بعد تأكيد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكينازي، أن لبنان سيشهد توتراً وصراعاً في أيلول المقبل، على خلفية اتهام عناصر من حزب الله بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس، أن القرار الاتهامي سيصدر على دفعتين، وسط تقارير إسرائيلية تحريضية بلغت حد مهاجمة أداء الرئيس سعد الحريري.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن المدعي العام للمحكمة الدولية، دانيال بلمار، سيصدر قراره الاتهامي على دفعتين: «الأول يتضمن أسماء ثلاثة إلى خمسة عناصر من حزب الله، بوصفهم مذنبين في عملية الاغتيال، فيما يصدر القرار الثاني مع نهاية العام الجاري، ويتضمن نحو 20 مسؤولاً وعنصراً من الحزب، بوصفهم مشاركين في الاغتيال». ونقلت الصحيفة تقديراً لمصدر في الاستخبارات الإسرائيلية يتماثل مع تقديرات جهات في لبنان، بأن «المواجهة الداخلية بين السلطة اللبنانية برئاسة سعد الحريري وقيادة حزب الله، تسبب شرخاً في العلاقات الوثيقة بين إيران وسوريا»، بل إن المصدر الإسرائيلي نفسه قال إن «الحرس الثوري (الإيراني) يقدّر بأن الرئيس السوري بشار الأسد، يعتزم التخلي عن حزب الله، كي يتمكن من إعادة السيطرة السورية على لبنان».
وتوقفت صحيفة هآرتس أمام حديث الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وتأكيده أن الحريري أبلغه بأن المحكمة الدولية ستتهم عناصر من حزب الله، مشيرة إلى أن «الحديث كان مفاجئاً، وإذا كان كذلك، فإن الحريري على وشك أن يثبت أن العلاقات السياسية أهم من الدم، فالبقاء السياسي والشخصي لرئيس حكومة لبنان، على ما يبدو، أهم لديه من الدفاع عن كرامة العائلة».
وفي مسعى تحريضي واضح، قالت الصحيفة إن زيارة الحريري لدمشق، تأتي في إطار «الفهم بأن مستقبله يمكن أن يكون مشابهاً لأبيه إذا اختار أن يدعم ادعاء المحكمة الدولية». وبحسب الصحيفة «يبدو أن الحريري يريد قطع العلاقة بين المتهمين المحتملين وحزب الله، ويأمل من ذلك منع إسقاط الحكومة، ومنع اندلاع معارك طائفية في لبنان».
وعلى غرار يديعوت أحرونوت، نقلت هآرتس عن جهات قالت إنها على علاقة بالتحقيقات الدولية، أن «لوائح الاتهام ستصدر بين أيلول ونهاية العام الجاري»، مشيرة إلى أنها «المرة الأولى التي سيذكر فيها المدعي العام بوضوح، أسماء عناصر من حزب الله، ومن الدائرة المقربة من نصر الله»، ومن بينهم من وصفته بـ«رئيس شبكة الإرهاب العالمية التابعة لحزب الله عماد مغنية».
وذكر محلل الشؤون العربية في الصحيفة، آفي زخروف، أن «هناك مخاوف مشتركة لإسرائيل ومعسكر الرابع عشر من آذار، المعادي لحزب الله، من قيام الحزب بعمل استفزازي، ولهذا السبب فإن اسرائيل تستعد لمواجهة ذلك».
وكانت القناة العاشرة الإسرائيلية قد استضافت أمس، رئيس «المنتدى الإسرائيلي لأمن المعلومات»، آفي فايسمان، الذي أكد أن «من الممكن الوصول إلى معلومات عن كل المشتركين في شبكة الخلوي، بدءاً من المعلومات الشخصية التي يمكن الحصول عليها بسهولة، مروراً بالمعلومات الموجودة داخل الهاتف، وصولاً إلى التنصت على المكالمات». وبحسب الخبير الإسرائيلي، «يمكن تحويل جهاز الهاتف، ليصبح جهاز تسجيل وتصوير فيديو وجهاز جي بي اس، يحدد مكان وجود مستخدمه على نحو دقيق».
وقال محلل الشؤون العسكرية في القناة، ألون بن دافيد «أستطيع أن أستخدم جهاز هاتفك لدقيقة، وأن أزرع بداخله برنامجاً، ومنذ تلك اللحظة يتحول الهاتف إلى ميكروفون متحرك، يبث من جهة أخرى». وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن «ضباطاً من الطائفة الشيعية، مؤيدين لحزب الله، عُيّنوا في الفترة الماضية في مناصب رفيعة المستوى في الجيش اللبناني»، مشيرة إلى أن «أحد هؤلاء الضباط، (العميد فؤاد هيدموس) هو القائد الجديد للواء التاسع المنتشر في القطاع الشرقي من الحدود اللبنانية الإسرائيلية»، وبحسب الصحيفة، «منذ تعيين هذا الضابط قبل بضعة أشهر، تزايدت عمليات إطلاق النار باتجاه الطائرات الحربية الإسرائيلية، التي تخرق الأجواء اللبنانية».
صمت الحريري لا يعطيه البراءة من الفبركة
ابراهيم الأمين
الردّ الأوّل من جانب مساعدي رئيس الحكومة، من نواب وغيرهم، على رواية السيد حسن نصر الله لجانب من الحوار الذي دار بينهما بشأن المحكمة، يتجاوز مستوى السذاجة التي يتّسم بها عادةً عقل غالبية مريدي هذا الفريق. هؤلاء تطوّعوا من تلقاء أنفسهم أو بطلب من الحريري نفسه ليشرحوا لنا الأمر.
قبل ساعات من كلام نصر الله، خرج مِن حول الحريري مَن ينفي أصل الكلام، ويتهم وسائل الإعلام بأنها اختلقته من عندياتها. وبعدما قدّم نصر اللّه بنفسه الرواية نفسها، عاد هؤلاء وقالوا إن الحريري لم يكن يستند الى معلومات خاصة عن القرار الاتهامي المرتقب للمدعي العام في المحكمة الدولية، بل الى ما نشر في الصحف ووسائل الإعلام. وبدل أن يركّز هؤلاء على كلامهم، أو أن يكتب لهم أمناء السر في بيت «الوسخ التجاري» كلاماً موحّداً ودقيقاً، صار التخبيص يشمل كل شيء:
قال أحدهم إن الحريري استند الى وسائل إعلام مؤيّدة لقوى 8 آذار، وإن هذه الوسائل هي التي بادرت الى الحديث عن أن القرار الاتهامي سوف يتهم أفراداً من حزب الله. وقال آخر يبدو أكثر نباهة من الأول، إن الحريري استند الى معلومات سُرِّبت في وسائل إعلام غربية، مثل «دير شبيغل». وقال ثالث طُلب إليه على عجل توضيح الموقف: إن الحريري كان يتحدث بصيغة شرطية: إذا صحت التسريبات عن أن القرار الاتهامي فسوف يتهم أفراداً من حزب الله...
أما الأبواق غير الرسمية التي يموّلها تيار «المستقبل» وتنتشر هنا وهناك، ولو ببطء، بعدما أصابها عجز إضافي ناتج من قلة التمويل، وعن صرف ما يُسند إليها على طاولات القمار، فصارت تحتاج الى مدقّقين لغويّين قبل المعالجين النفسيين. فهي تتولّى قول ما يخجل الآخرون من تبنّيه، وهو أنّ محتوى القرار الاتهامي متداول على نطاق واسع. لا لشيء، بل فقط للقول إن الأمور تسير وفق هذا المنهج، ولكن مطلوب منّا الصمت رسمياً.
لكن الشريك الآخر في الجريمة، أي إسرائيل، يعود الى الخطأ نفسه، وهي تسارع الى الإعراب عن سرورها بما يجري الآن في لبنان، تماماً كما فعلت إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. يومها لم يبق مسؤول أو إعلامي أو سياسي في اسرائيل إلا عبّر عن سروره العظيم بالأحداث التي سوف تؤدّي «حكماً» الى إنهاك حزب الله والمقاومة وسوريا، لكنّ ظنّهم خاب في أكثر من جولة. يومها، وكي لا «يخربطوا الطبخة»، سارعت وزيرة الخارجية الاميركية ـــــ نفسها ـــــ كوندوليزا رايس الى إبلاغ كل معنيّ في إسرائيل أن المطلوب منهم الصمت، وكمّ أفواه الصحافة «لأنكم تعطلون ما نقوم به في لبنان». ثم سارعت الرقابة الى منع نشر أي كلام، وهو أمر متوقع في وقت قريب.
جمعيّات فيلتمان تعمل على برامج سابقة فلا تنتبه إلى أنّ الأمن يتولّاه 14 آذار
لكن الحريري يعرف أنه لا يمكنه نفي ما قاله نصر الله، لأن الأخير سوف يطلّ ليشرح المزيد، ثم سوف يضطر إلى كشف وقائع حوارات أخرى حول الأمر، جرت معه أو أجراها الحريري مع آخرين في لبنان وخارجه. وبانتظار انقضاء فترة الصوم عن الكلام، فإن الحل كان عند مصطفى علوش الذي قال لقناة الجديد أمس، إنه ربما كان الحريري يملك معلومات لا يملكها بقية المسؤولين في فريق 14 آذار، علماً بأن علوش لم ينسَ أن ينهي حديثه بدعوة الضباط الأربعة وكل متضرر من مرحلة التحقيق السابقة إلى أن يتقدم الى القضاء لتحصيل حقوقه المعنوية والمادية، ما يشير الى أن الأخ نسي ربما أن فريقه السياسي أمر القضاء نفسه بأنه ليس ذا اختصاص في ملف الاعتقال التعسفي وملف شهود الزور. وربما كان من الأجدى بالطبيب الذي لم يتحمّل جمهورُه إعلانَه الهوية الدينية لوالدته، أن يستنجد برفيقه «السير» نبيل دو فريج الذي «بقّ البحصة» عندما قال إن الضباط وقعوا في حفرة حفروها لغيرهم، عندما أقرّوا قانوناً لأصول المحاكمات يفتح مهلة التوقيف من دون اتهام أو محاكمة، مع العلم بأن القانون بكل أخطائه كان يعطي السلطات الأمنية أو القضائية مهلة أيام لا سنوات لأخذ المزيد من الوقت في التحقيقات. ولم يكن القانون يحتوي على مواد تبيح استخدام أدلة مزوّرة لتمديد اعتقال الناس.
ونفي امتلاك الحريري وفريقه معلومات عما يعدّ له في ليل ونهار ضد المقاومة في لبنان، يشبه «انتفاضة الحرية» لجمعيات لبنانية تعيش على «تمويل جيفري فيلتمان»، وقد احتجّت على نشر «الأخبار» «نصيحة مسؤول أمني بعد نشر معلومات عن التحقيقات التي تتهم حزب الله بالتورط في جريمة اغتيال الحريري». هذه الجمعيات التي لا تزال تعمل وفق البرنامج نفسه الذي وُضع لها قبل سنوات، لا تريد أن تقتنع بأن هذا المسؤول الأمني ما هو إلا المسؤول الأمني الأبرز في فريق 14 آذار، وهو الذي قدّم هذه النصيحة الى صحافيين في «الأخبار»، بينهم كاتب هذه السطور.
يبدو واضحاً أن الحريري يدرس الآن الوضع من زاوية الحديث الذي دار بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد حول القرار الاتهامي. فقد سمع مراجعة للمرحلة الماضية اتسمت بقساوة تزيد أضعافاً مضاعفة عما أعلنه نصر الله. وهو كلام سيكون من المفيد نشر بعض وقائعه قريباً، حتى لا يستمر فريق الحريري بأجنحته المختلفة طائفياً ومذهبياً ومالياً وإعلامياً، عالقاً في وهم الرواية المستجدة عن أن سوريا سوف تترك «حزب الله» عند أول مفترق... أو هل من حاجة لإعادة نشر محضر اجتماع الأسد مع وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول، صاحب دفتر الشروط المفتوحة؟
الأسد للحريري: لا حرب إسرائيليّة ولا حرب بديلة ولكن الفتنة
نقولا ناصيف
على هامش خلوة الرئيسين بشّار الأسد وسعد الحريري، أوحت المواجهة الجديدة أنها تودّ تخطي الخلاف حول القرار الظنّي إلى الخلاف على بقاء المحكمة الدولية أو زوالها. وحدها المحكمة بقيت ــ أو تكاد ــ آخر ثمار حقبة 2005 ــ 2008
بعض الإشارات التي خاطبه بها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، مساء الخميس، في معرض الحضّ على تفادي فتنة يُخشى أن يتسبّب بها القرار الظنّي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سمعها رئيس الحكومة سعد الحريري من الرئيس السوري بشّار الأسد في خلوتهما الأولى يوم الأحد 18 تموز، في دمشق.
قبل 24 ساعة من اجتماع هيئة المتابعة والتنسيق اللبنانية ـــــ السورية، ذلك الأحد، أوفد الحريري أحد أقرب معاونيه رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن إلى دمشق لمقابلة رئيس فرع المنطقة (دمشق) ورئيس فرع ريف دمشق اللواء رستم غزالة، وإبلاغه رغبة رئيس الحكومة تمديد إقامته في دمشق يوماً إضافياً بغية الاجتماع بالرئيس السوري. واستجابة لهذه الرغبة، اتخذت دوائر قصر الضيافة السوري إجراءات مبيت الحريري فيه اليوم التالي.
بين ملفات شتى ناقشها الرجلان، كان القرار الظنّي في اغتيال الحريري الأب، المرجح صدوره في أيلول أو تشرين الأول المقبل، وانعكاسه على الاستقرار في لبنان. كان الرئيس السوري لدى استقباله الوزراء اللبنانيين ونظرائهم السوريين المشاركين في اجتماع هيئة المتابعة والتنسيق، قد قصر كلامه على موضوع «تقني» هو العلاقات الثنائية بين البلدين ونتائج أعمال الهيئة، وقال للوزراء إن الكلام السياسي يتداوله مع الحريري في اجتماع لاحق.
إلا أن الخلوة المسائية لم تقتصر عليهما، بل شارك فيها مستشار الملك السعودي ابنه الأمير عبد العزيز بن عبد الله الذي دخل على خط معالجة السجال الساخن في لبنان بين طرفي النزاع حيال القرار الظنّي. وبدت مشاركة عبد العزيز جزءاً من دور أعربت المملكة عن رغبتها في الاضطلاع به بغية الحؤول دون فتنة سنية ـــــ شيعية تنفجر في لبنان جراء اتهام عناصر من حزب الله بالضلوع في اغتيال الرئيس السابق للحكومة.
وبحسب مطّلعين عن قرب على مداولات خلوة الأسد والحريري مساء الأحد، يمكن القول إنها تناولت الأمور الآتية:
1 ـــــ قال الأسد للحريري إن عليه أن لا يخشى حرباً إسرائيلية على لبنان، لأن الأميركيين غير جاهزين لها، ولا لحرب بديلة من الحرب مع إيران عبر حرب على لبنان، ولا تستطيع إسرائيل إلا التهويل. إلا أنها في واقع الأمر تريد الفتنة في لبنان لا الحرب معه في الوقت الحاضر، ولذا لا تكفّ عن التحريض على حزب الله.
2 ـــــ لاحظ الرئيس السوري أن للحريري والسعودية وتركيا دوراً مهماً في درء فتنة تعتمد المحكمة الدولية وسيلة لها، وخصوصاً أن إسرائيل ترمي من الفتنة إلى انفجار الوضع في لبنان. وعلّق أهمية خاصة على السعودية وتركيا في هذا الشأن كونهما قادرتين على المساعدة والتحرّك على نطاق أوسع لدى الدول المعنية.
عبد العزيز بن عبد الله شارك في خلوة الأسد والحريري يوم الأحد
3 ـــــ لفت الأسد، في معرض استعادته والحريري خطاب نصر الله الجمعة 16 تموز، إلى أن النبرة العالية للأمين العام مردّها إلى أنه ـــــ كالحريري ـــــ يطلب الحقيقة في اغتيال الحريري الأب، إلا أنه يطلب كذلك تصحيح مسار المحكمة الدولية وعدم تحوّلها منبراً للتحريض على فريق لبناني، ولا خصوصاً على حزب الله. وأكد أيضاً أن سوريا، كحزب الله، لا يمكنها التسليم بقرار ظنّي على هذه الصورة. كان رئيس الحكومة قد أطلع الرئيس السوري على فحوى حوارهما في الاجتماع الذي عقداه، وفاتح فيه الحريري نصر الله في مضمون قرار ظنّي يتهم حزب الله باغتيال الحريري الأب، ويلصق التهمة بعناصر غير منضبطة.
4 ـــــ أكد الرئيس السوري أن الجميع يريد الحقيقة وكشف قتلة الرئيس الراحل، إلا أن هذه الحقيقية يتعيّن أن تكون منزّهة وغير مسيّسة، وليست جسراً إلى تحقيق ما اعتبره المشروع الأميركي ـــــ الإسرائيلي في المنطقة.
5 ـــــ حضّ الأسد رئيس الحكومة اللبنانية على تواصل دائم مع حزب الله وأمينه العام من خلال التوصّل إلى تفاهمات تثبّت عناصر الثقة والاتفاق بينهما. غداة عودة الحريري إلى بيروت، قصد المعاون السياسي للأمين العام الحاج حسين الخليل دمشق، واطلع على نتائج محادثات الرئيسين، وتبلغ الموقف السوري الذي كان محور أحاديث الأسد والحريري، وهو أن دمشق تعتبر استهداف المقاومة استهدافاً لها.
6 ـــــ نصح الرئيس السوري للحريري بالاضطلاع بدور في إيجاد حلّ للقرار الظنّي يجنّب اللبنانيين نزاعاً جديداً وفتنة خطيرة. إلا أنه أكد له في المقابل استعداد سوريا للمساعدة في سبيل تحقيق موقف لبناني موحّد في مواجهة قرار ظنّي يهدّد الوحدة الوطنية بخطر الانفجار. وعوّل على الحريري للعمل على تحقيق موقف موحّد كهذا. ولاحظ أيضاً أن موقفاً لبنانياً جامعاً ضد الفتنة وضد تسييس القرار الظني، من شأنه توجيه رسالة بالغة الدلالة إلى الدول المعنية بالأمر.
كانت وجهة نظر الأسد أن على الحريري المبادرة إلى موقف يريح المقاومة ويبدّد هواجسها ومخاوفها، ما دام نصر الله يؤكد باستمرار تأييده المحكمة الدولية خالية من التسييس.
غير أن المطّلعين أنفسهم يشيرون أيضاً إلى بضعة انطباعات رافقت اجتماعات الأحد والاثنين في دمشق:
حضّ الأسد الحريري على تفاهمات مع نصر الله تعزّز الثقة بينهما
أولها، أن سوريا لم تخفِ قلقها من انعكاسات القرار الظنّي على الداخل اللبناني في حال اتهام عناصر في حزب الله. ومن غير أن تتخذ موقفاً سلبياً منها، اعتبرت دمشق أنها غير معنية بالمحكمة الدولية، وقد تعاونت معها خلافاً لـ11 دولة ذكرت تقارير لجنة التحقيق الدولية في أوقات متفاوتة أنها لم تستجب طلبات التعاون معها، ولم تفصح عن هوية الدول الـ11. مع ذلك لا اتفاق تعاون بين سوريا والمحكمة الدولية.
ثانيها، كان من السهل تلمّس التطور المطرد في علاقة الحريري بالأسد الذي أحاطه بكل اهتمام، وبدا أن الثقة المتبادلة بين الرجلين قطعت شوطاً بعيداً في ترسيخ اتفاقهما على العديد من الملفات اللبنانية والإقليمية.
كان اللافت أيضاً المقاربة المختلفة التي بدأ الحريري يرسي من خلالها علاقته بسوريا ورئيسها بعد خمس سنوات من المواقف المتشدّدة التي امتزجت فيها العدائية بالأوهام. وبمقدار ما ترغب دمشق في توطيد علاقتها به، تلاحظ أنه لم ينجح بعد في بلوغ تفاهمات مع حزب الله كالتي عقدها معه والده الراحل، واستطاع ـــــ وخصوصاً في الأشهر الأخيرة من حياته ـــــ إرساء أوسع تفاهم مع نصر الله حول علاقة حزب الله بالدولة اللبنانية، وعلاقة المقاومة بخطط الإعمار والتنمية لكنها تجد نفسها معنية بتطمين الحريري وضمان أوسع مظلة حمايةً لدوره على رأس حكومته، واستقرار حكومة الوحدة الوطنية، كلما أظهر اقترابه من ثوابت الاستراتيجيا السورية في الصراع مع إسرائيل، بما في ذلك حماية المقاومة.
ثالثها، رغبت دمشق إلى الحريري في عدم الاكتفاء بالتفاهم مع حزب الله، بل أيضاً الانفتاح على الزعماء والسياسيين السنّة الآخرين، واستيعاب الآراء المختلفة في الشارع السنّي. ويلتقي الموقف السوري مع تحرّك سعودي في الاتجاه نفسه كان قد عبّر بدوره عن قلقه من تنافر مواقف بعض الأفرقاء في تيّار المستقبل، وقت لا تخفي الرياض ـــــ تبعاً للمطّلعين أنفسهم ـــــ مخاوفها من عدم إمساك الحريري بتيّار المستقبل تماماً، وهي لم تتردّد في التدخّل لدى بعض نواب التيّار من أصدقائها الذين كادوا يخرجون منه، متمسّكة بأن يكون رئيس الحكومة الوعاء القادر على استيعاب تناقضات الشارع السنّي وسياسييه، والقادر في الوقت نفسه على قيادته.
القرار الظنّي كان حاضراً في لقاءات الأسد ـ الحريري
تعليقات: