إحتمالات وقوع حرب بين إسرائيل والمقاومة


ما هي السيناريوهات الممكنة؟

وما هي التداعيات؟

كانت حرب رمضان عام 1973 آخر الحروب العربية - الاسرائيلية حيث انتهت الى تغييرات في البيئتين الدولية والاقليمية ساهمت في طرق باب السلام بجدّية، حيث وقعت بعد مفاوضات دامت لعدة سنوات اتفاقية كامب دافيد للسلام المصرية - الاسرائيلية ومن بعدها اتفاقية وادي عربة للسلام بين الاردن واسرائيل، وتعثرت المفاوضات على المسارات الاخرى. لكن وبالرغم من تعثر مفاوضات السلام على المسار السوري فقد بقيت جبهة الجولان هادئة طيلة الفترة الفاصلة ما بين 1973 و2010، في الوقت الذي بقيت فيه الجبهة اللبنانية ساخنة حيث شهدت عمليات عسكرية كبرى في الاعوام 1978، 1982، 1996، و2006، ومن بينها غزو اسرائيلي كبير وصلت فيه القوات الاسرائيلية الى بيروت وخط بيروت، دمشق، وحرب اسرائيلية مدمرة شملت جميع الاراضي اللبنانية في تموز وآب 2006.

يجري الحديث في لبنان والمنطقة والعواصم الكبرى عن احتمال قيام اسرائيل بشن حرب ثالثة على لبنان، وقد ذهب بعض المحللين الى اعتبار بأن الحرب واقعة لا محالة بين اسرائيل وحزب الله، وقد ذهب بعض هؤلاء الى تحديد موعد حصول هذه الحرب في شهر ايلول 2010. ويستند هؤلاء في تقريرهم لموعد الحرب على مجموعة من المؤشرات ابرزها: كثافة التحضيرات الاسرائيلية المستمرة فخوض حرب جديدة تأخذ بعين الاعتبار الدروس والعبر المستقاة من حرب 2006 ومن الحرب على غزة في نهاية عام 2008، الاستعداد لمواجهة التهديد الجديد المتمثل باعادة تسليح حزب الله بترسانة مضاعفة من الاسلحة مع تحسن كبير في العدد والنوعية، الجهود الاسرائيلية لتطوير القدرات العسكرية على المستويين الهجومي والدفاعي وخصوصا في ما يعود لتطوير اسلحة جديدة لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى ومن بينها ما يعرف باسم «نظام القبة الحديدية»، والتي من المفترض ان تنشر عملانياً في كانون الاول من هذا العام. اما على المستوى الهجومي فان المناورات المتتالية التي نفذها الجيش الاسرائيلي فقد كان الهدف منها تطوير واختبار تقنيات قتالية وميدانية جديدة، تمنع تكرار الاخطاء الكبيرة التي ارتكبتها القوات البرية الاسرائيلية اثناء المواجهات التي خاضتها مع تشكيلات حزب الله العسكرية.

وينظر المحللون ايضاً الى ان استمرار لغة التصعيد والتهديد التي تعتمدها اسرائيل وما تستوجبه من ردود وتحذيرات من قبل قيادة حزب الله، ستؤدي الى حال من التعبئة المعنوية والمادية، والتي قد تبلغ مستوى يجعل من خيار الحرب امراً مسلماً به او واقعاً لا يمكن تجنبه لاسباب معنوية او سياسية ويضيف هؤلاء مؤشراً اضافياً يتركز على ارتفاع نبرة التهديدات الاسرائيلية للبنان، التي تترافق مع زيادة الخروقات الجوية والبرية للخط الازرق، والتي بلغت درجة عالية من الخطورة في الاختراق الذي نفذته القوات الاسرائيلية في منطقة العديسة في 3 آب، وما يرافقه من تصعيد مستمر من خلال الطلعات الجوية الكثيفة للطيران الاسرائيلي فوق مختلف المناطق اللبنانية.

انتقلت عدوى الحديث عن احتمالات شن اسرائيل لحرب جديدة على لبنان الى بورصة التداول لبعض مؤسسات الدراسات الغربية، والتي تعرف بعضها بجديتها ورصانتها مما دعا مجلس العلاقات الخارجية الاميركية الى تكليف الاستاذ في جامعة برنستون دانيال كيرتزر، والذي سبق له ان عمل سفيراً للولايات المتحدة في مصر واسرائيل لسنوات عديدة الى وضع دراسة استطلاعية لاحتمالات «الحرب الثالثة على لبنان» وقد صدرت هذه الدراسات بالفعل في 16 تموز الماضي. وانتهت الدراسة المذكورة الى عدد من الاستنتاجات من ابرزها: ضرورة ان تتحضر الولايات المتحدة لمواجهة تداعيات هذه الحرب مع التركيز على ضرورة اضعاف حزب الله، وفتح الباب بقوة امام قوات اليونيفيل لتنفيذ كل بنود القرار 1701. وان تضع ادارة اوباما خطة (مسبقة) لاطلاق مبادرة واسعة للسلام ينخرط فيها لبنان بصورة فعلية. السؤال المطروح في خضم هذا الجو المحموم يبقى: ما هي الاحتمالات الفعلية لوقوع حرب جديدة؟

في رأيي الشخصي لا تتوافر الاسباب الموضوعية لوقوع حرب جديدة في المستقبل المنظور بين اسرائيل وحزب الله: واني اعتقد انه بالرغم من الشكوك والمخاوف التي تسبب بها الاشتباك الاخير بين الجيش اللبناني والجيش الاسرائيلي في منطقة العديسة الحدودية فانه لا تتوافر مصلحة اسرائيلية واضحة في تصعيد الموقف الميداني والدفع باتجاه حرب واسعة مع لبنان، لقد نجحت قوات الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل المنتشرة في المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني في تنفيذ بنود القرار الدولي رقم 1701 وفرض مستوى مقبول من الهدوء والاستقرار على طول الخط الازرق. كما نجحت هذه القوات في ضبط حدوث اي تحركات او نشاطات عسكرية لحزب الله. ولا يمكن وضع الاعتداءات التي تعرضت لها اليونيفيل او الاختراقات التي حصلت في السابق في حساب حزب الله، حيث ان التحقيقات التي اجريت اثبتت وقوف جماعات صغيرة طارئة على خط الصراع مع اسرائيل عبر الحدود اللبنانية.

يبدو من خلال التحليلات التي تصدر عن بعض مؤسسات الدراسات الاسرائيلية ومن خلال ما تعرضه وسائل الاعلام في اسرائيل، فان الموقف الاسرائيلي يبدي درجة معقولة من التفهم والرضى لحالة الاستقرار على الحدود الشمالية، وبأن مستوى التهديد «المفترض» لا يستدعي المغامرة بشن حرب جديدة خصوصا في ظل القصور العسكري المستمر في تدمير او اضعاف حزب الله.

يمكن تفسير التصعيد الاسرائيلي المستمر ضد لبنان على انه يمثل محاولة اسرائيلية للضغط على الحكومة والمجتمع اللبنانيين للعمل على اضعاف حزب الله سياسيا، والتشكيك بشرعية سلاح المقاومة، تمهيدا لنزعه في مرحلة لاحقة. ما هي السيناريوهات الممكنة للحرب المقبلة؟

حدّد السفير دانيال كيرتزد في دراسته «الحرب الثالثة على لبنان» سيناريوهين حول امكانية حصولها، وقد تركّز السيناريو الاول حول امكانية تسبب وفاة العلامة محمد حسين فضل الله بحدوث اضطرابات وقد تدفع حزب الله الى فتح اشتباكات مع اسرائيل من اجل تدعيم الجبهة الشيعية، ومنع حصول اية انقسامات داخلها، ومن خلال التركيز على ديمومة الخطر الذي تمثله اسرائيل. وهناك احتمال بديل يتمثل بدفع ايران لحزب الله لشن هجوم على اسرائيل كوسيلة لتحويل الضغوط الدولية على ايران بسبب برنامجها النووي، وبالتالي التخفيف من مفاعيل العقوبات الدولية المفروضة عليها، والتي بدأت طهران تشعر بوطأتها المتزايدة.

في السيناريو الثاني يمكن ان تشن اسرائيل الحرب على حزب الله او ان تستدرجه لبدئها وذلك في محاولة جديدة لتدمير قدرات الحزب العسكرية او على الاقل اضعافها. ويمكن ان تعتبر اسرائيل ان مثل هذه الحرب ستحرم ايران من امكان شن «ضربة ثانية» من خلال استعمال قدرات حزب الله العسكرية، في حال تعرضها لضربة اسرائيلية اواميركية.

ويعتبر السفير كيرتزد ان السيناريو الثاني هو الاكثر احتمالا، خصوصا في ظل اختراق حزب الله للخطوط الخطيرة للأمن الاسرائيلي من خلال احتمال ادخاله لصواريخ «سكود» الى لبنان، او من خلال حيازته على اسلحة «متطورة» للدفاع الجوي، وقد شدّد على ان اسرائيل تنظر الى صواريخ «سكود» او الصواريخ السورية M - 600 على انها تمثل تهديداً استراتيجياً لأمن اسرائيل.

وفي تحليلنا لاحتمالات الحرب فاننا نجد ان هناك سبعة سيناريوهات يمكن ان تؤدي الى اندلاعها، وهي ستشكل بالاضافة الى النتائج والتداعيات المترتبة على الحرب، وايضا الى التحرك الديبلوماسي الذي يمكن ان يبذل لاحتواء هذه التداعيات محور تحليل الديار المقبل.

تعليقات: