كان الصيف الماضي أخف حرارة على الأقل في تموز. واذا لم يكن أخف حرارة فقد كان أقل خنقا وأقل إثقالا.
في الصيف الماضي كنا جميعا حكماء، وجميعا أذكياء، وكنا نعلم جميعا نظرية الحرب. كيف نطوق من اليسار، وننقض من اليمين، وكيف لا يجب الانتظار، وكم يجب أن نضرب بشدة. لكن في هذا الصيف، كلما ازددنا علما قل فهمنا. هذه البلاد مزروعة ثقوبا سوداء، لا يستطيع بحر الكلمات، ومحيط التفسيرات، والمخططات والرسوم البيانية وكيلومترات من التحقيقات أن تغطي عليها. انها مثل هاويات مبتلعة تنجم واحدة بعد اخرى في البلاد التي تستغل مواردها حتى النهاية وبقسوة.
في هذا الصيف، في ريح الخماسين الشديدة التي تضرب جدران البيوت، لا توجد لنا إجابة على سؤال كيف أمكن أن يحدث هذا لنا، وكيف يمكن أنه كلما أخذت الصورة في الوضوح، أخذت في التكدر، وأخذت تزداد ظلمة. وماذا نفعل بجميع هذه التفصيلات التي تتكشف لنا فجأة، يوما بعد يوم، وكأننا لم نعش هنا وقتا كافيا لنرى.
كأننا لم نكن هنا، في الصيف الماضي، في الوقت الحق، في اللحظة التي انفصلت فيها اطارات أول طائرة عن مسار الاسفلت الممسوح في الطريق الى الشمال.
كنا نشطاء، مندفعين الى المعركة، واثقين من أن قبضتنا الفولاذية ستمحو الابتسامة عن شفتي نصر الله بمرة واحدة والى الأبد. اعتقد شعب كامل – 90 في المائة منه على الأقل، على حسب استطلاعات الرأي – أن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله. اعتقدت دولة كاملة أن هذه فرصة لتصفية الحساب، الذي لم يُصف قط، ولن يُصفى، عن طريق فوهات البنادق. كان ذلك خضوع القطيع البشري لسحر القوة – خضوعا ايامه كأيام التاريخ. وعن جانبي الحدود، مثل بائعي الخضراوات في نهاية اليوم، يعد كل جانب انتصاراته.
لكن الآن يوجد في مقابرنا 119 جنديا آخر، و44 مواطنا، وفي مقابرهم أكثر من ذلك. وعن جانبي الحدود حزن كبير لا مخرج منه. صوت صمت دقيق، وصوت صمت مُر، يُبتلع في أكوام الأوراق، وعشرات صناديق الوثائق، ومئات الأضابير التي تنتفخ من يوم الى يوم. وماذا اذا عرفنا تفصيلا آخر؟ لقد بكينا، وصرخنا، وتظاهرنا، واحتججنا، فماذا بعد؟.
عاد الوقت المتقلب الى ايقاعه المعتاد مرة اخرى. والحياة ايضا. كما في نهاية كل واحدة من الحروب التي كانت، وكما سيحدث في نهاية كل واحدة من الحروب التي ستأتي. مضى حلوتس الى الاعمال المثمرة؛ ومضى بيرتس الى بيته، لينظم الحيل التي ستعيده الى المكان الذي يعتقد أنه يستحقه؛ ويطرد اولمرت عن نفسه، بحركة يد كسولة، شبه مُدللة اصوات الاحتجاج. يحل الجنرالات محل الجنرالات، وعلى الحدود جنود في بزات عسكرية جديدة في صيف أشد حرارة من المعتاد – داخل كرة ملتهبة الانشغال بها يُعيل آلافا ويترك للموت مئات آلاف آخرين – يشحذون أسلحتهم.
ومن اجل جزء من الناس فقط تُملي الايقاع الجديد للوقت ليالي بلا نوم، ومنظر الجنود الذين يدخلون الصفوف ويخرجون مفرقين محطمين، كما في أفلام حرب قديمة. يهجمون، ويعودون، ويهجمون. وهؤلاء الناس، الذين لا ينامون في الليالي، يمضون الى الموتى، ولا يأتي الموتى اليهم. وهم يحاربون بالضرورة اليائسة جدا لاعادة النظام كما كان.
بالنسبة الى جزء كبير من الناس، لا في دوائر الثكل الأولية فقط، الصيف الأخير هو نقطة الصفر. الانفجار الكبير. انتهاء العد وبدء العد. وهذا الصيف هو الصيف الاول فقط الذي يتلو.
------
مقال نشر في جريدة يديعوت بتاريخ 2/7/2007
تعليقات: