هناك عنصر إكراه فيه من الممكن منعه قانونا..
«زواج البدل» كان شائعا في العقود الماضية بمعظم مناطق كردستان..
أربيل:
يحب «سوران محمد» زوجته حبا شديدا. ورغم مرور عشر سنوات على زواجه، لم يصدف أن تشاجرا أو واجها أي مشكلة كبيرة في حياتهما الزوجية، ولكن هذا الحب العميق الذي يربطهما لم يحل دون افتراق زوجته عنه وذهابها إلى بيت أبيها لأسابيع وشهور، فهي متزوجة على أساس زواج «الكصة بكصة». وهو نوع من «زواج البدل» أو «المقايضة»، وهو اتفاق شخصين على تزويج أختيهما إحداهما للآخر، وفي حالات أخرى، تزويج البنت من قبل الأب بدلا عن زوجته إلى أحد أقاربها.
وهذا النوع من الزواج كان شائعا في العقود الماضية بمعظم مناطق كردستان، رغم أن جذوره تعود إلى عادات وتقاليد المجتمع الريفي، ولكن مع نزوح مئات الألوف من العوائل القروية إلى المدن الكبيرة في العقود الأخيرة ، أدى إلى شيوع هذه الظاهرة في المدن الكبرى أيضا.
ومع ارتفاع المهور وتكاليف الزواج في المجتمعات الشرقية، والمجتمع الكردستاني جزء منها، ومغالات الأسر في مهور البنات وتكاليف الزواج التي باتت تقصم ظهور الشباب، حتى وصلت إلى حد المطالبة بتوفير سكن من ملكية خاصة، بالإضافة إلى امتلاك السيارة وتجهيزات البيت، لكل ذلك تتعقد مشكلات الزواج يوما بعد يوم. وبذلك، انتشرت في المجتمع الكردستاني آفة خطيرة جدا وهي ظاهرة العنوسة، التي كان المجتمع الكردستاني خاليا منها لفترة وجيزة، ولكنها أصبحت اليوم ظاهرة موجودة بسبب عزوف الكثيرين من الشباب عن الزواج لغلاء تكاليفه.
ويكاد الإقليم يخلو من أي دراسات أو بحوث حول أسباب ازدياد هذه الظاهرة وكيفية مواجهتها، في ظل صمت حكومة الإقليم عن حل هذه المشكلة الاجتماعية، رغم بعض الجهود المتواضعة لمواجهتها، منها إطلاق صرف سلف الزواج، وحملة صندوق الإسكان لإنشاء الدور والشقق السكنية، ومبادرة رئيس الحكومة برهم صالح بتزويج 100 من أبناء وبنات المؤنفلين على حساب الحكومة في عرس جماعي، ولكن المشكلة ما زالت قائمة بالنسبة إلى آخرين، وهذا ما أدى إلى العودة لزواج البدل «الكصة بكصة» باعتبار تكاليفه أقل بكثير، حيث لا مهر فيها، ولا شروط معقدة ومبالغا فيها، فيكفي اتفاق العائلتين على تبادل بناتهم، دون المطالبة بالتجهيزات الأخرى كالذهب أو الملابس وغيرها من متطلبات جهاز العروس.
ورغم أن القانون يمنع مثل هذه الزيجات بنص المادة «التاسعة» من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، التي تنص على أنه «1 - لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار إكراه أي شخص ذكرا كان أم أنثى على الزواج دون رضاه، ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا إذا لم يتم الدخول، كما لا يحق لأي من الأقارب أو الغيار منع من كان أهلا للزواج بموجب أحكام هذا القانون من الزواج». وتنص الفقرة الثانية من المادة: «يعاقب من يخالف أحكام الفقرة 1 من هذه المادة بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا كان قريبا من الدرجة الأولى، أما إذا كان المخالف من غير هؤلاء فتكون العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات أو الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات». وتنص الفقرة الثالثة من المادة نفسها: «3 - على المحكمة الشرعية أو محكمة المواد الشخصية الأشعار إلى سلطات التحقيق لاتخاذ التعقيبات القانونية بحق المخالف لأحكام الفقرة 1 من هذه المادة ولها توقيفه لضمان حضوره أمام السلطات المذكورة، ويحق لمن تعرض للإكراه أو المنع مراجعة سلطات التحقيق مباشرة بهذا الخصوص».
ولكن هذا التحريم القانوني لم يمنع المجتمع الكردستاني من إقرار مثل هذه الزيجات التي هي في أغلبها «فاشلة» كما يقول سوران، الذي «بادل» أخته بزوجته. ويستطرد: «خلال السنوات العشر من زواجي صادفتنا مشكلات كثيرة جدا، رغم أنني وزوجتي يحب بعضنا بعضا ولا مشكلات بيننا، فلأن أختي تزوجت بالإكراه بشقيق زوجتي فهما يعانيان مشكلات جمة، وكلما تشاجرا وعادت أختي إلى بيتنا، تأتي عائلة زوجتي فيأخذونها عنوة من بيتي، رغم أننا لا نعاني أي مشكلات، فأضطر إلى بذل أقصى جهودي لإرضاء أختي وعائلتي لإعادتها إلى بيتها، حتى أحصل على زوجتي».
ويقول سوران مهموما: «أنا نادم جدا على هذا الزواج، والمشكلة أنه كلما حدثت مشكلة بين أختي وزوجها يدفع أطفالي ضريبتها، فيحرمون من أمهم لأسابيع أو شهور، وأنا لا أعرف كيف أتصرف في مثل هذه الحالات».
أما حسن (ع) فيصف حياته الزوجية بـ«الجحيم المستعر». ويقول: «أعيش في جحيم فعلي كل يوم، فرغم أنني رضيت بهذا الزواج بناء على رغبة أمي، وحاولت كثيرا أن أحافظ على بيتي، ولكن منذ ثلاثين سنة وأنا أعيش في هذا الجحيم. صدقني، حتى ونحن وصلنا إلى هذه السن وزوجنا بناتنا وأبنائنا، ولكن المشكلات ما زالت قائمة بيننا، فزوجتي ما زالت تهددني كل ساعة بالذهاب إلى بيت أخيها، ولا أعرف كيف أتصرف معها رغم أننا كبرنا في السن، فهي سليطة اللسان، وتستغل هذه الصيغة من الزواج لتتسلط علي».
ويرى الباحث الاجتماعي والخبير النفسي يوسف عثمان حمد «أن عوامل كثيرة تقف وراء عودة هذا الزواج، من أهمها العامل الاقتصادي ثم النظام العشائري المتخلف، فالمعروف أن هذا الزواج يجد له رواجا في المناطق الريفية والنائية، وبحسب الدراسات المتوافرة لدينا فإن نسبة 98% منه يحصل في المناطق الريفية، حيث تتحكم فيها النظم العشائرية والسلطة الأبوية». ووصف هذا النوع من الزواج بـ«الفاشل» وقال: «هناك دائما أحد الطرفين مرغما على هذا الزواج القسري، وجميع الدراسات والبحوث الميدانية المتوافرة لدينا تشير إلى تفكك هذه الأسر، وانتشار حالات نفسية سيئة لدى أفرادها خصوصا الخوف والقلق، حيث قد يكون هناك زوج وزوجة ينعمون بحياة سعيدة، ولكن هاجسهم يظل وضع الزوجين المقابلين لهما».
وحول موقف القانون، يشير القاضي شوان محيي الدين رئيس مجلس الشورى الكردستاني «أن القانون لا يعترف بهذه الصيغة من الزواج، ولكنه لا يعترض عليها أيضا، لأن العقد فيها شرعي ويتم برضاء الطرفين، ولكن إذا حدثت فيه حالة الإكراه، عندها يتدخل القانون لمنع ذلك، فالقانون صريح جدا في رد مثل هذه الحالات، فلا إكراه في الزواج ذكرا كان أو أنثى، وعقد الزواج يعد باطلا في مثل هذه الحالات».
رئيس حكومة إقليم كردستان يتوسط عددا من أبناء وبنات المؤنفلين
تعليقات: