الزنجبيل من أنواع التوابل والنباتات الغنية بالنكهة والفائدة
سيطر العرب على تجارته قديما.. ويعتبر من التوابل الغنية بالنكهة والفائدة..
لندن:
الزنجبيل من أنواع التوابل والنباتات التي أغرمت بها شعوب العالم منذ قديم الزمان وأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتها اليومية من ناحية المآكل والمشارب والأدوية. ولا يزال يعتبر، خصوصا في الدول الآسيوية، من أهم التوابل التي لا يستغنى عنها لتحضير خيرة الأطباق وخصوصا الكاري الهندي الحار. لكن كما يبدو من استخداماته، فإنه من أهم التوابل والنباتات على صعيد الاستخدام الطبي، ولذا تنتشر زراعته في كل مكان هذه الأيام. وتشير المصادر المتوفرة من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) والصادرة قبل عامين، إلى أن الهند أطاحت بالصين من على رأس لائحة المنتجين للزنجبيل في العالم قبل سنوات وحلت محلها، ويصل الإنتاج الهندي سنويا إلى أكثر من 420 ألف طن متري أما الصين فلم يتعد الرقم فيها عام 2008 الـ285 ألف طن متري تأتي بعدها إندونيسيا بما لا يقل عن 177 ألف طن متري ثم نيبال 158 ألف طن. وفي المرتبة الخامسة تأتي نيجيريا بـ138 ألف طن وفي السادسة بنغلاديش بـ57 ألف طن، وفي السابعة اليابان بـ42 ألف طن متري ثم تايلاند بـ34 ألف طن والفلبين بـ28 ألف طن متري وأخيرا وفي المرتبة العاشرة سريلانكا بكمية ضئيلة لا تتعدى 8 آلاف طن متري، أي ما مجموعه في النهاية عالميا نحو 1.387.445 مليون طن متري. وعلى هذا الأساس تكون حصة الهند من الإنتاج العالمي نحو 30 في المائة والصين أكثر بقليل من 20 في المائة وحصة إندونيسيا 12.7 في المائة ونيبال نسبة قريبة تصل إلى 11.5 في المائة ونيجيريا (في القارة السمراء) 10 في المائة. ومع هذا فإن هناك الكثير من الدول التي تنتجه وتجففه وتطحنه وتستغله بشكل كبير مثل دول الكاريبي المعروفة ببعض الأنواع الممتازة منه وخصوصا في جامايكا والمكسيك أيضا في أميركا اللاتينية شمالا. كما يعرف وينتشر في الفلبين وباكستان ولبنان وفلسطين وسورية وتركيا وإيران وبريطانيا.
مهما يكن فإن الزنجبيل، من نوع «زنجبار أوفيشينالي» (Zingiber officinale) وهو اسمه العلمي أيضا. وهذا النوع من جنس «زنجبار» (Zingiber) والفصيلة الزنجبيلية التي تعود إلى مملكة النبات. وقد بدأت مناطق جنوب شرقي آسيا والهند والصين خصوصا باستغلاله على نطاق واسع منذ أكثر من 5000 سنة، وقد نقله الرحالة ماركو بولو معه إلى أوروبا قديما، وسيطر العرب على تجارته لاحقا ولفترة طويلة. وقد اختفى من أوروبا بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية.
يعود اسم الزنجبيل الإنجليزي «جينجر» (ginger) إلى الاسم الفرنسي الاصل «جينجمبر» (gingembre) المتدرج من اللاتينية القديمة «جينجينر» (ginginer) الذي يعود بدوره أيضا إلى اليونانية القديمة وكلمة «زينجبيريس». وكان الاسم الإنجليزي المنقول عن اللاتينية أولا هو «جينجيفيري» (gingifere)، ولكن الاسم بشكل عام ربما جاء من اللغة «البالية» الهندية الآرية التي استخدمها الرهبان البوذيون قديما ومن كلمة «سينجيفيرا» التي يعتبر أصلها تاميليا من كلمة «انجيفير» (inji ver) التي تعني «جذر انجي». وكل هذا كما يبدو يعود إلى اللغة السنسكريتية وتعبير «سرنغافيرام» (srngaveram) الذي يعني «جسد القرن». ويطلق على الزنجبيل الكثير من الأسماء حول العالم، وخصوصا في آسيا وعلى الرغم من تعددها فإن بعضها مربوط ببعضها الآخر كما هو الحال مع أهل الصومال الذين يستبدلون بحرف الزاي في الاسم عربي حرف السين فيصبح «سنجبيل » (Sinjibil). ويطلق عليه في إيران «ادرك» الذي يبدو أنه على علاقة باسمه في اللغات الهندية والأوردية والبانجابية «ادرك» (Aadrak) وفي لغة ولاية بيهار أو الهند الشرقية الشمالية (الفوجبوري) اسمه «آدي» (Aadi)، وفي البنغالية «آدا» (Aada) وفي الغوجوراتية «آدو» (Adu) وفي لغة «الكنادا» في ولاية كارناتاكا الهندية «هاشي شونتي» (Hashi Shunti) وفي لغة ولاية اندرا براديش (تيلوغو) «الآم» (Allam) والأهم من هذا التاميلية التي تطلق عليه «إنجي» (Inji).
وعلى صعيد الاستخدامات المطبخية، فإن الزنجبيل وبالتحديد جذوره الصغيرة المعروفة بـ«الريزوم» (rhizome) (يونانية الأصل) وهو الجزء الذي يستخدم بشكل عام من النبتة، مخللا، أو مكبوسا كما يقال في بلاد المشرق بالماء والملح أو بالخل أو بكحول الشيري أو نبيذ الشيري الذي يستخدم العنب الأبيض في إسبانيا. كما يأكل منفردا، ويدخل في الكثير من وصفات الأطباق والمآكل الآسيوية والكاريبية والعالمية حاليا. والكثير من شعوب العالم تستخدمه لصناعة الشاي أو كوب الشاي بعد غليه لفوائده الجمة ولصناعة وتحضير القهوة (يخلطون مطحون الزنجبيل مع خليط القهوة المطحونة والهيل وغيرها أحيانا) في عدد من البلدان الآسيوية والعربية. ويطلق على النوع الجاف الذي يستخدم لهذا الغرض ولغايات طبية في الهند اسم «سوكو» (sukku). وفي بعض البلدان يضيفون إليه الشاي والحليب وسكر التمر، وأحيانا يضيفون توابل أخرى مثل الكركم في اندونيسيا مثلا، حيث ينتج شراب وطني معروف مفيد لعلاج الروماتيزم وداء المفاصل وتخفيف آلامهما يطلق عليه اسم «ويدانغ جاهي» (Wedang Jahe). وأحيانا أيضا يضيفون إلى هذا الشاي المكثف والغني بعض الفاكهة وعادة ما تلجأ الناس في هذا المضمار إلى اللايم أو الحامض أو البرتقال وعدد من أنواع الحمضيات وبالتحديد مع شراب الشاي الشتوي.
وعوضا عن استخدامه الطبيعي والعادي بعد تقشير الجذور كما هو، تستخدم الكثير من البلدان الآسيوية وعلى رأسها الصين والهند عصير الزنجبيل، قبل جفاف الجذور أو بكلام آخر قبل أن يصبح عتيقا وقديما - لتطعيم الأطباق وتتبيلها وتطعيمها - وخصوصا الأطباق التي تحتوي على اللحم أو الحيوانات البحرية، إضافة إلى الأطباق النباتية وهي كثيرة في المطبخ الهندي والتي يساهم الزنجبيل عادة في قتل البكتيريا الضارة فيها وحفظها بالتالي إلى وقت أطول.
ومن المعروف أيضا أن الزنجبيل أو جذور الزنجبيل الطازجة التي يتم تقشيرها عادة قبل استخدامها، أقوى بست مرات من الزنجبيل المطحون، ولذا يصنع منه الكثير من المنتجات في بريطانيا والعالم مثل مشروبات الجعة والنبيذ وأنواع الكعك والبوظة والحلوى وفي صناعة الخبز أيضا والشرائح المقلية والبسكويت. ويصنع منه الفرنسيون في جارناك في الجنوب الغربي نوعا من أنواع الكحول يطلق عليه اسم «كانتون» (Canton). وفي كريت في اليونان وكباقي الدول الأوروبية وبريطانيا، يصنعون منه شراب الجعة الذي يطلقون عليه اسم «تسيتسيمبيرا». وقد ورثوه عن البريطانيين الذين احتلوا مجموعة الجزر الايونية في القرن التاسع عشر.
وتقول «الموسوعة الحرة» في هذا الإطار وعلى صعيد الاستخدامات، إن الزنجبيل يستخدم أيضا لصناعة الحلوى والسحلب وشتى أنواع المربى، ويستخدم كثيرا مع البقولات كالعدس والفول والبازلاء وغيره وتحضير معظم أنواع الكاري الهندي الحار. والأمر ينطبق على المطحون منه والذي يأتي في صلب خلطة السكر والمكسرات والسمن الهندي (غي) وخليط العلكة أو الصمغ لتغذية النساء أثناء فترة الحمل. ومن الدول التي تستخدمه كحلوى وكسكاكر بالطبع الهند وفي الجنوب بشكل خاص. ويطلقون عليه اسمه التاميلي مخلوطا مع اسم آخر وهو «انجي - موارابا» (Inji - murappa). وتباع هذه السكاكر والحلوى في معظم المناطق والأسواق الشعبية والمحلات ومحطات القطار وغيرها من معالم المدن التجارية. ومن المناطق التي تخلله بعصير الحامض والخل والملح والفلفل الأخضر الطازج، منطقة براديش في تاميل نادو في أقصى الجنوب. ويستخدمون هذا الزنجبيل للتخليل وللكبس بسبب طراوته وطعمه القريب إلى المانغو ولذا يطلقون عليه أيضا اسم «زنجبيل المانغو». وأحيانا يتم إدخال هذا المخلل في وصفات الطعام كما هو الحال مع الحامض الصغير في المغرب والطاجين المغربي. على أي حال، فإن البنغاليين الذين يسمونه «آذا» من «آدا» الهندية، يلجأون إلى فرمه ناعما لتحضير عجينة خاصة مع البصل والثوم لأطباق اللحم والدجاج. ويعتبر في بورما من التوابل الرئيسية والهامة التي لا يمكن الاستغناء عنها، حيث يكثر استخدامه في الطعام والطب الشعبي. ويطلق أهل بورما على الزنجبيل اسم «جيين» (gyin) ويعرف بسلطة خاصة من المخلل منه بالزيت مع المكسرات والحبوب.
وفي نيبال كمعظم دول القارة الصفراء، يستخدم لصناعة الشاي وتطعيمه وتطعيم الخضراوات واللحوم وفي الطب الشعبي ويعرف بـ«أدوا» (Aduwa) وهو نوع محلي ممتاز ومعروف جدا في آسيا.
لكن فيتنام تستخدم أوراقه أيضا لتحضير حساء القريدس بعد قطفها طازجة وتقطيعها. وفي الصين يستخدم في كل المجالات، أي الحلوى والسكاكر واللحوم والخضراوات والشاي وغيره من شتى الاستخدامات الكثيرة أقله في الطب الشعبي. أما في اليابان فيستخدمون الطازج منه مبشورا فوق أطباق التايفو وأطباق الشعيرية المعروفة بـ«نودل»، أما المخلل فيستخدمونه لتحضير طبق الـ«بيني شوغا» في أطباق الـ«غاري» التي يتم تناولها عادة بعد الـ«سوشي». كما يصنعون منه بالتأكيد حلوى «شوغا». وفي كوريا ولا عجب أن يستخدم الزنجبيل في وصفة تحضير طبق الكمشي المعروف.
ولا ننسى بالطبع دول الكاريبي التي تحبه كثيرا، يصنعون منه شراب الـ«سوريل» وأشربة أخرى بخاصة في الأعياد الدينية والشعبية. وبالإضافة إلى كعك الزنجبيل يستخدمون كالهنود في تحضير أفضل الأطباق الكاريبية العادية والبحرية.
مهما يكن فإن استخدامات الزنجبيل كما رأينا لا تحصى ولا تعد على صعيد المآكل والمشارب، والحال كذلك وأكثر في عالم الدواء والعلاج. وقد جاء ذكر الزنجبيل في معظم كتب التوابل التقليدية والتراثية والطبية، وذكره الكثير من المؤلفين وعلى رأسهم ابن سينا والإنطاكي، وابن القيم في «الطب النبوي» حيث يقول: «الزنجبيل معين على الهضم، ملين للبطن تليينا معتدلا، نافع من سدد الكبد العارضة عن البرد والرطوبة، ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة كحلا واكتحالا، معين على الجماع، وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة وهو بالجملة صالح للكبد والمعدة». وبشكل عام تشير المعلومات المتوفرة إلى أن الزنجبيل مفيد في علاج الدوخة وبحة الصوت وتطهير الحنجرة وتحسين الصوت والصداع والتوتر العصبي وللقضاء على الأرق والتبلد الذهني. كما أن الزنجبيل يساهم في إنعاش الجسم وتجنب الخمول وتطهير المعدة وتقويتها ومخلص من الإمساك. أضف إلى ذلك علاج الكبد والكلى والزكام والربو وتصلب المفاصل وتحسين القدرة الجنسية عند الأفراد.
تعليقات: