الأولى للفت انتباه القارئ والأخرى للاستفادة من محرك البحث..
واشنطن:
منذ فترة ليست بالبعيدة، كانت غرفة الأخبار النمطية الأميركية تحتوي على ثلاثة أنوع من الوظائف: صحافي، ومحرر، ومصور فوتوغرافي. لكن في الآونة الأخيرة، وفي الوقت الذي حولت فيه الصحف نفسها بصورة محمومة إلى عمليات إلكترونية عالية التقنية تعمل على مدار الساعة، أصبحت الأمور أكثير تعقيدا.
كل بضعة أيام في صحيفة «واشنطن بوست»، يتلقى العاملون رسالة، مثل: «من فضلكم، رحبوا بديلان فيلدمان سوريز، الذي سينضم إلى فريق تكامل الحقائق بوصفه متخصصا في فرز الأفكار متعددة المنصات، ويتبع نائب مدير استراتيجية العلامة التجارية للفيديو وإدارة تدفق البيانات. ويأتي ديلان إلينا من شعبة الاستفادة من الإعلام الاجتماعي من سيكورسكاي هليكوبترز».
قل إنني شخص غريب الأطوار وكبير في السن، لكنني أحب الطريقة القديمة أكثر. والسبب الأول هو أنني اعتدت أن تكون لدي على الأقل فكرة بدائية حول كيفية إنتاج الصحيفة: في العنوان، أفراد سكارى مدخنون كتبوا قصصا صحافية حررها أناس متباطئون لكنهم أذكياء ولديهم حسن اطلاع، ثم تتم طباعة هذه القصص على الورق باستخدام ماكينات ضخمة يشغلها أناس يضعون قبعات عقيمة ووجوههم متسخة.
كل شيء مختلف اليوم، والأمر أكثر إرباكا. وأحد الأسباب وراء ذلك هو أنه لم تعد هناك مواعيد نهائية حقيقية لإنجاز الأعمال، لأن القصص الصحافية يتم تحديثها باستمرار لتنشر على الإنترنت، فكل القصص موعدها الآن، وذهب معظم الأفراد المتباطئين، حيث تم استبدال المتخصصين في فرز الأفكار متعددة المصادر بهم. وفي هذه البيئة المحمومة من المرجح وقوع أخطاء، مما يعني أن إحدى القصص قد تعرف أوزبكستان على أنها «نوع من أنواع الماعز».
ولحسن الحظ، يحظى هذا النظام الجديد بخدمات عشرات الآلاف من الصحافيين الذين يتحققون من صحة المعلومات، ويكتبون «تعليقات». وسيقرأ هؤلاء الصحافيون قصة أوزبكستان، وسيقولون للجميع على الفور بأن باراك أوباما كاذب.
إنني بالأساس أحب «التعليقات»، على الرغم من أنها من الممكن أن تبدو متنافرة قليلا، أحاديث تتم إضافتها إلى منتج يحاول على الأقل اكتساب مقدار من الموضوعية والنزاهة. يشبه الأمر اليرقات التي تأتي عندما تطلب شريحة من اللحم.
لحم البقر الأكبر بالنسبة إلي، مع غرفة الأخبار الجديدة، على الرغم من ذلك، هو ما حدث في العناوين. ففي غرف الأخبار القديمة كانت كتابة العنوان تعد من الفنون. وقد يبدو ذلك وكأنه نزهة بالنسبة إليك، ليس إلى المراجعين والمدققين اللغويين، الذين تخرجوا في كليات الأدب الإنجليزي، وأجروا دراسات عليا حول تنويهات الوفيات في الأعمال الأولى لموليير، ثم قضوا العشرين عاما التالية في التأكد من تغيير الفواصل إلى فواصل منقوطة في غياب حرف العطف.
وكانت الفرصة الإبداعية الوحيدة لدى المراجعين هي كتابة العناوين، وأخذوا الأمر على محمل الجد. وأعطى ذلك الصحافة الأميركية بعض اللحظات الرائعة التي لا تنسى، وأمثلة على ذلك: عندما فشل مجلس الشيوخ في إدانة الرئيس كلينتون: «على وشك النجاح، لكن لا نجاح». وهناك مثال آخر: عندما أخفق نيزك في إصابة الكرة الأرضية: «ودع كويكبك للأبد». كما كانت هناك إخفاقات رائعة جديرة بالذكر، مثل الإخفاق الشهير بشأن قصة حول تعليب الغذاء في الداخل: «تستطيع تعليب المخلل بنفسك».
وبالطبع، لا يزال لدى الصحف العناوين، لكنها لا تبذل مجهودا كبيرا على ما يبدو من أجل التوصل إلى مستوى عال من الجودة، أو لا تخاطر بالإخفاق مرة أخرى، لأن المحررين يعلمون أنه عندما تُنشر القصة على الإنترنت، سيتم تغيير حتى أفضل العناوين إلى عناوين ينقصها البريق لكن مفيدة. والسبب في ذلك هو أنه على الإنترنت لا تكون العناوين مصممة للفت انتباه القارئ، لكنها مصممة «للاستفادة الأمثل من محرك البحث»، وهو ما يعني أن القراء الذين يبحثون عن معلومات بشأن موضوع معين، سيعثرون على هذه القصة، مما يعطي الصحيفة انتشارا على الإنترنت. ويعتبر وضع الأسماء الشهيرة في العناوين أمرا ماهرا، حتى ولو أثر على الإبداع.
وفي وقت سابق العام الحالي، حملت النسخة المطبوعة من صحيفة «واشنطن بوست» عنوانا كبيرا لقصة تدور حول قرار كونان أوبريان بتقديم الاستقالة بدلا من قبول إذاعة برنامجه في وقت متأخر، وجاء في هذا العنوان: «الأفضل تركه بدلا من تقديمه متأخرا». وكان العنوان على الإنترنت هو: «كانون أوبريان لن يترك وقت إذاعة (تونايت شو) لإفساح المجال أمام جاي لينو».
لقد قضيت ساعة في كتابة العنوان الأمثل والأمهر لهذا المقال. إذا قرأت هذا المقال في النسخة المطبوعة فستجد العنوان: «تحية رقمية للصحافة الإلكترونية». وأضمن لك أنه عند نشر هذا المقال على الإنترنت، سيقوم المحررون بتغييره إلى عنوان باهت، وذلك لتعظيم إمكانية أن الفرد الذي يبحث عن الشيء الذي يهتم به سوف يعثر عليه.
أراهن أن العنوان سيكون: «مقال جين وينغارتن يذكر ليدي غاغا».
هل لديك عنوان أفضل لهذا المقال؟
* خدمة «واشنطن بوست» (خاص بـ «الشرق الأوسط»)
تعليقات: