تقاضت الشركة 1.4 مليار دولار مقابل أعمال معظمها هدر (أرشيف ــ مروان طحطح)
لماذا أغلق ملفّ «الإثيوبية»؟
معلومات وهميّة وبحث مضلّل وأموال مهدورة
أغلق مجلس الوزراء، أخيراً، ملفّ التعامل مع شركة «Odyssey Marine Exploration» في قضيّة الطائرة الإثيوبيّة التي تحطّمت في المياه اللبنانيّة في شتاء العام الجاري. غير أنّ تفاصيل الملفّ التقنيّة والماليّة تشير إلى ضرورة إبقائه مفتوحاً لتحديد مسؤوليات أكلاف غير مبرّرة وبحث وهمي
أقرّ مجلس الوزراء في جلسته في 14 تمّوز الجاري تحويل 2.128 مليار ليرة من احتياطي الموازنة العامّة، على أساس القاعدة الاثني عشريّة، إلى موازنة رئاسة مجلس الوزراء وتحديداً الهيئة العليا للإغاثة التي كانت قد حوّلت المبلغ أساساً إلى حساب شركة «Odyssey Marine Exploration» في الولايات المتّحدة.
وتوضح التفاصيل الماليّة لهذا الملفّ، والتقويم التقني لأداء الشركة التي قامت بعمليّات بحث شابت نتائجها تساؤلات كثيرة، أنّ الفوضى تحوّلت نمطاً خلال الفاجعة التي أودت بحياة 90 شخصاً، وأدّت إلى هدر الأموال، وتضليل البحث.
في البدء، يُشار إلى أنّ مجلس الوزراء قرّر في 29 كانون الثاني الماضي الموافقة على استعانة وزارة الأشغال العامّة والنقل بالسفن المتخصّصة بالبحث عن حطام طائرة الرحلة السوداء «ET 409»، وتحديداً السفينة «Ocean Alert» والغواصة «Odyssey Explorer»، «على أن تتحمّل الهيئة العليا للإغاثة الأكلاف اللازمة، وعند الاقتضاء نقل الاعتماد من احتياطي الموازنة».
ويمثّل المبلغ الكبير نسبياً البدل الذي تطالب به الشركة الأميركيّة بسبب حضور وحدتيها البحريّتين خلال الفترة بين 25 كانون الثاني و21 شباط الماضيين إلى المياه اللبنانيّة للبحث عن الحطام والأشلاء وطبعاً الصندوق الأسود.
وينقسم المبلغ إلى 766678 ألف دولار هي عبارة عن أكلاف «البحث والمسح والتوثيق» والعمليّات الخاصّة التي قامت بها «Ocean Alert». وتبلغ الكلفة اليوميّة لهذا «النشاط» 32500 دولار، على اعتبار أنّه استمرّ 23 يوماً، يُضاف إليها تغطية كلفة 5 نداءات من المرفأ، وتبلغ هذه الأخيرة 19178 دولاراً.
ويُضاف إلى ذلك «مبلغ اتفق عليه» لتغطية كلفة «تحريك» الغواصة التابعة للشركة يبلغ 480 ألف دولار: أي أنّ السلطات المعنيّة اللبنانيّة اتفقت مع الشركة على تسديد هذا المبلغ الثابت بغض النظر عن العمليّات التي كانت ستقوم بها الغواصة!
كذلك هناك كلفة العمليّات التي قامت بها تلك الغوّاصة في المياه اللبنانيّة، وتبلغ 37500 دولار لليوم الواحد، إضافة إلى كلفة استدعائها إلى المرفأ، ويُصبح مجموع هذا البند 271500 دولار، وفقاً للفاتورة التي أعدّتها الشركة ورفعتها إلى الهيئة العليا للإغاثة في الأوّل من آذار الماضي.
والأمر لا ينتهي هنا، حيث تورد الشركة في فاتورتها مبلغ 120925 دولاراً لتغطية أكلاف «أنشطة الدعم» وهي عبارة عن «المصاريف المترتّبة على العمليّات عند الشاطئ والتأمين وإدارة المشروع والتنسيق».
أمّا المثير في هذا الشأن فهو «الحسم» الذي احتسبته الشركة لمصلحة الدولة اللبنانيّة «كما تمّ الاتفاق عليه» على عمليّات «Ocean Alert»، لمدّة أسبوع من النشاط، وتبلغ قيمة هذا الحسم 227500 دولار، ليصبح المبلغ الإجمالي 1411603 دولارات.
ويتضح ممن تتبع الملفّ أنّه تمّ تأخير تحويل الأموال للشركة حتّى 4 أشهر من انتهاء أعمالها. فما هو السبب؟ يقول منسّق الأعمال بين الدولة اللبنانيّة والشركة، وليد نعوشي، في حديث إلى «الأخبار» إنّ ذلك يعود إلى «استغراق الأوراق وقتاً أكثر من اللازم لإتمامها». ويوضح أنّه «عند الانتهاء من إعداد المعاملات القاضية بالدفع، جرى تحويلها إلى مكتب وزير الأشغال العامّة والنقل، غازي العريضي، حيث تأخّر إقرارها ونقلها إلى الهيئة العليا للإغاثة».
ولكن على اعتبار أنّ الصيد ثمين وأنّ المستحقّات على الدولة لا تختفي، وفقاً للمثل الشعبي اللبناني، لا مانع من الانتظار قليلاً، وخصوصاً أنّ أهل الضحايا واللبنانيّين عموماً، انتظروا كثيراً كثيراً، لحظة العثور على جسد الطائرة وأجساد أبنائهم، التي كادت ألّا تأتي أبداً. وهم الآن ينتظرون نتيجة التحقيق في محتوى الصندوق الذي يبدو أنّها ستطول، على الرغم من أنّ «النتائج أصبحت واضحة تقريباً لدى الحلقة المغلقة لمجتمع الطيران المدني اللبناني»، وفقاً لما تكشفه مصادر مطّلعة على الملفّ لـ«الأخبار»، وتوضح أنّ الأسباب تتعلّق «بضعف الرقابة» التي جعلت هذه الرحلة تضلّ طريقها وتتجه صوب البحر.
إذاً، من المنطقي طرح السؤال المتعلّق بالتقويم التقني لعمل الشركة الأميركيّة خلال وقت المحنة الوطنيّة التي مرّت بها البلاد، حيث ضاعت الأمور كلياً وتلهّت الشركة الأميركيّة ومعها الجهود اللبنانيّة في أماكن بعيدة كلّ البعد عن مكان التحطّم الذي كان طوال الوقت قبالة شواطئ الناعمة.
وفي هذا الإطار يطرح وليد نعوشي الرواية الخاصّة بالشركة في هذا الصدد. ويقول إنّ سفينة «Ocean Alert» كانت أساساً تبحث في المكان الذي اتضح لاحقاً أنّه الصحيح، «عندما اتصلت بها فجأة قوّات الجيش البحريّة، لتعلمها بضرورة إيقاف البحث والابتعاد عن المكان». وقالت البحريّة، وفقاً لنعوشي نفسه، «إنّها حدّدت مكان وجود الصندوق الأسود في المكان الذي تبحث فيه البارجة الأميركيّة USS Ramage».
جرى الانتقال إلى الموقع الآخر، «حيث أوضحت لنا البارجة أنّها ليست هي التي حدّدت موقع الصندوق الأسود، إنّما سمعت ذلك من الجيش» يتابع وليد نعوشي. ويوضح أنّ «مساحة المنطقة التي أوعز إلينا الجيش بالبحث فيها تبلغ 35 كيلومتراً مربعاً، ما جعلنا نتوقّع أنّ البحث سيستغرق ثلاثة أيّام... ولكن ما إن هممنا بالانطلاق بالبحث حتّى طفت جثّة في الموقع الأساسي الذي كنّا فيه»...! ما يعني أنّه لو لم تطف الجثّة في هذا الوقت لكان استمرّ البحث الخاطئ، واستمرّ بذل جهود كثيرة وسحب أموال كثيرة من جيبة المكلّف اللبناني إلى جيبة الشركة الأميركيّة من دون أي مبرّر.
وهكذا تنشأ تساؤلات مهمّة من الضروري الإجابة عنها قبل إغلاق الملفّ نهائياً: لماذا لم تستند الشركة ومعها المعنيّون التقنيّون اللبنانيّون بالمعايير العلميّة لتحديد موقع السفينة تحديداً دقيقاً والمضي قدماً بالبحث؟ هل الأموال العامّة في لبنان رخيصة إلى هذه الدرجة؟
هل تبرّر الشركة فعلاً انتقالها إلى مكان آخر من البحث من دون التأكّد فعلاً من وجود الصندوق الأسود فيه، من خلال إيعاز الجيش؟ إذا كان الجيش مؤهّلاً للقيام بعمليّات البحث بالدرجة الأولى، فلماذا استدعيت الشركة من الأساس؟
يتّضح أنّ جزءاً كبيراً من عمليّات السفينة والغواصة الأميركيّتين كان فارغاً ونتج من حلقة البلبلة التي سادت جميع الأجهزة في تلك اللحظة، فيما كانت الطائرة في مكانها الأساسي منذ البداية.
1400 متر
العمق الذي كان يُعتقد أنّ الطائرة كانت عنده وفقاً للبحث الذي قامت به «Ocean Alert» في المكان الخاطئ، ووافقت عليه البارجة الأميركيّة «USS Ramage»
2006 عام
العام الذي وجدت فيه الشركة طائرة ألمانيّة اعتقدت أنّها طائرة محمّلة بالذهب كانت تبحث عنها، فسقط البحث واستمرّ الاتفاق مع لبنان على هذا الصعيد!
الحريري والوهم
عندما انتقل البحث عن الطائرة من المكان الأساسي والمنطقي إلى المكان الخاطئ «اتصلت الشركة الأميركيّة بمكتب رئيس الوزراء، سعد الحريري، وأعلمته بالتطوّرات، فأصدر بياناً مباشرة يقول فيه إنّه على ما يبدو تمّ تحديد موقع الطائرة» يقول وليد نعوشي. ولكن المعلومة كانت وهماً، ما يعني أنّ البلبلة تدفّقت تدريجاً من دون حسيب أو رقيب.
الحريري والوهم
تعليقات: