إستقالة العميد وفيق شقير من رئاسة أمن المطار تشير إلى احتجاجه على أوضاع المطار
كاميرات المطار في غير مكانها وأبراجه فارغة..
ألقت حادثة وصول الشاب فراس حيدر، على نحو غامض، إلى طائرة سعودية تمكّن من دخول حجرة الإطارات فيها، الضوء على أمن المطار. وإذ استقال قائد جهاز الأمن، فإن ذلك لا يعني أن المسألة قد حُلّت، ولا سيما أن الجهات المعنيّة بـ«أمن» المطار أكثر من الوزارات الأربع والإدارات الخمس المعنيّة
استقال قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير. وبكلمات أدق، طلب إعفاءه من مسؤوليته في الجهاز. أما الأسباب، فتبدأ من استعداده لتحمّل المسؤولية المعنوية عن التقصير الذي أدى إلى دخول الشاب فراس حيدر فجر السبت الفائت إلى حرم المطار ووصوله إلى طائرة سعودية تمكن من دخول حجرة الإطارات فيها، قبل أن يصل جثة أو أشلاء جثة إلى الرياض.
قرر شقير تحمل المسؤولية، فوضع في عهدة وزير الداخلية زياد بارود تقريراً مفصّلاً عن التحقيقات الأولية التي أجراها جهاز أمن المطار في الحادثة، طالباً في نهاية التقرير إعفاءه من خدماته.
بارود لم يقبل، حتى مساء أمس، الموافقة على طلب التنحية، بل إنه منح شقير مأذونية من عمله. فوزير الداخلية يرى في شقير واحداً من أفضل الضباط الذين تعامل معهم منذ وصوله إلى وزارة الداخلية. أضف إلى ذلك أن الرجل، بحسب مقربين من الوزير، أدى عمله طوال السنوات الماضية وتمكّن من الحفاظ على أمن المطار، رغم كل ما جرى في البلاد. وبحسب بعض من التقاهم شقير خلال اليومين الماضيين، فإن رئيس جهاز أمن المطار يعلن في طلب إعفائه من خدماته احتجاجه على الأوضاع في مطار رفيق الحريري الدولي، حيث تغيب المرجعية الواضحة في المجالات كلها. في البداية، يقول أحد من التقاهم شقير، إنّ جهاز أمن المطار يضم ضباطاً لا يُستشار رئيس الجهاز قبل نقلهم إليه. فهم من عديد ضباط الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام. وتنقلهم قياداتهم إلى المطار من دون أي تنسيق مع شقير. إضافة إلى ذلك، ثمة أربع وزارات على الأقل تتدخل في المطار. وزارة الداخلية التي يتبع لها جهاز أمن المطار، وزارة الدفاع التي تتبع لها كتيبة المدافعة في الجيش التي تؤلف جزءاً من جهاز الأمن، وزارة الأشغال العامة والنقل ووزارة المال التي تتبع لها الجمارك. وفي الفترة الماضية، دخل وزير السياحة على الخط من باب الشرطة السياحية ومسؤولية جهاز الأمن عن سيارات الأجرة التي تعمل في المطار.
هذا في الوزارات. أما في الإدارات العامة، فثمة خمس على الأقل: من المديرية العامة للنقل، إلى مديرية الطيران المدني، فالجمارك والأمن العام والأمن الداخلي. كل ذلك والعديد الممنوح لجهاز الأمن لا يكفي لسد الحاجات الأمنية.
وفي مطار رفيق الحريري الدولي، ثمة من يفصّل المسؤوليات عن الحادثة. يقول بعض العاملين في المطار إن السياج الأمني، رغم وجود بنية تحتية لتركيب كاميرات مراقبة فيه، إلا أن الكاميرات لم تزرع في مكانها. أما أبراج المراقبة التي ينبغي أن تكون في عهدة جهاز الأمن، فإن عدداً كبيراً منها يبقى معظم الأحيان فارغاً من رجال الأمن والعسكر، رغم وجود تمديدات كهربائية وهواتف ثابتة وإنارة داخل الأبراج.
في المبدأ، يقول عدد من العاملين في المطار إن ثمة تقصيراً كبيراً في جهاز أمن المطار، مكّن الشاب من تخطي السياج والوصول إلى الطائرة. لكن ثمة مسؤولية أخرى تقع على اثنتين من الشركات التابعة لطيران الشرق الأوسط. فشركة الشرق الأوسط للمناولة الأرضية (ميغ) تتولى دفع الطائرات إلى بداية المدرج، قبل أن تتولى شركة الصيانة (ماسكو) إجراء كشف نهائي على الطائرة، ثم إبلاغ القبطان بأن بإمكانه الإقلاع. وخلال عمل طاقمي الشركتين، يكون أحد أفراد جهاز أمن المطار برفقتهما.
ولتحديد المسؤوليات، ينبغي انتظار نتائج التحقيق القضائي الجاري حالياً. العميد شقير أقرّ بمسؤولية معنوية، إلا أن وزير الداخلية لن يقبل طلبه إلى حين انتهاء التحقيق. فمن يدري، قد «أكون أنا مسؤولاً أيضاً»، يقول زياد بارود في أحد مجالسه الخاصة. ويُنقل عن وزير الداخلية قوله إنه يرى شهامة في تصرف شقير الذي قرر تحمّل مسؤولية معنوية، رغم أن التحقيق القضائي الذي تجريه النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان لم يصل إلى خواتيمه بعد. ويرى بارود أن في قبوله طلب إعفاء شقير استباقاً لنتائج التحقيق، علماً بأن عدداً من عارفي شقير يؤكدون أن إقدامه على طلب الإعفاء من المسؤولية ليس من باب المناورة أبداً، وخاصة أنه لم يعد قادراً حتى على سماع كلمة «مطار»، وهو الذي لم ينل إجازة من عمله منذ سنوات. وقد أجرى وزير الداخلية مشاورات مع رئيسي الجمهورية والحكومة، لاستمزاج رأيهما في استقالة شقير، ومن المنتظر أن يبحث مجلس الأمن المركزي في اجتماعه العادي اليوم قضية الأمن في مطار رفيق الحريري الدولي.
يرى بارود في قبوله طلب إعفاء شقير استباقاً لنتائج التحقيق
وفي حال الموافقة على طلب تنحية شقير، ثمة أكثر من مرشح لخلافته، أبرزهم العقيد علي مهنا (من الجيش)، الذي كان يرأس سابقاً كتيبة الجيش في جهاز أمن مجلس النواب.
وكانت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة قد أقالت العميد وفيق شقير من رئاسة جهاز أمن المطار يوم 5 أيار 2008، في اليوم الذي أصدرت فيه قراراً بتكليف الجيش نزع شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة، وأدى القراران المذكوران إلى اندلاع أحداث ما بات يعرف بمعارك 7 أيار، قبل تراجع الحكومة ذاتها عن القرارين، وتوقيع اتفاق الدوحة.
وخلال اليومين الماضيين، صدرت ردود فعل عدة منتقدة تقصير «جهاز أمن المطار» الذي أدى إلى وقوع الحادث. واللافت أن معظم الذين أنحَوا باللائمة على جهاز الأمن هم من قوى 14 آذار. أما المكتب السياسي لحزب الكتائب، فاكتفى بالتوقف «أمام الحادث الخطير الذي شهده مدرج مطار بيروت الدولي نهاية الأسبوع الماضي، والذي أظهر أن أمن المطار وسلامة الطيران المدني مكشوفان». وطالب المكتب السياسي الكتائبي «الأجهزة الأمنية بالتعاطي مع الموضوع بجدية بالغة وإطلاع الرأي العام بشفافية كاملة على نتائج التحقيقات التي تجري واتخاذ إجراءات واضحة ومشددة تحول دون تكرار حوادث من هذا النوع».
تعليقات: