استخدام الطاقة المتجددة
مزمنة هي مشكلات قطاع الطاقة في لبنان، والحلول المتبعة حتى الآن لم تصل الى نتيجة مرضية وحلول ناجعة، بل ان المشكلات تتفاقم وتعتمد خطط اعلامية واعلانية لحلها! في هذه الدراسة عرض لاحوال هذا القطاع واقتراح خطة لتطوير استخدام الطاقة المتجددة. وبداية لا بد من الاضاءة على واقع الطاقة المتجددة في لبنان وربطه بواقع قطاع الطاقة عامة وسياسات الدولة في هذا المجال، قبل الانتقال الى تقديم مقترحات عملية وخطة مرحلية تساهم في تطوير استخدام الطاقة المتجددة وفي تحفيز النمو الاقتصادي.
الطاقة في الاعلانات
التزمت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري الاعتماد على الطاقة المتجددة لانتاج 12 في المئة من حاجات لبنان الاجمالية من الطاقة في حدود العام 2020. ان لهذا الالتزام اهمية وطنية كبرى لما له من انعكاسات على كل المجالات الانمائية والاقتصادية والبيئية والعمرانية. ولتحقيق هذا الهدف يفترض اعداد التشريعات اللازمة لتنمية استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار، وتشجيع البحث العلمي وتطوير الصناعة الوطنية في هذا المجال، ووضع الخطط والبرامج المتوسطة والطويلة الامد وآليات تنفيذها ومتابعتها، بما فيها برامج الاستهلاك الرشيد للطاقة. كما يفترض اشراك مختلف القطاعات المهنية والاقتصادية في وضع هذه الخطط وتطويرها، بما فيها الجامعات والجمعيات الاهلية. ولكن بعد مرور حوالي سنة من عمر الحكومة لم نر اي اثر للخطط والبرامج التي يمكن ان تساهم في تحقيق الاهداف الموضوعة! اما الاعلان عن بعض الاجراءات، من توزيع لمبات موفرة للطاقة ودعم شراء 22500 سخان شمسي، فيبقى نقطة في بحر ما هو مطلوب، بالرغم من ان الارقام المعلنة عن التوفير المرتبط بهذه الخطوة جاءت مضخمة وتفتقر الى الدقة.
ارتفع استهلاك لبنان من الطاقة الاولية من 4,8 ملايين طن مكافئ نفط في عام 2007، الى 6,7 ملايين طن عام 2009، اي بزيادة 39 في المئة في مدى عامين، مما يثبت فشل كل خطط وبرامج الاستعمال الرشيد للطاقة المتبعة حتى الآن. فلقد تركزت الخطط على الحملات الدعائية، من دون التركيز على البرامج النوعية القطاعية (صناعة، ابنية، نقل، انتاج طاقة) التي لها صفة الاستدامة. اما الحملة التي تقوم بها شركة كهرباء لبنان بدعوة المواطنين الى زيادة قدرة عداداتهم (اشتراكاتهم) فتثبت ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية، بدل تراجعه المفترض بفضل "برامج ترشيد استهلاك الطاقة": فالحملة تشجع على تركيب المكيفات وزيادة الاستهلاك وتراكم العجز. كما تراجعت حصة الطاقة المنتجة من الطاقة المتجددة من 3,5 في المئة، العام 2007 الى 2,6 في المئة، العام 2009، مما يزيد من التحديات للوصول الى الهدف المعلن من الحكومة، الا وهو الوصول الى 12 في المئة. ومن المتوقع ان يصل الطلب على الطاقة في العام 2020 الى 8,4 مليون طن مكافئ نفط، مع الاخذ في الاعتبار تنفيذ برامج فعّالة للحد من استهلاك الطاقة. ان نسبة 12 في المئة المحددة من الحكومة، تمثل انتاج طاقة من الطاقة المتجددة، اي ما يوازي مليون طن من النفط في حلول العام 2020.
الرياح والشمس
ان هذا الرقم يمثل 9 اضعاف ما ينتجه لبنان اليوم من الطاقة الكهربائية بواسطة مياه السدود. وبالرغم من توافر طاقات مائية اضافية يمكن استغلالها، الا انه لا يمكن، في احسن الاحوال، تأمين اكثر من 2 في المئة من حاجات الطاقة في لبنان في حلول العام 2020 من الطاقة الهيدروليكية، فمن اين يمكن تأمين الـ 10 في المئة المتبقية؟
لا بد، اذاً، من التوجه حكماً الى استغلال ثروة لبنان الطبيعية من الطاقة الشمسية ومن طاقة الرياح. ان عدم وجود اطلس رياح واطلس شمس يجعل الكلام عن الطاقة الكهربائية التي يمكن انتاجها من الرياح والشمس من الفرضيات. لذلك لو افترضنا انشاء مزارع هوائية في عكار ومنطقة مرجعيون وحاصبيا بقدرة 350 ميغاوات، يمكننا تأمين 2,4 في المئة من حاجات الطاقة، لتبقى الحاجة الى تأمين 6,6 في المئة.
تظهر الدراسة التي اعدتها "الجمعية اللبنانية لحفظ الطاقة والبيئة" (ALMEE) بالاشتراك مع نقابة المهندسين في بيروت، ان مساحة السخانات الشمسية المركبة في لبنان وصلت الى 350 الف متر مربع العام 2009. كما تظهر الدراسة انه في حال تقديم الجوافز ووضع السياسات المناسبة يمكننا توقع مساحات سخانات شمسية مركبة بحدود 1,4 مليون متر مربع بحدود العام 2020، يمكنها انتاج طاقة موازية لـ144 الف طن من النفط، أي ما يوازي 1,5 في المئة من حاجات لبنان. المحصلة اذا، هي الحاجة الى تأمين 5,1 في المئة اضافية من الطاقة المتجددة.
لذا لا يبقى لدينا سوى التوجه الى انتاج الكهرباء بواسطة الخلايا "الفوتفولتية" والمعامل الحرارية الشمسية، كما يمكن انتاج قسم قليل بواسطة الوقود الحيوي. ان قدرة لبنان على انتاج الوقود الحيوي من المواد العضوية (المتوافرة في النفايات) لا تتعدى قدرة 35 ميغاوات بحدود العام 2020. كما يفتقر لبنان الى الاراضي الزراعية الكافية لزراعة النبات المنتج للوقود الحيوي. طبعا يمكن استيراد الوقود الحيوي واضافته الى البنزين، ولكن بكلفة عالية غير مجدية ومضرة بالاقتصاد الوطني.
ان انتاج طاقة ما يوازي 125 الف طن نفط من الخلايا الفوتوفولتية، يفترض تركيب خلايا شمسية مساحتها مليونا متر مربع. أما انتاج طاقة ما يوازي 365 الف طن من النفط بواسطة المعامل الشمسية الحرارية فيفترض انشاء معامل انتاج كهرباء (CSP-CSC) بقدرة 500 ميغاوات.
لكن كلفة الالتزام الموضوع من الحكومة (12 في المئة) والذي أخذت به علما الجهات الداخلية والخارجية وأصبحت تبني خططها المستقبلية على أساسه. هي بحدود 3,5 مليارات دولار، لم تلحظ موازنة 2010 أي مبلغ منه، ولم تضع وزارة الطاقة حتى تاريخه الخطط والبرامج التي توحي بالتعاطي الجدي مع هذا الالتزام. فهل الرقم 12 في المئة، اعتمد من دون التدقيق في مستلزماته، أم انه فقط للاستهلاك الصحافي؟
تقوم دول حوض المتوسط بوضع مخططات شمسية وطنية من ضمن المخطط الشمسي المتوسطي الذي يهدف الى تأمين قدرة انتاجية كهربائية من الطاقة الشمسية مقداره 20 جيغاوات، بحدود العام 2020 في دول جنوب المتوسط. لقد أنجزت معظم الدول وضع مخططها الشمسي (تونس، المغرب...) اما في لبنان فقد انيط وضع هذا المخطط بـ"المركز اللبناني لترشيد الطاقة" الذي لا يملك الامكانات البشرية ولا يتمتع بوضع مؤسساتي سليم للقيام بهذه المهمة، وتمثيل لبنان في المحافل الدولية. كذلك تم تعيين مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان منسقا وطنيا لهذا المشروع الذي يفترض ان يساهم في ترجمة توجهات الحكومة. ولقد مضت سنة على انطلاق هذا المشروع في جو احتفالي في فندق "روتانا"، ولم نعد نسمع أي شيء عن المخطط الشمسي اللبناني الذي ضاع في غياهب التعتيم، والمعلومات عنه أصابها التقنين.
ولا بد من حملة وطنية كبرى لوضع استراتيجية طاقة فعالة وخطط وبرامج دقيقة مدعومة بهيكلية مؤسساتية مناسبة وبتشريعات تساعد على تحقيق الهدف الموضوع من الحكومة.
اقتراحات
لذا ندعو الى انشاء هيئة وطنية للطاقة المتجددة، يشارك فيها المجلس الوطني للبحوث العلمية" وكليات الهندسة في الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة ونقابتا المهندسين وجمعية الصناعيين والوزارات المختصة وشركات الكهرباء والجمعيات الاهلية تكون مهمتها:
- وضع استراتيجية وطنية للطاقة المتجددة (2020 – 2010) لتحقيق الهدف المعلن من الحكومة، ألا وهو انتاج 12 في المئة من الطاقة المستهلكة في لبنان من الطاقة المتجددة بحدود العام 2020.
- وضع البرامج والخطط القطاعية لاستخدام الطاقة المتجددة في كل قطاع (انتاج كهرباء، نقل، صناعة، زراعة، مباني) مع تحديد مؤشرات متابعة تنفيذها.
- وضع مخطط شمسي للبنان (خريطة طريق لمشاريع انتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها).
- اصدار قانون الطاقة المتجددة" التي يناط بها تنفيذ المخطط الشمسي وبرامج الطاقة المتجددة. كما ينشا صندوق دعم مستقل لمشاريع الطاقة المتجددة تناط به ادارة مساهمة الدولة والمساعدات العربية والاجنبية. ويمكن تمويله بضريبة على المحروقات والاجهزة المستوردة غير المقتصدة للطاقة.
- اطلاق برامج بحثية في اشراف "المجلس الوطني للبحوث العلمية" في مجالات الطاقة المتجددة.
- احداث اختصاصات هندسية وفنية في مجالات تكنولوجيا الطاقة المتجددة.
- وضع اطلس الرياح واطلس الشمس للبنان في اشراف "مجلس البحوث العلمية" وبمساعدة جهات علمية موثوقة.
- اعادة النظر في تعرفة كهرباء لبنان التي تمثل عائقاً كبيراً امام تطوير استخدام الطاقة المتجددة.
- انشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء التي نص عليها قانون الكهرباء (462 عام 2002) والتي تمثل الضمانة للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة.
- تعديل قانون تنظيم الكهرباء (462) لكي يسمح، ليس فقط بانتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة المتجددة، بل ليحدد اسس ضخ هذه الطاقة على الشبكة العامة وتأمين شرائها من قبل شركات التوزيع بأسعار تشجيعية مدروسة تحددها الهيئة الناظمة.
- اعادة هيكلة وتأهيل مؤسسة كهرباء لبنان (فنياً وادارياً)، وادخال شركاء فيها، لتمكينها من تأهيل شبكة النقل بمواصفات تسمح بضخ الكهرباء المنتجة من الطاقة المتجددة، ووقف الاهدار الفني وغير الفني (العدادات الذكية وغيرها) ومواكبة تطور تكنولوجيا الطاقة المتجددة.
- تأمين مناخ استثمار مستقر للقطاع الخاص لانشاء شركات انتاج كهرباء من الطاقة المتجددة.
- ان الاستثمار في الطاقة المتجددة هو قطاع استثماري في مستقبل لبنان. فكلفة دعم الكهرباء في لبنان توازي 1,5 مليار دولار في السنة، اي ما يوازي 187 ل. ل. لكل كيلوات ساعة منتج (تم استهلاك 12000 جيغاوات ساعة العام 2009 موزعة بواسطة شركة كهرباء لبنان) يفيد منه كبار المستهلكين تحت تغطية التعرفة الاجتماعية! ان هذا الدعم يفوق الدعم المقدّم لانتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة في معظم الدول الاوروبية (وخصوصاً من طاقة الرياح).
ويساهم تطوير استخدام الطاقة المتجددة في لبنان، في خلق حوالي 8000 فرصة عمل جديدة في هذا القطاع، ويؤهل لبنان لتصدير التكنولوجيا والخبرات الى دول المنطقة بكلفة أقل بكثير من الدعم المقدم للكهرباء الذي اصبح اكبر عبء على الاقتصاد الوطني.
• استهلاك الطاقة المتوقع العام 2020 يقارب 8,4 ملايين طن مكافئ نفط بالمقارنة مع 6,73 ملايين طن عام 2009.
على وزارة الطاقة والمياه اخذ المبادرة بتعيين الهيئة الوطنية المشار اليها اعلاه وتحديد مهماتها بوضع مسودة استراتيجية الطاقة المتجددة (2010 – 2020) في مختلف القطاعات واقتراح البرامج وتحديد الاولويات والحاجات واعداد مسودة قانون الطاقة المتجددة على ان تنهي مهمتها خلال مهلة 6 اشهر.
تعليقات: