خريطة سير غامضة! (عباس سلمان)
تمديد فترة إنهائه من سنة إلى سنتين وأربعة أشهر..
إذا كان هناك من مشهد للسير في بيروت يمكن وصفه بالجنوني، فهو مشهد السير عند منطقة الطيونة.
تتداخل السيارات الآتية من الضاحية الجنوبية، مع تلك الآتية من عين الرمانة، ومن مستديرة شاتيلا، لدى وصولها إلى المستديرة، ثم تتداخل مع «الفانات» التي تعمل على خط بيروت ـ الضاحية.
تمر السيارات و«الفانات»، بين الحفر والجرافات والرافعات، على طرق تغيرت معالمها، فأصبحت ترابية، بفعل عمليات الحفر الجارية، فيما تشعب طريقا الذهاب والإياب، إلى طرق فرعية، يتسابق كل من السيارات والمارة على سلوكها، بحثا عن النجاة من الغبار المنبعث من عمليات الحفر، وقد زاده طقس الصيف الحار، جفافا وانتشارا.
ويجد في تلك الحالة أحد المارة نفسه، في مواجهة مباشرة مع إحدى السيارات، كما يجد سائقا سيارتين نفسيهما في مواجهة بعضهما بعضا.
وإلى جانب طريق الذهاب باتجاه الضاحية، وقبل مجمع الـ«بيروت مول»، تنبع مياه الصرف الصحي، فتكوّن بركة دائمة. ومن غير المعروف لماذا تنبع، ما دامت قد أنجزت الأعمال في مجاري الصرف الصحي، قبل البدء بحفر النفق.
ومقابل البركة، تم حفر الرصيف، بانتظار إعادة رصفه من جديد، فيضطر المارة إلى السير في منتصف الطريق، أمام السيارات، تجنباً لغطس أقدامهم في البركة.
ويزيد في المشكلة، وجود مشروع بناء كبير، على الطريق الرئيسي، قبل البركة مباشرة، وقد مد أصحابه السياج حتى الطريق، وضموا الرصيف إلى أملاكهم الخاصة مؤقتا، بانتظار الانتهاء من عملية البناء، من دون أن يعيروا أي اهتمام لضرورة استخدام المارة للرصيف.
ولا يمكن الحديث عن مشروع نفق الطيونة، من دون التذكير بأنه محاط بازدحام السير عند تقاطع رأس النبع من جهة، وعند كنيسة مار مخايل من جهة ثانية. وقد وجدت السيارات و«الفانات» طريقا فرعيا عند رأس النبع، كان سكانه ينعمون بهدوء نسبي، لكنه تحول إلى ما يشبه الطريق الرئيسية. كما وجدت طريقا فرعيا آخر، قبل الوصول إلى حفريات النفق في الطيونة، فحولته أيضا إلى طريق رئيسية، في محاولة للتخفيف من متاعب السير.
وبين الازدحام والحفر والغبار، يمكن سماع الشتائم بوضوح، ضد المشاريع «والساعة التي تقام فيها»، إذا كانت ستؤدي إلى إعاقة حياة السكان بهذه الطريقة، قبل إنجازها. فيما لا يتحمل مسؤولية تلك الطريقة في الإعمار شركة أو شخص، بل نظام متكامل في تنفيذ المشاريع، يتسم بالفوضى حيناً، وبالتباطؤ أحيانا، وبعدم المحاسبة في أحيان أخرى.
ويمكن أن يستمر العمل في المشروع عاماً آخر بعد، كما أوضح المهندس رفيق اسكندراني، الملتزم عملية التنفيذ من شركة «تيم إنترناشيونال» للهندسة. وقد استهلك من الوقت حتى الآن سنة وأربعة أشهر، فيما تتوزع السنة المتبقية بين ستة أشهر لإنجاز النفق، وستة أشهر لتزفيت الطرق وتركيب أعمدة الإنارة ورصف الأرصفة.
واستنادا إلى العقد الموقع مع مجلس الإنماء والإعمار، فإن مدة تنفيذ المشروع بأكمله هي سنة قابلة للتجديد، لكن السنة تتحول تدريجيا إلى سنتين وأربعة أشهر.
يقول اسكندراني إن «مهمتنا هي تنفيذ الخرائط التي وضعتها شركة «تيم» مع تأمين التجهيزات الخاصة بها من حفارات ورافعات ومواد بناء، بالإضافة إلى العمال».
ويبلغ طول الطريق الذي يجري العمل فيه سبعمئة متر، فيه نفق واحد، وهو يمتد من مستديرة الطيونة إلى ما بعد الـ«بيروت مول» بقليل. بعده، يأتي الجزء الثاني من النفق عند كنيسة مار مخايل.
ويؤكد اسكندراني أنه يبذل كل جهده للانتهاء من بناء النفق في أسرع وقت ممكن، ولديه تعليمات بذلك، لكن هناك عوائق تساهم في عدم إنجازه في الوقت المناسب.
يوافق على معاناة المواطنين على مستوى الحركة في المنطقة والسير، ويقول إنه، من أجل تسهيل الأمور عليهم، سعى مع شرطة سير بيروت، ومركزها الرئيسي عند مستديرة الطيونة، إلى استمرار السير في المنطقة، وعدم توقيفه، لافتا إلى أنه جرى قبل البدء بحفر النفق، مد المجاري الصحية وشبكات المياه والكهرباء.
ولدى سؤاله عما إذا كانت عملية بناء نفق في بلد آخر تستدعي كل ذلك الوقت، أجاب ضاحكا بالعبارة المعتادة: «نحن في لبنان»، وهي عبارة أصبحت من المسلمات، في وصف التأخير.
كما سئل عن إمكانية العمل في المشروع بنظام الدوامين، فأجاب أن ذلك يزيد من التكاليف.
من جهته، أوضح مجلس الإنماء والإعمار، ردا على أسئلة خطية وجهت له، أن مستديرة الطيونة هي من أكثر الأماكن ازدحاما على مستوى السير، عند المدخل الجنوبي لبيروت. وقد استوجب بناء النفق تحوير شبكات التوتر العالي بقوة 150 كيلوفولت، وشبكات مياه الشفة والمجاري الصحية وتمديدات الهاتف. وأشار إلى أن مستوى المياه الجوفية فيها مرتفع، وهو على عمق لا يتعدى الأربعة أمتار من مستوى الأرض الطبيعية. لذلك، توجب خلال تنفيذ الأشغال رفع الأتربة الممزوجة بالمياه الجوفية خارج موقع النفق، والانتظار حتى تجف لكي يصار إلى ترحيلها. ووضع المجلس تاريخاً لإنجاز المشروع في الخامس عشر من كانون الأول المقبل، أي بعد ستة أشهر، وهو ممول بموجب قرض من الصندوق العربي للتنمية.
ومع تأكيد كل من مجلس الإنماء والإعمار واسكندراني على أن الطيونة هي واحدة من أكثر المناطق رئيسيةً في بيروت، ويتفرع السير منها في الاتجاهات الأربعة، الشمال والجنوب والشرق والغرب، فإن ذلك حري بالتخطيط المسبق والجيد للمشروع، والتنسيق بين الإدارات المعنية التي تتولى عمليات تمديد شبكات المجاري والمياه والكهرباء للانتهاء منه بسرعة.. وليس عبر التمديد له، سنة تلو السنة، ومن ثم تبرير التمديد.
زينب ياغي
تعليقات: