خياميات: قصص عشقٍ لذكريات لا تعرف التوقّف
من منا لم يبك لوالده لكي يأخذه معه الى بيروت؟
ومن منا لم يكن راكبا من ركاب إحدى بوسطات الخيام الشهيرة؟
عندما يبدأ الفجر ينبلغ يبقى السكون مخيما على الساحة الفوقا في الخيام، لكن بين الحين والاخر تطال مسامعك أصوات خفيفة متقطعة من عدد من "الختيارية" الذين ادخروا قصصا بالامس ليبسطوها في الفجر وهم جالسون في ساحة الخيام التي تمتلىء شيئا فشيئا بالرجال كلما حلّ النور وازداد انسحاب الظلام .
صباح الخير.. ياحاج فلان.
كيف حالك ياحج فلان يرميها معاون سائق البوسطة وهو يتطلع الى ساعته..
ها هو الصباح يكاد يطل ولم تمتلىء بعد مقاعد البوسطة بالحد الأدنى الذي يسمح لها بالإنطلاق.
لكن برهة قليلة ويصبح عدد الركاب مكتمل النصاب.
وسطح البوسطة محملا بكل ما مايشتهيه ابن المدينة من القرية.
شو بجبلكم معي من بيروت يقولها المعاون لجمع الختيارية المتمتمين هذا ابن فلان وذاك موظف والاخر لماذا يذهب الى بيروت شو عنده شغل؟
يرد اخر ربما يبحث عن شغل صار بالثلاثين وهو عاطل عن العمل وين في شغل بها البلد؟..
تنطلق "البوسطة " بهدوء وتشق بانطلاقتها تمتمة الركاب الذين يغيرون مجرى الكلام.. فيقول أحدهم "يللا مشيت البوسطة" وهو كلام لا بدّ أن يقوله أحد ما، مع أنه معروف من الجميع فيأتي الردّ بالدعاءات وبتلاوة الآيات من أكثر من جانب.
وتتابع البوسطة سيرها باتجاه جديدة مرجعيون قاصدة بيروت وتتمايل الرؤوس يمينا وشمالا ويعودالجميع يحدث الجميع ..
البعض يفترش المقاعد وكأنها "سفرة"، يتناولون طعام الفطور، فالطريق طويلة والجوع لايرحم يأكلون مع عزيمة خمس النجوم..
- تفضل يابو فلان تروّق معنا، "خصّمتك بألله" لقمة واحدة!
- ممنون ممنون ممنون أنا سبقتك..
فيما اضواء البوسطة تضرب على احجار مطلية على جانبي الطريق لكي "لاتهور" او تصطدم.. ونرى تلك الأحجار تسير باتجاه معاكس..
رائحة الارض الندية تفوح من الحقول المجاورة للطريق.. ومع "كواع" الليطاني يغلب النعاس المسافرين، فيعود الهدوء والسكينة إلى البوسطة ولا يبقى من أصوات إلا أصوات محركها.. ويبقى السائق ومعاونه عيناً ساهرة.
موضوع خياميات 1: قصص عشقٍ لذكريات لا تعرف التوقـَف
تعليقات: