على هامش الاستحقاق

فرح الشوفي
فرح الشوفي


يختلف مفهوم المصلحة العامة باختلاف المنطلقات التي يتبناها ويعتمدها ذوو الشأن في التعامل مع ملفات الشأن العام. فالعلاقة بلا شك مترابطة – سلباً او ايجاباً - بين الرؤى والطرق المعتمدة لادارة الشأن العام وبين الناتج في المحصلة من جملة هذه المنطلقات. ولعل حجر الزاوية في هذا هو وعي المواطن أبعاد وجوده والدور المنوط به في عملية التغيير وأساس الانتماء لديه، أهو للوطن أم للطائفة أم للعائلة أم للعشيرة أو ما شابهها من بنى تخلفية ورجعية؟

ان فساد البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لن يثمر إلاّ فساداً مشابهاً على مستوى المجالس التمثيلية. لا توافق ولا توفيق بين مصلحة الطائفة او العائلة – كبيرة كانت أم صغيرة – ومصلحة البلدة بالمعنى الضيق والوطن بالمعنى الأكبر. إن انتفاء مصلحة الطائفة أو العائلة وما عداها من مصالح فئوية ضيقة هو الشرط الأساسي لتحقيق المصلحة العامة.

... تشرذم على المستوى العام وغياب للخيارات النهائية المحددة قد لا تحسمه كالعادة إلا الساعات القليلة قبل انطلاق اليوم الانتخابي. هناك إذاً قوى سياسية تسعى الى التوافق، وأخرى مناهضة له، انقسامات داخل الاحزاب نفسها، اختلاف القواعد الشعبية في الموقف مع قادتها، مجموعات "المستقلين" الذين يرشحون في انتظار صدور قرار العائلة. وآخرون ينتظرون فتوى المرجعيات الروحية، تحركات نسائية تستدرج عطفاً عاماً للالتفات الى قضاياها...

على أوسع تقدير يحتاج التعامل في الاستحقاق البلدي الى الأهلية اللازمة لذلك، وهي الأهلية اللازمة لممارسة العمل الانمائي. ان غياب هذه الاهلية – إن على مستوى عدم صلاحية الرؤيا والنظرة الى العمل البلدي أم على مستوى عدم صلاحية الوسائل المعتمدة – يجعل الوصول الى تغيير واقعي وملموس يلامس حاجات المواطن اليومية وتطلعاته أمراً شبه مستحيل في المنظور القريب ما دامت المنطلقات التي تحكم قواعد اللعبة السياسية هي ذاتها التي كانت سائدة في الاستحقاقات السابقة إن على المستوى النيابي او البلدي. قد يتشابه بطلان التصرفات في القانون لانعدام الأهلية او لنقص فيها مع بطلان تصرفات المتعاملين في الشأن العام، لو أن القاضي واحد في الحالتين. في تداول السلطة انت القاضي ايها المواطن ولا بد من أن يكون لك الدور الأول والأخير في الحكم على ما يصح وما لا يصح وفي الاختيار والعزل والمحاسبة والنقد والتغيير... وإذذاك كان لا بد من التذكير بما يأتي:

أولاً: ليس صحيحاً أن احداً يستطيع ان يملي خياراته على أحد، فالمواطن حر – الى أي حزب او طائفة او عائلة انتمى – في الترشح والاقتراع لمن يشاء عند استيفاء الشروط القانونية لذلك.

ثانياً: في ظل تجربة النموذجين، الاشتراكي من جهة والديموقراطي – القومي من جهة أخرى على التوالي في البلديات السابقة من دون أن يكتب لأي منهما نجاحاً عاماً فعالاً، إن خيار التوافق قد يكون مرغوباً فيه طالما ذلك لا يمس بحق أي مواطن في الترشح والانتخاب خلافاً لقاعدة التوافق، واذا روعيت مجموعة من المعايير التي تضمن استمرارية وفعالية عمل المجلس البلدي باعتماد الكفاية وعلى قاعدة من التعاون المشترك بين مختلف القوى السياسية الممثلة في المجلس، ما يستدعي أولاً وأخيراً أن تكون خيارات الأحزاب صائبة لجهة اختيار المرشحين ذوي الاطلاع على وسائل التنمية ومقتضياتها وعلى معرفة دنيا بالعمل البلدي والدور الانمائي المنوط بالبلدية على كل مستوياته.

ثالثاً: ان الدور المهم للاحزاب لا غنى عنه في اي مجتمع ديموقراطي – على رغم التجربة السيئة للاحزاب اللبنانية وانحرافها عن اداء الدور المطلوب منها – وهو ما يقتضي من الحزبي ان يسعى اولاً الى النضال والدفاع عن آرائه واجراء النقد الذاتي والمحاسبة داخل الحزب نفسه. هذا الدور لا يقف عند حدود الانصياع او الاستنكاف او الاعتكاف او الولوج الى التصحيح من الخارج قبل اجراء التصحيح الداخلي الضروري والمطلوب.

رابعاً: تتوقف مصداقية وجدية بعض المجموعات التي تتكوّن على هامش الاستحقاق البلدي وتطلق على نفسها اسم "المستقلين" – هي عادة ما تضم اشخاصاً حزبيين على اختلاف مع احزابهم في وجهات النظر وآخرون من المجتمع المدني واشخاص مستقلون فعلاً - على مدى وضوح الرؤيا بين افرادها وما تقدمه الرأي العام من افعال تكرّس طموحاتها السياسية والاجتماعية لتسحبها من دائرة القول على مستوى المجالس الخاصة الى مستوى الفعل. ان هذه الطروحات بما تحويه من رفض للوضع القائم ولمنطق الهيمنة الاحدية السياسية والعائلية قد تكون اساسية وضرورية اذا ما اقترنت بوسائل وآليات عمل تضمن ايصال الرأي واقناع اكبر عدد ممكن من المواطنين بصوابية هذا الخيار وجديته. ان الشأن العام هو حالة مستمرة تقتضي ممن يتعامل معها ان يواكب هذا الاستمرار بحده الادنى بعيداً عن الاطلالات الموسمية التي تسبق الاستحقاق بأشهر قليلة. ولئلا تتجه اهداف هذا الخيار نحو "الحائط" كما هو حال اغلبية مؤسسات المجتمع المدني في حاصبيا ولئلا يعدم هذا "الخط الثالث" – ان صحت تسميته بذلك – في صندوق الاقتراع ويفشل في السنوات المقبلة، فليتجاوز هؤلاء صندوق الاقتراع ويعملوا من الآن على تشكيل "مجلس بلدي ظل" ليراقب ويعاون وينتقد ويحاسب المجلس البلدي الجديد. بذلك يفتح الباب امامهم واسعاً للاقتراب من الناس ولدخول انضج واقوى في الاستحقاقات التالية. ان الدعوة بأن لا تضيع ست سنوات اخرى من التقاعد بعد انتهاء الانتخابات هي ملحة، هكذا يبنى هذا الخيار على اسس متينة ويشق طريقه نحو نجاح مستقبلي ملحوظ.

خامساً: لم تتضمن شرعة حقوق الانسان اي نص يوجب على المرأة ان تستأذن المراجع الروحية اذا ارادت العمل في الشأن العام ولا ان تستجدي عطف احد، وعلى القوى السياسية – كما اي مجلس بلدي مقبل – ان يولي موضوع المرأة الاهتمام اللازم ليكون حقها في المشاركة من صميم برامجها. ولتتذكر المرأة ان حقوقها ملازمة لطبيعتها الانسانية وهي تأخذ ولا تعطي منّة من احد.

سادساً: ليس في التخلي عن دور رجال الدين في العملية السياسية اي انتقاص من حقوقهم في ما يختص بحرية المعتقد وحقوق الطوائف المكفولة دستوراً ومن دورهم في تأمين الرعاية الدينية لابنائهم، انما في ذلك توجهاً لا بد منه نحو مجتمع مدني علماني يفصل فيه الدين عن الدولة، وتكف فيه المرجعيات الروحية عن التدخل في مفاصل الحياة السياسية – هذا الدور الذي غالباً ما يؤدي الى بروز خلافات حادة وانقسامات عميقة حتى داخل الصف الواحد – ليس الا حفاظاً على بعض المصالح الضيقة وتكريساً لعادات واعراف هشة آن الآوان للتخلي عنهاز ولا ادري اين دور الاحزاب التقدمية والمصنفة علمانية منها؟!

سابعاً: ان الرئيس القادم على حصان طروادة مدعواً اياً كان انتماؤه الى دخول عملية التنمية من بابها الاساسي وهو الانسان قبل الحجر. ولتثق تماماً ايها الرئيس ان العمل من اجل المصلحة العامة هو ما ينتظره المواطن وهو الضمان الاساسي لنجاح التجربة. فللمواطن عين ترى واذن تسمع وعقل يميز وليس اجمل وامنع من ان يكون المواطن جنبك في المسيرة، فإن حققت ذلك نجحت انت ونجح حزبك ونجح المواطن ونجحت البلدة... وكم من تجربة اثبتت على المستوى البلدي ان العمل بناءً على هذه القواعد، وان قرار المواطن الحر كان السند الاساسي في بقاء رؤساء بلديات عدة على رغم معارضة هذا الزعيم او ذاك.

اذا كان الانتخاب حقاً من حيث المبدأ، فهو واجب من حيث ارتباطه بالثقافة الديموقراطية، فمن يملك الحق يفترض به ان يمارسه والا فقد معناه. يوم الاحد 23 ايار 2010 نذهب سوياً الى اقلام الاقتراع كل منا مختلف عن الآخر. وامامنا حتى الآن خمسون مرشحاً عشرة منهم فقط يحوزون اجازة جامعية على رغم وجود ما يزيد على ستمئة خريج جامعي في البلدة!! انه لواضح عجز القوى السياسية عن ايجاد حلول للخروج من مأزق الطائفة والعائلة الى جانب الافلاس المشرق لمؤسسات المجتمع المدني! لقد ضاقت الخيارات امامنا الآن، وسقطت المعايير وبدت الطريق نحو الحائط اكثر وضوحاً الآن ولم يعد امامنا الا ان ننتخب للافضل والاكفأ على قاعدة "من الموجود جود".

قد اكون حائراً مثلك ايها المواطن ساعياً وباحثاً عن اجوبة لاسئلة كثيرة قلقة في داخلي لكنني اعي تماماً مستوى التدني الحاصل في التعامل مع قضايا الشأن العام، وادرك تماماً خطورة ان نتراجع دائماً.

بقلم فرح الشوفي

* ناشط إجتماعي في حاصبيا

تعليقات: