التحقيق بحادث المطار يركّز على ثغرات أفسحت مجال التسلل

فراس حيدر
فراس حيدر


هبوط الطيران المدني اللبناني..

هل حادثة الشاب فراس حيدر وطائرة «ناس» السعوديّة ناتجة من خلل أمني فقط؟ يجيب خبراء بشؤون الطيران المدني جازمين بالنفي. فالفوضى القائمة في مطار بيروت بسبب فقدان الرقابة تسمح بأشكال الخروق كلها، بما في ذلك الفئران داخل الطائرات!

أثبتت التجربة في لبنان أن كلّ شيء خاضع للمحاصصة، حتّى الأمن. ربما كان معظم المواطنين قد اعتادوا هذا الواقع، لكن أن تصل الأمور إلى حدّ محاصصة الأمان، فذلك دليل على خلل يتخطّى المعايير اللبنانيّة. هذا ما يحدث في مطار بيروت (الدولي!).

المسألة، بحسب خبراء وتقنيّين متابعين لشؤون الطيران المدني اللبناني وأوضاع المطار، أبعد من ذلك. فبعدما تخطّى الشاب فراس حيدر الخطوط الأمنية العسكريّة، وصل إلى المساحة الخاصّة بسير الطائرات، «وهذه المساحة يجب أن تكون مراقبة على الدوام» يقول الخبراء، وتُسمّى هذه العمليّة «Ramp Control» وهي أساسيّة.

الواقع أنّ هناك فرضيّتين تتعلّقان بالوقت الذي وصل خلاله الشاب إلى الطائرة وصعد إلى مقصورة الإطارات. فإمّا أن يكون قد حدث ذلك عندما كانت الطائرة متوقّفة، أو بعدما أدارت الطائرة محرّكاتها لتهمّ بالإقلاع.

فإذا كانت الطائرة متوقّفة «كان من المفترض أن ترصده الرقابة المذكورة. وإذا لم تفعل ذلك، فهناك العربة التي تسحب الطائرة إلى الوراء بعدما يصعد المسافرون وتتخذ وضعيّة التقدّم إلى الأمام للانطلاق صوب المدرج».

تُسمّى تلك العربة «Follow Me» (الحقني)، ومنطقياً يجدر بمشغّليها أن يلحظوا أي شيء غريب، أو شخص غريب، قبل سحب الطائرة.

وهناك مسافة قصيرة بين الطائرة ومركز الشحن (شركة «TMA»)، «فهل يُعقل ألّا يكون هذا الشخص قد رُصد من جانب الأشخاص الموجودين في هذه البقعة؟».

وماذا لو كان فراس حيدر قد صعد على الدولاب بعد انطلاق عمل المحرّكات النفاثة؟ «المسألة صعبة جداً نظراً لقوّة الضغط التي تولّدها المحرّكات» يوضح خبراء طيران، ولا ينفون أنّ ذلك ممكن. لكن من المفترض أن تكون الطائرة مراقبة على نحو كامل وكلّي من جانب برج مراقبة الطيران (سلطة مدنيّة) بعدما تتخذ الطائرة وضعيّة التقدّم إلى الأمام باتجاه المدرج. «كيف يمكن أن يكون الشاب قد وصل من دون أن يرصد حركته الأشخاص الموجودون في البرج؟»، وخصوصاً أنّ مسافرين على متن الطائرة السعوديّة قالوا إنّهم رأوا شاباً يحمل حقيبة ويركض مسرعاً نحو أسفل الطائرة.

يسأل متابعون لهذه القضيّة ولقضايا أخرى خاصّة بسلامة الطيران المدني: «غريب جداً أن يكون فراس حيدر قد تخطّى مستويات الأمن والأمان الخمسة المذكورة من دون أن يضبطه أحد».

على هذا الأساس، يطرح هؤلاء سيناريوات مختلفة تفسّر إمكان وصول الشاب إلى الطائرة: «فإمّا أن يكون قد مُنح بطاقة تعريف مزيّفة، أو ربّما غُضّ النظر عن وجوده وتجوّله في تلك المنطقة المحظورة على غير المرخّص لهم والمعنيين».

الحقيقة أنّ معطيات الأمن والأمان المتعلّقين بالطيران المدني اللبناني ليست مطمئِنة، بل هي كارثيّة، لدرجة أنّ توقّع حادثة مثل «تسلّل» فراس حيدر يصبح منطقياً مثلما وقعت حوادث أخرى مخيفة سبقتها.

وفقاً لمصادر متابعة لشؤون الطيران المدني اللبناني، بعد فترة من حادثة تحطّم الطائرة الإثيوبيّة بعيد إقلاعها وقضاء 90 شخصاً كانوا على متنها، أقلعت طائرة من الخطوط الجويّة نفسها من مطار بيروت، وفجأة فُتح بابها الأساسي، ما اضطرّها إلى العودة... وكرّت سبحة تداعيات فقدان الرقابة.

فمنذ فترة، حطّت طائرة تابعة لخطوط طيران الشرق الأوسط في مطار «هيثرو» اللندني محضرة معها 16 فأراً. «هل تتصوّر ماذا يمكن أن تفعل الفئران بنظام الطائرة إذا قضمت الأسلاك الكهربائيّة، وخصوصاً أنّ تلك الطائرة هي من طراز «Airbus»، المشهور باعتماده كلياً، قبل «Boeing»، على التحكّم الكهربائي؟».

وبعد هذه الحادثة، خرجت طائرة من الخطوط الجويّة نفسها جزئياً عن المدرج لعدم قدرة فريقها على السيطرة على نظام المكابح بسبب مشكلة تتعلّق بالصيانة.

ارتفعت نسبة عدم احترام لبنان للرقابة على سلامة الطيران المدني من 26% إلى 95%

أكثر من ذلك، سُجّل أخيراً حادث إقلاع غريب كان من الممكن أن يؤدّي إلى كارثة حقيقيّة في حرم المطار تودي بمئات الأشخاص: بعد إقلاع طائرة تابعة لخطوط «بساط الريح» (Flying Carpet) على المدرج البحري، اكتشف الطيّار ومساعده أن محرّك الطائرة على الجناح الأيمن لا يعمل بسبب مشكلة في ضخ الوقود، فعوضاً عن تشغيل نظام الضخ الخاص بذلك المحرّك، أوقف نظام ضخّ الوقود الخاص بالمحرّك الثاني! وفُقدت السيطرة على الطائرة وأدارها الطيار للعودة بهدف الهبوط على المدرج البحري الثاني. وعندما حطّت، لامست طائرة موجودة على هذا المدرج. ولو كان الاصطدام قوياً، لانفجرت الطائرة المحمّلة نحو 50 طنّاً من الوقود.

«إنّها نتيجة طبيعيّة لتدهور مستوى سلامة الطيران المدني في لبنان بسبب ضعف الرقابة وتحوّل الموضوع إلى ملفّ محاصصة تُمنح فيه أفضليّات لجهة معيّنة» يقول متابعون.

ويشير هؤلاء إلى بيانات «المنظّمة الدوليّة للطيران المدني» (ICAO) التابعة للأمم المتّحدة، التي تفيد بتدهور أداء لبنان من حيث سلامة الطيران المدني بين عامي 2002 و2008. فقد ارتفعت نسبة عدم احترام لبنان لمعيار «الأشخاص التقنيّين المؤهّلين» للرقابة على سلامة الطيران المدني من 26% إلى 95% (المعدّل العالمي 60%)، كذلك فإنّ معدّل عدم تقيّد لبنان بمعايير حلّ مسائل السلامة ارتفع من 10% إلى مستوى مخيف بلغ 60%، فيما المعدّل العالمي 50%!

الأخطر من ذلك هو أنّ أداء «هيئة الطيران المدني» من حيث الهيكليّة ووظائف الرقابة وضمان سلامة الطيران يصل إلى حدّ 70% من عدم التقيّد بالمعايير العالميّة، فيما المعدّل العالمي 40%!

والمعنيّون بسلامة الطيران عالمياً «يُبقون أعينهم مفتوحة بالكامل على الطائرات الآتية من لبنان»، وفقاً للمتابعين. ويُرجّح أن تتُخذ تدابير جديّة «إذا لم يُسرع لبنان ويُصحّح وضعه... وهو مُنح بالفعل مهلة ضمنيّة للقيام بذلك».

ويمكن استشعار التخوّف لدى بلدان العالم، وتحديداً في أوروبا، من خلال حوادث خاصّة بالرقابة والتدقيق سُجّلت أخيراً. فمنذ فترة، أوقف برنامج تقويم السلامة للطائرات الأجنبيّة (SAFA) التابع للمفوّضيّة الأوروبية طائرة خاصّة في خطوط طيران الشرق الأوسط في مطار روما أربع ساعات للتدقيق في سجلاتها ومستوى سلامتها، وبعدها أوقف طائرة تابعة لشركة «بساط الريح» أربعة أيّام للهدف نفسه!

أموال أمن المطار في الحكومة

في مطار رفيق الحريري الدولي، عقد لقاء هو أشبه باجتماع وزاري مصغر. فإلى رئيس الحكومة سعد الحريري، حضر وزراء الأشغال العامة والداخلية والخارجية والصحة والسياحة والمال والبيئة والشباب والرياضة. ومع أصحاب المعالي، ضم الاجتماع كلاً من المديرين العامين للطيران المدني والسياحة ومديراً من رئاسة الجمهورية، إضافة إلى قائد سرية الدرك في المطار وممثل عن مجلس الإنماء والإعمار وأحد مستشاري رئيس الحكومة.

نصف الدولة، او أكثر، في المطار. لكن الاجتماع غير مرتبط بحادثة تسلل الشاب فراس حيدر إلى طائرة سعودية نهاية الأسبوع الفائت. فهو مقرر منذ ما قبل الحادثة، ومخصص من أجل التنسيق بين الإدارات المعنية بهدف مواكبة الموسم السياحي «الذي يؤمل أن يكون واعداً هذا العام».

لكن الحاضر الأكبر في الاجتماع كان أمن مطار رفيق الحريري الدولي، بعد حادثة السبت الفائت التي أعقبتها استقالة العميد وفيق شقير من رئاسة جهاز أمن المطار. ناقش المجتمعون مطالب وزارة الداخلية بتحسين الشروط الأمنية في الميناء الجوي المدني الوحيد في لبنان، وما يترتب عليه من أعباء مالية، فاقترح الرئيس الحريري أن يطرح الأمر في جلسة مجلس الوزراء اليوم، من خارج جدول الأعمال، من اجل بحث تأمين المبالغ اللازمة لسد الثغر الأمنية في المطار.

وبحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، ناقش المجتمعون «دراسة الخطط والمشاريع واقتراحات الإجراءات اللازمة والمتعلقة بحسن سير الأعمال في المطار، من خلال تفعيل عمل الهيئة الناظمة واعتماد معايير المنظمة العالمية الخاصة بأمن الطيران والتدابير المطلوبة لتفعيل إجراءات الأمن وكاميرات المراقبة على طول السور ومناقشة الاقتراحات المطروحة لتوسعة المرافق العامة التابعة له ودراسة موضوع التعديات غير الشرعية التي تعوق حركة الملاحة وبرج المراقبة والمخالفات القريبة من المطار والمخالفة للاتفاقات الجوية».

وتناول الاجتماع «زيادة عديد عناصر قوى الأمن والأمن العام والجمارك المدربة على القيام بالمهمات المطلوبة منها واعتماد تنظيم محدد لسيارات الأجرة التي تتولى نقل السياح والمسافرين من المطار وإليه، إضافة إلى سلسلة من التدابير والإجراءات المتعلقة بسير العمل في جميع أرجاء مطار رفيق الحريري الدولي».

وفي السياق ذاته، ناقش مجلس الأمن المركزي في اجتماعه العادي أمس حادثة المطار، فقرر «رفع توصية الى رئيس مجلس الوزراء بتأليف لجنة لإجراء مسح شامل لكل الإجراءات والتدابير الأمنية المتخذة في المطار لتبيان مكامن الخلل واقتراح الحلول المناسبة في شأنها».

عــلى عينــك يـا تاجــر

يبدو أمن مطار رفيق الحريري الدولي كالغربال. فما من قطاع فيه يخلو من ثغرة يصعب سدها. من السياج إلى المباني، وصولاً إلى أمن الطائرات المغادرة، حيث لا رقيب على الطرود المشحونة

حسن عليق

بإمكان أي مواطن إرهابي أو غاضب، تجهيز عبوة ناسفة تعمل بانخفاض الضغط الجوي، وإيصالها إلى إحدى الطائرات التي تغادر مطار رفيق الحريري الدولي. أما الكلفة، فلا تزيد في بعض الأحيان على خمسة آلاف ليرة لبنانية، رشوة لأحد موظفي الجمارك، ومبلغ إضافي لموظف في شركة ميغ التابعة لطيران الشرق الأوسط. وبين الموظفين، مخلّص بضائع «شاطر». هي معادلة الأعجوبة اللبنانية، شركة طيران الشرق الأوسط والشركات التابعة لها. أعجوبة ترفع الأرز فوق السحاب، وتحقق أرباحاً رغم كل الفساد والهدر المستشريين في مفاصلها، ليتغنى بها الطاقم السياسي ـــــ المالي الحاكم.

جديد ما يظهر من الفساد هو في شركة ميغ (الشرق الأوسط للمناولة الأرضية، Meag) التي يتولى قسم الشحن فيها خدمات التصدير والاستيراد في مطار رفيق الحريري الدولي. ويبدو هذا القسم كبيضة ذهبية في دجاجة «الشرق الأوسط». فرغم كل ما يُروى عن الفساد في الشركات التابعة للميدل إيست، تبقى شركة ميغ الأكثر «إشراقاً» في هذا المجال، إذ إنها أكثر شركات الميدل إيست التي تشهد احتكاكاً بين موظفيها والمواطنين الذين يريدون شحن بضائعهم، ورجال الجمارك ومخلصي البضائع.

يبدأ الفساد من النقطة الأخطر، الأمن. أمن الطائرات والركاب. فالبضائع التي تُشحن من لبنان جواًَ تمر عبر نقطتي تدقيق. واحدة للجمارك، وأخرى لشركة ميغ. في الأولى، تُعد التجهيزات المعدة لتفتيش البضائع المصدرة، وخاصة الـ«سكانر» التي تكشف ما تخبئه الطرود، من الكماليات. فهي تُستخدم حسب مزاج موظف الجمارك، أو حسب الدفع، على حد قول عدد من العاملين في المطار. أما ميزان شركة ميغ الذي يحتسب وزن البضاعة، فحدّث عنه ولا حرج. مخلّص البضائع وموظف الشركة «أصدق إنباءً» من الميزان، بحسب مطّلعين على ما يجري في المطار. و«المعلوم» هو صاحب الكلمة الفصل في تحديد الوزن الدقيق للبضاعة المنوي إخراجها من لبنان جواً. والتلاعب بالميزان يحرم الشركة مدخولاً كبيراً، إذ إن رسوم الشحن مرتبطة بنوع البضاعة ووزنها.

المشكلة إذاً هي ذات طابع أمني مرتبط بالفساد، وخاصة أن البضائع التي قلما يكشف رجال الجمارك وموظفو الشركة على مضمونها، لا تخضع لأي تدقيق بعد وصولها إلى العنبر، ومنه إلى الطائرة.

هذا في مجال التصدير. أما في الاستيراد، فالحالة أسوأ، وإن كان الخطر الأمني أقل حدة مما هو عليه في التصدير.

لا تخضع كل الطرود للكشف عبر آلة السكانر الموجودة في عهدة الجمارك

في الاستيراد، ثمة سبل للفساد يعرفها صغار الشركة كما كبارها. تبدأ من لحظة وصول طائرة إلى مطار رفيق الحريري الدولي. يؤتى بمانيفست الطائرة إلى شركة ميغ، مع «بوليصة» لكل واحدة من البضائع المستوردة. على مخلص البضاعة أن يبرز البوليصة، ليحصل على قسيمة التسليم مقابل رسم قدره 41 ألف ليرة لبنانية. وفي معظم رحلات الطيران، ثمة بضاعة مشحونة غير مطابقة لما هو وارد في المانيفست. أحياناً، يكون عدد الطرود المشحونة أكبر من العدد الوارد في المانيفست، واحياناً أخرى يكون أقل. وفي بعض الحالات، لا تكون البضاعة مسجلة على المانيفست. وهنا تدور ماكينة التزوير التي تستدعي تواطؤاً بين أفراد من الجمارك وآخرين من شركة ميغ وبعض مخلّصي البضائع. وهذا التزوير يؤدي إلى حرمان الشركة والخزينة العامة أموالاً تصل في بعض الحالات إلى عشرات ملايين الليرات اللبنانية في كل حادثة. مسرح التزوير الرئيسي هو البرنامج المعلوماتي الذي يشغله موظفو شركة ميغ لحساب الجمارك، والذي يعرفه الموظفون تحت باسم برنامج «نجم». بواسطة برنامج نجم، تُدخَل بيانات البضائع المستوردة. وبناءً على هذه البيانات، تصدر قسيمة التسليم. ولأن بيانات المانيفست تكون مختلفة عن الواقع، تُدخَل البيانات غير الصحيحة في برنامج «نجم»، بهدف «تهريب» مستورد البضائع من دفع الغرامات وبدلات المحاضر.

فعلى سبيل المثال، إذا استورد أحد التجار 20 طرداً من دبي، وصلت منها إلى مطار بيروت خمسة طرود فقط، يُسجل الموظف على برنامج نجم أن عدد الطرود التي وصلت هو 20 طرداً. وتوضع الطرود الخمسة التي وصلت في العنبر، بانتظار وصول الكمية الإضافية. وعندما تصل الطرود الإضافية، يتسلمها مخلص البضائع كاملة، من دون تحرير محاضر الضبط التي تفرضها الأنظمة المعتمدة. وهذا التزوير في البرنامج يستدعي تزويراً من نوع آخر. فإصدار قسيمة التسليم لا يكون عبر برنامج Echamp المعتمد في الشركة، بل بواسطة برنامج آخر مخصص حصراً لرحلات الميدل إيست الآتية من القاهرة، لأن البرنامج الاخير مبني على نظام EXCEL، وبالتالي، يسهل محو ذاكرته. ولإخفاء عمليات التزوير، تُخفى المستندات الورقية التي تخص هذه المعاملات، كالبوالص ونسخات المانيفست.

يضاف إلى ذلك أن بعض البضائع تصل إلى المطار من دون أن تكون مسجلة في مانيفست الطائرة. وهنا يلجأ الموظف المعني إلى التوزير بطريقة شديدة التقليدية، إذ تضاف البيانات بواسطة الدكتيلو!

ولا يؤدي التزوير إلى حرمان الشركة والخزينة آلاف الليرات، بل يصل الأمر أحياناً إلى عشرات الملايين. فقبل مدة قصيرة، وصلت طائرة من الإمارات من دون إحضار المانيفست. موظف الجمارك تولى مباشرة الاتصال بالشركة طالباً مبلغ 500 دولار أميركي لـ«تسوية» الأمر، ولما رفضت الشركة، حرر محضر ضبط بقيمة 100 مليون ليرة! هذه المرة، رفضت الشركة. لكن غيرها يدفع اتقاءً لشر محضر الضبط.

كل ذلك يجري على عينك يا تاجر، يقول موظف بارز في شركة طيران الشرق الأوسط. فرئيس مجلس إدارة الميدل إيست، محمد الحوت، «لا يهتم بتفاصيل» عمل الشركة التي يتولى إدارتها ريتشارد مجاعص (73 عاماً). والأخير، يتهمه موظفون كثر بإيلاء أهمية فائقة للحسابات السياسية والطائفية في الشركة، ما يؤدي إلى حماية معظم الفاسدين. أما مدير قسم الشحن، سهيل شريتح، فمشغول بمعركته مع المدير التنفيذي للقسم بسام شاهين. وكل منهما يحاول اجتذاب عدد من الموظفين إلى صفه، ما يمنح فاسدين كثراً حصانة تضاف إلى الحصانة المتأتية من الانتماء الطائفي والمذهبي والسياسي.

خلاصة الأمر، بحسب أحد الموظفين المخضرمين في الميدل إيست، أن ما يحافظ على الأمن في المطار هو ما يحفظ أمن البلاد، أي القرار السياسي. «أما الإجراءات اليومية فمتروكة على عاتق القدرة الإلهية. والله وحده هو من يحمي الطائرات المغادرة. ويسألونك عن سبل إخراج أطنان الحشيشة من البلاد!».

تعليقات: