صلاح تيزاني: أبو سليم الذي رفضته النخبة وأحبّه الشعب

صلاح تيزاني.. أبو سليم
صلاح تيزاني.. أبو سليم


لا يعود أبو سليم إلى بيته في شارع فليفل في منطقة الطريق الجديدة في بيروت، إلّا قبل وقت قصير من موعد نومه. دخل ابن طرابلس عقده الثامن، لكنّه ما زال في حركة دائمة، يوزّع نشاطه بين «نقابة ممثلي الإذرراعة والسينما والتلفزيون والمسرح»، ووزارة الصحّة العامة، حيث «يعالج معاملات الزملاء... إلى حدّ بات بعضهم يظن أنني موظف في الوزارة»، يقول. لم يعتد صلاح تيزاني المكوث في المنزل. «سأظلّ أعمل وأروح وأجيء ما دمت حيّاً، ولن أتوقّف حتى لو تجاوزت الثمانين. الأهمّ أن يظل دماغ الإنسان يشتغل».

هذه الديناميّة تفسّر حياته المهنيّة الخصبة والغزيرة. أكثر من ألفي نص تلفزيوني، تضاف إليها 900 حلقة إذاعية، و17 مسرحيّة، و4 أفلام مع «فرقة أبو سليم الطبل»، إضافةً إلى مشاركة في شريطي «سفر برلك» و«بنت الحارس»، ومسرحيتَي «أيام فخر الدين» و«ناس من ورق» للأخوين الرحباني، وأعمال أخرى يضيق المجال عن ذكرها.

كان الموعد معه في صالون بيته المزروع بالدروع والجوائز التكريميّة، هرباً من ضوضاء مبنى نقابة الفنانين في بدارو، حيث يمضي معظم نهاره. أعيد انتخابه أخيراً عضواً في مجلس النقابة للمرة «الألف»، «لأن أصدقائي الفنانين يثقون باللائحة التي يجدون فيها اسمي». تحتار مع أبو سليم من أين تبدأ. هل نسأله عن الماضي البعيد، يوم كان على مقاعد الدراسة، أم ندخل إلى رحلته مع الكشّافة، أم نبدأ جلسة الذكريات مع انطلاقة مسيرة الاحتراف في التمثيل التلفزيوني والإذاعي والمسرحي؟

عهد صلاح تيزاني بالكوميديا قديم. كان مراهقاً حين اكتشف متعة الوقوف على مسرح المدرسة، مفاخراً بقدراته التمثيلية والكتابيّة. يتحدث الآن عن تلك المرحلة بحماسة كبيرة... يروي مشاغباته التي لم تكن تنتهي، من المدرسة إلى الحيّ. أمّا في البيت، فكان العقاب غالباً في انتظاره، ضرباً مبرّحاً من أبيه.

يدين أبو سليم بالفضل إلى نزار ميقاتي، الذي تنبّه لموهبته في حفلات المدرسة. مع «كشّافة النجادة» بدأ تقديم أوّل أعماله المسرحيّة في منتصف الأربعينيات، فكانت عروض «هرّوا هرّوا» و«مدام روجينا». وتطورت التجربة مع «كشّافة الجرّاح»، إذ أسهم في تأسيس «فرقة النفير». كان يتمتّع بروح القيادة منذ طفولته، «ومن لا يعجبه الأمر، فمصيره الضرب»! «كنت عرّيف الفرقة، وفي هذا السياق اخترت بعض الشبان المتحمّسين، ودعوتهم للانضمام إلى فرقتي، من هؤلاء عبد الله حمصي (أسعد)، وزكريا عرداتي (جميل)، وأحمد ضابط (كوستي)... أما محمود المبسوط (فهمان)، فلم ينضمّ إلينا إلّا لاحقاً، أي في عام 1962». كان لهؤلاء دافع إضافيّ لحبّ التمثيل: «كانت الفرقة المسرحيّة تُعفى من الأشغال اليدويّة في الكشّافة، ومن نقل الحطب».

مع فرقة النفير، انطلق أبو سليم من طرابلس عام 1956، وقام مع رفاقه بجولات كشفيّة على القرى. «كنا نقيم سهرات نار، فيتحلّق حولنا أهل الضيعة في جلسات سمر وضحك... كنّا في المقابل نحصل على أجرتنا عنباً وتيناً وتفاحاً». في العام نفسه، قرّر تأسيس فرقة خارج إطار الحياة الكشفيّة، للخروج من إطار الكوميديا الاجتماعيّة الضيّقة، فكانت فرقة «كوميديا لبنان». «الكوميديا هي على عكس الغناء. لا يمكن أن ينتقل الصوت الجميل من شخص إلى آخر، إنّما حسّا الكوميديا والتمثيل ينتقلان بالعدوى والتمرين، لذا نجحنا معاً». بعض الاسكتشات الطريفة التي عرضها في الكشّافة نقلها مع بعض التعديل مع فرقة «كوميديا لبنان»، وطوّر نصّها قبل أن يقدّمها في التلفزيون.

قدّمت الفرقة أعمالها على خشبة المسرح منذ عام 1957، ثم أطلّت لأول مرة على الشاشة الصغيرة في 21 تشرين الأول 1960. يتذكّر أبو سليم هذا التاريخ جيداً. «قدّمنا حلقتنا عند الثامنة والنصف مساءً، وبقينا نصف ساعة على الهواء، وكانت بعنوان «المسافر». قصّة رجل يزوره، عشيّة سفره، حشد من أهالي الضيعة، حاملين إليه أكياساً ليأخذها إلى أقاربهم في المهجر. كانت الأغراض كفيلة بملء الطائرة كلّها، ولم يعد أمامه سوى أن يعدل عن فكرة السفر.

في العام التالي، طلب تلفزيون لبنان من الفرقة تغيير اسمها، «لأنّ «كوميديا لبنان» ليس شعبياً. «كانت الأسماء الشائعة يومذاك على طراز

«أبو بسام» الذي كان يقدمه جورج إبراهيم الخوري على إذاعة لبنان، و«أبو ملحم» الذي سبقني بستة أشهر على التلفزيون، و«أبو حربة»... فصرنا فرقة أبو سليم».

يحتفظ بصور كثيرة من أعماله. يستأذن لبرهة ويعود حاملاً ألبومات من القطع الكبير، يتصفّحها الواحد تلو الآخر. تعيدنا الصور بالأبيض والأسود، إلى الأعمال الأولى في التلفزيون والمسرح. قدّمت فرقة كوميديا لبنان 100 حلقة، عرضت جميعها على الهواء قبل بدء التسجيل، لذا لا تحفظ مكتبة التلفزيون (تلفزيون لبنان) شيئاً منها. «كنت أدفع أكثر مما أقبض. كنت أصرف على الفن ممّا أجنيه من عملي في غاليري المفروشات. كنا نقبض في التلفزيون 250 ليرة، ويصل إلى جيب الممثل 10 ليرات، لذا كانت لجميع الممثلين أشغال أخرى».

مرّة كتب المسرحي محمد كريم مقالاً عنوانه «أبو سليم الذي رفضته النخبة وأحبّه الشعب». لكنّ أبو سليم يؤمن بأنّ أعماله حوت «كلّ ما هو واقعي ويتقبّله الشعب. ما من شيء يتغير في الحياة الاجتماعيّة التي استمددنا منها مواضيع حلقاتنا». ويستغل الفرصة هنا ليصبّ جام غضبه على «النخبة»: «صوّرنا مشهداً يقف فيه أبو سليم وبجانبه حمار، وحينما عُرض المشهد قامت الدنيا ولم تقعد وانتقدتنا الصحافة، معتبرين أنّ من المعيب ظهور حمار على الشاشة، فليأتِ اليوم من انتقدني يومذاك ليرى ماذا تعرض محطاتنا». ويتذكرّ حادثة طريفة: «التقيت أحد رجال السياسة يوماً، وأخبرني أنّ أولاده يحبون أعمالي، وذكر تفاصيل عن الحلقات، بدا كأنه لم يفوّت حلقة واحدة». يفاخر «أبو سليم الطبل» أنّه لم يستخدم الإعاقة للإضحاك طيلة مسيرته، وأنّه لم يضحك في برنامجه لا من أخرس ولا من مريض عقليّاً.

يعيش صلاح تيزاني اليوم مع زوجته سهام وابنته آشا، فيما آمن في مصر، وسامر في قطر. يعتب على الساحة الفنيّة اللبنانيّة التي تهمّش الفنان حين يكبر في السنّ، «بعكس مصر وسوريا حيث يكون الممثل المتقدّم في السن «بركة» في أعمالهما».

5 تواريخ

1929

الولادة في طرابلس (لبنان)

1957

أسّس فرقة «كوميديا لبنان» التي صارت لاحقاً فرقة «أبو سليم الطبل»

1960

«المسافر» أول نصف ساعة كوميدية على «تلفزيون لبنان»

2007

أدّى دور أبو وسام في سيتكوم «محلولة»

2010

أصدر كتابه «أيام من ذاكرتي» وينشط في «نقابة ممثلي الإذاعة والسينما والتلفزيون والمسرح»،

تعليقات: