هويدا بعد إصابتها (م.ع.م)
لا تعجب هويدا خالد (8 سنوات) فكرة انها قد تضطر ان تعيد الصف الرابع بسبب تغيبها عن أكثر من نصف العام الدراسي لدواعي العلاج، بالضبط كما لا تعجبها التنبيهات المتتالية من جدتها ووالدتها وعمتها في كل مرة تريد ان تلعب مع رفاقها في الخارج. يصبح جواب هويدا فورياً بوجه كل التوجيهات: «أنا ما عم ألعب بالشمس، ألعب بالحبلة صباحاً بفيء الشجرة».
هكذا، باتت هويدا بعد مضي عام على الكارثة «ممنوعة من الشمس»، هي التي انقلبت حياتها رأساً على عقب بعدما استهدف القصف الاسرائيلي منزلها في تموز الماضي فسرق منها ثلاثة من أفراد العائلة، وعيناً خضراء جميلة.. والكثير من الأحلام.
مرت هويدا بتغييرات عدة في زمن قياسي. تلقت العلاج في أبو ظبي بداية، ثم في الولايات المتحدة حيث جرى زرع عدسة اصطناعية خضراء تكاد تطابق عينها اليمنى من دون ان تساويها سحراً، ثم عادت إلى دبين، إلى بيت جدتها بين الحقول من جديد.
لم تنه كل رحلات العلاج هذه معاناة هويدا، فعينها اليسرى التي سلمت من القصف اصيبت في بكتيريا قد تسبب لها فقدان النظر فيما لو لم تتم حمايتها. ما يجعل التلفت إلى ما تفعله هويدا من يوميات العائلة في بيت الجدة.
لا تستسيغ هويدا خوف المحيطين عليها. تجلس على شرفة جدتها المطلة على سهل الخيام، من دون ان تتكلم، فقط تكتفي بالنظر إلى كنزتها الزهرية والإذعان لطلب عمتها بارتداء النظارات الطبية حماية لعينيها الاثنتين، لا العين الاصطناعية فقط. تجيب بصوت خافت فيه بعض التململ: «يللا يللا.. هلق بلبسها».
خلال الفترة السابقة، قامت والدة هويدا ببيع قطيع الابقار وأبقت على بقرتين فقط، من دون ان تستطيع تأمين كلفة ترميم البيت الذي من الممكن الا تعود العائلة اليه كما تعلق الوالدة التي هاجسها اليوم الحفاظ على سلامة عين هويدا. ولكي تظل العين سليمة، هي بحاجة إلى فحص نصف سنوي وعملية تبديل عدسة كل سنتين.. وحتى اللحظة لا تعرف الوالدة من سيقوم بكل هذا، خصوصاً ان العملية قد أجريت لها في الولايات المتحدة الاميركية، وأن موعد الفحص بات وشيكاً.
تلحق هويدا بوالدتها إلى صالون المنزل ولو انها تتردد في الكلام. تطعم الوالدة «ضيفا» لم تتوقعه هويدا بعد عودتها، فقد استقبلت العائلة فرداً جديداً فيها: الصغيرة هديل ابنة الخمسة أشهر ونصف شهر، التي ولدت يتيمة الأب، بعد ان استشهد والدها وهي ما تزال في رحم أمها.. تقترب هويدا من والدتها وهي تطعم هديل، تنظر إلى وجهها وعينيها الزرقاوين ثم تبتعد من جديد.
استقبال فرد جديد في العائلة ليس إلا تغييراً إضافياً في حياتها. فما قد يراه بعض الاصدقاء انه «لا مبالاة» تشرحه الوالدة: «تأثرت هويدا كثيراً بغياب والدها، لكنها بصراحة أقوى مني، أنا ابكي عندما نذكره لكن هويدا تخترع ما يضحكها»، وهنا لفاطمة أاي آخر «تغيرت هويدا بعد عودتها من سفرها، تشعرين أنها بينما تلعب مع الأولاد أنه ينقصها أمر ما. ينقصها أب».
على كلٍ قد يكون أكثر من يفهم التغيرات التي تمر بها هويدا هو عمتها مريم التي رافقتها في مختلف مراحل علاجها: «عندما أخبروها عن استشهاد والدها كانت في أبو ظبي وامتنعت عن الطعام لأيام.. كانت فترة صعبة، عذّبتني كثيرا». تعود هويدا وينقطع حديث العمة مؤقتاً. تبتسم وهي تسمع امها تشكر دولة الامارات التي اهتمت بعلاجها، لتعود وتنطوي على نفسها عند الحديث عن البيت قيد الترميم على مهل. يبدو ان الصغيرة غير جاهزة بعد إلى العودة إلى حيث حرمت من حنان الأب.. ومن نور الشمس في عينها.
...والآن (علي لمع)
تعليقات: