سهل الخيام: مقبرة دبابات العدو
قضاء مرجعيون·· الحياة عادت إلى طبيعتها بعد أيام على توقف العدوان
سهل الخيام شهد أعنف المعارك وتحوّل إلى مقبرة لدبابات "الميركافا"
عملية العودة وإعادة البناء والترميم أشرفت على الإنتهاء رغم الظروف الصعبة
مرجعيون - "اللـواء": انقلبت غايات العدوان الإسرائيلي الذي نفذه جيش العدو على لبنان في تموز العام 2006، على صانعيه وعلى الذين فرضوه على لبنان سواء من كان في الإدارة الأميركية أو في أجهزة المخابرات ولدى جنرالات الحرب الصهاينة، وتحوّلت أهدافه بقدرة شعب المنطقة من القضاء على المقاومة وتهجير السكان، إلى هزيمة كبرى للكيان الغاصب الذي مني بخسارة فادحة في جيشه وعتاده وطائراته ودباباته التي احترقت في سهل الخيام وفي وادي الحجير وفي الطيبة وغيرها من المواجهات والمعارك التي جرت في أكثر من قرية والتي شهدت معارك عنيفة سطّر فيها المقاومون بدمائهم وأرواحهم الزكية أفضل بطولات النصر والعزة والفخر، والكرامة للوطن، وعلّم العدو الغاصب درساً لا يمكن أن ينساه أبداً·
في الثاني عشر من شهر تموز العام 2006 انطلقت شرارة الحرب الإسرائيلية التدميرية التي فرضت على لبنان، لكنها سرعان ما تحولت إلى محرقة للصهاينة الذين تكبدوا خسائر بشرية فادحة ودهشوا بحجم قوة وقدرة المقاومة على التصدي والصمود، ودافع المقاومون عن الأرض بالجسد واللحم الحي في مقابل أفضل تقنيات القتال من طائرات حربية ودبابات الميركافا التي دمر العديد منها في أرض المعركة وكذلك الصواريخ الذكية التي استخدمها العدو في حربه الشرسة على الوطن·
وبعد توقف الحرب كرّت مسبحة خسائر المعتدي حتى طاولت قادته العسكريين والسياسيين، انطلاقاً من الجنرال حالوتس مروراً بكل القادة الأمنيين وصولاً إلى وزير الدفاع المهزوم عامير بيريتس الذي فجع بهول الكارثة التي حلت بجيشه ولم يصدق مشاهد تدمير واحتراق دبابات الميركافا، ولولا إصرار رئيس حكومة العدو ايهود أولمرت على تشبثه بمنصبه، لكان هو آخر حبة في المسبحة، خاصة بعد نشر تقرير لجنة فينوغراد التي حققت في ظروف الحرب على لبنان وتحميلها الحكومة مجتمعة مسؤولية إخفاقات الحرب والخسارة التي مني بها الجيش الذي لا يقهر·
بعد مرور عام على عدوان تموز 2006، كيف يبدو مشهد البلدات في قضاء مرجعيون، وخصوصاً تلك التي تعرضت لتدمير مبرمج طاول دور العبادة والمدارس الرسمية والخاصة والأماكن السياحية والمنازل والمؤسسات وغيرها؟
"لـواء صيدا والجنوب" يلقي الضوء على هذه القرى التي عادت إلى الحياة فور توقف الحرب والتقى عدداً من رؤساء بلديات المنطقة واستمع إليهم عن أوضاع قراهم في شتى الميادين الحياتية·
لا شك أن أهداف العدو في حربه المدمرة على لبنان العام الماضي، واستخدامه لسلاح الطيران الحربي والصواريخ الذكية، والمدفعية الثقيلة، كانت تدمير الحجر والبشر معاً تمهيداً لتنفيذ مسلسل تخريب المنطقة وتهجيرها من السكان، لكن إرادة وصمود وتصدي المقاومين البواسل، وتشبث سكان البلدات في منطقة مرجعيون بمنازلهم حتى آخر يوم من العدوان، أفسدت مخططات العدو وأهدافه، وقلبت موازين القوى لصالح المقاومة، وأوقعت الهزيمة الكبرى في "إسرائيل" التي ربما تستعد في هذه الأيام أو في المستقبل لإعادة التجربة ولارتكاب حماقة ثانية ضد الوطن من أجل استعادة هيبتها وقوتها وعزيمة جيشها الذي تحطمت معنوياته وتعرض لأكبر هزيمة على أيدي رجال المقاومة اللبنانية·
مقبرة الدبابات سهل الخيام، صُنِّفَ بمقبرة الدبابات حيث شهد أعنف المعارك بين المقاومين ودبابات الميركافا، التي دمرت بالكامل مع طاقمها عندما كان العدو يحاول التقدم نحو الخيام بعدما عجز عن التقدم على محور الحمامص - الخيام، لكن قوة وقدرة المقاومين أوقعت خسائر فادحة بالمعتدي ودمر أكثر من 4 دبابات "ميركافا"، كانت تصنف الأقوى في العالم، وعندما لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من التقدم باتجاه الخيام، توجه نحو ثكنة مرجعيون التي سقطت على الفور ولم تطلق رصاصة واحدة ضد المعتدي، بل استقبل على أفضل ما يرام وضّيف قادته الذين دخلوا الثكنة وعلى شاشات الكاميرات التي بيّنت هول المأساة، وكانت الواقعة السيئة التي لم يصدقها أبناء المنطقة، الذين دفعوا ضريبة عالية من الدم والأرزاق، في مقابل ذلك كانت القوى الأمنية المشتركة التي انتشرت في الجنوب بعد تحريره من المحتل الإسرائيلي، تتفرج على ما يجري دون أن تقاوم وتدافع عن الجنوب·
ولم يتوقف العدو الإسرائيلي خلال عدوانه عن استهداف المدنيين أينما وجدوا، سواء كانوا في منازلهم أو على الطرقات أو في الأزقة، لكي يوقع بهم الخسائر، ولكي يعوض عن خسارته، وكان آخر الإستهدافات هو الإعتداء على القافلة المدنية المؤلفة من مئات السيارات التي غادرت منطقة مرجعيون مع قافلة القوى الأمنية المشتركة التي تركت ثكنة مرجعيون مع دخول جيش العدو إليها، حيث غدرت طائرة استطلاع معادية موكب المغادرين من المدنيين الأبرياء بعدة صواريخ أوقعت 6 شهداء من منطقة مرجعيون وعشرات الجرحى، وشردت المئات حيث اضطر العديد منهم، بينهم عدد من الأطفال لقضاء ليلتهم على التراب وبين الأشجار وفي البساتين والحقول وفي العراء· إن تعلق السكان في الأرض وحبهم للوطن، جعل المعركة التي خاضها العدو ضد لبنان تتجه في الاتجاه المعاكس للغايات التي حددتها القيادة الإسرائيلية عند بدء العدوان العام 2006، ومما ساهم أيضاً في القضاء نهائياً على مخطط العدو، هو العودة الفورية للأهالي إلى المنطقة بعدما أجبروا على ترك منازلهم بسبب العمليات العسكرية والقصف العشوائي الذي تعرضوا له من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية· وما أن توقف العدوان بموجب القرار الدولي 1701، وما هي إلا ساعات قليلة حتى انطلقت مسيرات عودة الأهالي من مختلف القرى اللبنانية إلى بلدات منطقة مرجعيون على الرغم من التحذيرات التي أطلقها العدو من مغبة تعرض مواكب العائدين للاعتداء المباشر وغيره، لكن إرادة السكان كانت أقوى من التهديدات، وقضت نهائياً على أحلام المعتدي وغاياته·
وعشية الذكرى الأولى للعدوان لم يعد الأهالي يبالون من أي اعتداء خارجي عليهم، بل يتخوفون من الوضع السياسي الداخلي الذي لا يمكن مواجهته في ظل الانقسام والتشتت والضياع الحاصل بين مختلف مكونات المجتمع وفئاته وطوائفه وأحزابه، وهذا هو الأخطر، بحيث تكون المواجهة صعبة لا بل مستحيلة بين التيارات السياسية والحزبية داخل الوطن الواحد إذا كان مشرذماً ومنقسماً على نفسه، وهذا ما كان يريد أن يحققه العدو الإسرائيلي في حربه الأخيرة، بينما في المقابل تكون المواجهة سهلة مع عدو خارجي لا يريد سوى تدمير البلد، وهذا الجو الملبد بالغيوم السوداء يلف سماء المنطقة ويغرقها في عتمة لا أحد يعرف كيف ومتى ستنتهي·
إعادة البناء وما أن توقف العدوان حتى بدأت الدول الشقيقة بتقديم الدعم المادي والمعنوي للسكان، هذا فضلاً عن المساعدات الغذائية وغيرها، والتي لم تتوقف طيلة فترة الحرب، وكانت تأتي من: المملكة العربية السعودية، قطر، دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت وغيرهما من الدول العربية والدولية والأوروبية، والصليب الأحمر الدولي وغيرهم، وهذه المساعدات كان لها الدور الأساسي في بقاء المقيمين في منطقة مرجعيون ومساعدتهم على تحمُّل ظروف الحرب الوحشية·
ورشة البناء والإعمار انطلقت فور توقف العدوان الإسرائيلي وتزامنت مع عودة النازحين إلى قراهم، وما هي إلا أيام حتى باشر "مجلس الجنوب" ممثلاً بمكتبه في مرجعيون الذي يديره غاندي بركات وبتوجيهات مباشرة من رئيسه الدكتور قبلان قبلان، بإجراء إحصاء شامل على الأضرار ومسح المنازل المهدمة والمتضررة، والكشف الدقيق على القرى في مرجعيون وتعبئة الملفات وإنجازها وتقديمها إلى المراجع المختصة وخاصة إلى "الهيئة العليا للإغاثة" التي كلفت "شركة خطيب وعلمي" بالتدقيق في التعويضات والإسراع في مسح الأضرار، وتحديد قيمة التعويضات لكل متضرر والمباشرة في دفع المستحقات المالية لأصحابها·
وبعد مضي 3 أشهر على العدوان بدأ "مجلس الجنوب" بالتعاون مع "شركة خطيب وعلمي" بدفع التعويضات المالية لأصحاب المنازل التي تضررت في مختلف بلدات قضاء مرجعيون، بدءاًً ببلدة القليعة، وصولاً إلى آخر بلدة في القضاء·
عملية البناء والترميم والتأهيل بدأت في كل البلدات في الوقت نفسه، على أن تنجز وتكتمل في وقت قريب جداً· ففي بلدة الخيام التي تعرضت لتدمير شامل ومبرمج شمل المنازل ودور العبادة والمدارس والمؤسسات الصحية والإجتماعية والأماكن السياحية و"معتقل الخيام" الذي دمرته طائرات العدو لتمحوَ آثار المعتدي وبصماته العدوانية، بدأت ورشة الإعمار فيها بعد توقف العدوان نظراً لتبني دولة قطر إعادة تأهيلها، وكذلك في بلدة دبين التي تبنتها السعودية·
أما في باقي البلدات في العديسة والطيبة التي تضررت مثل الخيام فهي أيضاً تشهد حركة بناء وتأهيل وترميم، ومن المتوقع أن تعود المنطقة إلى سابق عهدها من العمران والإزدهار مع مطلع العام القادم على أبعد تقدير، وهذا يعود بالأساس إلى رغبة الأهالي وتصميمهم على التشبث بالأرض والوطن مهما كانت الظروف ومهما بلغت التضحيات البشرية وغيرها·
ولم تشمل التعويضات، الأضرار التي لحقت بالمحال التجارية والمؤسسات الصناعية والسياحية والإقتصادية والسيارات ولم تبدأ بعد على الرغم من المراجعات المستمرة من قبل المتضررين، الذين يفوق عددهم المئات، ويتمنى أصحابها الإسراع في إنهاء هذا الملف مع بداية العام الثاني على العدوان·
علي زريق ويقول رئيس بلدية الخيام علي زريق: إن الخيام انتفضت بعد العدوان وأزاحت غبار الحرب وآثاره فور انتهاء العدوان، وبدأت ورش البناء والترميم والتأهيل، ومنذ الشهر الرابع على العدوان باشرت البعثة القطرية بدفع التعويضات على المتضررين، حيث استفاد 2389 شخصاً حتى اليوم من تعويضات الترميم، فيما بلغ عدد المستفيدين من الهدم 1420 والتعويضات ما زالت مستمرة، وقد تم ترميم المؤسسات الرسمية الصحية منها والاجتماعية والعمل جارٍ على بناء المدارس المهدمة، وكذلك المساجد والكنائس ودور العبادة الموجودة في البلدة·
وأضاف: الهدف من العدوان كان تهجير السكان والتركيز على الخيام، التي كانت معقل التصدي والصمود والمقاومة، وتشكل هدفاً رئيسياً للمعتدي، لكن الجيش الإسرائيلي عندما لم يتمكن من دخول الخيام على الرغم من التدمير الذي تعرضت له، دخل سهل الخيام، حيث كانت الضربة القاضية للعدو عندما دمرت دباباته، وأهم من كل ذلك وبعد ساعتين على توقف العدوان، عاد الأهالي إلى البلدة، بسبب حبهم للأرض وعشقهم للوطن·
د· علي حجازي واعتبر رئيس بلدية دبين الدكتور علي حجازي "عدوان تموز 2006 بمثابة نقطة تحول في مسار الصراع العربي - الإسرائيلي ومحطة على طريق الصراع مع العدو، ويعد من أهم المعارك التي هزم فيها العدو، وكان عدوان تموز الذي فرض علينا محطة فخر لجميع اللبنانيين لأن الشعب كان موحداً في المواجهة وتحديد المعتدي، وأما اليوم لا يمكننا القول إن العدو لا يريد التجربة مرة ثانية ونعتقد انه يستعد لجولة ثانية بالوقت المناسب لأن "إسرائيل" خسرت إحدى الجولات، والأكيد أنها ستحاول رد الاعتبار لجيشها وستحاول كسر وقفة العز والشرف التي امتاز بها اللبنانيون خلال العدوان"·
واضاف: بعد توقف العدوان تبين أن هناك 88 منزلاً مهدماً من اصل 231، والباقي متضرر ودفع "مجلس الجنوب" التعويضات على المنازل المتضررة، فيما دفعت المملكة العربية السعودية أواخر الشهر الماضي تعويضات على المنازل المهدمة· وتمنى حجازي "دفع جميع المستحقات المالية العائدة للبلدية من "الصندوق البلدي المستقل" وذلك عن الأعوام 2005 و2006 و2007، حتى تتمكن البلدية من القيام بمهامها تجاه الأهالي·
رئيس بلدية الخيام علي زريق
تعليقات: