القرار الاتهامي الأول في الاغتيالات: القاعدة فجّر موكب شحادة

عبوتان وضعتا إلى جانب طريق صيدا بيروت واستهدفتا سيارتي موكب شحادة (الفرنسية)
عبوتان وضعتا إلى جانب طريق صيدا بيروت واستهدفتا سيارتي موكب شحادة (الفرنسية)


القضاء اللبناني: القاعدة متورّط في الاغتيالات..

للمرة الأولى منذ بدء موجة الاغتيالات ومحاولات الاغتيال في لبنان عام 2004، صدر عن القضاء اللبناني قرار اتهامي، محدداً أشخاصاً معروفين بانتمائهم إلى تنظيم القاعدة ومتفرّعاته مثل فتح الإسلام، كمتهمين في واحدة من هذه الجرائم التي استهدفت شخصيات سياسية وإعلامية وأمنية.

فقد أصدر قاضي التحقيق العسكري فادي صوان أمس قراراً اتهم فيه ناشطين أصوليين بالضلوع في محاولة اغتيال الرئيس السابق لفرع المعلومات العقيد سمير شحادة، التي وقعت في منطقة الرميلة يوم 5 أيلول 2006. قرار صوان الذي لم تُنشر تفاصيله أمس وجّه اتهاماً لثلاثة من الناشطين المعروفين في مخيم عين الحلوة، على رأسهم الشيخ أسامة الشهابي، وهو من مشاهير أصوليي لبنان في الأوساط الأمنية اللبنانية والعربية والدولية. إذ قلما تجد ملفاً مرتبطاً بمجموعة فتح الإسلام في مخيم عين الحلوة من دون أن تكون له صلة به. من متفجرة طرابلس إلى متفجرة البحصاص (2008)، وقبلها التفجيرات التي استهدفت دوريات من الكتائب الإسبانية والتانزانية والإيرلندية في اليونيفيل (2007).

وفيما يُشار إلى أنه بات الرجل الثاني في فتح الإسلام منذ اختفاء شاكر العبسي، فإن الأوساط الأمنية المعنية بملفات الأصوليين تتهم الشهابي بأنه أحد أبرز الناشطين في تنظيم القاعدة، وبالتحديد ضمن المجموعة التي يرأسها أبو محمد توفيق طه. وتلفت هذه الأوساط إلى أن الشيخ أسامة هو أحد أبرز من أسهم في تجنيد «الجيل الثاني» من المجموعات التي عملت لحساب فتح الإسلام أو القاعدة، والتي ارتكزت في معظمها على استقطاب شبان تقل أعمارهم عن عشرين عاماً.

ومع الشهابي، اتهم القاضي صوان كلاً من فادي زيدان وعبد الناصر الدوالي، الشابين غير المحددَي الانتماء، علماً بأن كتب المعلومات التي ترد إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية تضعهما في صفوف بقايا تنظيم جند الشام.

أهمية قرار القاضي صوان تكمن في أنه الأول الذي يحدد جهة ما، أو على الأقل أشخاصاً معروفين، طالباً محاكمتهم بتهمة تنفيذ محاولة اغتيال وقعت خلال السنوات الخمس الماضية، علماً بأن كل الجرائم التي نفذت منذ محاولة اغتيال النائب مروان حمادة لا تزال مسجلة بحق مجهول، ما ترك الباب مفتوحاً أمام «اتهام سياسي» لم تطلق سهامه إلا باتجاه الاستخبارات السورية. وفي أكثر من مناسبة، أعلن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي أن الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي تعرض لها ضباط من المديرية مرتبطة بتحقيقها خروقاً في التحقيقات بالجرائم الكبرى. ووضع ريفي في هذا السياق محاولةَ الاغتيال التي نجا منها النقيب وسام عيد في شباط 2006، ثم محاولة اغتيال شحادة في أيلول من العام ذاته، قبل اغتيال عيد في كانون الثاني 2008. وبالتأكيد، كان ريفي يبني استنتاجه على مسار تحقيقي محدد يعرفه هو، لا يُعلَم ما إذا كانت مجموعات القاعدة أو فتح الإسلام مرتبطة به.

يُشار إلى أن العقيد سمير شحادة كان يرأس، عندما تعرّض لمحاولة اغتيال، مكتب الأمن القومي في فرع المعلومات (سلّم رئاسة الفرع بداية عام 2006 للعقيد وسام الحسن)، وكان يعد نائباً لرئيس الفرع، من دون أن يكون هذا المنصب موجوداً في هيكلية الجهاز الأمني المذكور. وقاد شحادة خلال عام 2005 التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات، بإشراف العقيد وسام الحسن، في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم التي يصفها الأمنيون اللبنانيون بـ«الكبرى»، مواكباً عمل لجنة التحقيق الدولية. وأدت محاولة اغتياله إلى استشهاد أربعة أفراد من فرع المعلومات كانوا يرافقونه أثناء انتقاله من بلدته في إقليم الخروب إلى مركز عمله في بيروت. وبحسب التحقيقات الأولية التي أجريت حينذاك، لم تظهر بيانات الاتصالات أن من نفذوا الجريمة استخدموا هواتف خلوية في تحركاتهم. وقد زرع هؤلاء عبوة ناسفة موجهة (عبوة تلفزيونية) على منحدر صخري قرب الطريق العام. وقد استخدم زارعو العبوة حبالاً مربوطة بشجرة في أعلى المنحدر، من أجل التدلي وزرع العبوة في مكان «قاتل». وكانت العبوة تحوي كرات حديدية أدت إلى وقوع إصابات عديدة (أصيب شحادة بجرح في رقبته نتيجة واحدة من هذه الكرات). ونجا الضابط المستهدف لأنه لم يصعد يوم الجريمة في السيارة التي اعتاد أن يستقلها (سوداء اللون)، بل استقل، بمحض الصدفة، السيارة الثانية (بيضاء اللون)، وقد استهدف الانفجار السيارة الأولى. حينذاك، أوقفت القوى الأمنية شاباً سوري الجنسية كان يعمل في أحد البساتين الملاصقة لمكان الانفجار، وأبقي قيد التوقيف لأشهر عدّة، علماً بأن التحقيق معه أثبت أنه بريء من أي صلة بالتفجير. وقد ضُم ملف الجريمة إلى القضايا التي قدمت لجنة التحقيق الدولية مساعدة للسلطات اللبناني خلال التحقيق فيها. ومذ ذاك غادر شحادة لبنان مع أسرته للعيش في كندا.

وفي قراره، طلب القاضي صوان أمس محاكمة المتهمين الثلاثة بناءً على مواد تصل عقوبتها القصوى إلى الإعدام.

وفي سياق موازٍ، أعاد القضاء اللبناني أمس توجيه إشارات إلى تورط مجموعات من فتح الإسلام وتنظيم القاعدة في اغتيال اللواء فرنسوا الحاج (كانون الأول 2007). فقد أصدر قاضي التحقيق العدلي الرئيس نبيل صاري قراراً اتهم فيه 29 موقوفاً ومتوارياً عن الأنظار بتنفيذ جريمة البحصاص يوم 29 أيلول 2008، التي استشهد بنتيجتها 4 عسكريين من الجيش اللبناني ومدنيان. وبين المتهمين، أسامة الشهابي وأمير فتح الإسلام عبد الرحمن عوض، إضافة إلى عبد الغني جوهر، المتهم بتنفيذ عملية تفجير في شارع المصارف (آب 2008) وأخرى داخل مركز استخبارات الجيش في العبدة (أيار 2008)، وعدد آخر من الجرائم. وأعاد القرار ذكر بعض ما أورده القاضي سعيد ميرزا في مطالعته في نيسان 2010، لناحية ما تضمنته إفادات عدد من موقوفي فتح الإسلام بشأن دور المجموعات التابعة لشاكر العبسي وعبد الرحمن عوض في تنفيذ اغتيال كل من اللواء فرنسوا الحاج والنقيب وسام عيد. أضف إلى ذلك أن إفادات موقوفين من فتح الإسلام لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية ذكرت أن مجموعة عبد الغني جوهر مسؤولة عن تنفيذ عملية اغتيال النائب وليد عيدو (راجع عدد «الأخبار» يوم 4 كانون الأول 2009).

تعليقات: