واجهة منزل قديم
أيام كانت لـ "البيوت أسرار" وللأحياء "حرمات" قبل غزو الباطون والمصعد والزجاج..
على رغم تعرض العمران في بيروت لهجوم إسمنتي زاحف منذ اربعينات القرن الماضي، فإن المدينة بقيت محافظة على باقات من المباني التراثية من قصور خاصة ورسمية ودور عبادة ومنازل سكنية يظهر فيها الطراز المعماري التقليدي. لا يقتصر مفهوم التراث المعماري على المباني والصروح الضخمة والهائلة فقط، بل يتسع ليشمل أيضاً الأماكن والملامح العمرانية التي شيدت وفقاً لأنماط قامت على البساطة بعيداً من المغالاة والمبالغة. لذا، فإن الإهتمام بالتراث المعماري والمحافظة عليه في بيروت، يقتضيان عدم حصره بالأحياء والمناطق التي قطنها الأثرياء وأورثوا أجيال زماننا تحفاً معمارية تتسم بعظمة هندستها وبنائها، في مقابل إهمال الأحياء التي توصف بأنها شعبية، وترتبط بنمط الحياة الإجتماعية التي كانت سائدة وباتت مقوماتها شبه مفقودة.
المعرفة بأهمية ما هو متبقٍ من معالم التراث المعماري البيروتي العائدة جذورها إلى القرنين الماضيين، تقتضي أن يقلّب المهتمون صفحات تاريخ المدينة الذي كان لتطوره وما شهد من تحولات اجتماعية، الأثر الكبير، وتحديداً خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، على تصميم بيوت المدينة وهندستها. وذلك بفعل إزدياد عدد سكانها وتمددها الجغرافي خارج سورها إلى المناطق التي كانت قبل ذلك تصنف ضواحي لها، كالأشرفية والباشورة وزقاق البلاط والمصيطبة وعين المريسة ورأس بيروت...
البيوت اسرار
فقبيل القرن التاسع عشر كانت بيروت مدينة صغيرة عدد سكانها لا يتجاوز خمسة الآف نسمة. وكانت البيوت داخل السور مبنية على طراز البيوت التقليدية القديمة التي لا تزيد عن دورين. الدور الأرضي، عن أقبية تستخدم مرابط للخيل ودكاكين ومخازن، بينما يستخدم الدور المرتفع للسكن.
والبيوت البيروتية في تلك الحقبة كانت تبنى بأشكال هندسية مربعة، تحدها من الجهات الأربع حيطان صماء محكمة (تصوينات). وذلك مراعاة للعوامل الإجتماعية والأخلاقية ومحافظة على حرمتها وخصوصية ساكينها، ولمنع المارة من مشاهدة ما في داخل البيوت، عملاً بالمثل القائل: "البيوت أسرار".
وكانت العمارة البيروتية تولي الأقسام الداخلية للمنازل والبيوت إهتماماً كبيراً، باعتبار أن البيوت وقتذاك كان لها أثر مباشر في تنظيم الحياة الإجتماعية للعائلة وتلبية حاجاتها.
لذلك تميزت البيوت بالفناء الداخلي، وهو عبارة عن فسحة مفتوحة على السماء في وسطها بركة ماء، وحولها شتول الياسمين والفل والحبق والقرنفل وأشجار الليمون والدوالي والموز والصبير والتوت والرمان.
وكانت تتوزع حول الفناء في الطبقة الارضية حجرات متفاوتة الاستخدامات، كـ"المربع" المخصص لجلوس النساء (حرملك) و"الإيوان"، وهو قاعة مقفلة مخصصة لاستقبال الضيوف، إضافة إلى المطبخ "وبيت المونة".
وتطل على الفناء هذا الحجرات العلوية التي يصعد إليها بواسطة سلم داخلي، غالباً ما كان مصنوعاً من الخشب المثبت، ويؤدي إلى ممر يسمى "الرواق" يؤدي إلى غرف النوم.
آنذاك لم تكن للبيوت شرفات أو نوافذ تطل على الزقاق الخارجي، بل كانت "القمريات" المرتفعة تؤمن دخول النور والهواء إلى داخل الغرف. و"القمريات" فتحات مستديرة الشكل ومزخرفة ومزدانة بالزجاج الملون. وسميت كذلك لأن ضوء القمر كان يتسلل منها ليلاً إلى داخل الغرف. أما الشبابيك أو النوافذ فكانت داخلية وليست خارجية كما هي اليوم، أي أنها كانت مفتوحة ومطلة على الفناء الداخلي، وليس على الخارج.
إلى ذلك كانت المواد التي تستخدم في البناء تعتمد على الحجر الرملي الذي يؤتى به من ضاحية المصيطبة بواسطة أرتال البغال والحمير التي تنقله إلى موضع الورش. ولهذا السبب كان يطلق في الماضي على أحد أحياء المصيطبة "حي الدبش"، نظراً للشهرة التي أكسبتها إياه مقالع الحجار، فيما كانت أرتال الحمير تسلك طرقا متعرجة، ومحفوفة بالجور.
وكانت الحجار الرملية تلصق فوق بعضها بمادة كلسية تسمى "الكلس العربي". أما الأسطح فكانت تشيد بألواح خشبية تسندها الجسور المستوردة من الأناضول والشام، وغالباً ما كانت من خشب القطران. وبعد مدّ جسور تصفق فوقها الحجر الرملي وتضاف إليه طبقة مما يسمى "عدسة" للحماية من النش أو تسرب مياه الأمطار. والطبقة هذه مزيج من البحص الناعم ونحاتة الحجر الرملي والكلس العربي، تجبل بالماء وتمد على السطوح بسماكة معينة فوق الحجار الرملية الموضوعة على الجسور الخشبية.
عندما كان سور بيروت لا يزال قائماً، كانت تقفل أبوابه مساءً، فيما كانت البيوت والمنازل الملاذ الآمن للعائلة التي يشعر أفرادها جميعاً بالطمأنينة والألفة والترابط العائلي. لذا عندما يتزوج أحد الأبناء كانت تخصص له ولزوجته، ومن ثم لأولاده، غرف داخل بيت الوالد، مع إبقاء المنافع مشتركة بين الجميع. وذلك حرصاً ومحافظة على صلة الرحم وأواصر القربى راسخة. وإذا صودف أن استقل أحد الأبناء عند زواجه عن ذويه وقطن في منزل خاص به، كان أهله، على سبيل التحسر لبعده عنهم (ولو بأمتار معدودة)، يقولون مرددين "وحيات غربة إبني!”.
التوسع نحو الضواحي
خلال حقبة الحكم المصري وحملة إبراهيم باشا توسعت رقعة المدينة إلى خارج الأسوار بفعل إزدياد الوافدين إليها، مما تسبب بما يمكن تسميته الإنفجار السكاني، فإلتحقت الضواحي القديمة ببيروت، وشكلت تجمعات سكنية جديدة جعلت العاصمة تستكمل حدودها الطبيعية، بعدما إستوعبت الحزام الأول من الضواحي الذي كان يحوطها بعد تهافت الناس عليها، هرباً من الإكتظاظ السكاني داخل المدينة القديمة.
وهذا التحول العمراني شكل مدخلاً لإعتماد تنظيم تدريجي جديد لنمط العمارة من خلال إستخدام طراز هندسي جديد، مما أبرز تفاوتاً مشهدياً بين معالم المدينة: المعلم الأول كتلة متراصة من الأبنية المتراكمة المؤلفة من طبقتين أو ثلاث داخال المدينة القديمة. ومن جهة أخرى ضواح مترامية الأطراف وشوارع فسيحة وبيوت متباعدة مكللة بالقرميد الأحمر ومحاطة بحدائق خاصة.
في أربعينات القرن التاسع عشر ظهر نموذج جديد للبيت البيروتي سمي بـ"الدار"، وأهم تعديل حصل في نظام البناء تمثل بقفل الفناء الداخلي السموي وسقفه بالقرميد الأحمر، والافادة من الفسحة المذكورة ببناء الشرفات المسورة بـ"درابزين" من الحديد المشغول، تحتوي مجموعة من القناطر والأعمدة الرخامية. كما أُبدلت "القمريات" بالنوافذ المجهزة بدرفات من الخشب (أباجور) تسمح بدخول النور والهواء. وصارت للبيوت واجهات مؤلفة من ثلاث قناطر تتضمن زخارف من الخشب المخروط بأشكال نباتية ومن زجاج ملون وأعمدة رخامية.
ومع إزدياد عدد السكان وإختلاف الدور الذي باتت تلعبه المدينة بدءاً من هذه الحقبة، طرأت تغيرات ملحوظة على أنماط البناء. فبدأ هذا التغير يشمل تعدد طبقات المباني التي صارت تبلغ ثلاثاً وأحياناً أربع طبقات للمبنى الواحد.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأ يظهر التميز في طراز البيوت ذات الأسقف المسماة بـ"الكشك" على شكل مثلث، مع إستخدام العمارة الكلاسيكية، خصوصاً مع تزايد توافد فئات جديدة للعيش في المدينة مع تمددها وتوسعها في إتجاه أطرافها التي كانت مجرد مساحات من الأراضي البور والزراعية.
وكان لا بد للنسق العمراني من أن يتلاءم مع التوجهات والأنماط الإجتماعية والمعيشية للفئات الوافدة، فأدى نمط الحياة البورجوازية الجديدة إلى التخلي تدريجاً عن طراز العمارة التي كان الإهتمام فيها ينصب على داخل البيوت. ومع هذه الأنماط المستحدثة اشتدت أواصر الإرتباط بالخارج في معناه الجغرافي الأشمل الذي ترجم إنفتاحاً على العادات والتقاليد الغربية.
القشلة وخان أنطون بك
لكن أولى بوادر التجديد في التنظيم المدني ظهرت فعلاً في أواسط القرن التاسع عشر، عندما تغير بنيان المدينة بفضل إنجازين، هما "القشلة" (السرايا الحكومية) وخان أنطون بك اللذان بنيا في العام 1953.
إنشئت "القشلة" بداية من طبقة واحدة، وكانت تشرف على المدينة كلها وبرزت كأضخم معلم عمراني، حتى قبل أن تضاف إليها طبقة ثانية يعلوها سقف من القرميد الأحمر. أما واجهاتها فبرزت من خلال زخرفتها زخرفة بالاسلوب نفسه في بناء المنشآت الحكومية التي راجت في إسطمبول، حيث كانت "القشلة" صورة مصغرة لثكنة "السليمية" في إسطمبول.
أما خان أنطون بك فكان يتميز بمظهره الرشيق وواجهته المفتوحة على البحر والمزدانة بصفين من القناطر. وقد أحدث خان أنطون بك تأثيراً ملحوظاً في هندسة الأبنية في الواجهة المرفئية لبيروت إمتداداً إلى أسفل المدينة.
وبدأ في هذا الوقت ظهور أكبر القصور وأعرقها وأكثرها فخامة وضخامة وبذخاً وإنفاقاً في تشييدها وتصاميمها الهندسية في بيروت. وتميزت نماذج بيوت الأثرياء والميسورين والقناصل وقصورهم بتأثرها بطراز العمارة الباروكية والمغربية، حيث أدخلت أعمدة المرمر في الداخل مع الزخارف الجدرانية والسقوف المزدانة بالرسوم، فضلاً عن الأثاث الأوروبي الكلاسيكي والتحف النادرة الباهظة الثمن.
وتميزت هذه البيوت بكثرة غرفها وإشتهرت الحجرات بمسميات جديدة لم تكن مألوفة في السابق، ومنها حجرات النوم وجلوس السيدات والطعام والتدخين والمكتب والمرسم والمدفأ والمطالعة وغيرها. كما تم تخصيص غرف وسلالم للخدم والمربيات منفصلة عن تلك التي يستخدمها أصحاب البيوت، لمزيد من الخصوصية العائلية والترف الإجتماعي.
لكن هذا النمط المعماري أخذ طريقه مع مرور الزمن إلى فئات اجتماعية أقل ثراءً، بعدما إنخفضت كلفة البناء والمواد المستخدمة، من حديد وأحجار وزجاج وقرميد وطلاء، مما مكن تلك الفئات من إستنساخ روحية بيوت الأثرياء بأحجام أصغر وأقل فخامة، وبعيداً من مظاهر البزخ والثراء.
إلى ذلك، فإن الأثرياء والميسورين كان لديهم الى جوار البيت بيت آخر يُطلق عليه "المنزول" المخصص للضيافة، وهو عبارة عن فناء وإيوان ومنافع بيت كامل، لإقامة الضيوف من خارج المدينة. ومع التطور الإقتصادي ظهرت لدى هذه الفئة أيضاً البيوت الصيفية الى جوار المنزل العائلي و"المنزول"، وهي بيوت تطل على البحر، تقطنها العائلة في فصل الصيف للإفادة من مشاهدة منظر البحر الخلاب، إضافة إلى التمتع بلطائف الهواء ونسائمه.
يستخلص من هذا المسار وإستخدام الهندسة الجديدة التي أضفت إنسجاماً على المشهد المديني لبيروت القديمة والمستحدثة، أن النموذج الذي بات طاغياً يقوم على إنشاء المساحات الخضر، حيث تفصل بين البيوت والمنازل، حدائق، إضافة إلى إستخدام القرميد المرسيلي الأحمر، وإعتماد الواجهات ذات الأقواس المثلثة التي تستجيب لمتطلبات الضوء والتهوئة. وبذلك إمتزجت في هندسة بيروت المعمارية الأساليب القديمة والحديثة، وباتت تتمتع بطابع متوسطي معاصر.
الحي أو المحلة
بالرغم من إنبلاج مظاهر الحياة الغربية داخل بعض المجتمعات البيروتية، فإن النمط الإجتماعي بقي محافظاً على نسيجه التقليدي المتمثل بالعلاقة العضوية الراسخة ما بين المكان والإنسان المتعلق والمتمسك بكثير من الوفاء والأمانة للأمكنة التي يتفاعل معها سكناً أو عملاً، كتعبير فطري عن تعلق الإنسان بأرضه وإصراره على أن يكون إبن بيئته ومحيطه.
من هنا إكتسب مفهوم الحي أو المحلة في مختلف المناطق البيروتية أهمية إجتماعية إستثنائية، وصارت الأحياء تتمتع بحيثيات تجسد أنماط العيش فيها، إن لجهة التكافل والتعاضد والتواصل بين قاطينها، أو لجهة المرجعية المحلية ذات النفوذ الواسع المتجسد من خلال مكانة القبضاي أو الوجيه أو المختار أو كبير المحلة. وهؤلاء كانوا موضع إحترام في أوساطهم، وكلمتهم مسموعة وأحكامهم مطاعة عندما يستفتون أو يحكمون في قضية ما.
كانت هذه البيئة الإجتماعية تتصف بالإنغلاق والإنفتاح في آن معاً. فهي منغلقة بمعنى أن الغرباء عنها كان عليهم احترام خصوصياتها عندما يدخلونها فلا يتعرضون بالإساءة لأحد أبنائها الذين يهب فتيانهم للرد على الاساءة بأقوى منها. فحين يحاول أحد الغرباء التعرض لأحد أبناء الحي أو المس بكرامته أو الإعتداء عليه، فإن أبناء محلته يقفون وقفة رجل واحد لنجدته ونصرته. وفي المقابل يلقى الغريب عن الحي كل ترحاب واحترام من ابنائه، اذا التزم آداب اللياقة والخصوصيات.
أما الإنفتاح على الآخرين فكانت تتجلى مظاهره بإقامة أفضل علاقات التعاون بين أعيان المناطق والأحياء ووجهائها النافذين فيها لخدمة مدينتهم ومعالجة قضاياها ومشكلاتها وتوفير المساعدة لمستحقيها.
هذا التنظيم الإجتماعي يوضح سبب تعلق أهل بيروت بمدينتهم وإصرارهم على التمسك بما يملكون من عقارات وأراضٍ وعدم التفريط بها. وعندما كان البيروتي يضطر مرغماً ومكرهاً على بيع أرضه، كان يتوجه إلى دارة الوجيه البيروتي عمر بك الداعوق ليستفتيه في الأمر ويطلب منه تحديد ثمن ملكه. كان عمر بك يعارض بشدة بيع الأرض ويقول للسائل: "خس زراع، ولا تبيع من أرضك ذراع". وربما هذا ما جعل عائلة الداعوق تمتلك مساحات واسعة من الأرض في بيروت، فانسحب عليهم المثل الشعبي: "الأرض ببيروت لبيت الداعوق والسما لبقية البيارتة".
الاسمنت والمصعد
وحين دخلت بيروت القرن العشرين لم يكن عدد طبقات أبنيتها يتجاوز الأربع في أحسن الأحوال، وجلها كان يقع في ما كان يعرف خلال ردح طويل من الزمن بـ"وسط المدينة" أو "البلد". وكان على بيروت أن تنتظر حلول مطلع الأربعينات من القرن العشرين لتشهد أبنيتها إرتفاعاً في طبقاتها، تعدى في بعض الحالات الطبقات الثماني.
وقد تعود الأسباب التي ساهمت في مثل هذا الإرتفاع إلى أمرين إثنين: الأول إستخدام الإسمنت في عملية البناء، مما ساعد المهندسين على إمتلاك تقنية جديدة سهلت لهم الشروع في بناء الأبنية العالية. والسبب الثاني ظهور المصعد الكهربائي الذي يسهل عملية الصعود إلى الطبقات العليا من دون عناء أو مشقة.
ومن هنا يمكن القول إن حقبة الإنتداب الفرنسي أرست قاعدة العمارة التي تصنف بالحديثة وتتميز بالارتفاع وإزدياد الطبقات.
كذلك أرست هذه الحقبة نمطاً جديداً من الأبنية الضخمة دون شرفات، خصصت للأنشطة الإقتصادية على إختلافها. من بنايات هذا النمط المعماري الجديد كانت بناية سرسق مقابل سينما الروكسي في ساحة البرج وبناية اللعازارية وبعدها بناية العسيلي.
من هنا يمكن القول ان تلك الحقبة أفضت إلى نوعين من العمارة: عمارة بشرفات وأخرى بلا شرفات. الأولى تؤشر في حال تكاثرها في منطقة ما إلى أننا إزاء منطقة سكنية، والثانية أننا إزاء منطقة تجارية.
هذا النموذج المعماري الذي بدأ يغلب على الأبنية الخاصة بالأنشطة التجارية ما لبث أن إعتمد في أواخر ستينات القرن الماضي مواد بناء جديدة، هي الواجهات الزجاجية، كبناية "المصرف العربي" في شارع المصارف وبناية "بنك إنترا" في الحمراء ومجمع "الجيفينور" في الحمراء أيضاً. كما شهدت هذه الحقبة زيادة في إرتفاع الأبنية ليصل عدد طبقاتها أحياناً إلى ما يزيد عن ثلاثين طبقة، كبرجي "المر" في القنطاري و"رزق" في الأشرفية.
من هنا يمكن القول أن التحديث المدني كان إحدى الأولويات التي سعت إليها سلطات الإنتداب الفرنسي التي قامت بتوسيع المدى الجغرافي لبيروت وشقت الطرق وحسنتها، لربط الأحياء بقلب المدينة، في وقت تزامن هذه التحسينات مع تطور نمط الحياة على كل المستويات.
وبفعل التحديث بدأت الأبينة الإسمنتية ذات الإرتفاع العمودي بالإنتشار في كل الإتجاهات، حاصدة البيوت التقليدية والحدائق، لتفقد بيروت شيئاً فشيئاً وجهها البلدي أمام الزحف العمراني الذي ما لبث أن تعمم وإنتشر وإتخذ أشكالاً عدة تحت تأثير الولع بالحداثة الأوروبية من جهة، والإستثمار والتطوير العقاري من جهة ثانية.
لذا خسرت بيروت الكثير من طابعها وأنماط عمارتها.
تعليقات: