الرئيس نبيه برّي
لو لم تقع الحرب في مثل هذا اليوم.
لو أن المقاومة لم تنفذ «وعدها»، عند الساعة التاسعة وخمس دقائق من صباح الأربعاء في الثاني عشر من تموز ,2006 في «خلة وردة» في خراج «عيتا الشعب» وتقوم باصطياد دورية إسرائيلية بين قتيل وجريح وأسير.
لو أن ذلك لم يحصل، هل كانت الحكومة على قدر المسؤولية الوطنية التي تمكّنها من تنفيذ بيانها الوزاري.
هل كانت الحكومة التي تتمتع بكل هذا الدعم الدولي، الذي لا ينام الليل لأجلها، تمكّنت بوسائلها السياسية من استعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وحرّرت الأسرى والمعتقلين وتسلّمت خرائط حقول الألغام الإسرائيلية؟
هل كانت كفت المؤمنين شر القتال وجنّبت لبنان الحرب؟
هل كانت بخلاف الواقع الراهن ستحافظ على وجه واحد لها، وعلى لغة واحدة، وعلى التزامات وثوابت سياسية وطنية معروفة لا تتجاوز فيها الكلمة التاريخية التي ألقاها دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الجلسة الاستثنائية التي عقدها مجلس النواب اللبناني في مدينة بنت جبيل بتاريخ 31/5/2000؟
هل كانت الحكومة ستنجز ملف التعويضات الخاص بالأضرار الناجمة عن الاحتلال وحروب إسرائيل ضد لبنان والمعلق منذ واحد وثلاثين عاماً؟
هل كانت الحكومة ستنفذ خططاً وطنية شاملة لإطلاق فرص العمل وزيادة الائتمانات والضمانات وتوسيع خيارات المواطنين وتمكينهم من مواجهة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية المتفاقمة؟
هل كانت الحكومة ستقلص الضرائب وستزيد الأجور؟
هل كانت ستأخذ بيدنا على النحو الجاري إلى بيع قطاع الاتصالات عبر عملية تسلل وبتجهيل المشتري؟
هل كانت الحكومة ستشتري الوقت للاحتفاظ بوحدتها، بما يتيح لأعضائها مناقشة مشروع المحكمة الدولية وآليات عملها وبشكل لا يؤدي لتعليق وزراء لعضويتهم فيها ثم لاستقالتهم منها؟
هل كانت الحكومة ستقوم بإحلال النظام الآمن الموعود (!) مكان النظام الأمني «البائد»، بما يمنع تنامي الإرهاب وتحويل مخيم نهر البارد إلى قاعدة ارتكاز لعملياته الإجرامية التي ستنكشف تباعاً؟
هل كان البلد وبفضل حكومة الأكثرية سيتمتع بالرفاهية الناتجة عن النتائج الضخمة المحققة لموسم السياحة والاصطياف الموعود لصيف
2006 مما سيمكّننا من خدمة الدين العام وسد عجز الموازنة؟
هل كانت الأكثرية ستقبل ونتيجة «للسلام الموعود والديموقراطية الغائبة» دون وجع رأس تسبّبه المقاومة، بقيام حكومة اتحاد وطني تؤسس للعهد المقبل بعيداً عن الضغوط والتجاذبات والتدخلات لمختلف أنواع الانتدابات؟
هل كانت الحكومة ستبادر إلى اتخاذ الخطوات الضرورية لتنفيذ قرارات الحوار الوطني، بما فيها القرارات التي كنا سنتوصل إليها دون شك بخصوص الاستراتيجية الدفاعية للبنان؟
نحن لا نريد أن نزيد على قلب الأكثرية وحكومتها ونطرح المزيد من الأسئلة لأن الجواب على ما تقدم من أسئلة هو بالتأكيد: لا.
بل إننا بتنا متأكدين أن الأكثرية كانت ستجد أسباباً من أجل إحراجنا لإخراجنا من الحكومة، لأنها مصابة بعقدة التحكّم والاستئثار، وهي بخلاف أي قول آخر تريد من كل الشركاء الآخرين في الوطن أن يقبلوا بكونهم مواطنين دون صوت أو صورة، يسمعون فيطيعون.
بالمقابل ولو لم تبادر المقاومة إلى تنفيذ عملية «الوعد الصادق»، هل كانت إسرائيل ستبقى تتفرج على لبنان دون مبادرات عدوانية وهي التي تنتهك مجالنا الجوي كل يوم، وهي التي أقدمت في 27 أيار وفي عاصمة الجنوب صيدا على اغتيال أحد قادة الجهاد الإسلامي وشقيقه بواسطة عملائها وفي عملية إجرامية إرهابية منظمة عابرة للحدود؟
أنا شخصياً واستناداً إلى الكثير من المصادر المحققة وفي ذكرى عيد التحرير بتاريخ 25/5/2006 ومن مرجعيون، وجّهت عناية الجميع منبهاً ومحذراً من أن إسرائيل تعيش في حال من الاستنفار السياسي والأمني والعسكري، وهي دون أدنى شك تخطط لزعزعة استقرار لبنان وإلى إبقائه في حال من التوتر وتحت التهديد.
وقلت إن هناك بنكاً من الأهداف اللبنانية الموضوعة على خارطة العمليات وعلى منظار التصويب الإسرائيلي، وأكدت أن التخلي عن المقاومة آنذاك (كما الآن) يجعل الجنوب مكشوفاً أمام العدو وهو الأمر الذي يخدم مصلحة العدو.
ما تأكد للجميع من خلال رد الفعل الإسرائيلي الناري المدمّر، أن الجيش الإسرائيلي كان يبيّت عدواناً وأن الساعة الصفر لإطلاق هذا العدوان كانت تنتظر اللحظة الإسرائيلية المناسبة.
ما كانت ستفعله إسرائيل هو ما فعلته بالتأكيد على مساحة لبنان، من حفلات إعدام جماعية ومجازر بالطائرات، للنساء والأطفال كما في قانا وأخواتها، وكما على طريق مروحين، وكما في مشهد العمال الزراعيين في القاع وفي كل المدن والبلدات والقرى في الجنوب والبقاعين الغربي والأوسط والضاحية وجبل لبنان والشمال، وإلى اصطياد وسائط النقل المدنية على الطرقات العامة.
وما فعلته المقاومة كان المفاجأة على امتداد القرى المعلقة على حدود الوطن من عيتا الشعب إلى مارون الرأس وعيترون وعيناثا والطيبة.
وهكذا وعلى نقاط العلام اللبنانية المضيئة سقط الليل الإسرائيلي، ولم يطلع الصبح على الإسرائيليين كما كانوا يحلمون وهم «يحتلون» بنت جبيل عشية مؤتمر روما في 26/7/,2006 وها نحن وبعد مرور عام على الحرب أصبحنا أكثر معرفة بأسماء العلم من شهداء المقاومة والوطن الذين أثبتوا عجز القوة الإسرائيلية، وأسقطوا قدرة الردع الإسرائيلية.
بعد مرور عام على الحرب نفتح مشهد الوطن الجميل وهو يكلّل رأسه بالغار على هاني علوية (أبو علي) وعلى خالد بزي (الحاج قاسم) وهما يرفعان علم لبنان على قمة مارون الرأس وأعلاماً خضراء وصفراء على تلال شلعبون ومسعود وفريز والطيبة، وهما يعقدان مؤتمراً لتجديد الالتزام بالوطن في وادي الحجير، ويستعيدان الصورة البهية للشهيد الدكتور مصطفى شمران وهو يحمل كلام سر الإمام الصدر: «كونوا فدائيين إذا التقيتم العدو الإسرائيلي، قاتلوه بأسنانكم وأظافركم وسلاحكم مهما كان وضيعاً».
الآن وبعد مرور عام على الحرب صرنا أكثر معرفة أن حدود الوطن هي حدود الشهداء، وحدود المقاومة التي لن يتمكّن أحد من أن يستدرج مشروعها ليحوّل سلاحها إلى غاية بدل أن يكون وسيلة وأن يصمها بالإرهاب.
الآن وبعد مرور عام على بداية تلك الحرب نؤكد أن حدود الوطن هي حدود جيشنا الذي لن يكون حارس حدود للأعداء بل سيكون عيناً حارسة وملاكاً للبنان.
والآن وبعد مرور عام على بداية تلك الحرب نؤكد على تنفيذ لبنان التزاماته تجاه القرار الدولي 1701 الذي أصبح مقبولاً لبنانياً بفعل مقاومتنا السياسية، بل يتيح لقوات «اليونيفيل» تمكين الجيش اللبناني من بسط سلطة الدولة حتى حدودها السيادية.
وما نعرفه بعد عام على تلك الحرب، أن حدود المجتمع لا يمكن أن تستقيم بغير المشاركة الكاملة للجميع في كل ما يصنع حياة المجتمع والدولة، وأن المشاركة وحدها هي التي تحفظ لبنان كضرورة لبنانية وعربية وإقليمية ودولية، وكأنموذج لتعايش الأديان والمذاهب وحوار الحضارات.
الآن بعد مرور عام ثقيل الخطى على تلك الحرب ماذا بعد؟
من جهتي أجدّد دعوتي لاستنفار عناصر الوحدة الوطنية، موجهاً عناية الجميع إلى أن إسرائيل تبيّت لعدوان جديد بل لحريق إقليمي جديد، وهذه المرة أيضاً لن يطابق حساب حقلها حساب بيدرها وستصاب بفشل استراتيجي جديد.
لعلنا نصدق ولعلنا نؤمن.
تعليقات: