إحدى قريبات محمد مسلّم تنتحب خلال تشييعه في القاهرة
التحقيقات في جريمتي كترمايا لم تنته، ويستمر تراشق المسؤوليات بشأن حماية المشتبه فيه مسلم. الأضواء سُلّطت على القضيّة مجدداً، بعد ما نشرته وسائل الإعلام عن تورّط ب. أ. م بتحريض المشتبه فيه مسلم على قتل عمها، فيما الرواية تثير أسئلة كثيرة
تعدّدت الروايات المنقولة من كواليس جريمتي كترمايا. في الجريمة الأولى، لا يزال الغموض يكتنف التفاصيل، رغم «كشف» قائد الشرطة القضائية العميد أنور يحيى عن اعتراف موقوفة بتحريضها «القاتل القتيل» على سفك دماء جَدّين وحفيدتين. أما في الجريمة الثانية، التي قتل فيها المشتبه في ارتكابه الجريمة الأولى، محمد مسلم، فيستمر تقاذف المسؤوليات بشأن القرار الذي قضى بنقل مسلم إلى كترمايا، حيث قتل وعلقت جثته في ساحة البلدة. وآخر ما صدر في هذا الإطار، تحميل العميد يحيى أحد مرؤوسيه مسؤولية القرار.
«الضحيّة تبتزّ المجرم»
بعيداً عن تقاذف المسؤوليات في الجريمة الثانية، استؤنف التحقيق الجنائي في الجريمتين. أوقف ثمانية أشخاص يشتبه فيهم بقتل الموقوف محمد مسلم والتنكيل بجثّته، فيما لا يزال أربعة آخرون مشتبه فيهم متوارين عن الأنظار. أما بالنسبة إلى الجريمة الأولى، فقد بدأ البحث عن الأسباب التي دفعت المشتبه فيه مسلم إلى تنفيذها (إن كان هو الفاعل)، ولا سيما أن المعلومات «الحقيقية» قد دُفنت معه. في هذا الإطار، ينقل العميد يحيى معلومات مصدرها أحد المخبرين، تفيد بأنه «ليل الثلاثاء، وقبل يوم من وقوع الجريمة، طلبت ب. أ. م. ابنة شقيق المغدور أبو مرعي، من القاتل مسلم أن يخلّصها من عمّها ويقضي عليه، لأنه يهددها دائماً بسبب سوء سمعتها وممارسة الدعارة، ولأنه يعترض على دخول رجال إلى منزلها، قائلاً إنه سيبلغ زوجها ض. ع عن سلوكها»، ويُشار إلى أن الزوج مسجون بجريمة قتل شقيقه بتهمة الاعتداء الجنسي على ابنته.
نقل العميد يحيى في تصريح إعلامي وقائع تحقيق سرّي لم ينته بعد
استغرب مسؤولون أمنيون وقضائيون لجوء قائد الشرطة القضائية إلى «خرق سرّية التحقيق وإدانة ب. أ. م. بعدما كشف اسمها بالكامل، رغم أن التحقيق لم ينته. كذلك فضح اسم ابنتها التي تعرّضت لاعتداء من الأب». يستغرب مسؤولون آخرون قول العميد يحيى، في مقابلة مع الزميلة «الديار» (نشرت أول من أمس) إن «ب. أ. م. قررت التخلّص من عمّها، واختارت محمد مسلم لتنفيذ مخططها بقتل يوسف أبو مرعي، مقابل أن تزوّجه ابنتها، علماً بأنها اتّهمته باغتصاب الفتاة قبل نحو شهر».
يكمل قائد الشرطة سرد روايته، فيقول إنه «جرى إحضار ب. أ. م. إلى مفرزة بعبدا القضائية»، مشيراً إلى أنها خضعت للاستجواب لدى المدعي العام كلود كرم، لافتاً إلى أنها اعترفت على الفور «من دون ضغط أو إكراه». لقد أدلى يحيى بدلوه. أخذ الإذن بالتصريح الإعلامي، ونقل وقائع تحقيق سرّي لم ينته بعد. ربّما، قرّر القضاء لاحقاً أن الرواية حقيقية، لكن ثمة العديد من الأسئلة التي لا تزال تُطرح حولها، وهل هي رواية منطقية. فلماذا لم يكتف مسلم بقتل يوسف (إن كان هو الفاعل)، إذا كان هذا هو الشرط لزواجه بابنة ب. أ. م.؟ ولماذا أجهز على زوجته وحفيدتيه؟ ولو افتُرض أن مسلم قتل الزوجة لأنها رأته أثناء قتله يوسف، فلماذا انتظر حتى وصول الطفلتين عند الثالثة، موعد عودة الطفلتين من المدرسة، ليقتلهما؟ علماً بأن الطبيب الشرعي رجّح حصول وفاة الجدين بين الساعة الواحدة والنصف والثانية والنصف من بعد ظهر ذلك الأربعاء.
«اعتراف» مسلم وصفه أكثر من مسؤول أمني بأنه «ركيك وغير قابل للركون إليه»
وفي ما يتعلّق بمجريات التحقيق والتساؤلات التي رافقته، تجدر الإشارة إلى أن مسؤولين أمنيين يتحدثون عن «حصول تناقض بين إفادة الموقوف محمد مسلم وإفادات عدد من الشهود الذين كذبوه، فأدى ذلك إلى انهياره واعترافه على الفور بأنه هو من نفّذ الجريمة». لكن الاعتراف المذكور وصفه أكثر من مسؤول أمني بأنه «ركيك وغير قابل للركون إليه». أما بالنسبة إلى قضية «العثور على سلاح الجريمة»، فقد علمت «الأخبار» أن محمد مسلم تحدّث عن مواصفات سكينين موجودين لديه. لهذا السبب، دهمت دوريات من قوى الأمن الداخلي منزله، حيث ضُبط عدد من «السكاكين النظيفة»، وفق إفادة والدة مسلم. لكن الأدلة الجنائية أجرت كشفاً على هذه السكاكين التي كان مسلم قد غسلها، فعثرت على حمض نووي لدماء واحدة من الطفلتين كان لا يزال في نصل السكين. كذلك عُثر على أثر لحمض نووي من المشتبه فيه كان عالقاً على قبضة السكين نتيجة عرقه. كذلك تبيّن للأدلة الجنائية أن قطرات الدم الخفيفة الموجودة على سترة محمد مسلم تعود إلى السيدة المقتولة كوثر أبو مرعي.
قتل مسلم: رمي المسؤولية
آخر الروايات عن جريمة كترمايا الثانية، أدلى بها قائد الشرطة القضائية، العميد أنور يحيى، في المقابلة التي نشرتها الزميلة «الديار». يقول يحيى إن «الرائد الرافعي أراد التدليل التقني، وبسبب اندفاعه وشجاعته في كشف مثل هذه الجريمة، قرر سوق المتهم إلى المنزل، وقد حذّرناه» من ذلك.
خلاصة الأمر، أن يحيى يحمّل المسؤولية لآمر مفرزة بعبدا القضائية الرائد مروان الرافعي. وكلام يحيى يصبح أكثر وضوحاً إذا ما عُطف على تصريح النائب وليد جنبلاط يوم 10 أيار 2010، في موقفه الأسبوعي لجريدة «الأنباء». حينذاك، طالب جنبلاط باستقالة أو إقالة الأمنيين المسؤولين عن سوق المشتبه فيه إلى كترمايا «ورؤسائهم»، وإلى إقالة أو استقالة النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم. وقد أكد مقربون من النائب جنبلاط أن موقفه يعني «رفع الغطاء عن العميد يحيى»، المحسوب عليه.
طرح العميد يحيى إمكان نقل الموقوف للدلالة التي تفرضها مقتضيات التحقيق، فوافق القاضي كرم مشترطاً عدم وجود وسائل الإعلام
أمام هذا الواقع، لم يجد يحيى أمامه سوى الهروب إلى الأمام، لمحاولة رفع المسؤولية عن نفسه، ورميها على مرؤوسه.
طوال اليومين الماضيين، تندّر مسؤولون أمنيون على «ديموقراطية العميد أنور يحيى». يقول مسؤول كبير في الأمن الداخلي: «لو كان مرؤوس العميد يحيى برتبة عميد، لما تجرّأ على معارضة أمر له، أو مخالفة تحذيره. فكيف الحال بضابط من رتبة رائد؟»، ثم يضيف: «أنا لا أنفي مسؤولية الرائد الرافعي في سوء تقدير الموقف (وهو ما دفع اللواء ريفي إلى إصدار قرار بتوقيفه 6 أيام، مع آمر فصيلة شحيم الملازم أول هشام حامد). لكن القوانين والتعليمات التي تحكم عمل المؤسسة تحمّل الرئيس مسؤولية أكبر من مسؤولية المرؤوس».
بعيداً عن «ديموقراطية» يحيى، يروي مسؤولون أمنيون نسختهم لما جرى في كترمايا، فيقولون: «بعد ساعات على جريمة كترمايا الأولى، أوقفت دورية من فرع المعلومات المشتبه فيه محمد مسلم، قبل أن تسلمه إلى فصيلة شحيم، بناءً على إشارة النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم الذي كان موجوداً في مبنى الفصيلة. في الفصيلة، خضع الموقوف لتحقيق طويل، اعترف في نهايته بقتل الجدين والحفيدتين». (يجري الحديث على نطاق واسع داخل المؤسسة الأمنية وبين عائلة المشتبه فيه عن تعرضه للتعذيب خلال التحقيق، أو على الأقل، للضرب الذي صار اعتيادياً في مراكز التحقيق في لبنان)، علماً ان أحد الضباط نفى ذلك. حتى هذا الحد، لم يكن للشرطة القضائية أي صلة بالتحقيق، ولا بـ«الإنجاز» الذي ستقول القوى الأمنية إنها حققته، من خلال كشف الجريمة في أقلّ من 24 ساعة، فجريمة كترمايا ترقى إلى مستوى «المجزرة»، وتحظى باهتمام شعبي ورسمي وإعلامي كبير. وفي الحالات المماثلة، يقول مسؤولون أمنيون: «تتسابق الأجهزة الأمنية للوصول إلى «الحقيقة» كي تنسب الإنجاز لنفسها».
الجريمة الثانية
عند التاسعة صباحاً، وصل قائد الشرطة القضائية العميد أنور يحيى، وقائد الدرك العميد أنطوان شكور، إلى مبنى فصيلة شحيم. كان القاضي كرم قد غادر، وكان فريق إحدى محطات التلفزة في الانتظار. صوّر دخول قائد الشرطة القضائية إلى مبنى الفصيلة. ويؤكد مسؤولون أمنيون أن وجود الفريق الإعلامي لم يكن مصادفة، «إذ إن العميد يحيى كان قد اتصل بمندوب المحطة لتغطية وقائع تمثيل الجريمة. فما كان من الفريق الإعلامي إلا أن سارع لتسجيل الحدث، تماماً كما كان سيفعل أي إعلامي». يضيف المسؤولون: «استمع العميدان إلى الموقوف محمد مسلم، فجدّد اعترافه. سألاه عن الأسباب والدوافع فلم يُجب. اكتفى بالقول إنه يكره تلك العائلة. استمرّت الجلسة نحو ساعتين. أُعيدت الأسئلة لأكثر من مرّة، لكن الإجابة كانت واحدة. استنتج قائد الشرطة من خلال كلام مسلم أن ثمة ثغرة في التحقيق، فطلب إعادة الاستجواب. اتّصل بمكتب الأدلة الجنائية، طالباً إعادة الكشف على مسرح الجريمة. كذلك قرر أخذ الموقوف محمد مسلم إلى مكان حصول الجريمة لتمثيل الجريمة».
بحسب مسؤولين أمنيين وقضائيين، فإن الرائد مروان الرافعي اتصل بالقاضي كرم لنيل موافقته على تمثيل الجريمة. عندها، سأل كرم النائبَ العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، فأجابه الأخير رافضاً نقل الموقوف لتمثيل الجريمة في كترمايا، «وخاصة أن الضحايا لم يدفنوا بعد». وللسبب ذاته، يقول عدد من المطلعين على القضية، «رفض قائد الدرك، العميد أنطوان شكور، نقلَ الموقوف إلى كترمايا».
في هذا الإطار، يذكر العميد يحيى أن سبب الرغبة بنقل الموقوف هو التناقض الذي شاب إفادته بين المكان الذي عُثر فيه على جثث الضحايا وذلك الذي أشار إليه مسلّم. وبعدما رفض القاضي كرم تمثيل الجريمة (بناءً على رفض القاضي ميرزا)، عاد يحيى وطرح إمكان نقل الموقوف للدلالة التي تفرضها مقتضيات التحقيق، فوافق كرم مشترطاً عدم وجود وسائل الإعلام.
ثمة من يريد أن يرمي المسؤولية حصراً على ضابطين
قُضي الأمر، واقتيد الموقوف إلى مسرح الجريمة، في حماية دورية يرأسها آمر فصيلة شحيم الملازم أول هشام حامد، وفي حضور الرائد مروان الرافعي وعدد قليل من عناصر الشرطة القضائية. نُقل الموقوف ليلاقي حتفه، فيما غادر قائد الشرطة «لأن الإعلام لن ينقل وقائع الإنجاز الذي أراده للوحدة التي يرأسها»، حسبما يقول مسؤولون أمنيون. وقعت الجريمة الثانية. اعتدى مواطنون على عناصر الدورية واختطفوا الموقوف من بين أيديهم. ضربوه وحاولوا قتله. لكن الضابطين تمكّنا من سحبه من بينهم، بعدما أوهماهم لبرهة بأنه ليس القاتل. سُحب الموقوف إلى المستشفى الذي فيه جثث ضحايا الجريمة الأولى. لحق به الأهالي الغاضبون وأخذوه بالقوة من غرفة الطوارئ. وهنا سُجّل خطأ آخر ضد القوى الأمنية، لكنه هذه المرة ضد الرائد مروان الرافعي والملازم أول هشام حامد. سحل المهاجمون مسلم على الأرض، وضعوه على مقدمة سيارة المرسيدس ونحروه. أما باقي القصة فتفاصيلها صارت معلومة لدى الجميع، صور الجثة مسحولة ثم معلقة على عمود تصدرت وسائل الإعلام، صور الرجل الذي غابت ملامحه طغت على كل الصور الباقية. قوى عديدة استنكرت الحادثة، كما استنكرها سياسيون، ودار لغط حول كيفية حصولها، وذهبت بعض وسائل الإعلام إلى تبنّي الرواية القائلة بأن مسلم هو قاتل أبو مرعي وزوجته والحفيدتين، وذلك على الرغم من أن التحقيق لم ينته بعد، وأنه كان مشتبهاً فيه، ولم يكن «متهماً» في الجريمة بعد.
قُتل الموقوف محمد مسلم وعُلّق على العمود. واليوم، ثمة من يريد أن يرمي المسؤولية حصراً على ضابطين، هما: الرائد مروان الرافعي والملازم أول هشام حامد.
دور القاضي كرم
وسط تقاذف الأمنيين للمسؤوليات، ثمة إغفال لدور النائب العام الاستئنافي القاضي كلود كرم، فبحسب قانون أصول المحاكمات الجزائية، تجرى التحقيقات بإشراف النائب العام الاستئنافي. وعند حضوره، يقوم هو بالتحقيق، ولا يتركه بين يدي الضابط العدلي الذي يتحول إلى كاتب عند القاضي. وفيما يقرّ مسؤولون أمنيون بأن تقدير الموقف على الأرض هو من اختصاص الأجهزة الأمنية لا القضائية، ويركزون على دور العميد أنور يحيى (الصورة)، تطالب مصادر رفيعة في وزارة الداخلية بأن يُفتح تحقيق في القضاء، لتحديد المسؤولية التي يتحملها القاضي كرم. يقول مسؤول قضائي رفيع: «نرجو أن تنتصر وزارة العدل للقضاء، لا برفع المسؤولية عن القاضي كرم، بل بتحديد قدر هذه المسؤولية، إذ لا يجوز أن يُغضّ النظر عن أدائه، كما حصل قبل مدة، حين سجّلت سابقة استئناف قرار قاضي التحقيق المتعلق برد طلب استرداد مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحق متوارٍ عن الأنظار، يعمل مرافقاً للمدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور.
ماذا جاء في الديار أول أمس؟:
الديار» تنشر الرواية الكاملة
للجريمة الرباعية في كترمايا
كتب كمال ذبيان
الجريمة التي هزت لبنان يوم 28 نيسان الماضي، بمقتل رجل وامرأة مسنين مع حفيدتيهما في بلدة كترمايا في اقليم الخروب في قضاء الشوف، وما تبعها من حدث دراماتيكي بقتل الجاني، عبر خطفه من المستشفى والتمثيل في جثته وتعليقه في الساحة، حيث تحولت الجريمة الرباعية الى خماسية، مما اثار حولها ردود فعل سياسية وديبلوماسية واعلامية وامنية وقضائية، وكادت أن تؤدي الى ازمة ديبلوماسية بين لبنان ومصر، لأن القاتل مصري الجنسية.
فقد شكلت هذه الجريمة مادة للسجال اللبناني الداخلي، بين اهالي كترمايا من جهة واهل المجرم من جهة ثانية، وتبادل الاتهامات عبر وسائل الاعلام لا سيما المرئية منها، وكان السؤال الاكبر هو حول دور القوى الامنية، في الحفاظ على المتورط في الجريمة وحمايته من اجل معرفة من يقف وراءه ولماذا قام بفعلته الدنيئة هذه، اذ بعد اعترافه امام التحقيق في مخفر شحيم، انه مرتكب المجزرة البشعة، لم يتمكن المحققون من الوصول، الى الحقيقة الكاملة هل نفذها لوحده، ام هناك من حرّضه، وبقي مسرح الجريمة دون معرفة كامل المشاركين فيها، و هذا ما اقتضى عملا مضنيا حتى وحدة الشرطة القضائية في قوى الامن الداخلي، للوصول الى تحقيق شبه كامل للجريمة وتفاصيلها، مما اعطى صدقية لهذا العمل الجنائي والامني، واعاد الى قوى الامن الداخلي بكامل وحداتها من درك وشرطة قضائية وشعبة معلومات، الثقة بها، بعد ان كادت ان تهتز، وتتمزق بسكاكين من قبل المجرم، حيث راحت اصابع الاتهام توجه الى مسؤولين في قوى الامن، وتسأل عن دورهم في حماية من يقع بقبضتهم، وهل من المعقول، ان يفلت مجرم من يد العدالة، ليمسك به مواطنون غاضبون هائجون، لم يدفنوا موتاهم، وهم يشاهدون متهماً في سيارة عسكرية نقلته، للتدليل التقني على الجريمة.
شهر مرّ على اقدام محمد سليم مسلّم (مصري الجنسية) ويقيم في كترمايا، على قتل يوسف ابو مرعي (78 عاما) وزوجته كوثر (79 عاما) وحفيدتيهما امينة وزينة.
ثم مقتله على يد شبان ناقمين في البلدة، فكيف حصلت الجريمة، وكيف توصلت الشرطة القضائية، الى معرفة المحرِّض على القتل، «الديار» تنشر التفاصيل الكاملة للجريمة منذ لحظة وقوعها، وهي مستقاة من مصادر التحقيق، حيث اثبتت قوى الامن الداخلي فعاليتها.
كيف وقعت الجريمة؟
الرواية تبدأ، بأن محمد مسلّم الذي جاء من مصر، وهو من اصحاب السوابق فيها، جاء الى كترمايا، البلدة الهادئة التي تتوسط اقليم الخروب، ليسكن مع والدته سيدة (مصرية الجنسية) التي طلقت والده عام 1973، وتركته منذ ذلك التاريخ لتتزوج من رياض عرابي (لبناني الجنسية)، وانجبت منه اولادا.
سكن مسلّم مع والدته، التي تقيم في مكان قريب من منزل يوسف ابو مرعي، الطاعن في السن، ومعه زوجته، وتقيم معه ابنته رنا المتعلمة والتي تعطي دروسا ثانوية، والمطلقة من محمد الروّاس منذ حوالى الاربع سنوات، والذي يقيم في سبلين ويعمل في السعودية، حيث وجهت اليه مطلقته لحظة وقوع الجريمة اصابع الاتهام، ان يكون وراء الجريمة، لانها رفضت ان يرى انبتيه او يلتقي بهما او يجري اي اتصال معهما.
فيوم الاربعاء، كان هادئا في كترمايا، كل المواطنين في اعمالهم، والطلاب في مدارسهم، وحده القاتل، كان يخطط لجريمته، وينتظر التوقيت المناسب، فلم ير افضل من منتصف ذلك النهار، حيث لا أحد في الحي الذي يسكنه، وبعض الاهالي كان منهمكا في عرس يجري له التحضير في البلدة، اضافة الى أن العجوزين المقصود قتلهما، لوحدهما في المنزل.
ذهب القاتل الى الحلاق (مصفف الشعر) عند الواحدة والربع، وقصّ شعره، وبعد أن انتهى من ذلك، توجه الى منزله، واخد معه سكيناً، وانتقل منه الى منزل ابو مرعي لا يبعد 12 متراً، وهناك دخل على العجوزين، وبدأ يعمل ذبحاً فيهما، وتنكيلاً، وتعاطى مع جسديهما كجزار يجرم اللحم، وهو الذي يعمل مع صهره من آل عرابي في هذه المهنة (جرم الكراعين)، حيث اخذ وقته في تقطيع وتشويه اوصال الرجل والامرأة، الى حين موعد وصول الحفيدتين من المدرسة، وما أن دخلا الى المنزل، حتى كانت سكين الجزار تنهش جسديهما، دون شفقة أو رحمة، حيث تمددت امامه اربعة جثث، فخرج من المنزل حوالى الثالثة بعد الظهر، مخلفاً وراءه جريمة مروعة، اكتشفتها والدة الطفلتين وابنة يوسف، التي جاءت الى المنزل فرأته مقفلاً، فظنت ان اهلها عند الجيران، واطلت من احدى النوافذ، لترى والدها جثة ممددة على السرير، لتبدأ بالصراخ حوالى الثالثة والنصف من بعد ظهر الاربعاء في 28 نيسان، فيحضر الاهل والاقارب، ليروا ما حلّ بيوسف ابو مرعي وزوجته وحفيدتيه.
تحرك الاجهزة الامنية
بعد أن انكشفت الجريمة، حضرت الاجهزة الامنية، ووصل آمر فصيلة شحيم الملازم اول هشام حامد، مع عدد من العناصر، كما حضر آمر مفرزة بعبدا القضائية الرائد مروان الرافعي، وآمر فصيلة بيت الدين وبدأت معاينة مكان الجريمة، حيث ضربت القوى الامنية طوقاً، ومنعت الدخول الى المنزل، الذي اخذت منه الادلة الجنائية في الشرطة القضائية، البصمات، كما بدأ العمل على سحب دم من الضحايا من قبل رجال المختبر الجنائي.
ومع تبلغ المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي وقائد الدرك العميد انطوان شكور وقائد الشرطة القضائية العميد انور يحيى، استنفرت كل الاجهزة في قوى الامن الداخلي، للبحث عن مرتكب الجريمة واسبابها.
انتقل العميد يحيى الى مكان الجريمة وحضر ايضا المدعي العام في جبل لبنان القاضي كلود كرم، وعاينا مع قادة الاجـهزة الامنية في المنطقة، مسرح الجريمة، وتبين لهم فظاعة وهول ما حصل، وبدأ العمل على معرفة اسباب حصول جريمة بهذا الحجم، وهل يمكن لشخص أن يقتل اربعة مواطنين بالسكاكين، وليس بالرصاص، وهل يمكن أن يكون المجرم واحداً، أم أكثر.
بدأت عملية تحليل الجريمة، حيث يقول العميد يحيى، ان عمل الشرطة القضائية، يدخل في اطار البحث عن الاسباب والدوافع، بغير ما تقوم به احياناً وحدات أخرى، وبدأت نقطة البحث من أن الاداة الجرمية هي السكاكين كما جرى التوقف عند التوقيت في النهار، كما لم يتبين وجود عملية سرقـة، وبـدأ البحث عن اصحاب سوابق، كما عن قريبين جداً من الضحايا، فشكت والدة الطفلتين بوالدهما المفصول عنها، كما جرى الشك بمسلّم وهو المتهم قبل اكثر من شهر باغتصـاب فتـاة او الاعتـداء الجنسي عليها وتدعى جميلة علي (15 سنة)، فتم استدعاؤه عند التاسعة ليلاً من منزله عند والدته الى مخفر شحيم، وبدأ التحقيق معه، فأنكر علمه بالجريمة، وابلغ المحققين وعلى رأسهم العميد يحيى والقاضي كرم، انه كان اثناء الجريمة يقص شعره عند حلاق في البلدة وسماه وانه بعد ذلك ذهب الى ملحمة صهره وقام بعمله في جرم الكراعين.
الاعتراف بالجريمة
هذا الاعتراف الكاذب، لم يمر على المحققين، الذين استدعوا الحلاق، فأكد ان مسلّم حضر الى محله وقص له شعره عند الواحدة والربع، ثم أُحضر صهره رياض عرابي فاكد امام المحققين، ان محمد حضر الى الملحمة ولكنه لم يعمل، وهو ما زاد من شكوك المحققين الذين شاهدوا بقع دم على قميصه (تي شيرت)، وقد ابلغهم انها من آثار دماء في مكان عمله.
اعتراف القاتل
وقد ووجه القاتل، بموعد حضوره عند الحلاق ظهراً، وانه لم يعمل في الملحمة، عندها وكانت الساعة قد قاربت بعد منتصف الليل اعترف مسلم انه هو من ارتكب الجريمة في الرابعة فجراً، 29 نيسان حيث توجه قائد الشرطة القضائىة في الصباح الباكر الى مخفر شحيم واستمع الى اعتراف المجرم دون ان يكون تقرير D.N.A قد صدر لانه بحاجة الى 48 ساعة وكانت قميصه ارسلت الى المختبر لفحص بقع الدم عليها.
بعد ان اعترف القاتل بارتكاب جريمته امام العميد يحيى، امر مدعي عام جبل لبنان بتوقيفه وبدأ البحث عن شركاء له ومحرضين اذ ساورت الشكوك قائد الشرطة القضائىة ان لا يكون لوحده ولا بد من معرفة اسباب ودوافع الجريمـة هل كـان المقصود يوسف ابو مرعي وزوجته فقط ام الطفلتين لوحدهما.
قتل المجرم
هذه التساؤلات يقول العميد يحيى بدأنا نعمل عليها لأنه لا يكفي ان تلقي القبض على المجرم فقط.
ولكن حل ما لم يكن في الحسبان وهو ان الرائد الرافعي وبعد اعتراف مسلم اراد ان يبحث عن الدليل التقني وهو غير تمثيل الجريمة، وبسبب اندفاعه وشجاعته في كشف مثل هذه الجريمة المروعة قرر سوق المتهم الى المنزل وقد حذرناه يقول العميد يحيى ان يصطحبه دون حراسة مشددة وان لا يستطلع المكان لكن جوابه كان ان احد المخبرين ابلغه انه يمكن الوصول الى المنزل دون ان يدري احد ومن مكان بعيد عن اعين المواطنين ومع ذلك ومع محاولة ثانية من الرائد الرافعي لنيل الاذن وان كل شيء مؤمن عدنا الى تأكيد تحذيرنا له يقول العميد يحيى لكن الجواب كان انه سيذهب الى المكان ومعه 12 عنصرا بقيادة آمر فصيلة شحيم لكن حصل ان احد المواطنين من اهالي البلدة شاهد في احدى السيارات شخصاً موقوفاً ومكبلاً، فتعرف اليه انه محمد مسلّم وهو من اصحاب السوابق والمعتدي على فتاة جنسياً.
فصرح بأعلى صوته «الله اكبر» لقد اتوا بقاتل الضحايا الاربعة وقام من نادى على الاهالي من مئذنة الجامع وتجمع المواطنون في الساحة محاولين اختطاف القاتل بعد ان تواجهوا مع العناصر الامنية واقدموا على تكسير السيارات العسكرية وهو ما ترك الرائد الرافعي الى ان يخرج بمسلم الذي تلقى ضربات من الاهالي وينقله بسيارة احد المواطنين بطريقة سرية الى مستشفى سبلين لكن ما ان وصل الى طوارئ المستشفى حتى كانت ثلاث سيارات «فان» تلحق به وتسحبه من هناك ويؤتى به الى ساحة كترمايا التي كان مئات المواطنين تجمعوا فيها وبدأت عملية التنكيل به بعد ان اشبع ضربا حتى الموت وتم تعليق جثته.
هذا العمل لاقى ردود فعل سلبية وتم تحميل قوى الامن مسؤولية ما جرى وبدأ التحقيق بما حصل وكانت عملية ارسال صوّر مقتل مسلم بالطريقة التي حصلت فيها عبر الانترنت تثير ردات فعل لا سيما في مصر التي قامت السلطات فيها تطالب معرفة حقيقة ما حصل وشن الاعلام المصري لا سيما المعارض منه حملة ضد العنصرية اللبنانية ودخلت اسرائىل على الخط وقالت احدى صحفها ان الفاعلين هم من حزب الله، وقاموا بعملهم رداً على اصدار قرار قضائي بحق عناصر من ما سمي «خلية حزب الله» في مصر وظهر فيما بعد ان هذه المزاعم كاذبة وان البلدة هي سنية لا شيعية كما ادعت الصحافة الاسرائىلية ولا وجود «لحزب الله» والجريمة فردية.
توقيف ثلاثة ضباط
ومع انكشاف ما حصل قامت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي بالتحقيق مع الضباط الذين تبين انهم وقعوا في سوء تقدير ومعلومات خاطئة من مخبرين وان عملهم المهني كان سليما لكنهم لم يحسنوا التقدير لجهة تشديد الحراسة او تأخير التوجه بالقاتل الى منزل الضحايا قبل دفنهم وهدوء غضب الاهالي وكانت نتيجة عملهم هو توقيف قائد السرية وآمر المفرزة القضائية وآمر فصيلة شحيم لمدة ستة ايام.
وبعد مقتل مسلم على يد المواطنين صدر تقرير فحص D,N,A وقد تبين انه يطابق لدم المجرم من اثار بقع دم الجدة تؤثر على قميصه، ودم الطفلة زينة على المقبض الخشبي للسكين.
اكتشاف المحرض واسباب القتل
لكن مع مقتل مسلّم، غابت معلومات لم تقبل قيادة الشرطة القضائية ألا تحصل عليها، انطلاقا من الاسئلة التي طرحتها، حول الدوافع والاسباب، وهي لم تلتقط في منزل يوسف ابو مرعي بصمات سوى لاهل البيت، وقرر العميد يحيى تكوين خلية عمل في وحدة الشرطة القضائية لمعرفة اسباب القتل بعد صدور تقرير DNA وثبوت ضلوع مسلم بالجريمة، بعد ان اعترف بها قبل ان يقتل، دون ان يعترف بالاسباب والدافع الى ذلك.
وعندما تأكد بالتحقيق والادلة الجنائية الدامغة ان القاتل مسلّم، بدأ البحث، من كان معه، ومن حرّضه، وزاد من اندفاع الشرطة القضائية، هو ان مواقف صدرت لسياسيين تطالب بمحاسبة قادة ومسؤولي الاجهزة الامنية، وبدأ التحري والاستقصاء، عن اسباب قتل مسلّم للعجوز ابو مرعي وزوجته وحفيدتيه.
ويكشف العميد يحيى، ان احد المخبرين العاملين مع الشرطة القضائية، نقل معلومات تفيد انه ليل الثلاثاء - الاربعاء، وقبل يوم من وقوع الجريمة، طلبت بدرية ابو مرعي وهي ابنة شقيقة المغدور ابو مرعي، من القاتل مسلم ان يخلصها من عمها ويقضي عليه، لانه يهددها دائما بسبب سوء سمعتها وتعاطي الدعارة، ودخول رجال الى منزلها، انه سيبلغ زوجها ضاهر العلي، المسجون بجريمة قتل شقيقه والاعتداء الجنسي على ابنته رولا.
قررت بدرية التخلص من عمها، ورأت بمحمد مسلّم الذي يزورها في منزلها، والمتهم باغتصاب ابنتها، التي وعدته بزواجه منها، انه صيد ثمين ليرتكب ما تفكر فيه، وبدأت ان ينهي عمها، على ان تزوجه من ابنتها.
بعد تبلغ الشرطة القضائية لهذه المعلومات من احد مخبريها استحضرت الاربعاء الماضي بتاريخ 19 ايار الحالي الى مفرزة بعبدا القضائية، بعد ان غادرت كترمايا بعد يومين من وقوع الجريمة اي في 30 نيسان الماضي، وتم استجوابها من قبل المدعي العام القاضي كرم، فاعترفت على الفور ومن دون ضغط او اكراه، انها هي من طلبت وألحت على محمد مسلم ان يخلصها من عمها يوسف، وهو وعدها ان يقوم بعمله بعد ظهر الاربعاء 29 نيسان، وهذا ما حصل، اذ اجهز على ضحاياه، وخرج من المنزل بطريقة لا تدعو الى الشبهة.
وبعد اعتراف بدرية بقتل عمها وما تسبب بقتل زوجته وحفيدتيه، اصدر القاضي كرم مذكرة توقيف وجاهية واثنى على عمل رجال الشرطة القضائية، وكشفهم جريمة احدثت هزة في المجتمع اللبناني، ولم يسدل الستار عليها مع مقتل الجاني، او مع دفن الجثث الاربع.
ولقد لاقى اكتشاف اسباب الجريمة ودوافعها ارتياحاً عاماً لدى المواطنين، ولم يمض شهر على وقوعها، اذ اعاد كشف المحرّضة على الجريمة، الى تعزيز الثقة بقوى الامن الداخلي كمؤسسة اذ ما حصل اثناء نقل المجرم لم يكن مدبرا بل خطأ تقنيا، وان من هاجم السيارات الامنية واعتدى على عناصرها وكسرها، تمكن فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي من اعتقال المشتبه بهم والذين ظهرت صورهم على شاشات التلفزة، وتمكنت من القاء القبض عليهم والتحقيق معهم، لمعرفة الفاعلين، وقد حولوا الى القضاء العسكري، كما ان فصيلة درك شحيم أدت دوراً في الكشف الفوري عن المجرم.
تعليقات: