مجسمات لدبابات اسرائيلية محطمة
مرحلته الأولى عن المقاومين وفي التالية مسابح وملاعب وشاليهات..
اختار "حزب الله" أحد مواقعه العسكرية القائم منذ العام 1985 في أعالي جبل مليتا في اقليم التفاح مكانا لاقامة معلم سياحي يروي حكاية المقاومة في أرضها وبين شعبها تحت شعار "حكاية الارض للسماء". في مليتا تتعدد الرسائل وتكثر المعاني والدلالات، لكن الهدف يبقى ادراك قيمة المقاومة وتضحياتها حسيا، فضلا عن ترسيخ مشهد الانتصار في أذهان الزائرين أيا تكن جنسياتهم. فما هي فكرة مشروع مليتا ورسالته، وما هي أقسامه؟
يقول مسؤول وحدة النشاطات الاعلامية في "حزب الله" الشيخ علي ضاهر لـ"النهار" إنه بعد التحرير، بدأت تتبلور فكرة البحث عن مكان نحفظ فيه ذاكرة المقاومة بعد 20 سنة من الجهاد والتضحيات، وناقشنا العديد من الافكار، كاقامة متحف أو معرض حتى استقر الرأي على اقامة معلم جهادي في مكان كانت توجد فيه المقاومة. فوقع الاختيار على موقع جبل مليتا، الذي كان من أوائل المواقع الثابتة للمقاومة في مواجهة المواقع الاسرائيلية على التلال المقابلة، مما جعله خط الدفاع الاول للمقاومة في منطقة اقليم التفاح. كما انه كان حصنا للمجاهدين، مارسوا فيه حياتهم اليومية، وجرحوا واستشهدوا وانطلقوا منه للقيام بعمليات ضد العدو".
وأضاف: "بعد الاتفاق على الفكرة سعينا الى امتلاك الارض التابعة عقاريا لبلدتي اللويزة وجرجوع، كوننا لا نقوم بأي أعمال في اراض لا نملكها، الى ان تمكنا من شراء كل الاراضي من أصحابها عام 2004. وهكذا جمعنا اكثر من 50 مهندسا، بعضهم من المقاومة، ووضعنا مخططا توجيهيا لبدء العمل مطلع العام 2006. لكن العدوان الاسرائيلي في تموز من ذلك العام أدى الى قصف هذا الموقع، ونشر فيه القنابل العنقودية، مما جعلنا نتريث بعدها الى أن يقوم الجيش اللبناني بتنظيف الجبل من هذه القنابل تمهيدا لانطلاق العمل مجددا بوتيرة عالية في أوائل العام 2008".
رسالة مليتا
ويعتبر القيمون على المشروع أن افتتاح معلم سياحي بهذه الضخامة على أرض الجنوب، بالتزامن مع اطلاق قادة العدو الصهيوني التهديد تلو التهديد ضد اللبنانيين، مؤشر الى رغبة المقاومة في خوض تحد جديد"، فماذا عن رسالة الموقع؟
ينطلق الشيخ ضاهر من بعدين في تحديد "رسالة مليتا"، الاولى موجهة ضد العدو الصهيوني "الذي نريد ان نؤكد له استحالة هزم ارادة اللبنانيين ورغبتهم في العيش بكرامة مهما علت صيحات تهديداته. إذ قمنا بدفن الآلة العسكرية في مليتا بمشهدية مركبة تحمل عنوان "الهاوية" ليرى الجميع كيف هزمنا الجيش الذي قيل انه لا يقهر، كما أبرزنا بعض قدرات المقاومة التسليحية".
اما الثاني فموجه الى الشعب اللبناني: "فنحن أردنا لهذا المعلم أن يكون ذا طابع وطني، بعيدا من أي حزبية او فئوية، لأن المقاومة أساسا لم تكن لطائفة او فئة معينة بل لكل الوطن واللبنانيين. لذا نريد منهم القدوم الى مليتا ليشاهدوا من كثب ما الذي حققته المقاومة من انجازات، فضلا عن استكشافهم الحياة التي يعيشها المجاهد من خلال ملامسة الصخور التي حمته والارض التي احتضنته والشجرة التي ظللته ومعرفة سلاحه وحكاياته اليومية ومواجهته العدو، وصولا الى التحرير العام 2000".
النهاية تسبق البداية
تستغرق الجولة في موقع مليتا زهاء الساعتين، في مسار طويل يتخلله العديد من النقاط، إلا أن لكل نقطة رمزية خاصة وفكرة:
أولا تشاهد شريطا وثائقيا يؤرخ لمرحلة من المتغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة ولبنان، بدءا من سقوط فلسطين عام 1948، ثم سقوط بيروت في 1982، وما تلاه من فعل مقاوم أجبر العدو على الانسحاب الى منطقة "الشريط الحدودي". لكن ـتسوية "كامب ديفيد" حاولت حصار المقاومة حتى العام 1992، غير أننا لم نستسلم اذ اشتد عود المقاومين وتراكمت جهودهم وتطور فعلهم المقاوم، على الرغم من اغتيال عدد من القادة، وصولاالى التحرير في العام 2000 وما تبعه من تحرير للأسرى، ثم حصول عدوان تموز 2006 الذي اسقط العدو في الهاوية. ويختتم الشريط بحديث للسيد حسن نصرالله عن قائمة الاهداف "اذا قصفتم مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي سوف نقصف مطار بن غوريون في تل أبيب (...)".
ثم تنتقل الى ما وصفه الشيخ ضاهر بـ"نهاية القصة، أي هزيمة العدو الاسرائيلي"، فتشاهد الغنائم التي حصلت عليها المقاومة من مختلف ألوية الجيش الاسرائيلي طوال مدة الاحتلال، بالاضافة الى مجموعة من الشهادات لقادة العدو عن هزيمتهم في لبنان، فضلا عن معلومات دقيقة عن هيكلية الجيش الاسرائيلي لجهة العتاد والعديد وألوان ومراكز كل فرقة من فرقه، مما دفع التلفزيون الاسرائيلي "القناة العاشرة" الى اعتبار ذلك بمثابة خرق أمني كبير، وآخر تحديث للمعلومات في 20 ايار 2010.
بعدها تتجول داخل مشهدية مركبة تحمل اسم "الهاوية" تم فيها دفن الآلة العسكرية الاسرائيلية، وصممت على شكل زوبعة بأفق مسدود في رمزية الى انسداد أفق الاحتلال، علما ان هذه الحفرة الكبيرة أحدثها القصف الجوي الاسرائيلي المتواصل على مليتا طوال أيام الاحتلال مما يعني ان العدو "حفر قبره بيده".
ويتساءل الزائر، وفق ضاهر، بعد تجواله في معرض الغنائم و"الهاوية" عن "البطل الذي حقق الانجاز والانتصار، وصولا الى اسقاط العدو في الهاوية، أي عن المقاومة التي سيتعرف عليها من خلال دخوله في "المسار الجهادي" حيث تظهر الطرق الوعرة ذاتها المحاطة بأشجار السنديان تستقبلك "دشمة السيد عباس الموسوي" التي كان يودع فيها المجاهدين المتجهين الى المواجهة لشد أزرهم، ويستقبلهم بعد عودتهم.
وفي المشهد ايضا مجسمات لحركة المجاهدين في الموقع طوال المسار المؤدي الى مغارة حفرها المجاهدون خلال 4 سنوات بآلات بدائية، ثم قاموا بتحصينها ومد شبكة المياه والكهرباء اليها، علما انها كانت حصينة عموديا فقط، لكن العدو لم يوفق أبدا في معرفة مدخلها لتدميرها نتيجة تمويهها الجيد.
وتضم المغارة مطبخا وغرف منامة وغرفة قيادة كانت تستخدم للتخطيط للعمليات الحربية ضد العدو ومخرجا يؤدي الى "المطلة" المشرفة على قرى اقليم التفاح، حيث رفع علم لبنان وعلم "حزب الله".
بعدها الى "خط النار" الذي كان ينطلق منه المجاهدون للقيام بعمليات ضد مواقع العدو المقابلة، مستخدمين شتى أنواع الاسلحة والصواريخ المنتشرة في المكان، وصولا الى "دشمة سجد" التي كانت مستخدمة لرمي موقع العدو في سجد مباشرة بالدوشكا مما أجبره على الانسحاب منه العام 1999.
واللافت وجود قبر مفتوح في "خط النار" حفره أحد المجاهدين بيده بعدما طلب من زملائه دفنه فيه لحظة استشهاده، كما كان يقضي معظم أوقاته فيه، لكنه لم يستشهد.
والنقطة ما قبل الاخيرة هي ميدان التحرير الذي تعرض فيه المقاومة العديد من اسلحتها المستخدمة في مواجهة العدو الصهيوني منذ انطلاقتها في العام 1982 حتى عدوان تموز 2006.
أما النقطة الاخيرة فتسمى "تلة الشهداء"، وهي أعلى قمة في مليتا (150 مترا) لجهة الشرق، وتطل مباشرة على مشهدية "الهاوية" في رمزية الى ان من هزم الجيش الصهيوني عرج الى السماء بينما بقيت آليات العدو وعتاده وجنوده في الارض.
"مقاومة بالسياحة"
مشروع مليتا لا يزال في مرحلته الاولى، فبعد انقضاء السنتين سيتم الانتهاء من المرحلتين الثانية والثالثة، وفق ما قاله الشيخ علي ضاهر لـ"النهار". وأضاف: "سندشن مجموعة من أماكن الترفيه كالمسابح والملاعب والحدائق، فضلا عن بناء شاليهات تؤجر للعائلات لقضاء فترة استجمام في هواء نظيف. كما سيتم انشاء "تلفريك" بين جبل مليتا وتلة مقابلة كانت مركزا للعدو الصهيوني حيث من المفترض ان يكون فيها مشهد مقاوم آخر".
تعليقات: