لم تكن تشعر بوجودها, وربما انفضاض الجلسة كان جُلَّ تمنيها , تزدحم على صفحة ذهنها العذري سباقات التأمّل, وعبثا تحاول إخفاء مزيج من الكآبة والسخط ارتسم كشامة فوق محيّاها, هنيهات و تنفرج أساريرها حين تعلن عقارب الساعة انتهاء جلسة نسوية إستعراضية , فتختفي تجعدات فتية حبذا لو يتوقف بها العمر ولا تسلك للحياة سبيلا ..
"أحلام " إبنة الأربعين خريفاً على حدِّ تعبيرها , تعيش في بيت لا مؤنس لها فيه إلا تناثر الوجوه على جدرانه, وطفولة تحبو على الشرفة , وظل والديها العجوزين يسلّي وحدتها القاتلة عند ابتهالات الغروب .
أكثر ما يزعجها تصنيف الناس الصامت لها وشفقتهم المكبوتة عليها, فهي بنظرهم الوحيدة العانس التي تجمّدت رحاها, وبات إسمها غريباً عن مسماها, ويا لها من غرابة تزيد الصورة شجناً وبؤسا!
أحلام يا أصدقائي ضحية تناقضات لا ذنب لها في صناعتها , ولا هي اختارت أن تكون فريستها, ولا هي تلك الرأسمالية الزاهدة بأنوثتها وأمومتها طمعاً بوهم الذاتية التائهة في زمن الكثرات المضمحلّة, وليست أحلام تلك الصبية التي جعلت لكيانها ثمناً يشرأب إليه الشبان الحالمون, ولا أظنّها المترفّعة على الفقراء بتاج نسبها الألمعي!..
أحلام إبنة الأرض الطيبة, وتلميذة التراب الخصب الزاهر بالحبِّ والكرامة, لا تملك شهادةً جامعيةً, ولا تتبجح باللغات, ولا تعرف غروراً يحجبها عن رؤية إنسانها بصفاء ..
لا تتكلّف التجمّل أو تستجدي الألوان, ولا تخال نفسها حورية تستعصم من الخطّاب , أجمل ما تصرّه بين أغراضها بطاقة الهوية في زمن عزّ فيه الإنتماء, وأضحى الإنسان بضاعة مزجاة في سوق المستورد ذي الجودة والإمتياز .
أحلام يا أصدقائي ضحية حين يكون الشباب ضحايا أيضاً, والعنوسة رقماً مليونياً في بلاد العرب النجباء, حين تكون السلطة هي الجلاد الممعن تجويعاً للناس , وتكون الأعراف البالية هي الحاكم, والدين تعاويذاً لعيون الحسّاد!..
حين يُختم على كتف المولود الأنثى صكُّ الملكية لابن العمِّ الضارب في الهرم,أو تزرع زنبقة في رحم الصحراء !..
لعينيك الجائعتين أمومة, لأنوثتك التائهة في الزمن الأضحوكة .. للتجاعيد الجميلة المطرّزة بلآلئ الحياء.. كلُّ الإنحناء يا أحلام !...
الشيخ محمد قانصو
كاتب وباحث لبناني
تعليقات: