قراءات «حزب الله» و«أمل» و«الشيوعي» لنتائج الانتخابات البلدية والاختيارية

راع جنوبي في مواجهة مستعمرة المطلة غداة 23 أيار (إدوار العشي)
راع جنوبي في مواجهة مستعمرة المطلة غداة 23 أيار (إدوار العشي)


الاستحقاق الجنوبي: خروقات متواضعة.. لا تبدل المشهد السياسي..

لم تخل الانتخابات البلدية والاختيارية في محطتها الجنوبية الأحد الفائت من بعض المفاجآت المتواضعة، التي لم ترقَ الى مستوى التغيير الجزئي للمشهد السياسي الجنوبي.

القوى اليسارية خاضت معارك في بعض القرى والبلدات ضد ما أسمته «الأمر الواقع القائم في الجنوب». فحققت نتائج مقبولة تارة، وخجولة طوراً، كذلك الأمر بالنسبة الى بعض ممثلي العائلات، فضلاً عن المستقلين، الذين قرروا خوض معارك في الغالبية العظمى من القرى والبلدات الجنوبية، اما رفضاً لمرشحين وصفوهم بأنهم «غير ذوي صفة تمثيلية، ومفروضون فرضاً»، أو «رفضاً للهيمنة على القرار المحلي» من قبل لوائح «التنمية والوفاء» («حزب الله» و«أمل»)، وذلك على الرغم من إعلان غالبية ممثلي تلك اللوائح المناوئة لتحالف «الثنائي الشيعي» أنها تحت سقف المقاومة وخطها السياسي.

واللافت للانتباه أن النتائج النهائية أظهرت تراجعاً في التمثيل البلدي لحركة «أمل» في بعض القرى والبلدات الأساسية في قضاء صور، مرده بعض الانقسامات الداخلية بالدرجة الأولى، ففي بلدة طورا معقل حركة «أمل»، على سبيل المثال، أدى اختيار الحركة لرئيس بلدية جديد غير الرئيس السابق المحسوب عليها، الى تشكيل لائحة مقابلة من 12 عضواً ترأسها الرئيس السابق للبلدية محمد الدهيني وفازت بكامل أعضائها، علاوة على ثلاثة مرشحين محسوبين على «حزب الله» (المجلس البلدي مؤلف من 15 عضواً).

أما في بلدة صريفا التي يتألف مجلسها البلدي من 15 عضواً، فقد خرق كل من مسؤول الحزب الشيوعي في البلدة حسن نجدة والدكتور حسن نجدة (قومي)، لائحة «التنمية والوفاء»، وذلك على حساب المرشحين في اللائحة التوافقية لرئاسة البلدية (سبع نجدي) ونائب الرئيس (علي دكروب).

وفي بلدة الرمادية خسرت لائحة التحالف بين الحزب والحركة بكامل أعضائها الـ12، لمصلحة لائحة مقابلة مؤلفة من ممثلي العائلات، آل رومية وبيضون ومراد بخاصة. كما خرق ثلاثة مرشحين مستقلين لائحة التوافق في بلدة كفرتبنيت على حساب مرشحي حركة «أمل».

وفي بلدة طير دبا، وعلى الرغم من فوز التحالف بين «حزب الله» وحركة «أمل» و«الشيوعي»، الا أن ذلك لم يحجب حقيقة أن الفارق بين الفائز الأول في «بلوك» «حزب الله» و«الشيوعي» والفائز الاول من مرشحي «أمل» 250 صوتاً. أما في بلدة صدّيقين فقد خُرقت اللائحة التوافقية بين الحزب والحركة بـ6 أعضاء مستقلين، انما على حساب مرشحي «أمل» لعضوية البلدية. هذا، مع العلم، أن قضاء صور شهد فوز 25 بلدية محسوبة على لائحة «التنمية والوفاء» بالتزكية.

ومن جهة ثانية، وعلى الرغم من عجز الحزب «الشيوعي» عن تحقيق إنجازات في القرى المحسوبة عليه تاريخياً ككفررمان وأنصار وعيترون وحولا، الا أن ذلك لم يحل دون نجاح «الشيوعي» في الدخول الى مجالس بلدية جديدة. في قرى قضاء صور، سجل الـ«شيوعي» حضوره في المجلس البلدي لكل من عين بعال (عضوان)، معركة (عضو واحد + يساري مستقل)، صريفا (عضو). كما حافظ على مواقعه السابقة في كل من طيردبا (عبر رئيس البلدية السابق «الزميل» حسين سعد)، والبازورية.

وفي كفررمان حاز «الشيوعي» برغم خسارته أصوات 40 في المئة من اجمالي المقترعين، وبفارق بلغ 350 صوتاً بين الأول في لائحته والأخير في اللائحة المناوئة. وعلى مستوى المخاتير خرق «الشيوعي» بمختار. وفي بلدة حولا خرق «الشيوعي» لائحة التوافق بعضو واحد، بموازاة خسارة ثلاثة أعضاء من لائحته بفارق تراوح ما بين 20 الى 50 صوتاً، علاوة على تحقيق خرق بمختارين من أصل ثلاثة. وفي بلدة أنصار أيضاً تراوح الفارق بين أعضاء اللائحتين المتواجهتين، المحسوبة احداهما على التوافق والأخرى على «الشيوعي» بما بين 20 الى 50 صوتاً. كما خرق 4 أعضاء محسوبين على الحزب الشيوعي لائحة «التنمية والوفاء» في بلدة دير الزهراني.

تجدر الإشارة الى أن قرية زبقين هي القرية الوحيدة التي انفرط فيها عقد التحالف بين «حزب الله» وحركة «أمل»، حيث خاض الطرفان معركة انتهت بفوز «حزب الله» بالمجلس البلدي بـ 11 عضواً من أصل 12 و«أمل» بواحد. وفي بلدة رميا (قضاء بنت جبيل) برز خلاف داخل لائحة التوافق بين حركة «أمل» و«حزب الله» أدى الى تشطيب كل طرف للآخر، وبالتالي تعزيز حصة أمل وتراجع حصة حزب الله نسبة للاتفاق المعقود بين الطرفين. كما شكّلت نتائج العملية الانتخابية في بلدة كونين الاستثناء الوحيد على مستوى قضاء بنت جبيل ككل. اذ خرق مرشح منفرد، بصورة غير متوقعة، لائحة التوافق.

وفي بلدة صير الغربية (قضاء النبطية) حققت لائحة العائلات الى المجلس البلدي خرقاً بـ9 أعضاء من أصل 12 عضواً.

فياض: المقاعد محدودة

والمرشحون كثر

وفي سياق تقييم مجريات العملية الانتخابية ونتائجها، يوضح عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب الدكتور علي فياض لـ«السفير» إن نتائج الانتخابات أتت لتثبث نجاح تربة التفاهم بين «حزب الله» وحركة «أمل»، مؤكداً ان التحالف عكس قدرة عالية على امتصاص التعقيدات العائلية والسياسية وتنظيمها في إطار لائحة واحدة.

لذا، يضيف فياض، «تحققت التزكية في بلدات معقدة انتخابياً مثل الخيام، ميس الجبل، العديسة، وغيرها من القرى، في حين كسحت لوائح التوافق بصورة عامة كل البلدات، وما حصل من خروقات محدودة هنا وهناك نجدها طبيعية ولا تستفزنا، وهي تكمل المشهد الانتخابي الجنوبي». كما «ان الاصطفافات لم تحصل على أساس سياسي بل على أساس انتخابي، محلي، قروي وعائلي»، يقول فياض.

ويضيف «ما حصل يرسخ صورة التماسك الشيعي الذي برز على مدى السنوات الماضية، وان كانت الانتخابات البلدية هي موضوع غير سياسي بالدرجة الأولى، الا أنّ لها بعداً سياسياً، خصوصاً أن خلفية التوافق بين «أمل وحزب الله» سياسية بامتياز».

ورداً على القائلين بتقويض «التحالف الشيعي» للتعددية السياسية في الجنوب، يقول فياض «التحالف بين «حزب الله» وحركة «أمل» ليس تحالفاً بين أقليتين مهيمنتين بل بين أكثريتين تمثلان القسم الأكبر من المجتمع الشيعي الجنوبي». كما أن نقرأه من ملاحظات، يلفت فياض، هو مسألة طبيعية وغير ذلك لن يكون طبيعياً، لأن المقاعد محدودة والمرشحون كثر، متسائلاً «حيال ذلك ماذا علينا ان نفعل؟». ويستطرد فياض بالقول «في النهاية شكلنا لوائح احتوت البعض واستثنت البعض الآخر، وهذه اشكالية ملازمة لكل انتخابات، ولا يمكن حلّها وهي تحضر على نحو معقد، في الانتخابات البلدية بصورة خاصة».

وحول النتائج وما تعكسه من حقائق على المستوى الجنوبي، يشرح فياض «حصلت بعض الخروقات المحدودة. وهي في معظمها كانت متوقعة». وينفي فياض ما يتحدث عنه البعض من أن هذه الخروقات تمس بالصورة العامة التي تمخضت عن الانتخابات، من حيث الحجم التمثيلي للتحالف، مؤكداً أن «حزب الله» سيتعاطى بايجابية وتعاون مع هذه الخروقات. ويختم فياض بالتأكيد على أن الأغلبية الساحقة من اللوائح المناوئة لقوى التوافق خاضت الانتخابات تحت عناوين تكرّس الدعم والتأييد للمقاومة، معتبراً أن التحدي الأكبر الآن يكمن في تطوير التجربة باتجاه تقديم تجربة انمائية نوعية، الأمر الذي سيبدأ «حزب الله» منذ اليوم بالإعداد له عبر تقييم كل النتائج ودراستها قرية قرية.

طليس: «أمل» لم تتراجع

ويعلق عضو الماكينة الانتخابية المركزية في حركة «أمل» بسام طليس على ما قيل عن تراجع تمثيل حركة «أمل» في بعض القرى والبلدات الجنوبية بالقول إن ليس هناك شيء اسمه تراجع للحركة أو للحزب في أي مكان، مشيراً الى أنه كان هناك اتفاق مع «حزب الله» على تشكيل لائحة واحدة، وهو ما كان. يضيف طليس «لقد حققت لوائح «التنمية والوفاء» فوزاً في 98 في المئة من قرى الجنوب».

وعن التقييم السياسي للانتخابات من وجهة نظر الحركة، يشرح طليس «أولاً، الانتخابات جاءت تتمة لانتخابات خيضت في كل من البقاع والجنوب، تنفيذاً للاتفاق الموقع مع «حزب الله» على مستوى لبنان ككل»، مؤكداً ان الماكينة الانتخابية للطرفين اشتغلت كما لو انها ماكينة واحدة، ولافتاً الى انه من جراء ذلك لم يشب العملية الانتخابية أي شائبة أو أي خلل.

وحول ما قيل عن انشقاقات داخل حركة «أمل»، وتشكيل لوائح في مقابل لوائح التوافق، يقول طليس إن ترشح بعض المرشحين المنفردين ذي الميول الحركية لا يعني انشقاقاً بل يعني التزاماً من قبل الحركة على ترجمة الاتفاق مع الحزب على أرض الواقع، ومستطرداً «حتى في طورا أعلن رئيس البلدية الفائز أنه يعتنق الخيارات ذاتها التي تتبناها قوى لائحة «التنمية والوفاء»».

وينفي طليس بروز مفاجآت غير متوقعة في انتخابات الجنوب على مستوى «أمل»، ويؤكد أن الانتخابات ترافقت بانضباط كلي من قبل سائر الأطراف المنضوية في التحالف، مشيراً الى ان غالبية اللوائح التي شكّلت في القرى كانت بالتعاون مع العائلات، ما ينفي عنها أي صبغة استفزازية حيال أي كان.

غريب: حققنا نتائج مقبولة

أما مسؤول منظمة الحزب الشيوعي في الجنوب علي غريب فيشرح لـ«السفير» أن الحزب دخل على الانتخابات بروحية رفض المحاصصة وما تمخض عنها من فشل على مستوى مجمل المجالس البلدية السابقة. ويضيف «في البداية طرحنا ائتلافاً واسعاً بيننا وبين الحركة والحزب على أساس ثلاثة معايير. الأول، تقييم تجربة المجالس البلدية السابقة. الثاني، وضع برنامج محدّد وواضح، وثالثاً، اختيار أفضل الاشخاص في القرية لتنفيذ البرنامج».

بيد أن هذا المنطق، بقول غريب، لم يلق تجاوباً من قبل الحركة والحزب، الأمر الذي ترتب عليه إصرار من قبلهما على منطق المحاصصة. لكن «الشيوعي»، يلفت غريب، رفض فرض أسماء وممثّلين على العائلات ذوي كفاءة مشكوك فيها.

هذا المنطق الذي برز لدى أطراف «التنمية والوفاء» قبيل الانتخابات، لم يمنع تشكيل ائتلافات في بعض القرى كعين بعال، البازورية، كفرصير، الخيام ودير كيفا، يوضح غريب، لافتاً الانتباه الى ان «الشيوعي» خاض في القرى الاخرى التي لم يحصل فيها ائتلاف معارك وشكل لوائح في وجه اللائحة المركزية.

اما القرى التي حققت فيها لوائح «الشيوعي» المستقلة خروقات في لوائح «الثنائي الشيعي» فيعددها غريب كالتالي: حولا، دير الزهراني، صريفاً، الطيبة، بلاط والقنطرة. هذا فضلاً عن خسارة ما يقارب الخمسين مرشحاً شيوعياً في مناطق متفاوتة بفوارق تراوحت ما بين 15 و50 صوتاً.

كما حازت لوائح «الشيوعي»، وفق غريب، نسبة عالية من إجمالي عدد المقترعين تراوحت ما بين 32 الى 45 في المئة، في كل من كفررمان، أنصار، حبوش، صفد، فرون، عيترون، حانين، بليدا، أنصارية، عدلون والزرارية.

ويشير غريب الى أن نتائج «الشيوعي» المحققة في الجنوب تأتي على الرغم من عدم التوازن في الامكانات المستمدة بصورة خاصة، من السلطة والمال والنفوذ والخدمات، فضلاً عن التأثير المعنوي والنفسي الذي تركته المحادل على الناخبين.

أما أهم الخلاصات السياسية والدروس التي خرج «الشيوعي» بها من الانتخابات فيلخصها غريب بأربع. الأولى، رفض الجنوبيين للثنائية والمحاصصة، والتي تجلت أبرز تعبيراتها في محدودية اللوائح التي فازت بالتزكية، والتي أجبرت على خوض معارك في وجه لوائح مكتملة وغير مكتملة. الثانية، تشكيل لوائح مناهضة للتحالف، وان تكن من القماشة السياسية ذاتها. الثالثة، تشكيل لوائح من قبل العائلات مناوئة للتحالف، وهو ما يعبر عن التململ والاستياء العائلي من الهيمنة المفروضة. والرابعة، بروز الأهمية البالغة لتشكيل لوائح مستقلة من قبل القوى اليسارية في غالبية القرى والبلدات الجنوبية.

تعليقات: