12 تموز.. تاريخ أتمنى أن لا يعود

فشل الإسرائيلي في تحقيق أهدافه، ولم تقضِ الحربُ على المقاومة بل زادتها قوةً
فشل الإسرائيلي في تحقيق أهدافه، ولم تقضِ الحربُ على المقاومة بل زادتها قوةً


أتمنى ألا يعود 12 تموز..

لو كان مناسباً أن يُمحى من روزنامة ِأيامي لمحيته.

12 تموز أصبح تاريخاً مشوؤماً، فقد حوّل الفرحة والبسمة على وجوه جميع الناس إلى حزن ٍوكآبة.

صباح 12 تموز ولحظةِ ما سمعنا عن عمليةِ الخطف التي تمت في خراج بلدة مارون الرأس، البلدة الجنوبية الصامدة، غمرتنا الفرحة وصرّنا نتبادل التهاني بهذا النجاح الذي طالما إنتظرناهُ، كما كنا عند كل ِعملية ناجحة للمقاومة، والتي تنزلُ خسائر فادحة بالعدو.

كان للخبرِ وقعٌ حسن عند عامةِ الناس، والفرحة ٌوالإبتهاج الذي عمّ الشوارع، لم يدم سوى ساعات حتى تحوّل المشهد إلى قلق ٍوخوف وخاصة عند سكان المناطق الحدودية، عندما بدأ القصف، وكانت معظم العائلات قد أتت للإصطياف من مختلف أصقاع العالم، ولرؤية الأهل والأقارب والتمتع بطقس صيف جميل.

لم تكتمل الفرحة وإبتدأت المعاناة.

إنها الحرب، حربٌ غيرَ كلِ الحروب. فالمجازر والدمار فاق كلَ تصور وخاصة في نهايتها حين سقطت عشرات ِالقنابل الذكية على البنايات ِفكانت تسويها بالأرض. إنها الجريمة البشعة بأعلى مقاييسها، قد حصدت المواطنون الأبرياء، ذنبهم أنهم دعموا المقاومة، وقضت الحربُ على بيوتهم وأملاكهم وعلى مصادر رزقهم، وهل هذهِ البيوت ُقواعد عسكرية! أم أنهُ قصاصٌ على مواقفهم؟

في الماضي كنتُ كلما أشاهد العدو على شاشة التلفزيون يهدم البيوت فوق أصحابها، كان يعتريني غضب داخلي لا يوصف، فكيف إذا كانت البيوت بيوت أقاربي وأصحابي وجيراني!

كان من الصِدف أن يسلم بيتي، ورحمةً من اللهِ أن معظم البيوت كانت خالية من أصحابها وإلا كانت الضحايا بعشرات ِالألاف. لا أريدُ أن أتذكر أيةُ مشاعر عشناها، أي غضب اجتاحنا. بأي حق تدمر ُدولةً رداً على عملية خطف جنديين، فهذا حقهم، لهم أسرى عند هذا العدو، فقد دمرت البنية التحتية والجسور والمعامل والمصانع وإستباحت أرضه وسماءه من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال والبحر والجبل وكُل منطقة فيه، المناطق الداعمة للمقاومة.

دمار، دمار، دمارٌ، أينما ذهبت، في الضاحية، في معظم قرى الجنوب، في بنت جبيل، في مارون الرأس، في الخيام.. فقد كانت قلاع صمود وستبقى إن فكر العدو أن يعيد 12 تموز آخر، فستكون أرض الجنوب مقبرته .

إن لهذا التاريخ وجه آخر غير الألم والحزن، قلب المقاييس وغيّر التاريخ. فعند نهاية الحرب في 12 آب ثبُتَ فشل الإسرائيلي في تحقيق أهدافه، ولم تقضِ الحربُ على المقاومة بل زادتها قوةً، ولا استطاعت الوصول إلى مياه ِالليطاني، ولا استطاع أن يقف قائد الحرب عندهم وأن يعلن من بنت جبيل أن إسرائيل أقوى من الفولاذ وليس أوهن من بيت العنكبوت، كما أعلن السيّد من المكان نفسه. ولا استطاعت أن تقتلع حب المقاومة وسيدها من قلوب اللبنانيين، بل زادت شعبيته لتطال كل الأمة، فكانت طلعاته التلفزيونية خلال الحرب بمثابة الأوكسيجين للشعب والمقاومة والمقاومين فكانت تعطيهم الحماس والدفع للصمود .

12 تموز مضى، ولن يعود، وعلينا أن ننساه، ننسى الحزن والكآبة ونستبدل هذه المشاعر بمشاعر رضى وإطمئنان. طالما هناك مقاومة، وعلينا أن نحميها ونكون سداً منيعاً بوجه العدو، وطالما هناك سيدٌ يذود عنها ومن أسمى صفاته بأنه إذا وعد صدق، وقد وعد بإعمار ما تهدم وبأنها ستعود أجمل مما كانت، وبمساعدة كل الأشراف، عادت أجمل مما كانت، الضاحية والخيام وكل القرى .

وأخيراً، سنحاول النسيان، فلا حرية ولا سيادة بدون ثمن، وكان الثمن غالياً جداً لكن التاريخ يتكلم أن الأوطان أثمانها غالية.

تعليقات: