الحريري ولقاء الساعات الثلاث في منزل نصر اللّه


في منزله، استقبل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله رئيس الحكومة سعد الحريري. هذا ما أعلنه الحزب عن اللقاء الذي جمع الرجلين أول من أمس، علماً بأن كل استقبالات نصر الله منذ عام 2006 لم يُعلَن مكانها. وبحسب المطّلعين، ساد اللقاءَ جو إيجابي اختتم بمأدبة عشاء

أرجئت أمس جلسة مجلس الوزراء المخصصة لاستكمال بحث مشروع الموازنة العامة، بسبب سفر رئيس الحكومة سعد الحريري في جولة تشمل الأردن والسعودية ومصر، «بهدف التباحث مع الأشقاء العرب في مسألة مشروع قرار العقوبات على إيران الذي يبدأ مجلس الأمن مناقشته اليوم، تمهيداً لعرضه على التصويت خلال الأسبوع الجاري»، على حد قول مصادر سياسية مطلعة.

جولة الحريري كانت قد بدأت أول من أمس من الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث استقبله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله «في منزله»، بحسب بيان العلاقات الإعلامية في الحزب، بحضور المعاون السياسي لنصر الله، حسين الخليل، ومستشار الحريري، مصطفى ناصر، ومدير مكتبه نادر الحريري.

وبحسب البيان ذاته، فإن الجانبين عرضا «التطورات المحلية والإقليمية والدولية، حيث كانت وجهات النظر متطابقة، كما كانت الأجواء إيجابية للغاية، واتفق الطرفان على أهمية تفعيل العمل الحكومي. واستبقى نصر الله الحريري على العشاء».

وأشارت مصادر مطّلعة على أجواء اللقاء الذي استمر أكثر من 3 ساعات، إلى أنه «شهد في بدايته حواراً شخصياً بين نصر الله والحريري، قبل أن ينتقلا إلى البحث «في جملة من الأفكار حول السبل التي يمكن لبنان أن يساهم من خلالها برفع الحصار عن قطاع غزة، مع تأكيدهما ضرورة دعم المواقف التركية».

وبحسب المصادر، «كان مفترضاً للقاء أن يحصل منذ فترة طويلة، لكن جملة أحداث داخلية وخارجية حالت دون حصوله، إلى أن جاء الاستحقاق البلدي والاختياري، الذي كان متعذراً معه عقد مثل هذا اللقاء، برغم أن التواصل لم ينقطع يوماً بينهما، بفعل الزيارات المعلنة وغير المعلنة التي كان يقوم بها الخليل إلى الحريري».

وعلى حد قول أحد المشاركين فيه، كان اللقاء «إيجابياً وجدياً وودّياً وصريحاً، ومتطوّراً كثيراً عن اللقاءات السابقة، لناحية عمق النقاشات بين الرجلين». وبحسب المعلومات، شمل النقاش كل الملفات المطروحة على الساحة السياسية في لبنان والمنطقة، و«لا سيما العالقة منها». وبناءً على ذلك، اتفق الجانبان «على تفعيل العمل الحكومي بما يلبّي احتياجات الناس ويواكب المتطلبات والاستحقاقات، وكان تأكيد لضرورة إنجاز الموازنة الحالية والإسراع في الإعداد لموازنة عام 2011. وقد طلب الحريري دعم حزب الله له حكومياً لكي يبدأ بتحقيق إنجازات فعلية، مؤكداً أهمية دور وزراء حزب الله بهذا الصدد».

النقاش تطرق أيضاً الى الاتفاقية الأمنية، لكن الموضوع لم يحسم، إذ كرر الحريري أمام نصر الله ما كان قد قاله سابقاً للوزير محمد فنيش عندما أثيرت هذه القضية، أي «سعيه لحل المسألة بطريقته، وبعيداً عن الضجيج».

الحوار الوطني والتهديدات الإسرائيلية و«الصيف الواعد للبنان»، كانت من المواضيع التي تطرق إليها الجانبان، وكان تأكيد لضرورة تعزيز الجبهة الداخلية في ظل الاجواء المتوترة التي تعصف بالمنطقة.

ولم يعلم ما اذا كان موضوع المحكمة الدولية حاضراً، ولا سيما ان حزب الله مصر على استكمال مواجهته القضائية مع اي طرف يزج باسمه من قريب أو من بعيد في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وإلى الملفات الخارجية، حضرت قضية غزة وحصارها، فضلاً عما جرى مع أسطول الحرية، فكان نقاش بالسبل والكيفية التي يمكن لبنان أن يساعد من خلالها على رفع هذا الحصار من جهة، ودعم النشاطات الساعية لكسره من جهة ثانية، فضلاً عن التوافق على ضرورة دعم المواقف التركية.

وعلى حد وصف أحد المشاركين في اللقاء، كان لدى الحريري الكثير ليقوله لنصر الله، وخاصة في ما يتعلق بجولته العربية وقبلها الأوروبية، وأخيراً زيارته للولايات المتحدة حيث التقى الرئيس الأميركي باراك اوباما، وألقى كلمة لبنان بصفته رئيساً لمجلس الأمن. يُشار إلى أن الحريري، فور عودته من زيارته الأميركية، لم يكن حريصاً على لقاء الرئيس السوري بشار الأسد فقط، بل ايضاً لوضع الامين العام لحزب الله في أجواء زيارته، ولهذا كان قد التقى بعيداً عن الإعلام المعاون السياسي لنصر الله.

قضية مجلس الامن الدولي والتحضيرات لفرض عقوبات جديدة على إيران، أخذت حيزاً هاماً من اللقاء الليلي. ولم يحسم الحريري، بحسب المصادر، موقف لبنان لناحية التصويت ضد العقوبات أو الامتناع عن التصويت، بل إنه طرح جملة أفكار «انطلاقاً من ضرورة ان يعكس لبنان وجهة نظر المجموعة العربية كلها». في المقابل، أكد نصر الله ضرورة محافظة لبنان على صداقاته العربية والدولية والاسلامية. واتُفق على معاودة النقاش في هذه النقطة بعد عودة الحريري من جولته العربية.

وفي الإطار ذاته، أعلن النائب سليمان فرنجية أمس، بعد لقائه رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون في الرابية، أنه يؤيد التصويت ضد مشروع العقوبات على إيران.

من ناحية أخرى، جدّد فرنجية «وصفه» رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع بـ«المجرم»، مضيفاً إنه «مجرم حرب، وإذا كانت لديه نظرة أخرى في هذا الموضوع فليعرضها علينا، وإذا كان بريئاً ومظلوماً فلتعاود المحاكمة ويثبت براءته». وأكد فرنجية دعمه لرأي وزير الاتصالات شربل نحاس في مسألة الموازنة، في مقابل الرأي الذي «تحكم بالشأن الاقتصادي منذ عشرين عاماً وجلب الويلات».

بدوره، أكد عون عقب اجتماع تكتل التغيير والإصلاح أن ثمة «مأسسة للتيار الوطني الحر، والجميع سيصلون الى بناء مؤسسة تكون لها استمرارية وأثرها في حياة لبنان السياسية وتطويره». ولفت عون إلى عدم وجود «همّ للوراثة» في التيار، داعياً من «لا يعجبه الوضع إلى القيام بحركة تصحيحية». وانتقد عون أداء القضاء في لبنان.

من جهة ثانية، استقبل الرئيس الأسبق للحكومة عمر كرامي أمس وفداً من الحزب التقدمي الاشتراكي، برئاسة أمين السر العام للحزب المقدم شريف فياض، ضم النائب علاء الدين ترو وعدداً من مسؤولي الحزب، ناقلاً إليه «تحيات النائب وليد جنبلاط وقيادة الحزب في ذكرى استشهاد الرئيس رشيد كرامي». كذلك استقبل كرامي النائبة بهية الحريري.

إلى ذلك، شهد يوم أمس فصلاً جديداً من السجال بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة حول شرعية الحكومة الأولى للأخير وتعطل العمل النيابي في عهدها. فبعد عقدها اجتماعها الأسبوعي برئاسة السنيورة، أصدرت كتلة المستقبل النيابية بياناً أشادت فيه بـ«الموقف المتماسك للجمهورية التركية في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية»، خاتمة البيان بالحديث عن الموازنة، وضرورة إقرار «الموازنات السابقة المرسلة إلى مجلس النواب عن السنوات الممتدة من 2006 لغاية 2009 توصلاً إلى النظر في إقرار قطع الحساب لتلك الموازنات الماضية». وبرأي نواب المستقبل، «من حق مجلس النواب، وكذلك الرأي العام اللبناني، الاطلاع على كل ما يتعلق بالوقائع المالية من إيرادات وإنفاق، ولا سيما خلال فترة إقفال مجلس النواب».

ويبدو أن العبارة الأخيرة هي التي دفعت رئيس مجلس النواب إلى الرد عبر مكتبه الإعلامي ببيان مقتضب جاء فيه: «قرأنا بيان كتلة المستقبل برئاسة الرئيس السنيورة. يقرأ المكتوب من عنوانه. فمن عطل الحكومة وكان السبب في إقفال مجلس النواب لا يزال مستمراً في خطه».

الحريري ـ نصر اللّه: حوار إيجابي يظلّله الحذر والانتظار

نقولا ناصيف

قبل سنة، في 25 حزيران 2009، كان الاجتماع الأخير بين رئيس الحكومة سعد الحريري ــ ولم يكن يومذاك في المنصب ــ والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. ليل الاثنين كان اجتماعهما الثالث منذ أحداث 7 أيار 2008

على مرّ السنتين المنصرمتين كان قد تغيّر الكثير من حول الحريري ونصر الله. لكن بعض الشكوك تظلّ تحوم حول مسار علاقتهما، المهمة بالنسبة إلى طائفتيهما وإلى تحالفاتهما المحلية والإقليمية والاستقرار الداخلي، والمهمة أيضاً بالنسبة إلى ثبات النظام وعمل آلة الحكم. كانت سوريا والمحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسلاح حزب الله قد فرّقت بينهما وزرعت الغموض والشبهات. وتكاد الملفات الثلاثة هذه تجمع بينهما الآن في الظاهر على الأقل: صار الحريري ـــــ أو يكاد ـــــ بخطوات بطيئة حليفاً رئيسياً لسوريا، وألقيا وراءهما المحكمة الدولية وقد أصبحت خارج لبنان ولم تعدّ أداة ضغط وتهويل متبادلين، وبات سلاح حزب الله سلاح المقاومة في البيان الوزاري وفي كل التنقلات الدولية لرئيس الحكومة يدافع عنه ولا يطعن في شرعيته.

كل ذلك يُبقي بعض الشكوك حيال الخيارات الاستراتيجية لرجلين يلتقيان قليلاً، ويتحاوران مباشرة قليلاً.

في اجتماع الحريري ونصر الله ليل الاثنين، وكُشِف عنه أمس، بندان رئيسيّان: تصويت لبنان في مجلس الأمن على مشروع قرار فرض عقوبات دولية على إيران في الأيام القليلة المقبلة، ومشروع قانون الموازنة العامة لعام 2010 والأداء داخل الحكومة وسبل دعم مسارها وتخطي العراقيل التي تواجهها من داخلها، ومن البرلمان والشارع كذلك، مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات والمطالب النقابية على مستويات شتى.

في حصيلة تقويم حزب الله انطباعاته عن اجتماع ليل الاثنين، ترسم في الوقت نفسه ملامح علاقة الرجلين، الآتي:

1 ـــــ حضر الحريري كي يستكشف من خلال نصر الله الموقف الإيراني من لبنان في حمأة المواجهة مع المجتمع الدولي على ملف سلاحه النووي، والخطوات التي يمكن اتخاذها في امتحان قاس تقرّبه عضوية لبنان غير الدائمة في مجلس الأمن. وخلافاً لوجهة نظر رئيس الحكومة الذي يعتقد بأن ردّ فعل حزب الله يعبّر عن الموقف الرسمي لطهران، للحزب وجهة نظر مغايرة هي أنه يتفهّم المواقف والسياسة الخارجية الإيرانية وحقّ الدفاع عن النفس والسيادة الوطنية، من غير أن يكون ناطقاً باسم الجمهورية الإسلامية ولا ممثلاً لها، وأنه يتصرّف تبعاً لموقعه كحزب لبناني له حلفاؤه.

تبعاً لذلك، يؤيّد حزب الله إيران ويرفض مشروع قرار فرض عقوبات دولية عليها، إلا أنه يكتفي باتخاذ هذا الموقف مع الأخذ في الاعتبار الواقع الداخلي اللبناني المعقّد الذي حمل المسؤولين الكبار ومجلس الوزراء على تأييد خيار الامتناع عن التصويت على مشروع قرار العقوبات. ورغم أن وزير الحزب محمد فنيش يعارض من داخل مجلس الوزراء الامتناع، انسجاماً مع موقف قيادته، لا تعدو هذه المعارضة إلا تسجيل موقف مبدئي. وهو نفسه موقف سوريا، الرافضة فرض عقوبات دولية على إيران.

يفضي ذلك، في طبيعة ما نوقش ليل الاثنين بين الرجلين، إلى أن امتناع لبنان عن التصويت يمثّل حلاً وسطاً لتناقض داخلي بين أفرقاء لبنانيين منقسمين على الموقف من إيران ومن التزام إرادة المجتمع الدولي، وحلاً وسطاً أيضاً لتناقض عربي بين عواصم رئيسية تؤيّد العقوبات من غير أن تجهر بذلك كالسعودية ومصر، كي تبقي نوافذ للحوار مع الجمهورية الإسلامية، وأخرى ترفضها كلياً كسوريا التي تجد في معارضة القرار وضرورة التصويت ضده الردّ الأكثر صواباً.

ولأن الأمر كذلك، اختارت المجموعة العربية، استيعاباً لتناقضاتها، الامتناع عن التصويت من خلال مقعد لبنان، من غير أن يبدّد ذلك التناقض مع إيران. مع ذلك، يلاحظ حزب الله أن عدم توافر إجماع دولي على مشروع القرار يسجّل إخفاقاً لجهود واشنطن في هذا الاتجاه.

بيد أنه ينظر إلى مشروع القرار على أنه خطوة معنوية غير إجرائية، وغير مجدية في الحسابات الإيرانية. ليست أول عقوبات تتلقاها طهران من المجتمع الدولي، إلا أنها تحوّطت سلفاً للإجراءات الجديدة بعقد اتفاقات ثنائية ـــــ يقول حزب الله ـــــ مع دول كبرى وشركات دولية كبرى، بعضها فوق الطاولة والبعض الآخر تحتها، تفادياً لانعكاس تلك الإجراءات على الاقتصاد الإيراني. أضف أنها أعدّت نفسها ومجتمعها وقدراتها لما تنتظره.

2 ـــــ يأتي اجتماع الحريري ونصر الله في سياق استمرار التواصل بينهما نظراً إلى دقة الملفات المحلية والإقليمية التي تواجههما على السواء، ناهيك بوجود حزب الله في حكومة الوحدة الوطنية مع حلفاء له، في وسعه التأثير على مواقف متشدّدة يتخذونها، كما يعوّل رئيس الحكومة. بذلك حمل الحريري إلى الأمين العام للحزب الصعوبات التي تواجهها حكومته من الداخل خصوصاً، وأسطع مثال هو التأخر في إقرار مشروع قانون الموازنة العامة وتشعّب المناقشات التي رافقته. وحرص الحريري على طلب دعم نصر الله في سبيل تخطّي تلك العراقيل.

ورغم أن مشروع الموازنة على قاب قوس أو أدنى من التصويت عليه في مجلس الوزراء، إلا أنه يعكس حالاً من عدم استقرار حكومي بدأ مع تعثّر التعيينات الإدارية والأمنية، ورافق الضجة حول الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، أضف تركة مشاريع قوانين أحالتها الحكومة الأولى للرئيس فؤاد السنيورة إلى مجلس النواب بين عامي 2006 و2007، على أثر استقالة الوزراء الشيعة الخمسة، ولم تقترن بتوقيع رئيس الجمهورية في مرسوم الإحالة تبعاً لصلاحياته الدستورية، إبان ولاية الرئيس إميل لحود الذي لاقى قوى 8 آذار حينذاك على وصف حكومة السنيورة بأنها أصبحت تفتقر إلى الشرعية الدستورية، الأمر الذي أبقى مشاريع القوانين تلك في منتصف الطريق: خرجت من السرايا، ولم تستقبلها ساحة النجمة.

ومع أن كلاً من الحريري ونصر الله يسلّمان في الوقت الحاضر بأنه لا بديل من حكومة الوحدة الوطنية، فإن العقبات التي تجبهها ـــــ في تقويم حزب الله ـــــ تبقى سمة استمرارها حتى إشعار آخر، ووشم التجاذب بين أفرقائها. لا يتوصّلون إلى أيّ قرار إلا بتوافقهم جميعاً.

3 ـــــ رغم الحوار الإيجابي الدائر بين رئيس الحكومة والأمين العام للحزب، يظلّ الحذر يطبع علاقتهما. وَثِقَ حزب الله بالخيارات الاستراتيجية لرئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وعدّه حليفاً موثوقاً به لأنه أقرن على مرّ الأشهر المنصرمة، منذ 2 آب 2009 عندما أعلن انسحابه من قوى 14 آذار، مواقفه من سوريا والمقاومة والصراع مع إسرائيل بوضع سكة واضحة لخياراته الاستراتيجية هذه، سلكها تدريجاً إلى أن استقبله الرئيس السوري بشّار الأسد، نهاية آذار الماضي، تتويجاً لعودته إلى موقع تلك الخيارات التي جعلت حزب الله يطمئن إلى الزعيم الدرزي نهائياً، الأمر الذي لم يشقّ الحريري الطريق إليه بعد تماماً.

وعلى وفرة مواقفه الإيجابية، في الأشهر الأخيرة، من الخيارات إياها، سوريا وسلاح المقاومة والصراع مع إسرائيل، فهو لم ينظّمها بعد في استراتيجيا واضحة يلاقي بها حليفه الزعيم الدرزي. إذ لا يزال حزب الله يعزو حذره وتحفظه عن الحريري، في موازاة استمرار الحوار معه، إلى تأرجحه بين الخيار السوري الذي لم يذهب إليه بكليته بعد، وبين تمسّكه بحلفائه في قوى 14 آذار إلى يمينه يتوزّعون توجيه الاتهامات على سوريا وحزب الله، ويشدّونه إلى خيارات معاكسة، أو في أحسن الأحوال، في تقويم حزب الله، تخفيف اندفاع الحريري إلى سوريا ورئيسها.

يرفض حزب الله فرض عقوبات على إيران، ويكتفي بموقفه المبدئي متفهّماً امتناع لبنان عن التصويت

ترجمة لهذا الحذر ـــــ يقول الحزب ـــــ فإن الموقع الذي لا يزال يتخذه رئيس الحكومة لا يطمئنه، إلا أنه لا يبعث لديه على القلق. وإنه ينتظر عامل الوقت لبلورة تلك الخيارات لديه. حتى ذلك الوقت يتعاون معه في الحكومة وفي مواجهة الملفات الإقليمية الشائكة.

4 ـــــ لا يعكس ظاهر العلاقة الجديدة بين الرئيس السوري ورئيس الحكومة اللبنانية باطنها الذي يشير إلى بطء في تقدّمها. كذلك فإن حرارة العلاقة الشخصية بين الرجلين ليست مؤشراً سياسياً إلى حرارة مماثلة، بل هي خطوة على طريق بناء الثقة التي لا ترسى بإسقاط العلاقة الشخصية عليها، بل بتراكم المواقف حيال خيارات استراتيجية واحدة لا التباس أو تردّد أو شكوك حيالها.

ينطوي هذا الموقف، في تقويم حزب الله لعلاقة الحريري بدمشق، على ضرورة اتخاذ إجراءات رئيسية تلتقي عند الخيارات التي قرن بها الأسد العلاقات المميّزة اللبنانية ـــــ السورية، وهي سلاح المقاومة والصراع مع إسرائيل. والواقع أن المعبّر الجدّي عن هذا التلاقي، في رأيه، يكمن في دعوة المجلس الأعلى السوري ـــــ اللبناني إلى الانعقاد، تحت وطأة الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية، بغية تكريس ما يقوله رئيس الجمهورية ميشال سليمان في قممه مع الرئيس السوري، قبل انعقادها وبعدها، وما يقوله رئيس الحكومة في السياق نفسه، وفي نطاق التطورات الإقليمية المتلاحقة التي أوجدت موازين قوى جديدة لا يسع لبنان أن يكون في منأى عنها، أو يتجاهلها.

يشير ذلك أيضاً إلى مأخذ أبقته دمشق قيد التحفظ لديها، هو أن لبنان لم يدعُها إلى اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى السوري ـــــ اللبناني في عزّ التهديدات الإسرائيلية للبنان وسوريا على السواء، والتلويح بمهاجمتهما من خلال عاصفة صواريخ سكود.

تعليقات: