كرة النار بين حزب الله والمعلومات

 طلب بارود لقاء الأمين العام لحزب الله قريباً
طلب بارود لقاء الأمين العام لحزب الله قريباً


مراسلات «غير رسمية» بين المقاومة و«المعلومات»..

في تقريرها الجوابي عن سؤال الأمين العام لحزب الله، تنفي قوى الامن الداخلي معرفتها المسبقة بتعامل موقوف «ألفا» الأول مع الاستخبارات الإسرائيلية. التقرير يفصّل محاولة فرع المعلومات الوصول إلى الموقوف خلال الشهرين السابقين للقبض عليه. فهل كان نصر الله يسأل عن هذين الشهرين وحسب؟

لم يخرج بعد من يعطي جواباً شافياً عن سؤال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عما إذا كان فرع المعلومات يملك معطيات عن تورّط شربل ق، الموظف في شركة «ألفا» للاتصالات، في التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية. وزير الداخلية زياد بارود ينتظر أن يتقدم نواب كتلة الوفاء للمقاومة بسؤال رسمي للحكومة عن هذه النقطة ليعطي جواباً يستند إلى ما ورده خلال اليومين الماضيين من المديرية العامة لقوى الامن الداخلي.

وفي رسالة قوى الامن الداخلي إلى بارود، تذكر المديرية أن فرع المعلومات رصد عام 2008 رقم هاتف خلوي أوروبي يعمل على الأراضي اللبناني، ويتصل، حصراً، برقم هاتف خارج لبنان. صُنِّف الرقم الأوروبي ضمن أرقام العملاء، من دون التمكن من تحديد مستخدمه. فالأخير كان حذراً في اتصالاته، وكان يحاول التمويه بحركته الجغرافية. وبعد استخدامه لأكثر من 11 شهراً، وبمعدل يقل عن مكالمتين شهرياً، خرج الرقم من الخدمة. بعد أكثر من سنة ونصف على توقفه، ظهر مستخدم الخط مجدّداً على الشبكة اللبنانية، وبالتحديد في الشهر الخامس من عام 2010. حينذاك، يضيف تقرير قوى الأمن الداخلي، وَضَع «الشخص المجهول» بطاقة خلوية مسبقة الدفع على الهاتف الذي كان قد استخدم عليه سابقاً رقماً أوروبياً. لكن مستخدم الهاتف الجديد لم يجر أي مكالمة منه، بل اكتفى بتعبئته. بقي الشخص مجهولاً، بحسب فرع المعلومات. وعندما تلقى الفرع البيانات الهاتفية الخاصة بالفترة السابقة للأول من حزيران، لم يظهر أن مستخدم الهاتف أجرى مكالمات أو بعث برسائل نصية من رقمه الجديد.

يضيف التقرير: فيما كان فرع المعلومات ينتظر الحصول على البيانات الهاتفية الخاصة بالفترة اللاحقة للأول من حزيران، أرسل الفرع، يوم 14/6/2010، طلباً إلى وزارة الاتصالات، عبر وزارة الداخلية (حسب الآلية المتفق عليها في الحكومة السابقة)، لوضع الرقم الجديد للمشتبه فيه تحت التقعب. ويتيح التعقب لفرع المعلومات تلقي رسالة نصية من الشركة المشغلة للهاتف الخلوي كلما استخدم صاحب الرقم هاتفه، تتضمّن تفاصيل عن المكان الذي استخدم منه الهاتف، ورقم الهاتف الذي اتصل به أو تلقى منه اتصالاً أو رسالة نصية. استجابت وزارة الاتصالات فوراً لطلب الأمن الداخلي، ووُضع الرقم قيد التعقب. وطوال الفترة الممتدة بين يوم 14/6/2010 ويوم 24/6/2010، لم يُستَخدَم الرقم المراقب. لكنه في اليوم المذكور، سجل حركة في محيط وزارة الدفاع. وحتى تلك اللحظة، لم يكن فرع المعلومات، بحسب التقرير، يعرف هوية مستخدم الهاتف. في اليوم التالي (25/6/2010)، وصلت إلى فرع المعلومات بيانات جميع الهواتف الخلوية العاملة في لبنان (باستثناء الوزراء والنواب) للفترة الممتدة بين الأول من حزيران والعاشر منه. وبعد الاطلاع عليها، تبيّن أن الرقم المُراقَب كان قد أجرى عدداً من الاتصالات يومي 9 و10 حزيران 2010. وبعد التدقيق بهذه الاتصالات، تبيّن أن مستخدم الهاتف ليس سوى شربل ق، الذي كان قد صار موقوفاً في قبضة الجيش اللبناني.

خلاصة التقرير أن فرع المعلومات لم يكن يملك أي معلومات عن تورّط شربل ق. في التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية، وأنه لم يتوصل لتحديد هويته إلا بعد توقيفه.

وزير الداخلية زياد بارود الذي تلقى التقرير يوم السبت الفائت، أشار إلى إمكان أن يتوسع البحث في محتوى التقرير أكثر. وكان بارود قد التقى مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، طالباً موعداً عاجلاً للقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وقال بارود إنه سمع من صفا معطيات أوضحت أكثر كلام نصر الله والأسئلة التي طرحها في خطابه الأخير. ولفت بارود إلى أنه جزء من الحكومة ومسؤول أمام رئيسي الجمهورية والحكومة، مشيراً إلى أنه سليتقي بهما قريباً جداً ليضعهما في صورة ما توصّل إليه وما ورده. ولفت بارود إلى أنه كان قد أكد أمام لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، عندما أثيرت قضية التنصّت عام 2009، وجوب القيام بإجراءات داخل شركتي الهاتف الخلوي تضمن عدم حصول تسريب لبيانات الهاتف الخلوي من داخل الشركتين. وأشار إلى انه سيتابع هذه القضية، لأن توقيف موظفين في شركة «ألفا» يشير إلى ضرورة حماية هذه البيانات.

قوى 14 آذار استندت إلى تقرير قوى الأمن الداخلي وبعض التسريبات الصادرة عن المديرية، لتدافع عن فرع المعلومات، موجهة سهامها إلى وزير الاتصالات شربل نحاس. ووصل الأمر ببعض سياسيّي 14 آذار إلى حد التلميح بأن وزير الاتصالات تعمّد تأخير وصول فرع المعلومات إلى شربل ق، من أجل السماح لمديرية استخبارات الجيش بتوقيفه. وأبرز المدافعين كان النائب هادي حبيش الذي قال إن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي طلبت من وزارة الاتصالات البيانات يوم 14/6/2010، إلا أن الوزير نحاس أخّر هذه البيانات إلى يوم 25/6/2010، أي إلى اليوم التالي لتوقيف موظف «ألفا». لكنّ نفي جزء مما يقوله حبيش يتولاه مسؤول معني في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، يؤكد أن المديرية لم تقدم إلى وزير الاتصالات أي طلب يتعلق بالبيانات يوم 14/6/2010، بل هي طلبت في ذلك اليوم وضع الرقم المشبوه قيد التعقب، وقد لبّى نحاس طلبها فوراً. أما البيانات التي وصلت إلى فرع المعلومات يوم 25/6/2010، فكانت مطلوبة منذ 19/4/2010، «لأننا نطلب الداتا دائماً مسبقاً». إلا أن المسؤول الأمني لا يدافع عن وزير الاتصالات، بل يتهمه بـ«تأخير الداتا المذكورة مدة 10 أيام، وخاصة أن البيانات التي وصلت إلى المديرية يوم 25/6/2010 كانت قد صدرت من شركتي الهاتف الخلوي يوم 14/6/2010». ويشير المسؤول الأمني إلى «أن الوزير يتعمّد تأخير الداتا لأسباب سياسية لا أمنية».

في وزارة الاتصالات، يرفض الوزير نحاس الرد على هذا الأمر، «إلا بوجود مستندات»، مؤكداً أنه سيتحقق صباح اليوم من تواريخ كل الطلبات التي وردته من قوى الامن الداخلي في الفترة الأخيرة، من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة. وتشير مصادر في الوزارة إلى أن نحاس لم يؤخر يوماً أي طلب يرد من الاجهزة الأمنية، حتى إن الوزير يأمر أحياناً بتلبية طلبات عاجلة، حتى لو وردته هاتفياً من وزير الداخلية أو وزير الدفاع، عندما يتعلق الأمر بأي طارئ أمني، على أن يصله الطلب الخطي لاحقاً. وأشارت المصادر إلى أن طلب البيانات الهاتفية يصل من خلال الجهاز الامني المعني إلى الوزارة المختصة، ومنها إلى رئاسة الحكومة، ثم إلى الوزارة ذاتها مجدداً، قبل ان يصل إلى وزارة الاتصالات التي تحيله على هيئة المالكين لشبكتي الخلوي، ومنها إلى الشركتين. وبعدما تنهي الشركتان تجهيز البيانات، تعيد إرسالهما إلى هيئة المالكين، ومنها إلى وزير الاتصالات الذي يحيلها إلى الوزير المختص، ومنه إلى الجهاز الامني المعني. وتؤكد المصادر أن التأخير له صلة بالآلية لا بنية الوزير الذي لم يتأخر يوماً في بت الطلبات المطابقة للآلية التي اتُفق عليها في الحكومة السابقة.

وفي سياق متصل، لفت أول من أمس ما نقلته صحيفة النهار عن «متابعين لعمل فرع المعلومات»، لناحية قولهم «إن فرع المعلومات قدم معلومات تتعلق بأسماء ثلاثة قياديين في «حزب الله» الى المسؤول في الحزب الحاج وفيق صفا عن تورّطهم في التعامل مع إسرائيل وهو أمر يعلمه الحزب جيداً». وتوقف مسؤولون مواكبون لهذه القضية عند هذه النقطة مشيرين إلى أن المعطيات التي سلمها الحزب لقوى الامن الداخلي عام 2009 تؤكد أن الذين كان فرع المعلومات يلاحقهم هم ثلاثة مقاومين يعملون في مجال مكافحة التجسّس الإسرائيلي، وأن كشفهم في لبنان وتداول المعلومات عنهم أدّى إلى إجهاض عمل أمني كانت تعدّ له المقاومة في مجال مكافحة التجسّس.

ولفتت مصادر متابعة إلى أن بعض قوى 14 آذار ومسؤولين في قوى الأمن الداخلي يحاولون حصر عمل مكافحة التجسس في مجال تحليل بيانات الهاتف الخلوي، علماً بأن توقيف عدد كبير من المتهمين بالتعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية لم يكن مستنداً إلى تحليل بيانات الهاتف الخلوي، وأبرز آخر هؤلاء المتهم زياد الحمصي والموظف في شركة «ألفا» شربل ق!

السحمراني نموذجاً

أكدت مصادر مواكبة للعلاقة بين المقاومة وفرع المعلومات أن ما يزيد من ضعف الثقة بين الطرفين هو سلسلة من الحوادث التي تراكمت طوال السنوات الماضية، والتي كان بينها تسليم الحزب لفرع المعلومات عام 2006 معطيات عن الاشتباه في تورط المعاون اول في قوى الأمن الداخلي، هيثم السحمراني، بالتعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية. وقد توقع الحزب حينذاك أن يبادر الفرع إلى التحقيق مع السحمراني، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء بحقه، فبقي طليقاً مدة 3 سنوات كان يتحرك خلالها في الضاحية الجنوبية بشكل خاص، إلى أن أوقفته مديرية استخبارات الجيش منتصف عام 2009. وعندما يُسأل المعنيون في الأمن الداخلي عن هذه الواقعة يؤكدون حصولها، لافتين إلى أن فرع المعلومات تمنّع عن توقيف السحمراني لأنه لم يتمكن من خلال دراسة تحركاته من الإمساك بأي خيط يمكن الاستناد إليه للتحقيق معه، وخاصة ان التقنية التي سمحت بتوقيف المشتبه في تعاملهم مع الاستخبارات الإسرائيلية «لم نتوصل إليها قبل أواخر عام 2007 وأوائل عام 2008».

تعليقات: