ملف مغارة جعيتا إلى الواجهة مجدداً وتلويحات بفسخ العقد أو قفل المغارة


عبود: المرفق ملك المواطن وهمنا أن يلقى والسائح مستوى تقديمات لائقاً..

البلدية تثير تجاوزات والشركة المستثمرة تشهر سيف التسييس والاستثمارات

يعود ملف مغارة جعيتا الى الواجهة. عودة اطلقت شرارتها، ظاهرا، الانشاءات واعمال الترميم التي شرعت بها الشركة المستثمرة، لتكشف ضمنا عن الخلافات المتراكمة والمزمنة ما بين مجلس بلدية جعيتا وشركة "ماباس". وعلى "الجبهتين"، يصطف مجددا سياسيون، من وزراء حاليين وسابقين، الكل يدافع عن المغارة، كما يقول، ولكن لكل منهم مقاربة واسبابا وذرائع.

تفاقم الصراع في الايام الماضية. جديده تلويح البلدية باحتمال قفل المغارة احتجاجا على مخالفات وتجاوزات شرعت بها الشركة المستثمرة، مناشدة مجلس الوزراء اعادة فتح ملف التلزيم واستعادة المرفق الى كنف الدولة. والتلويح هذا ردت عليه "ماباس" باشهارها سيف "قطع الارزاق" مذكرة بفرص العمل التي يوفرها المرفق الحيوي واهمية حماية الاستثمارات. وعلى غرار ملفات سابقة، حط النزاع رحاله في البطريركية المارونية، فتسابقت الوفود على لقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير لعرض المشكلة. واستجابة لدعوات التفاهم التي اطلقها سيد بكركي محافظة على المرفق المهم، وعملا بمساعي التهدئة الجارية بين اطراف النزاع، تم سحب تصاريح من الاعلام تهاجم بعض السياسيين.

غني عن التذكير ان تجدد النزاع يأتي في لحظة "حرجة" اقتصاديا وسياحيا تتمثل في انطلاق موسم سياحي واعد، ويستعيد في جانب منه معادلة قديمة - جديدة عاشتها وتعيشها مرافق اقتصادية محلية عدة، وتسعى الى التوفيق ما بين حقوق الدولة المهدورة وتشجيع رأس المال "الجبان"، في مناخ غالبا ما تضيع فيه المعايير، فيختلط حابل السياسة بنابل الاقتصاد والاستثمارات والمحسوبيات وطبعا... الفساد.

ماذا في مستجدات الملف؟

في جعبة البلدية ملف مثقل بالمستندات، تعود الى 17 عاما خلت. احدثها يتمثل في محاضر ضبط للمخالفات نظمتها في حق شركة "ماباس" المتمثلة بشخص رئيسها نبيل حداد في 26 الشهر الماضي. والسبب، كما يفيد احد هذه المحاضر، عدم استعمال الشركة الحفر الصحية، وفقا للاصول وتحويل المياه المبتذلة الى مجرى النهر من الابنية الآتية: التلفريك والمكاتب والمطعم في حرم المغارة. ويفيد المحضر بأنه تم افهام حداد ضرورة الامتناع عن تكرار المخالفة والعقوبات التي يتعرض لها بحكم القانون طالبا اليه ازالتها فورا ومعالجة موضوع المياه المبتذلة.

طبعا تشكل المخالفة الاخيرة "غيضا من فيض" تجاوزات يحفل بها سجل الشركة، وفقا لرئيس البلدية سمير بارود الذي يبرز محضر ضبط آخر يعود الى العام 2006. وفي هذا المحضر طلب بازالة مخالفة شملت بناء طبقتين بمساحة 32 مترا مربعا لكل منهما، على العقار (944 ) من منطقة جعيتا العقارية والتي تعتبر املاكا عامة.

في المحصلة، يأخذ بارود على الشركة المستثمرة سلسلة تجاوزات تبدأ بالشروع باعمال وانشاءات من دون ترخيص، وتمر عبر رفضها القيام بتسويات لمعالجة الوضع الشاذ، ولا تنتهي بايراده مخالفات غير قابلة للتسوية.

وفي لائحة انتقادات طويلة يبرزها ضد المستثمر، يتبين عدم تراجعه عن الاملاك العامة النهرية مثلا وفقا للمرسوم الرقم 141 الصادر في 5-5 1977 والذي يحدد التراجع ب 100 متر عن حدود الاملاك العامة النهرية العائدة الى نهر الكلب، عملا بالتصميم التوجيهي العام للمنطقة، وعدم التزامه طلبا مزمنا لقائمقامية كسروان الفتوح يقضي بتحصيل رخص (قرار صادر في 4-4 -1995 )، الى عدم استجابته لطلبات البلدية بالحصول على تراخيص والاكتفاء بكتاب افاد فيه بأن هذه الاعمال لا تستوجب مثل هذه التدابير. فكان ان رد المجلس البلدي بواسطة وكيله المحامي شوقي بويز على هذه الاجراءات بمطالعة تقدم بها الى حداد (26-2-2010) وشدد فيها على ان قرار الاستثمار لا يخول الشركة القيام باعمال ترميم وانشاء ابنية جديدة من دون تصاريح قانونية، مطالبا الشركة بدفع الرسوم المتوجبة، تطبيقا لقانون البناء وقانون الرسوم البلدية.

كذلك، تبين المطالعة ان حق الاستثمار الذي منحته وزارة السياحة الى الشركة المستثمرة لا يعفيها من التقيد بالانظمة والقوانين والمحافظة على حق الغير، فضلا عن ان الرخصة المسبقة الزامية لكل الابنية، حتى تلك العائدة الى الادارات والمؤسسات والبلديات، باستثناء الابنية العسكرية، في مجلس الوزراء.

وفي مطالعة مماثلة تقدمت بها الى وزير السياحة فادي عبود، استعادت البلدية ظروف التلزيم وكيفية انشاء الشركة "الوهمية"، منذ ايام وزير السياحة الاسبق نقولا فتوش والشوائب التي تضمنها هذا التلزيم كما قالت، لتخلص الى طلب استرداد امتياز المغارة (القرار 186 تاريخ 18-11-1993 ) والرجوع عن القرار الصادر عن وزير السياحة الاسبق جو سركيس والذي جدد فيه الامتياز لاربع سنوات اضافية.

الرسوم

مسألة اخرى لا يتوانى بارود عن اثارتها، وتتمثل في قضية الرسوم التي يحق للمجلس البلدي فرضها على الاماكن الاثرية والسياحية، وفق القوانين. رسوم يفترض ان يعود نصفها الى البلدية والنصف الآخر الى خزينة الدولة، وفقا للانظمة المعمول بها في بقية الاماكن السياحية. يقول رئيس البلدية ان حصة المجلس تقتصر راهنا على 300 ليرة لبنانية للشخص الواحد، مقابل 18500 ليرة يجنيها المستثمر. ويقوده هذا الواقع الى المطالبة "بتجزئة التعرفة"، تمهيدا لخفض الكلفة على الزائر، فيصار الى منحه حق الاختيار ما بين زيارة المغارة او استقلال القطار او مشاهدة السينما وغيرها من الخدمات المتوافرة في المكان، بأقل كلفة ممكنة. وفي سياق الممارسات الشاذة التي شهدها الملف من وجهة نظر البلدية، الآلية التي اتبعت في تمديد التلزيم، اذ ارتكب سركيس خطأ فاضحا، في رأي بارود، قضى اولا بخفض الرسم، وتجاوز ثانيا وزارة المال ومجلس الوزراء الذي كان يفترض بهما الموافقة على الخطوة الجديدة.

ومن الناحية البيئية، يتحدث المجلس البلدي عن تراجع في وضع المغارة نتيجة عدم التزام المستثمر تركيب عازل هوائي، ما تسبب بنشاف ادى الى الحاق الاذى في مكونات المغارة.

باختصار، وانطلاقا من هذا الواقع، تطالب البلدية بوقف حداد وشركته عن ادارة المرفق، رافضة الاتهامات القائلة انها تسعى الى وقف العمل في المغارة على ابواب موسم سياحي واعد. ومطالبتها هذه تبقي باب التصعيد مفتوحا، اذا لم تتجاوب الدولة مع المطالب: "قد يرغم هذا الواقع الاهالي على اتخاذ خطوات معينة"، بتعبير بارود، "من شأنها ان تؤدي الى قفل المرفق".

عمليا، يتقدم رئيس بلدية جعيتا بسلسلة اقتراحات لفض الاشكال. اولها انشاء ادارة مؤقتة للمرفق تتمثل فيها كل من وزارة السياحة والبلدية وخبراء مختصون من المجتمع المدني، الى حين انتهاء مجلس الوزراء من درس الملف لاتخاذ قرار نهائي في هذا الشأن. اما المسوغ القانوني الذي يرتكز عليه في هذا المطلب، فيتمثل في رأيه في القرار الصادر عن وزارة السياحة والذي يمنح وزيرها حق اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة، بعد مهلة شهرين من انذار الشركة المستثمرة اذا اخلت كليا او جزئيا بالموجبات او بعضها (....).

رد "ماباس"

تكتسب المشادة بعدا مغايرا في مقاربة الشركة المستثمرة. يرد حداد عبر "النهار" على مطالب البلدية، مستعيدا بعض بنود العقد الموقع العام 1993، فيقول اولا "انه تضمن اعادة ترميم ما هدم والابنية القائمة التي تملكها الدولة والتي شيدت على ارضها. ويذكر ثانيا بموافقة وزير السياحة على هذه الاجراءات، ومن ضمنها اعادة تأهيل الموقف والتلفريك والمغارتين ومبنى الادارة والمطعم. وعليه، اجرت لجنة مكلفة من الوزارة كشفا على الاعمال فحظيت بموجبه الشركة المستثمرة ببراءة ذمة. ويؤكد ثالثا ان الابنية التي تعتبرها البلدية مخالفة شيدت عامي 1958 و1968 ولا يمكن تاليا الشروع بتراخيص لها. ويستشهد رابعا بتمديد لعقود في بعض المرافق لمدة تجاوزت ال 15 و30 عاما من دون ان تتولى اي جهة اثارة هذا التمديد.

وفي "جردة" للمحاصيل وتوزعها، يقول حداد ان رسم الدخول الى المغارة الذي تتقاضاه الشركة لا يتعدى الـ7000 ليرة، فيما تنال الدولة 5 آلاف، وتتوزع بقية الرسوم على 2000 ليرة لاستخدام القطار و2000 للسينما مقابل 4 آلاف للتلفريك.وفيما يؤكد ان المجلس البلدي يستوفي دوريا حصته المحددة ب 5 في المئة من مداخيل المغارتين، يكشف ان مجموع ما نالته البلدية منذ 1995 وحتى تاريخه بلغ مليار و200 مليون ليرة، مقابل 13 مليارا للدولة، آخذا على البلدية عدم تقديمها الخدمات اللازمة للمرفق، واولها صيانة الطريق المؤدية الى المغارة.

مسألة اخرى يسلط عليها الضوء وتتمثل في حجم الاستثمارات التي تم توظيفها في المشروع، الى فرص العمل التي يوفرها، متسلحا بالحكم المبرم الصادر عن مجلس شورى الدولة العام 1996 والذي يؤكد قانونية العقد والتلزيم ويفرض على كل الاطراف ان تلتزم به.

واللافت ان حداد لا يستثني احتمال وقوف طرف سياسي وراء الضجة المثارة

"طرف يريد وضع اليد على المغارة لمنفعة شخصية" كما يتساءل عن خلفيات كلام وزير السياحة فادي عبود "الذي يريد الاخلال بالعقد".

واذ يؤكد قانونية الشركة التي يديرها، يذّكر بوضع كفالة قدرها 250 مليون ليرة في عهدة وزارة السياحة. وفي خطوة تعكس محاولة للوصول الى تسوية، يبدي استعداد "ماباس" اضافة 300 مليون ليرة سنويا الى الحصة التي تدفعها الى البلدية، عملا بقرار خفض احد الرسوم على بطاقة الدخول، "لكننا ننتظر توضيحا من وزارتي المال والسياحة عن آلية الدفع وتحديدهما الجهة المخولة نيل هذا المبلغ". وفي الختام، يرمي الكرة في ملعب وزير السياحة الذي يعود اليه اقرار هذا الاجراء كما يقول، كاشفا انه يمتنع حتى تاريخه عن الرد على مذكرة الشركة في هذا الصدد، رغم المراجعات.

وزير السياحة

يتابع وزير السياحة فادي عبود الموضوع عن كثب، متابعة يحدد سقفها امران كما يقول: "حرصنا على عدم الدخول كطرف في الصراع القائم ما بين البلدية والشركة المستثمرة، وتمسكنا بالصلاحيات المنوطة بوزارة السياحة بهدف تأمين مستوى معين من الخدمات للمواطن والسائح".

في تشخيصه للنزاع، يتحدث عبود عن كتاب تلقاه من المستثمر يعتبر فيه ان مسؤولية الصيانة تقع على عاتق الوزارة، "والكلام هذا غير دقيق انطلاقا من الرأي الذي ابداه المستشار القانوني في الوزارة". واذ يوافق البلدية الرأي لجهة عدم قانونية الابنية المشيدة، ينفي ان تكون هذه الانشاءات قائمة في المكان منذ 1958. اكثر من ذلك، يعود عبود الى هوية الشركة المستثمرة "والمسجلة كشركة المانية تتعاطى قطعا للغيار" معتبرا انها "نالت عقد BOT لمدة 12 عاما وقد تم تمديده لـ10 اعوام اضافية من دون مقابل".

ويضيف: "مغارة جعيتا ملك المواطن اللبناني ويهمني ان يلقى والسائح التقديمات والتسهيلات الملائمة، من مراحيض وغيرها"، كاشفا ان الوزارة ارسلت انذارا الى الشركة المستثمرة قبل اسبوعين تطالبها فيه بتطبيق شروط العقد ولاسيما تحسين مستوى الخدمات.

وفي وقت يحذر من "بلوغ مرحلة نعمد فيها الى فسخ العقد، اذا لم يلتزم المستثمر بالشروط المطلوبة،" ينفي وجود اي تناقض مع حكم مجلس شورى الدولة على هذا المستوى متسائلا: "ما العلاقة بين هذا الحكم والحمامات ورسم بطاقة الدخول والخدمات التي يوفرها المستثمر؟ هناك عشرات الشكاوى التي تصلنا يوميا".

وفي الختام، يعدد عبود مجموعة بنود يتضمنها العقد وتشكل ركيزة التدابير القانونية المرجح اتخاذها ولاسيما البند السادس الذي يمنح الوزارة حق الرقابة على حسن سير العمل في المغارة والبند التاسع الذي يمنع الشركة المستثمرة من احداث انشاءات قبل موافقة وزارة السياحة، والثامن عشر الذي يشدد على ضرورة ان يحظى المرفق بمستوى لائق يتناسب مع وضعه كمركز سياحي.

سركيس: قرار التمديد أملته الظروف الأمنية ولحل الخلاف بهدوء محافظة على صورة المرفق

يضع وزير السياحة الاسبق جو سركيس التمديد الذي منحه للشركة المستثمرة العام 2007 في سياق الاوضاع التي كانت سائدة في تلك الحقبة. ويذكر في اتصال مع "النهار" بان هذا التمديد جاء ليغطي فترة الاحداث التي عاشتها البلاد، بدءا من عدوان تموز 2006، مرورا بالاعتصام الذي شل الوسط التجاري واحداث نهر البارد، وصولا الى تأخير انتخاب رئيس للجمهورية. ويعتبر ان هذه الحوادث اثرت سلبا على السياحة والاستثمارات ما دفع بالشركة المستثمرة الى التقدم بطلب التمديد، وذلك للتعويض عن الجمود والخسائر التي تكبدتها في الحقبة السابقة.

ويشير الى ان في حوزة وزارة السياحة 3 مرافق مشابهة لوضع مغارة جعيتا، هي استراحتا صيدا وصور وقصر المير امين "وقد حظيت المرافق الثلاثة بتمديد لمهلة زمنية محددة للاسباب التي ذكرتها."

سبب آخر يعلل به سركيس قراره مفاده عدم تلقي وزارة السياحة اي شكوى من مكتبها الموجود في المغارة تتناول اداء الشركة المستثمرة، معترفا بان قراره لم ينل موافقة مجلس الوزراء انطلاقا من الظروف القاهرة التي سادت "لكن تصحيح الوضع ممكن".

وفيما يؤيد وزير السياحة السابق مطالب البلدية ولاسيما لجهة نيلها بدلا عادلا عن الاتعاب، يدعو الى معالجة الموضوع بروية مع الشركة المستثمرة ووزارة المال.

سركيس، الذي يستغرب الضجة المثارة، يذكر ان التمديد الذي شمل المرافق الثلاثة المذكورة لم يترافق مع سجالات، ويرى "ان الخلاف الحاصل من شأنه ان يؤثر سلبا على المغارة المرشحة للوصول الى مراكز متقدمة على الخارطة السياحية العالمية، ولاسيما عبر تصنيفها ضمن عجائب الدنيا السبع".

"انا مقتنع بالقرار الذي اصدرته"، العبارة يكررها مرارا آملا في "حل الخلافات الداخلية بين الاطراف بطريقة هادئة لا تؤثر على سمعة المرفق وصورته".

وزير السياحة الاسبق جو سركيس
وزير السياحة الاسبق جو سركيس


تعليقات: