إعتداءات صهيونية لم تعرف التوقف
منذ تفجر الصراع العربي - الإسرائيلي، نتاج اغتصاب فلسطين من قبل العصابات الصهيونية عام 1948م، والمنطقة تعيش حالة من التوتر الدائم، حيث لم تشهد بأي مرحلة من المراحل حالة استقرار وهدوء ،وخاصة الحدود الإسرائيلية _العربية،التي كانت تشهد محاولات مستمرة من قبل الفصائل الوطنية لضرب العدو الإسرائيلي ،وهو احد أسباب توتر العلاقات بين م 0ت 0ف والدول العربية المضيفة (دول الطوق) حيث كانت تتهم،أي الفصائل: بزعزعة استقرار هذه الدول وتعرضت الفصائل الفلسطينية لحملات اعتقال، وتنكيل، وبلغت في بعض الحالات مذابح، واشتباكات وترحيل لهذه القوات، وربما الساحة الأردنية واللبنانية، شاهد حي على ذلك، أو على هذه الحالة التي أوجزتها سابقاً .
واستمر الحال عما هو عليه، حتى بعد عقد اتفاقية أوسلو 1993م، حيث تبارت الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الاسلامى في توجيه مقاتليها لقلب الكيان الإسرائيلي، بهدف الحفاظ على صيرورة المقاومة من جهة، وإفشال مخططات حركة فتح وم0ت0ف من جهة أخرى، في ظل عملية ترويج للمقاومة، حظيت باستحسان كل معارضى أوسلو سواء من الفلسطينيين أنفسهم، أو من العرب، كما واستبسل حزب الله في تنفيذ عملياته البطولية والفدائية في الجنوب اللبناني، مع بعض المناوشات الفردية في الأردن، واستمرت هذه الحالة من الانبعاث الفدائي في ظل انتفاضة الأقصى عام 2000م، والتي شهدت اشتراك جميع الفصائل الوطنية في عملية الاستبسال والدفاع، وأحيانا الهجوم، حيث لم يستثنى من المقاومة أي فصيل فلسطيني، إلا وقد استطاع تنفيذ العديد من الهجمات البطولية التي كللت بتنفيذ أجرأ وأروع العمليات التي نفذتها الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، آلا وهي عملية قتل الوزير الصهيوني "زئيفى " كعملية ثأرية لاستشهاد الأمين العام للجبهة الشعبية "أبو علي مصطفى"، مع تزامن العمل المسلح كذلك من الجنوب اللبناني .
حالة النشوة الثورية هذه، فجأة تجمدت أطرافها من صقيع السلطة، فلم يعد الجنوب اللبناني يشهد أي عمل مسلح، بل يحظر على الجميع توجيه أي ضربات لإسرائيل، وتحولت الجبهة اللبنانية الملتهبة دوماً، إلى جبهة من الجليد المتجمد ببرودته، بل ويتم ملاحقة أي عمل فدائي يمكن اكتشافه، وذلك في ظل سيطرة حزب الله الذي تفرغ أمينه العام الشيخ "حسن نصر الله" للغة التهديد والوعيد لإسرائيل على غرار لغة الرئيس الإيراني "نجاد" وهو ما يعيدنا لاستنكار عبارة " الرد في الوقت المناسب " التي حفظناها عن ظهر قلب من الزعماء العرب منذ تفجر الصراع العربي – الإسرائيلي، وعليه يطرح سؤال موضوعي، هل يطلب من حزب الله إشعال الجبهة اللبنانية، بما انه يعتبر أحد قوى المقاومة الإسلامية والعربية ؟ أم انه حقق أهدافه ؟
القراءة الواقعية في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي تدحض ذلك، حيث أن الصراع أخذ البعد القومي والإسلامي، وأن فلسطين تعتبر قضية العرب والمسلمين عامة، وإنها لم تكن بأي مرحلة من المراحل شان فلسطين داخلي، أو يتم التعامل معها بقطرية داخلية، فالعرب والمسلمين شاركوا الشعب الفلسطيني نضاله كشركاء، وأصحاب قضية ولم تتوانى الشعوب والأنظمة عن التنصل العلني عن القضية الفلسطينية، بل إنها شاركت في صياغة المواقف والقرارات المصيرية للقضية الفلسطينية ،واتخذت العديد من القرارات بناء على ذلك وعليه فهي شريكة كاملة في عملية النضال والمقاومة، وانبعاث الحالة الثورية بعموميتها السياسية والعسكرية، ورغم محاولات "ياسر عرفات " وفتح، وم 0ت0ف من الانعزال في القرارات إلى القطرية الفلسطينية، خلال التفاوض أحادى الطرف مع إسرائيل في أوسلو إلا أن ذلك لم يكتب له النجاح، واستمرت الشراكة العربية والإسلامية، وهو ما اتضح من حالات الغضب الشعبي والرسمي ضد "ياسر عرفات "، بل هناك من حاربه أكثر من الحرب الداخلية0 (وكذلك تدخل بعض الأنظمة العربية في حرب تموز 2006 لضرب المقاومة والقضاء عليها، وتفجير الوضع الداخلي اللبناني، وإدخال حزب الله في صراع داخلي، إضافة إلى قبول حزب الله الدخول في اللعبة السياسية والمشاركة في البرلمان، أي تحوله إلى حزب سياسي، وذلك ما أضعف روح المقاومة لدية، واتفاق 1701، ونفس الخطوات تمت مع حركة حماس، والتي انجرفت أكثر من حزب الله، ولم تكن عقلانية بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، وجرفها غرور القوة للتعامل مع الواقع الفلسطيني بأسلوب الإلغاء والاستئصال، على العكس من حزب الله، الذي قد تكزن التركيبة الطائفية للمجتمع اللبناني تحول بين ذلك، أو قد يكون أكثر ذكاء من قادة حماس في قراءة الواقع اللبناني، وغيره ذلك، باختصار: أن المقاومة اللبنانية والفلسطينية ضعفت عندما قبلت ببعض في العلن قواعد اللعبة السياسية وقد يكون بكل قواعد اللعبة في السر، وذلك ما يبرر حالة الجمود التي أصابت المقاومة في لبنان وفلسطين، والصراع الداخلي الذي شغل كل وقتها وجهودها).
بناء على هذه الرؤية، يمكن الإجابة على السؤال سالف الذكر، أن حزب الله لا يحق له إلقاء بندقيته، والانكفاء في زاوية المواقف الخطابية العربية التقليدية، وان معركته الحقيقية لم تنتهي بعد، إنما ما تحقق هو عملية تحضيرية للعملية الأكبر، أى بمثابة عملية التخدير استعداداً للجراحة الأساسية، وبذلك فان الجنوب اللبناني بوضعه الحالي، يعتبر نجاحاً للخطة (الباركية نسبة إلى أيهود بارك الذي اتخذ قرار الانسحاب من الجنوب) التي استندت على ترسيم حدود إسرائيل، وتأمينها، وهو ما نتج عن انسحابه أحادي الطرف من جنوب لبنان، وبذلك يكون رئيس الوزراء الأسبق (أيهود بارك) قد حقق أهدافه وأغراضه من عملية الانسحاب من الجنوب اللبناني . والأمر نفسه كرره شارون بخروجه من غزة!
ورغم ذلك فهناك زاوية أخرى، لابد من التطرق إليها، وطرقها من حيث الموضوعية، ألا وهي المرحلية التي لا أؤمن بهاـ ولا يمكن التسليم لها في حالة الواقع الذي يمكن الاحتكام له، فالواقعية المستوحاة من المرحلية، تتطلب التطبيق على الكل وليس على الجزء، حيث انه يستصاغ تفهمها لطرف، دون استصاغتها من طرف آخر، وهو ما يعتبر حيادً عن الموضوعية التي يمكن الاحتكام اليها.
ورغم هذه المحاذير، والتحفظات حول شعار المرحلية بمفهومه الحالي، إلا انه يمكن التسليم لرؤية يطرحها العديد من منظري السياسة والفكر المقاوم في العقد الأول من الألفية الثانية، إلا وهي أن حزب الله عليه الحفاظ على الهدوء والاستقرار في لبنان، والبدء في عملية البناء، والتسليم بما أنجز في مرحلة البندقية، والبدء بعملية الترميم والبناء للجبهة الداخلية اللبنانية، التي أثقلت كاهلها الحروب، والتفسخ الداخلي، وأن لبنان وجنوبه أصبح محرر، وعليه لا يمكن الاقتناع بمبررات المقاومة والبندقية، سواء أمام الشعب اللبناني وقواه السياسية، أو أمام الأسرة الدولية. وهو حق يراد به باطل، قياساً على المفهوم الذي شرحناه في سابق هذه الرؤية، حول قومية (القضية الفلسطينية)، ومهاجمة مصر والأردن لإتباعهما هذه السياسة من خلال اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وهو ما يدفعني لسؤال آخر، ماذا يختلف حال لبنان الحالي عن الحالة المصرية والأردنية ؟ هل هو الاتجاه النظري المتمثل باتفاقيات على الورق فقط، أم المتمثل بوجود "حزب مقاتل " كفاصل في عملية التهاون الحالية في لبنان، وهل لو أنشأت مصر" جبهة مقاومة صامته" في سيناء تكون قد حققت المعادلة، وأشبعت الرغبات بشعار القوى المقاومة، وهو ما يتطلب من الأردن فعله كذلك .
الحالة ليست ضبابية، وليست مجهولة المعالم، بل هي معلومة، وواضحة أن لبنان- ـالأردن- سوريا – مصر تعيش حالياً نفس المستوى مع إسرائيل من حيث المهادنة، مع اختلاف واضح في الإطار النظري أن (لبنان وسوريا ) لو تهيأت له الظروف، وهو احتمال وارد في هذه الحالة، ما دامت المعادلة السياسية لم توثق باتفاقية (سلام ).
هذا جزء من حالة المقاومة التي لا زالت تحافظ على الشعار أكثر من الممارسة، فالحقائق تؤكد إنه لا مقاومة على أرض الواقع، ولكن هناك مظاهر للمقاومة لا زالت قائمة .
أما الجزء الآخر فهو لا يختلف كثيراً في المعنى والجوهر، وإنما هناك اختلافات شكلية، مع اختلافات في الرؤية التبريرية للحالة الواقعية من المنظور الفلسطيني الداخلي، لحالة المقاومة الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة .
فغزة خضعت لنفس مبضع الجراح (اليهودي على اعتبار أن الخروج من جنوب لبنان في عهد باراك ومن غزة في عهد شارون وكلاهما يهودي) الذي أثرا الانسحاب آحادي الطرف منها وتركها لمن يشاء ويقوى على حكمها، وعليه أصبحت إسرائيل ذات حدود مرسومة مع غزة ، التي تسابقت الفصائل الفلسطينية لإمطار الحدود الإسرائيلية بالصواريخ المحلية، التي تتم صناعتها محلياً، وببعض الهجمات الفدائية، إلى أن كانت انتخابات المجلس التشريعي (2006) والتي فازت بها حركة حماس، وعليه شكلت حكومتها التي تم حصارها وتقويضها داخلياً وخارجياً، قابلته حماس بعملية هروب للأمام، واندفاع للأمام في معركة تحدي مع الجميع، حتى مع مبادئها وشعاراتها الداخلية، انتهت إلى حسمها الأمر عسكرياً، وسيطرتها على غزة كقوة وحيدة، هذه السيطرة التي أصبحت تتطلب رؤية محددة، مبنية على الموازنة ما بين المقاومة والحكم، فلم تستطيع حماس في ظل هذه الظروف، وهذا المناخ السائد من خلق عملية توازن بين الأمرين، فكانت الغلبة لمنطق الحكم، مع الاستئساد الإعلامي بشعار المقاومة، بل إنها استطاعت تقويض استعدادات الفصائل الأخرى في شن أي عمليات مقاومة من غزة، وأصبحت الجبهة الغزاوية كمثيلتها في الضفة الغربية، برداً وسلاماً على إسرائيل، بالرغم من أن الثانية (إسرائيل) لم تمنح غزة أي مميزات يمكن إسكان حدودها من خلالها، بل زادت من صلافتها وغطرستها، واعتداءاتها ضد قطاع غزة، ولكن هناك من يطرح نفس المنطق الموضوعي – بحسب وجهة نظرهم – إعطاء الفرصة لحركة حماس في بناء حكومة مقاومة، وإحقاق الأمن كمعادلة، أو من يطرح – بأنها استراحة مقاتل، وهنا يتم التعامل بازدواجية مع الأمور، حيث سيطرت المواقفية السياسية الحزبية، على المواقفية السياسية الوطنية، فهذا الطرح بمنح حماس فرصة للبناء الوطني، لم يمنح لياسر عرفات عندما عاد حاملاً أوسلو، لبناء مؤسسات وبنى الدولة التي كان يحلم بها، بل مورست كل أنواع المقاومة السياسية والعسكرية لإفشاله، وهو ما تحقق فعلاً، بالرغم من أن عرفات أدرك ذلك قبل استشهاده وأدرك أن طبيعة هذا العدو تحتاج لمزيج من الفعل الوطني بجناحيه السياسي والعسكري، المتوازن، وهو ما لم تدركه بعد حماس .
وأعود لحالتنا الفلسطينية التي تختلف في الوصف المقاوم عن حالة لبنان، فإن كنا قد منحنا حزب الله الحق في تسكين الجبهة اللبنانية تحت فرص الأمر الواقع الدولي، فإنه لا ينطبق على حماس والفصائل الوطنية في قطاع غزة، التي وهي راهن هذه اللحظة لم تستطع تحديد مفهوم المقاومة فعلياً، وعليه هل اليوم يعيش هيكلنا الفصائلي ازدواجية في الرؤية ؟ أم إنه خضع للأمر الواقع، وتقوقع في بؤرة الاستسلام للحدود الجغرافية التي رسمها (شارون) بانسحابه من غزة ؟
الواقع يؤكد أن الفصائل الوطنية والإسلامية في قطاع غزة تستبسل في حالة الدفاع داخل حدود غزة، وهو ما اتضح في العديد من عمليات الاستدراج التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، أما حالة الهجوم فهي مجمدة كلياً ولا ملامح لها مطلقاً، خلافاً عما كانت عليه أبان المراحل السابقة، التي اتخذت من مهاجمة العدو تكتيكاً مقاوماً، وهذه الحالة تؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً أن المقاومة في ظل وجودها بالحكم تعاني من حالة إغتراب وخضوع للبرتوكولات، وإنها تمارس وفق بروتوكولات رسمية، كتلك التي تمارس في القصور مع فخامة الرئيس والأمير والوزير --- الخ وهو ما يعبر عنه المشهد من الانتقال من حالة الهجوم إلى الدفاع، ما يؤكد فرضية أن المقاومة لا يمكن لها القبض على البندقية والسلطة بآن واحد. وهو ما استوقفني أمام الحالة الأخيرة، حيث قامت سلطة رام الله بمنع احتفالات حزب التحرير، ومهرجاناته الداعية لإحياء الخلافة من جديد، ولا أعلم أي خلافة – التي يريدون إحيائها في ظل هذا الوهن والتفتت والضعف، والحملة الشرسة ضد رام الله وسلطتها جراء ممارستها ضد عناصر حزب التحرير، في حين أن نفس السلوك مورس ضد نفس الحزب وعناصره، وبنفس الوقت في غزة، وتغاضى الجميع عن هذا السلوك، في الوقت الذي انتقد فيه سلوك سلطة رام الله، وهذه المفارقة طرحت من باب المقارنة في الازدواجية التي يتم من خلالها التعامل مع مفهوم السلطة، ومفهوم المقاومة، والتعرف على مدى إمكانية التلاعب في الشعار وممارسته قولاً وفعلاً .
وأعود لجزئية أخرى، أن الوضع الفلسطيني بحالته الحالية، يخضعنا لأمرين، إما الاستسلام للحالة القائمة وتدجين أي محاولات لرسم ملامح منطقية وموضوعية للحالة السياسية والعسكرية، والتي لن تعمد سوى بالعودة للخيار الأوحد وهو منح الشعب السلطة من جديد في اختيار قيادته للمرحلة القادمة، وفق ضمانات وطنية بالتوحد على قاعدة الاتفاق في تحديد الخط التكتيكي والاستراتيجي سياسياً وعسكرياً لمرحلة ما بعد الانشقاق والتشرذم، و ترسيم حدود المقاومة، ضمن نطاق جغرافي –سياسي حدده العدو بسنياريوهاته، وكذلك إعادة تعريف مفهوم (المقاومة) من جديد، كما طالب الرئيس السوري في خطاب له أمام أحد اجتماعات القمة العربية، بتحديد واضح لمفهوم (الإرهاب) واضح ومحدد، ينطبق على الجميع ليتم التعامل معه بعيداً عن الازدواجية والمزاجية الاستعمارية. وهو ما أعيده في ضرورة تحديد مفهوم (المقاومة) بعيداً عن الازدواجية في معايير التعامل، وتمرير هذا التعريف على الجميع، ليمثل مقياساً للحكم على الجميع .
إذن فالخلاصة العامة أن المقاومة أصبحت شعار يعاني من حالة الاغتراب أدت لتشتت مفهوم المقاومة وعولمته ضمن منظومة مجهولة الغايات والأهداف، واستغلاله لتحقيق مآرب حزبيه ضيقة، تستهدف القبض على القضية الوطنية وأسرها في دائرة سلطة الحزب الشمولي الأوحد، المنطلق من عقائدية عمياء بشمولية الحزب التي قادت لإنهيار أكبر قوة قطبية شهدتها الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، وهي الإمبراطورية السوفيتية.
سامي الأخرس
تعليقات: