مركز المجلس الثقافي للبنان الجنوبي في بيروت
* اذا تطلب وضع استراتيجية دفاعية اعتمادا على التسلح العسكري ، هل تسمح امكانيات الدولة اللبنانية بذلك؟
* هل الوسائل السياسية يمكن ان تسد النقص في الوسائل العسكرية؟
* وهل تستطيع هيئة الحوار معالجة هذه المشكلة التي باتت موضع خلاف حتى النزاع في الداخل اللبناني؟
تلك كانت الأسئلة التي طرحها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي وتصدى لها ثلاثة من أعمدة الثقافة وقراءة الأحداث وتحليلها هم الدكتور شفيق المصري،د. ساسين عساف واللواء الركن المتقاعد ياسين سويد وهم من بين المثقفين الأكفاء في طرح النظريات واقتراح الحلول وتقديم النصيحة الاستشارية للمسؤولين في مواقع القرار ولمن تقع على عاتقهم مهمة ادارة دفة البلاد وتسيير شؤون العباد.
د. شفيق المصري : استراتيجية دفاعية كجزأ من استراتيجية وطنية.
تناول الدكتور شفيق المصري المشروع الاستراتيجي لحماية لبنان مسلطا الضوء على بعض النقاط المتعلقة بسياسة لبنان الداخلية واخرى متعلقة بسياسته الخارجية ومن اهم النقاط في السياسة الداخلية
- أولا: الاستراتيجية الدفاعية التي يجب ان تشكل جزءا من استراتيجية وطنية تضم كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتنموية .
- ثانيا: تحت عنوان سياسة لبنان رأى الدكتور المصري ان الشعب هو من يجب ان يقرر كيف يدافع عن مصالحه وتبدأ المقاومة في وسائل الاعلام لكي يعبر هذا الشعب عن مواقفه من الكفاح المسلح واذا ما وجد في المقاومة حالة من الدفاع عن النفس معللا هذا الموقف بالاحتضان الشعبي للمقاومة وذلك قبل وخلال وبعد مرحلة نشوء المقاومةالاسلامية وفي هذا المضمار دعا الى أمرين ، الأول تعميم ثقافة تعريف العدو والثاني : القيام بالحملات الاعلامية لردعه من دون الادعاء أو الزعم أو التخطيط لمهاجمته ، فرأى أن المقاومة وظيفة لازالت تستلزمها الظروف ووصف الموقف بحالة شعب مقاوم.
- ثالثا :هيئة الحوار:
ليس لهيئة الحوار أي مرجعية دستورية لاسيما انها لم تتمكن من تشريع القرار الصادر عنها بما يتعلق بنزع السلاح الفلسطيني واليوم يعود النقاش فيه الى نقطة البداية .
* رابعا: الدستور والممارسة.
يبقى الدستور المرجعية القانونية لكل الاعمال الحكومية الى ان يعدل ويصبح الدستور المعدل بينما لا يتعدى اتفاق الطائف كونه اتفاقا انقاذيا بل حوى على مخالفات عديدة للدستور .
* خامسا: الميثاق الوطني .
هو المرجعية الثانية بعد الدستور وقد حان الوقت لاعادة تصويب تفسيره. فالبيان الوزاري الأول 1943 كان وثيقة استقلال وليس فاتورة حساب .
سياسة لبنان الخارجية في اطار الصراع اللبناني – الاسرائيلي
أولا السلم – الحرب:
يقع في غير مكانه الصحيح ما يتم التداول حوله في مسألة الامساك بقرار السلم والحرب فالواقع يؤشر الى أنها مسألة دفاعية وليست قرارا في اشعال حرب ما.
ثانيا المادة 65 :
لماذا التفاوض حول مادة صريحة هي المادة 65 من مواد الدستور اللبناني والتي تقضي بصلاحية مجلس الوزراء في تقرير حالة السلم والحرب. وليس للبيان الوزاري أن يلغي أي مادة دستورية بالاضافة الى المادة 25 من ميثاق الامم المتحدة التي تلزم الدول بتنفيذ القرارات الدولية وهي مادة داعمة.
ثالثا اتفاقية الهدنة :
ليست اتفاقية الهدنة اتفاقية تعاقدية بحيث انها لا تلغي حالة الحرب وانما تقر بوقف العمليات العسكرية لكنها تبقى في أغلب الأحيان مادة ضامنة وداعمة للبنان .
رابعا الحياد :
ان اعتماد سياسة الحياد هو مدعاة للانقسام الداخلي ومخالفة للقوانين اللبنانية فأسرائيل دولة عدو ولها أطماعها التاريخية في لبنان.
د. ساسين عساف : استراتيجية دفاع فكري مساندة.
راى ان مشروع استراتيجية دفاعية له منطلقاته المتعددة من وجود كيان صهيوني يشكل خطرا استراتيجيا فيجعل من الصراع صراعا وجوديا لا حدوديا بين شعبين لا يلتقيان حضاريا. يغذي ذلك الصراع الوجودي والتوسعي لاسرائيل مطامعها في المياه والارض وفي لبنان كصيغة يجب شطبها انطلاقا من فرع لبنان عن اصوله وفك ارتباطه عن سوريا الى تصفية مقاومته .
وعدد الدكتورعساف لنقاط ضعف هذا المشروع الاستراتيجي السياسي كالتالي:
اولا : التعددية السياسية.
يجب أن لا تحول دون التمسك بالوحدة السياسية وتعميمها في سياق تحديث الدولة وحمايتها من الفيدرالية اذ ان مشروع اسرائيل الكبرى لا يواجه بمشروع الكانتونات والفيدرالية تمكن اسرائيل من حلمها.
ثانيا :الطائفية.
هي علة النظام السياسي في لبنان والمشروع الصيوني لا يواجه بصيغة حكم توافقي هش بين مختلفين على بديهية الهوية وتعريف العدو والعلاقة بسوريا وانما بالايمان القوي والراسخ بعروبة لبنان المقاومة وليست العروبة المتصالحة مع اسرائيل.
وفي سياسة لبنان الخارجية :
ليس من باب تضارب الادوار في الندوة وانما كمحفز للنقاش وابداء الرأي والرأي الأخر راى الدكتور عساف في تباين مع الدكتور المصري ان التسليم بتنفيذ اسرائيل لقرارات اللأمم المتحدة غير واقعي وقد تأكد للجميع ان الدولة العبرية فوق كل القوانين الدولية وقد سقطت كل الادبيات القائلة بان قوة لبنان في ضعفه.كما أثبت الواقع الدولي تحكمه بالشرعية الدولية فقد صارت المؤسسات الدولية تابعة للأدارة الاميريكية.
عناصر المشروع على المستوى الفكري
وجه الدكتور عساف دعوة الى بناء مجتمع فكري مقاوم يتسم بالحداثة والانفتاح على الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان والى اعادة تأسيس نظري لدور لبنان في تطوير المنطلقات الفكرية الى تعميم ثقافة المقاومة ،الى تعديل مناهج التعليم بحيث تناهض الثقافة الصهيونية وأيضا تعديل مضامين الخطاب الثقافي للتمييزبين مصطلحات الارهاب والمقاومة ومناهضة الفكر الصهيوني بوعي أركان لبنان البنيوية وعمق لبنان العروبي الذي يقاس انطلاقا من الجغرافيا .
واخيرا طرح سؤال الهوية كسؤال مركزي وواقعي ومصيري وتوطيد العروبة ركنا من أركانها على ما عداها من هويات لبنان الاخرى الميتة والركن الذي يستعصي به لبنان على حلم الأخر بالالغاء.
اللواء ياسين سويد: استراتيجية عسكرية دفاعية بالتنسيق بين جيش ومقاومة وطنية.
تناولت ورقة اللواء الركن المتقاعد ياسين سويد ملخصا للاسترتيجية الدفاعية التي قام بأعدادها بصفته خبيرا عسكريا وتقضي بالعمل على استراتيجية تتمحور حول دور الجيش في الدفاع عن لبنان منطلقا من اعادة طرح سؤال المجلس الثقافي كيف يمكن وضع استراتيجية دفاعية في بلد محدود القدرة العسكرية والامكانيات والموارد الخارجية في الوقت الذي يشكل فيه الجيش العامود الفقري لأي استراتيجية، ومن ثم ينضم اليه اختصاصيون من مختلف مرافق الدولة وذلك انطلاقا من معرفة قدرات العدو العسكرية للتمكن من اعداد قدرات تفوق قدراته الى دراسة نواياه واطماعه ومن ثم اللجوء الى دراسة الواقع العربي الحليف الذي بات يشكل فيه لبنان مع سوريا أركان المواجهةالوحيدة مع اسرائيل بعد أن تحطمت دول الطوق ابتداء من سقوط مصر في كامب ديفيد ، الى الاردن في وادي عربة الى انشغال سوريا بهمومها الداخلية حيث انها لم تستطع استرجاع أراضيها المحتلة الى المستوى البائس لدول الخليج وبعد دول المغرب العربي.
فالمجتمع الاسرائيلي بعد التعرف عليه يبدو من وجهة نظر اللواء سويد مجتمعا عسكريا بامتيازمستشهدا بالأدلة العلمية والاحصائية فقد بلغ عدد احتياط الجيش الاسرائيلي ثمانية وأربعين ألفا من أصل ستة ملايين اسرائيلي أي بنسبة 82% والخدمة العسكرية أجبارية على اليهود والدروز وتمتد لفترة 48 شهرا للضباط و36 شهرا لغير الضباط و 24 شهرا للنساء.
القدرات العسكرية:
تكمن قوة الجيش اللبناني بعزيمة افراده ولكن المجتمع اللبناني جاهز وقادر على المقاومة وقد قدمت المقاومة الأسلامية أداءا رائعا سبقتها اليه المقاومة الوطنية في العام 1982 على ان العقيدة القتالية لا تستطيع ان تتعدى كونها عقيدة دفاعية لا هجومية.
وقد طرح اللواء سويد عددا من الاقتراحات والحلول أولها اعتبار الجيش القوة الدفاعية الوحيدة عن لبنان مع الاقتناع بعدم قدرة الجيش على القيام بأي هجوم ضد العدو بالأضافة الى ان الاوضاع المالية للدولة اللبنانية غير قادرة على اعداد جيش قادر على القيام بمهمات الهجوم والدفاع ما يرجح كفة الاعتقاد بالمقاومة الشعبية وقد أثبت التاريخ ان ما من جيش تغلب على مقاومة شعبية.
ومن غير الممكن القول باستراتيجية دفاعية لا تقوم على جيش قوي تسانده مقاومة تعمل بالخفاء.
والمقاومة التي ستساند الجيش في الاستراتيجية الدفاعية المقترحة هي مقاومة وطنية وذلك يتطلب أن تنتقل الدولة من حال الشراكة الى حال الوطن من خلال ضبط التربية في التعليم الرسمي والخاص واعتماد منهاج تربوي واحد يتعلم فيه الجميع ثقافة وطنية واحدة حيث يبدو تقصير الدولة واضح في هذا المضمار ومن ثم انشاء هيئة لالغاء الطائفة السياسية وتعميم ثقلفة المقاومة لدى جميع اللبنانيين بحيث يصبح الشعب بكل اطيافه رديفا للجيش في حال التعرض للاعتداء.
ويترتب على ذلك اقتناعا تاما لدى المقاومة الاسلامية بتحولها الى مقاومة وطنية بشكل يتلاءم مع الاستراتيجية العامة للدولة القائمة على استراتيجية دفاعية عليا بالتنسيق بين الجيش والمقاومة على ان يبقى الدفاع باشراف الدولة مع حرية العمل دون الخروج عن الاستراتيجية العامة للدولة لاسيما في قرار الحرب والسلم.
الندوة التي اقامها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي حول المشاركة في مشروع للاستراتيجية الدفاعية عن لبنان تأتي في سياق الدور التاريخي الذي لا زال المجلس ملتزما به وساهم من خلاله في رفع مستوى الوعي الثقافي والسياسي للقضايا الوطنية المطروحة ويشكل مواكبة ثقافية ملتزمة لما يستجد على الساحتين الثقافية والسياسية من قضايا مطروحة ساخنة وتصديا للمهام الجسام التي تستجد على عاتق المؤسسات الثقافية التي تستقيل رويداً رويداً من دورها النضالي في التغيير.
قدم للندوة وأدار النقاش الواسع حولها المؤرخ محمد مخزوم.
3/5/2010 اعداد: إنعــــــــام الفقيـــــه
تعليقات: