بحر غزة مقفل

مناصرون للقضية الفلسطينيّة يدعمون مسيرة «أسطول الحريّة» من نهر السين في باريس أمس
مناصرون للقضية الفلسطينيّة يدعمون مسيرة «أسطول الحريّة» من نهر السين في باريس أمس


حصار قبرصي مفاجئ يرجئ الانطلاق إلى اليوم..

بهجة وآمال تنتظر «أسطول الحرية» في غزة

حصار قبرصي مفاجئ «لأسطول الحرية» يعرقل مسيرته التي يتوقع أن تواجه صداً إضافياً عند الاقتراب من المياه الإقليمية المصرية. حاجزان يبدو واضحاً أنهما يؤديان دوراً دفاعياً عن إسرائيل التي تخشى متضامنين «عُزّل»، يحلمون بكسر الحصار عن مليون ونصف مليون غزيّ.

لم يتوقع «أسطول الحرية» أن يواجه مشكلته الأولى، في رحلته إلى قطاع غزة لفك الحصار عنه، مع قبرص. فالأخيرة اتخذت قرارها، من خلال تسليمها رسالة رسمية إلى قبطان سفينة «8000» (نسبة إلى عدد الأسرى في غزة)، بمنع تحميل النواب والبرلمانيين الأوروبيين الـ14 من هذه الجزيرة.

هكذا نجحت إسرائيل في تجنيد نيقوسيا، بعدما أشار أحد المصادر المطلعة إلى اجتماع المسؤولين القبارصة مع مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أمس. كانت النتيجة منع نقل الدبلوماسيين إلى الأسطول أو إلى أحد موانئ قبرص التركية. أرادت قبرص على ما يبدو أن تضعف الصفة الرسمية للأسطول، الذي يضم فقط 8 برلمانيين أوروبيين الآن.

قرار قبرص، إضافة إلى عدم رغبة المنظمين في وصول غزة ليلاً، دفع بهم إلى تأجيل الانطلاق إلى صباح اليوم، بهدف الوصول إلى غزة صباح غدٍ الأحد.

المفاجأة القبرصية

مشكلة الأسطول مع قبرص بدأت عند الساعة الواحدة من بعد ظهر أمس بالتوقيت المحلي، حين اقتربت السفن من المياه الإقليمية القبرصية. قال أحد أعضاء الحملة، أمين أبو راشد، إن قبرص «منعتنا من الدخول إلى مياهها الإقليمية واصطحاب البرلمانيين الأوروبيين الـ14 الموجودين هناك»، مشيراً إلى أن «هذا يدل على تواطئها مع إسرائيل في محاولة لثنينا عن الوصول إلى غزة». وأضاف: «نحن نجري مناورات للتمكن من الدخول».

في المقابل، نفى منسّق الحملة الأوروبية في قبرص، رامي عبده، وجود أي مشكلة مع قبرص، قائلاً إن هذه الأخبار «مجرد شائعات تهدف إلى خدمة الدعاية الإسرائيلية». وأشار إلى أن سبب التأخير هو عطل فني طرأ على سفينة «غزة حرة»، التي قرر القائمون على الأسطول توزيع ركابها الثلاثين على باقي سفن الأسطول السبع. إلا أنه قرابة الرابعة من بعد ظهر أمس، عاد أبو راشد ليؤكد قائلاً: «لا نزال عالقين في قبرص التي تصر على منعنا من المرور». ولدى الاستفسار عن جدوى الدخول إلى المياه القبرصية ما دامت السفن اتفقت على اللقاء في المياه الدولية، أشار إلى «أن الوصول إلى المياه الدولية يحتاج إلى موافقة قبرصية»، الأمر الذي نفاه عبده، قبل أن يكشف الأخير عن المشكلة الحقيقية. قال إن «الخلاف يتمثل في منع قبرص الأسطول من الرسوّ في مينائها لنقل البرلمانيين، ما اضطرنا إلى نقلهم إلى موانئ قبرص التركية»، عازياً السبب «إما إلى ضغط إسرائيلي، أو مشكلة مع تركيا».

وبعد ساعات كانت المفاجأة: مروحيات ودوريات قبرصية تحاصر «أسطول الحرية» الذي لم يدخل المياه الإقليمية القبرصية، فيما مُنِع البرلمانيون الأوروبيون من الوصول إلى أحد موانئ قبرص التركية.

عزم وعزيمة

ورغم تكاثر الغيوم الملبدة فوق الأسطول، يصرّ المتضامنون على المتابعة. شوق الوصول يغلب ساعات الإبحار والانتظار. داخل السفن، تنتشر الأعلام الفلسطينية. ترافقها أعلام متضامنة لنحو أربعين دولة، منها اليونان وإيرلندا وتركيا. وإلى جانبها، شعار الأسطول وهو «الحرية»، إضافة إلى الجهات المنظمة، وهي الحملة الأوروبية لرفع الحصار، وحركة غزة الحرة، ومنظمة الإغاثة التركية، وحملتي السفينة السويدية واليونانية.

أعلامٌ تقذفها الرياح يميناً وشمالاً. إلا أنها تصرّ على الصمود، كأنها تعرف إلى أين تسير. تدرك أن الرسالة تستحق التضحية. على الأرض أغطية من كل الألوان، تمثّل ثقافة البلدان التي ينحدر منها المتضامنون الذين يفترشونها ليناموا. في إحدى الزوايا، رجال ذوي لحىً بيضاء يقرأون القرآن. وفي أخرى نساء محجبات يتسامرن ويتابعن آخر الأخبار، فيما يلجأ البعض إلى الغناء الذي يطيل العمر، حتى تبدو الأغنيات كأنها إحدى وسائل التصدي للإسرائيليين.

حلم كبوتشي

وفي ما يتعلق بوجود مطران الكنيسة اليونانية الكاثوليكية، هيلاريون كبوتشي، الذي اعتقله جهاز «الشاباك» خلال السبعينيات، على خلفية اتهامه بتهريب مواد متفجرة من لبنان إلى إسرائيل، وما قد يسببه من حجة إضافية للدولة العبرية، قال عبده إن كبوتشي «صاحب رسالة وأصحاب الرسالة لا يبالون بالتهديدات. الرجل يحلم بأن تتكحل عيناه برؤية فلسطين. وهذه هي فرصته. هو يريد أن يقول للإسرائيليين إن محاولات عزل الفلسطينيين عن أرضهم ستبوء بالفشل».

ويبدو عبده شديد التحفظ على ما يتعلق بكيفية بمقاومة المتضامنين. إلا أنه يقول: «إنهم قد يكبلون أيديهم بسلاسل حديدية مع السفن. سيقاومون بأيديهم».

حركةٌ لا تهدأ

ليس المتضامنون وحدهم في شوق. الغزيون أيضاً ينتظرون الأسطول بفارغ الصبر. كأنهم سينالون الحرية، وإن كانت رمزية. تستعد فرق شعبية فلسطينية لاستقبال «الأسطول». وأكد رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، النائب جمال الخضري، استكمال التحضيرات. وقال إن «فرقاً شعبية وشخصيات رسمية وسياسية وأهلية، إضافة إلى عشرات الصحافيين، سيكونون في استقبال المتضامنين في ميناء غزة. وسيطلق أطفال بالونات ملونة في أجواء غزة ابتهاجاً». وأكد الخضري أن «الهدف الاستراتيجي لأسطول الحرية هو تأكيد الحق في أن يكون لفلسطين ممر مائي خاص بها يربطها بالعالم الخارجي».

وفي ميناء غزة الصغير أو «مرفأ الصيادين»، حركةٌ لا تهدأ. وأوضح موظفون في الميناء أن «سفن الشحن الكبيرة لن تتمكن من الرسو في الميناء، وستُفرغ شحنتها وتُنقَل بواسطة عوامات وقوارب صغيرة». وشرح المدير العام لسلطة الموانئ البحرية في غزة، بهاء الآغا، أن سفن الشحن ستقف في أقرب نقطة من شاطئ البحر يصل عمقها لنحو 9 أمتار لإفراغ حمولتها في هذه العوامات، حيث تُجَرّ بواسطة قوارب صيد من البحر إلى الميناء». وأوضح أن عملية تجهيز الميناء تضمنت «تعميق الحوض جزئياً ليتراوح عمقه من أربعة أمتار ونصف متر إلى خمسة أمتار ونصف، وتعبيد الطريق المؤدية إلى الميناء بطول ألفي متر، وتزويدها بأعمدة إنارة».

من جهتهم، يمنّي أصحاب الفنادق في غزة أنفسهم بأن ينجح المتضامنون في مهمتهم، والإقامة لبضعة أيام، علهم يُسهمون في تحريك النشاط السياحي. وقال مدير فندق غزة الدولي، نمر أبو جاب، إنه «أتم استعدادته على أمل أن يقيم لديه 60 متضامناً في غرف الفندق القليلة والمعطلة منذ سنوات». ورأى أن «سفن كسر الحصار قد تمثّل خطوة جيدة يمكن أن تفتح الباب للسياحة في قطاع غزة».

في المقابل، لم يخل حديث الغزيين من تقدير كبير للمؤسسات التركية والأوروبية. وأبدى علاء حمد إعجاباً شديداً بشجاعة المتضامنين على تحدي تهديدات الاحتلال، وقطع آلاف الأميال للوصول إلى غزة في «مهمة إنسانية وأخلاقية نبيلة»، بينما «تتلذذ الدول العربية بآلام المحاصرين وعذاباتهم، من دون أن تحرك ساكناً». ويدرك حمد أن «سفن التضامن لا تكسر حصار غزة، لكنها تسهم في كشف جرائم الاحتلال والعقوبات الجماعية بحق المدنيين، وتعرية النظام العربي المتخاذل والجبان». بدوره، قال جمال منصور إنه «يشعر بالخجل من موقف المتضامنين الأجانب الذين تركوا أسرهم وبلادهم للتضامن مع غزة، بينما العرب صامتون، كأن الدم قد تجمد في عروقهم. فهل ينتظرون زوال غزة من الوجود ليستريحوا؟». وأشار إلى أن «كسر الحصار عن غزة لن يتحقق قبل إنهاء الانقسام المدمر في الساحة الفلسطينية، ومن دون موقف عربي بالتمرد على الإرادة الدولية الظالمة بمحاصرة الغزيين».

كأن متضامني «أسطول الحرية» استعاروا عنوان إحدى روايات التيشكي ميلان كونديرا، وأسقطوه على تجربتهم. تجردوا من الواقع بعدما اكتشفوا أن «الحياة هي في مكان آخر». تركوا منازلهم الآمنة وضمانات مجتمعاتهم، واختاروا مواجهة إسرائيل، ومقارعة قبرص!

أسطول الحرية» في طريقه إلى غزّة
أسطول الحرية» في طريقه إلى غزّة


تعليقات: