آثار الدمار على مسجد حي الخريبة في قانا
منطقة صور شاهدة على بصمات العدوان المتنقل بين مدنها وبلداتها قاطعاً طرقاتها
المجازر حصدت الأبرياء من قانا إلى صريفا ومروحين ولم تفرق بين مسجد وكنيسة
صور - تعتبر حرب تموز من العام 2006 من اعنف الحروب وأشرسها، مقارنة مع الإجتياحات والإعتداءات المتكررة التي تعرض لها لبنان عموماً والجنوب خصوصاً·
فقد صب العدو الإسرائيلي حينها براكين حقده، وارتكب المجازر بحق المدنيين الإبرياء وقطع ادخال الحياة ومرافقها في كل لبنان بعد أن عجز عن مواجهة المقاومة وأبطالها الذين سطروا أروع ملاحم البطولة والتصدي لهمجية العدو وحقده الأعمى· فمنذ اليوم الأول لحرب الـ 33 يوماً استعمل العدو أعتى آلاته الحربية، حيث لم تسلم حينها مدينة ولا بلدة من الدمار الهائل التي تسببته همجية العدو وحقده·
وبعد مرور عام على هذه الحرب المجنونة التي لا تزال بصماتها راسخة ومجسّدة من خلال بعض المنازل التي لا تزال شاهدة عما جرى، ومن هول المجازر التي ارتكبها العدو بحق الأطفال والشيوخ في أكثر من بلدة وقرية جنوبية·
"لـــواء صيدا والجنوب" زار حي الخريبة في بلدة قانا، التي شهدت خلال حرب تموز مجزرة جديدة أودت بحياة أكثر من 25 شهيداً جلهم من الأطفال· حي الخريبة جزء من بلدة قانا، تدخله فتشعر بالهدوء التام لا ضجيج، لا صوت أطفال يلهون في زواريب هذا الحي، ليس بسبب العالم الدراسي الذي انتهى منذ مدة، بل يعود ذلك إلى فقدان الحي معظم أطفاله، ومن تبقى منهم يسأل عن رفاق له قضى عليهم اللاعبون الكبار بألعابهم المميتة·
أحمد شلهوب أحمد محمد شلهوب (أحد الناجين من مجزرة قانا الثانية) يروي ما حدث منذ اندلاع حرب تموز ويقول: بقينا في بلدتنا كبقية الذين لم يغادروا أنا وزوجتي مع ولدّي الإثنين، وعند قضاء الأسبوع الأول من بداية الحرب تساقطت حولنا القذائف من كل الجهات، فقمنا بمغادرة منزلنا إلى آخر يعود لشخص من آل هاشم، ظناً منا انه يمكن أن يحمينا من قذائف العدو الإسرائيلي وطائراته، لوجود طابق أرضي فيه ،وبقينا هناك مع معظم أهالي الحارة حتى اليوم الثامن عشر من حرب تموز، وتحديداً فجر الأحد قرابة الواحدة فجراً (30 تموز)، وفجأة حصل ما حصل، في لحظات معدودة أغارت الطائرات الحربية على المنزل، الذي انهار على رؤوس كل من كان بداخله، وسقط حينها حوالى 27 شهيداً من بينهم شقيقه تيسير شلهوب (39 عاماً) وشقيقته فاطمة (42 عاماً) وابنته زينب (6 سنوات)، فيما غادرت زوجته وولده حسن واخته نجوى ووالدته المكان قبل 5 أيامٍ من حدوث المجزرة·
ويضيف أحمد - والدموع اغرورقت في عينيه - : بقيت الطائرات تحلق بعد قصفها للمكان لأكثر من 7 ساعات، لم يستطع أحد الوصول إلى المكان قبل هذا الوقت، لا فرق الاسعاف ولا رجال الدفاع المدني ولا أي منقذٍ كان، فيما تطايرت الأشلاء، وغطى الدم معظم حيطان المبنى·
وقال: بعد أكثر من 7 ساعات على حصول المجزرة، بدأت فرق الإسعاف تصل إلى المكان وبصعوبة بالغة جراء ركام المبنى الذي تطاير وقطع الطريق المؤدية إليه، وبدأ نقل القتلى والجرحى فيما تم نقلي عبر سلم ووضعت تحت شجرة في المكان· ويشير بحسرة إلى سقوط أكثر من 15 طفلاً دون الخامسة عشرة، ومن بينهم الطفل الرضيع عباس هاشم ابن العشرة أشهر·
ويلفت شلهوب إلى "دور الاعلام الذي فضح الجريمة - المجزرة، وتمكن من الوصول إلى قانا، وعمل على نقل الصورة بكل واقعية"، مشيراً إلى "مجازر أخرى لم يتمكن الإعلام من الوصول إليها ونقلها"، ملمحاً الى أن المشهد المأساوي لا يغيب عن باله، فراق الأحبة صعب للغاية، فالحارة (الخريبة) عبارة عن 40 منزلاًومن الصعب جداً أن تفقد نحو 16 طفلاً خلفوا الهدوء وغاب اللعب واللهو والصراخ الأمر ليس بالسهل، مشهد مريب ومحزن لا يمكن نسيانه بالهين·
وختم بالقول: إيماننا بالله وبديننا، يلهمنا الصبر على البلاء والرحمة على الشهداء·
ميري جباعي ميري جباعي (ناجية) زوجة الشهيد إبراهيم هاشم التي فقدت 10 أشخاص من أولادها وأحفادها خلال المجزرة، بالإضافة إلى ابن شهيد في المقاومة سقط خلال الأسبوع الأول من الحرب، تروي ما حصل وهي تشك التبغ، فتقول: لا يمكن نسيان ما حصل، في دقائق معدودة فقدنا الأحبة والأهل، كنا نظن حين انتقلنا إلى منزل عباس هاشم اننا أصبحنا في مأمنٍ من قذائف العدو وآلته القاتلة فسكنا في هذا المنزل ووضعنا الأطفال في زوايا الطابق الأرضي، إلا أن القذائف والغارات قضت على الأطفال وتطايرت أجسادهم وعلقت على الحيطان·
وتتذكر جباعي الأيام التي قضتها والعديد من أهالي الحارة دون نور ولا ماء أحياناً، حتى أن الأطفال كانوا ينامون الليل دون مأكل، وكنا نضطر أحياناً إلى قلي العجين وأكله، وتتذكر كيف مدت يدها لتبحث عن طفلة ابنتها فطلعت بيدها قدم احدى الضحايا·
هيام هاشم أما ابنتها هيام هاشم (ناجية أيضاً) تقول إنها بقيت تحت الركام لمدة 7 ساعات فاقدة الوعي تصرخ دون مجيب، لا تذكر ما حصل خلال هذا اليوم المشؤوم، سوى الصراخ الذي أطلقته جراء ألم لأصابتها في كتفها، ولم تعرف طوال هذه الساعات حتى من استشهد أو أصيب، ولم تفق إلا وهي في المستشفى·
ويسأل حسن هاشم (ابن السنوات الأربع) عن رفاقه الأطفال، ووالده ووالدته واخوته الذين افتقدهم، ولا يعرف سوى رسمهم ويردد أسماءهم·
صريفا ومن قانا إلى صريفا، التي شهدت أيضاً مجزرة مريبة نفذها العدو الإسرائيلي خلال حرب تموز·
والتقينا هناك أحد الناجين خضر جابر، الذي ترك المنطقة التي استهدفت قبل دقائق من حصولها إلا انه فقد خلالها والده ووالدته، بالإضافة إلى 3 من أشقائه، يروي ما حصل في تلك الليلة المشؤومة، ويقول: بقينا مع من تبقى من الأهالي في حي من البلدة يسمى حي (موسكو) بقينا هناك رغم الحصار والجوع والقصف، إلا انه وقرابة الثانية من فجر يوم الأربعاء وبعد تركي له بأقل من ساعة إلى مكان أخر لا يبعد عن المنازل التي استهدفت سوى 100 متر انصب القصف المدفعي والغارات الجوية على الحي كالمطر، دمرت معظم منازله وقضى حوالى الـ 37 شهيداً جلهم من الشباب· ويختم: "تنذكر وما تنعاد"، الله يرحم اللي استشهدوا، لا يستطيع أحد أن يتحمل بعد·
علي عيد واعتبر رئيس بلدية صريفا علي عيد "أن الذكرى الأولى لعدوان تموز هي مناسبة للعودة بالذاكرة إلى همجية العدو، التي فاقت كل وصف، حيث استهدفت القوات الإسرائيلية البشر والحجر، وسعت إلى شل إرادة الحياة في الجنوب وكامل الوطن، عبر المجازر والجرائم والتدمير، وكل أشكال العدوان، ومخططاته على وطننا وانساننا"· وقال: لكن في الجانب الآخر من المشهد كانت صور البطولات والتضحيات وإرادة الثبات والمقاومة، التي أظهرها الجنوبيون في مواجهة العدوان، فكانت الوقفات البطولية أشبه بأساطير تؤرخ للإنتصار·
وأضاف: صريفا هي عنوان من عناوين الصمود والمقاومة، وكان لها نصيب من عطاء الدم، فقدمت كوكبة من شهدائها من مختلف الأعمار، وحوّل العدو جزءاً من بيوتها إلى أكوام من رماد، لكن صريفا كعادتها تنهض اليوم من بين الركام لتضميد جراحها واعمار ما هدمته آلة الحرب··
وتابع: تعمل البلدية بالتعاون مع المجتمع الأهلي من أجل تخليد شهداء البلدة، وهي في هذه الأيام بصدد التحضير لمهرجان كبير وفاءً لشهدائها وتأكيداً على متابعة المسيرة·
تعليقات: