هذه القطعة كتبت فجر الخامس والعشرين من أيارعام 2000..
تمخضت الجبال لتلد فأرا" هكذا يقال، ولكن هنا الوضع مختلف، تمخضت وتألمت وصارعت لتلد شيئا" كبيرا" لم يقدّر بحجم، ولم تسعه قلوب البشر وتساءل الناس ماذا ولد بعد هذا المخاض العسير الذي استمر سنوات بل عقود، وما هذا المخاض الغريب فقد سالت الدماء وتناثرت الأشلاء وعلا صوت يعلن الولادة، فقد ولد الانتصار، ولد 25 أيار، ذاك هو الذي لم يقدّر بحجم كيف تصف له حجما" ولم تسعه قلوب البشر لأنه ملك الجميع، والجميع تمتع به كان ثمنه باهضا"، وباهضا" جدا"، الأجساد والبيوت والمستقبل والأرواح لأن قسما" من الناس دفع حياته ثمنا" لهذا الأنتصار فهنيئا" لنا وشكرا" لهم لفدائهم الأرض.
وكان العرس ! غير كل الأعراس! فلا العروس تلبس طرحة بيضاء ولا العريس يلبس بذلة سوداء، ولا المرتبة مرتبة عروس، ولا الدبّيكة دبّيكة، اذا" أين العروسين؟
العروس كانت القضية، والعريس هو الانتصار والمرتبة هو المعتقل الذي تحرّر المعتقلون منه، والدبّيكة الذين أبهجوا الحضور والناس هم المقاومين الأبطال الذين زرعوا الفرحة في قلوب الجميع سواء والكهلة خاصة، الذين يعشقون ضيعهم ونظموا العرس وحددوا نوعية المفرقعات ..
فكانت أجسادهم قنابل موقوتة وعملياتهم الأستشهادية تطال كل الأعداء وتعبر كل الأحتمالات والاحتياطات.
سألوني من هي العروس؟
ومن أية عائلة؟
وكذلك العريس، وكيف اختاروا بعضهما، قلت العروس هي جنوبية، من مواليد 1978 صحيح تنقلت في أنحاء لبنان لكن هويتها بقيت جنوبية، جنوبية بطفولتها وشبابها وحماسها ودمها وأثناء طفولتها تعذبت وقاست وعانت لكن حافظت على جوهرها وقيمها وأخلاقها، أنها المقاومة.
كان لها اعداء كثر تخيلوا أحدى اخواتها اسمها العمالة حاولت قتلها مرات كثيرة وسجنتها في قبر فوق التراب ليس فيه سوى بصيص نور خافت وقليلا" من الأوكسجين الملوث..لماذا؟
لتجبرها على أختيار عريس أخر أسمه (العار) كانوا أتباعه من العملاء كغربان تجلس على بساط من الريح وصوتهم يدبّ الذعر في النفوس ويراشقون بحجارة متفجرة أينما وقعت تترك جثثا" وأشلاء وفجأة أنتهى كل شيء!
إنتهى السحر وبساط الريح سقط من عليائه والغربان ما كانت ألا مجموعة من البشر، عندما سقطوا أمسوا كالتماثيل كأنهم فقدوا أرجلهم وأيديهم وصوتهم أصبح غير مسموع لدى اعدائهم فكانوا يقفون بالطوابيرعند بوّابة فاطمة يستجدون العدو الهروب من هذه الكابوس الذي صحوا منه فكأنهم سقطوا في هاوية لاحدود لقعرها، ذاك جزاؤهم كانوا أداة لساحر شرير، وعدو غاشم، أغراهم بالمال والجاه والجنة.. هل سمعتم أن جنة المحتل تدوم، والله تعجز الكلمات عن وصف 22 سنة من التهجير، حتى لحظة الأنتصار، أنا كنت في بيروت وعندما بدأ التحرير كانت سعادتي لا توصف شدّينا الرحال الى الخيام حتى نساهم في التحرير ولكننا لم نصل خيامنا قبل العاشرة ليلا" وكان قد تحرّر المعتقلون وأنا هنا اريد أن اترجم شعوري كتابة ما شعرت ساعة عرفت بخروجهم من الأسر على صوت الله أكبر فقد سرت في نفسي قشعريرة الحقيقة لا أقدرعلى وصفها، السعادة التي غمرتني لتحرير هؤلاء المعتقلين وأنا كنت قد أطلعت على ظروف اعتقالهم من خلال قراءتي لكتاب المناضلة سهى بشارة "مقاومة".
ما أقدر أن أقول أني أحسست بنفس السعادة التي عشتها عندما أصبحت أما" فالأمومة لايعرف حقيقتها الا الأمهات، انها هبة من الله لا تقدّر بثمن، وقد كتب الشعراء والكتّاب كثيرا"وأبدعوا في وصفها، أما أنا فعبرت عن يوم التحرير كيوم الأمومة وهنا يعجز القلم عن الوصف، فالمحرّر الخارج من المعتقل ولد من جديد فقد عانى أياما" طويلة من العذاب والمرارة والألم، الم يفهم هؤلاء العملاء والأعداء ان لا جنة ألا جنة الله الباقية التي أختارت سكانها من اناس عرفوا الحق وتبعوه ودافعوا عنه بأجسادهم وأرواحهم، هؤلاء الشهداء أستعادوا ارواحهم عند التحرير والأنتصار، فجر التحرير هدأت روحهم الهائمة رحم الله الشهداء وأسكنهم فسيح جنانه وشكرا" لهم على ما وهبونا من قيم ومبادىء وثقافة وبهجة وفرحة.
اتمنى ان تكون دائمة وابديّة.
تعليقات: