مع الاتفاقية الأمنية الموقعة بين لبنان والولايات المتحدة عام 2007، والتي «يرى بري فيها ثغراً دستورية وقانونية لا يجوز تركها من دون معالجة»، علماً بأن رئيس المجلس سيقدم التوصية فور عودة رئيس الجمهورية من البرازيل. وأكدت المصادر أن «أي محاولة للتهرب من معالجة قضيّة الاتفاقيّة الأمنية ستؤدي إلى فتح مشكلة سياسية جديدة في البلد، وقد تكون وطأتها السياسية والإعلامية أكبر مما سبق».

أما السبب الثاني لهذا الهجوم على نحاس، فتردّه المصادر المنضوية تحت لواء المعارضة السابقة إلى الدور الذي يقوم به نحاس في «المناقشة الجدية والعلمية للطروحات المالية والاقتصادية التي يعرضها فريق تيار المستقبل في الحكومة».

----------------------------------------------------------------

لهذه الأسباب يريدون رحيل شـربل نحاس

مثّل الوزير شربل نحاس منذ اليوم الأول لتسميته في الحكومة الحالية مصدر إزعاج. كان البعض يتحدث عمن يكون هذا الآتي إلى وزارة الاتصالات، فقِيل بحقه الكثير من الصفات المزعجة لأصحاب الشأن والمصالح في الدولة اللبنانية. إنه ألم في أسفل ظهر هذه الفئة

فداء عيتاني

بات واضحاً أن لجنة الإعلام والاتصالات النيابية كانت على اطلاع كامل وواف بمجريات عمل اللجنتين الفنيتين اللتين ألّفهما وزير الاتصالات شربل نحّاس بناءً على توصيتين صادرتين عنها، ما يعني أن ادعاء عدم معرفة أعضاء في اللجنة النيابية بملابسات تأليف اللجنة الفنية الثانية وظروفها ساقط بحسب المحاضر. وبات واضحاً أيضاً أن اللجنة الأولى أُلغيت في ضوء توصية صادرة عن اللجنة النيابية نفسها، التي أصرّ بعض الأعضاء فيها على حصرها بالفنيين من دون مشاركة ممثلين عن الجيش وقوى الأمن الداخلي فيها، ولا سيما أن وزير الداخلية تحفّظ شفهياً على مشاركة ضابط من قوى الأمن الداخلي، فيما الضابط المنتدب من قيادة الجيش أنطوان قهوجي لم يشارك في أي اجتماع من اجتماعاتها، وبالتالي أُلفت اللجنة الثانية، بمعرفة اللجنة النيابية، وخلصت إلى تقرير فني محض.

وبات واضحاً أيضاً وأيضاً أن اللجنتين الفنيتين كتبتا أكثر من 33 ورقة عمل وتقريراً فرعياً داخلياً وموجز دراسة أو إجابات عن أسئلة تفصيلية ونتائج بحث ومسوّدات. وهذه الأعمال التمهيدية طبيعية قبل الوصول إلى التقرير الذي تسرب إلى وسائل الإعلام.

وبات واضحاً أن ما نشرته جريدة «الشرق» التي تحولت فجأة إلى أهم مصدر للحصول على التقارير السرية، لا يتنافى على الإطلاق مع التقرير الفني الوارد إلى اللجنة النيابية المعنية، وما نشرته الصحيفة أمس وسمته «محضر اللجنة الفنية»، أي محضراً لاجتماع وليس تقريراً، وما نشر حتى اليوم أوراق جزئية، تجيب عن جوانب تفصيلية في موضوع الاتفاقية الأمنية وطلبات السفارة الأميركية. لكن الحملة ترتكز أساساً على الاجتزاء والتشويه لمعنى الأوراق التي نُشرت، وصولاً إلى تزوير موصوف عبر الادعاء أن الضابط قهوجي وقّع محضر اجتماع لم يشارك فيه بحسب تأكيدات بيان وزير الاتصالات، وهو ما لم توضحه قيادة الجيش بعد.

ورغم ذلك، فإن النائب عقاب صقر محق، فعلى الوزير شربل نحاس أن يضع استقالته بتصرف رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء، بانتظار أن يبتّ الرئيس نبيه بري ما لديه من أوراق مقدمة، ومن الأفضل أيضاً أن يعدّ الوزير نحاس الأمر موجهاً إليه شخصياً ويرحل نهائياً عن مجلس الوزراء من دون الالتفات إلى الوراء.

لكنّ لذلك أسباباً أخرى. فقد عانت وزيرة المال ريا الحسن على نحو خاص من تصرف نحاس وزيرَ ظل لها، يرتكز على معرفة دقيقة في الملفات المالية والاقتصادية، وها هو في 22 من الشهر الحالي يغادر لبنان إلى واشنطن للمشاركة في مؤتمر عن الاتصالات يُعقد في واشنطن على هامش الاجتماعات المشتركة بين صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث ينوي تقديم «الخيارات البديلة» أمام لبنان لتجنب الخصخصة، وقبل أن يأخذ موافقة مجلس الوزراء على المشاركة (في جلسة 21 نيسان) كان قد أعدّ جدول اجتماعات مع كل الشخصيات المعنية بالملف اللبناني، وجهز أوراق عمله التي تحمل وجهة نظر مغايرة لوجهة النظر السائدة، المتمثلة ببيع الدولة للقطاع الخاص.

وفي يوم وصوله إلى واشنطن، كانت الحملة في بيروت قد بدأت عليه، مستظلة غيابه، فبدأت عبر ترويج «فضائح» من دون أي مستندات في شأن عمل اللجنة الفنية، لكنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، نتيجة افتقار إلى الوثائق والأدلة الكافية، لتتحدث عن وجود غرف مظلمة و«وزير الظل» في وزارة الاتصالات، وهو حيناً حزب الله، وحيناً آخر أشباح آخرون يرفض النائب عقاب صقر إطلاع الرأي العام على أسمائهم.

الوزير نحاس شخص مزعج في مجلس الوزراء، فهو يناقش في كل بند على حدة، ولا يدع بنداً، كتنفيذ مشروع ساقية على جانب طريق في قرية في وادي خالد، إلا يبحث فيه. ورغم اعتراضات الوزراء الدائمة، إلا أنه لا يرفع رأسه عن الأوراق التي أمامه، وينظر من فوق نظاراته إلى المعترضين قبل أن يتابع النقاش.

حين أُسقط مشروع رفع الضريبة على القيمة المضافة TVA، بدأت بوادر تسوية بين القوى السياسية تقتضي الشروع بسرعة في بيع بعض القطاعات العامة، وأهمها على الإطلاق الاتصالات بفروعه: الخطوط الهاتفية الثابتة والخلوية والإنترنت.

والهاتف الخلوي خصوصاً، هو أهم القطاعات إنتاجيةً وأعلاها مردوداً للدولة، وبالتالي فإنه يثير شهية المستثمرين. وهذا ما تؤكّده تصريحات الكثيرين من أصحاب المصالح، عن ضرورة أن تبدأ عملية بيع الدولة للمنتفعين من هذا القطاع، لكونه الأكثر جهوزية والأكثر ربحية.

إلا أن نحاس، فور دخوله إلى الوزارة، أطلق موقفاً واضحاً يقطع الطريق أمام رغبات أصحاب المصالح. فهو لن يسمح ببيع ضرائب سيادية أو نقل احتكار عام إلى احتكار خاص. وكشف عن أن 65% من فاتورة الخلوي هي مكونات ضريبية وشبه ضريبية، و35% منها فقط تمثّل العناصر التجارية، وبالتالي لا يمكن وفق الدستور والمنطق أن نبيع لشركات من القطاع الخاص مكونات ضريبة سيادية للتحوّل إلى أرباح صافية غير مشروعة لمن يريد أن يستثمر في شراء رخصتي الخلوي، وهو ما أدّى إلى خيبة أمل للطامحين بالشراء، أو للمسوّقين لمشروع بيع الدولة، وفي مقدمهم رئيس مجلس الوزراء السابق فؤاد السنيورة الذي لا يزال هو المدير الفعلي لـ«الطاقم الحريري» الموزع في الإدارات العامة والهيكليات الموازية في إدارة الدولة.

إلى هنا، لا بأس. فقد سقط مشروع زيادة ضريبة TVA، واتُّهم نحّاس بأن له دوراً بارزاً في ذلك، وهو بات يمثّل حجر عثرة أمام تنفيذ الخصخصة بوصفها خياراً بديلاً، ولا سيما في قطاع الاتصالات.

ونجح نحاس نجاحاً باهراً في تحريض الطبقة السياسية عليه. فهو ليس منها، ولا يشبه أركانها بشيء، وغالباً ما يبدو في مجلس الوزراء كأنه غريب لا يفهم لغة زملائه ولا يفهمون لغته، وهم يتقنون فنون التسويات بينما هو يقف حجر عثرة أمام كل بند، حتى صارحه أحد وزراء المعارضة قائلاً: «أنت لا تتقن العمل الوزاري، الأمور لا تسير هكذا هنا».

وكأنه يعمل نكاية بالراغبين في شراء قطاعات الدولة الأكثر إنتاجية خردة، فذهب إلى بناء تجربة يريد من خلالها أن يُثبت أن هناك خيارات أخرى أسلم وأفضل، فطرح في جلسة مجلس الوزراء في 14 الشهر الحالي مشروع الربط بالألياف البصرية لتوسيع نطاق خدمة الإنترنت عبر برود باند، أو الحزمة العريضة، طالباً سلفة بقيمة 100 مليار ليرة، ومقدّماً دراسات تؤكّد أن عائدات مثل هذا الاستثمار ستغطّي الكلفة في أقل من عام، فضلاً عن التأثيرات الإيجابية المباشرة وغير المباشرة التي ستتأتى من جرّاء الاستثمار العام في زيادة سرعة الإنترنت وسعته في لبنان.

احتج بعض الوزراء حيناً، لأن المشروع لم يلحظ كل المدارس الرسمية، أو لأنه لم يستشر الجهات الأمنية، وأجاب بأن أغلب المدارس الرسمية لا تملك أجهزة كومبيوتر. أما وزارة الدفاع، فإنها لن تحار جواباً عن موضوع كتعريض سعة الإنترنت، وفي نهاية الجلسة أُجِّل الموضوع إلى الجلسة التالية في 21 منه، لمزيد من التوضيح التقني.

في 21 نيسان، خلال الجلسة، وبعد ثلث ساعة من الشرح التقني الجاف لنحاس عن الحزمة العريضة، قاطعه بعض الوزراء قائلين: «صُدّق» على خلفية جولة من الاتصالات بين القوى السياسية سهلت إقرار المشروع، فتابع نحاس الشرح، إلا أن الرئيس سعد الحريري قاطعه قائلاً: «صدق صدق»، فأُعطي نحاس السلفة للبدء بتنفيذ المشروع، من دون الاضطرار إلى انتظار إقرار الموازنة العامّة.

كان الرئيس السنيورة أكثر من غاضب حين علم بالأمر، واتصل بعدد من الوزراء معاتباً، مستخدماً العبارات نفسها معهم: «لقد ارتكبتم أكبر خطأ، وستدفعون ثمنه غالياً. كيف يمكن إعطاء هدية مماثلة لنحاس قبل مناقشة الموازنة؟ الآن سيحقق إنجازاً في وزارته، بينما سيناقش الموازنة تفصيلياً، ولا يمكن مساومته في النقاش، وهو ليس مضطراً إلى تقديم أي تنازل، وخاصة أن الأموال أصبحت في وزارته، وسيحقق مشروعه الذي يتناقض تماماً مع اتجاه الخصخصة».

لم يعط نحّاس مشروع إنشاء البنية التحتية للإنترنت السريع للقطاع الخاص، فالفكرة لديه تقوم على أن تبقى الدولة هي المالكة لكل البنى التحتية والتجهيزات، فيما على القطاع الخاص أن يتنافس في تقديم أجود الخدمات وأرخصها من دون أن يتمكن من السيطرة، كما حصل في مجال الهاتف الخلوي، وبالتالي ثمة ضرورة لتفعيل القطاع الخاص لخدماته من ناحية حتى يبقى على قيد الحياة في مجال الإنترنت. ثانياً، إن الخدمة ستتوافر للمواطنين حتماً بأسعار أرخص بما لا يقاس بما هو حالياً، وبالتالي ستتراجع أرباح الشركات الخاصة إذا لم تحسّن نوعية الخدمات والعروض.

كانت السلفة بمثابة «الغلطة» التي ارتكبها فريق الخصخصة، لذلك كان لا بد من البحث عن طريقة لاستدراكها. الملف الوحيد الذي أمكن تخيّله للهجوم على نحاس ومحاصرته هو ملف المعاهدة الأمنية، وخاصة أنه:

أولاً: يعيد الاعتبار إلى السنيورة نفسه في مجال الاتفاقية الأمنية، وهو المتهم الأول في تسهيلها.

ثانياً: يجري استباق توصية رئيس مجلس النواب إلى مجلس الوزراء بخصوص المعاهدة الأمنية.

ثالثاً: تُضرَب حزمة المشاريع المنويّ القيام بها لمصلحة الوزارة، وتُلغى التوجّهات التي أرساها نحّاس لإعادة أوجيرو والهيئة المنظّمة للاتصالات إلى النطاق القانوني.

رابعاً: تمهَّد الطريق أمام خصخصة القطاعات والتخلص عملياً من آخر صوت في مجلس الوزراء يقف بوجه الخصخصة على نحو سافر، والوصول إلى عمليات خصخصة قبل نهاية العام الحالي، وخاصة أن أكثر قطاع مؤهل (برأي أصحاب المصلحة) للبيع هو الذي يترأس وزارته نحاس نفسه.

خامساً: تهشيم شربل نحاس، وتصويره بأنه دمية في يد وزير ظل، رداً على ما يقوم به تجاه مشروع الخصخصة وزيادة الضرائب.

سادساً: التأسيس لطرح يقوم على تبديل نحّاس في أي مشروع للتعديل أو التغيير الحكومي.

ليس صدفة أن تتزامن الحملة على وزير الاتصالات في الوقت الذي تتكثّف فيه الاجتماعات السرّية والمعلنة بين الطامحين إلى الخصخصة من القطاعين العام والخاص، وخلال النقاشات بشأن «الشراكة بين القطاعين»، وهو الاسم الفنّي للخصخصة، يدور الحديث حول ضرورة إقرار اقتراح قانون الشراكة قبل نهاية العام الحالي. ويشير المتحدثون في مجالسهم إلى أن التوافق بين القوى السياسية يسمح بإمرار هذا القانون بسرعة في مجلس النواب، والخصخصة تمثّل «الحل لمشكلة لبنان المستعصية».

ينوي نحّاس تقديم «الخيارات البديلة» أمام لبنان لتجنب الخصخصة

يضيف هؤلاء أن شبكة الفايبر أوبتيك التي ستربط المواطنين بالحزمة العريضة مشروع ضخم، و«من الخطأ السماح لوزارة الاتصالات القيام به بمفردها»، ولا بد من إشراك القطاع الخاص بأرباحه. وحين تصل الأمور إلى الجيب والمال، فإن القطاع الخاص عادة ما يربح ويترك القطاع العام ليغرق في الديون والسرقات والرشى.

لهذه الأسباب مجتمعة، على الوزير نحاس أن يرحل. فقد ضاق الوزراء، ومن خلفهم، بتحوله إلى ألم في أسفل الظهر طوال الوقت.

لكن نحاس الآن في واشنطن حيث يعقد اجتماعات مع فريق البنك الدولي المتخصص في قطاع الاتصالات لإنجاز نموذج اقتصادي ـــــ رياضي، يسمح بالمفاضلة بين الخيارات المختلفة التي تواجه قطاع الاتصالات في لبنان، ولا سيما بين خيار الخصخصة أو الاستثمار العام.

وقد عقد اجتماعات مع المسؤولين عن قطاع الاتصالات في البنك ومؤسسة التمويل الدولية، ومع المدير التنفيذي لدول المنطقة في مجموعة البنك الدولي ميرزا حسن، لبحث أوضاع قطاع الاتصالات في لبنان والتوجهات الإصلاحية المناسبة له.

والتقى نحاس السفير فوق العادة فيليب فرفير، وهو نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لسياسات الاتصالات الدولية والمعلومات والمنسق الأميركي لهذه السياسات.

هذه اللقاءات تثير حفيظة من يريد أن يتحكّم بالعلاقة بين لبنان وهذه المؤسسات الدولية، فنحّاس تجاوز حدوده، برأيهم، منذ أن تصدّى لبرنامج باريس 3 بدراسة مضادة أرسلها العماد ميشال عون باسمه إلى جميع الأطراف المشاركين في المؤتمر.

أخيراً، يكفي الدخول إلى موقع www.pen-link.com، ليتبين القارئ خطورة ما يورده التقرير الفنّي المقدّم إلى اللجنة النيابية في حال الحصول على معلومات عن شبكات الاتصال وإمكانات مراقبة هذه الشركة للبث والاتصالات في لبنان لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل طبعاً.

تعليقات: