عساف أبو رحال، الصحفي المقتول بنيران معادية
إلى عساف أبو رحال، الصحفي المقتول بنيران معادية، وقلة مروءة صديقة، في منطقة العديسة، جنوب لبنان.
لا مكان لك في مدن الملح يا عساف، أنت ابن قرية، ابن زمنٍ لم يخرج بعد من حداثة الفلاحين إلى تخلف السماسرة والمضاربين عقارياً، لا مكان لك في هذا الوباء المستمر، قتلتك الكرامة يا ابن أرضك، والكرامة وجعٌ ينخر في جياب الفقراء، الكرامة سرطان يفتك بمن تبقى منكم، أنتم الذين لا لون لكم، في زمن التشابه المخيف بين اللصوص يميناً ويساراً، لا لون لك، ولا شكل، خالٍ من التناقض، خالٍ من بيع البنادق وبيع جمّول، أنتَ جميل كما أنت: جثة، كي لا تزورك الحياة الجديدة بعد الطائف.
ما أكثر أصدقائك بعد موتك
ما أقل أصدقائك عند قبركassaf
إخرج منا يا عسّاف، عد إلى صمتك، صرختك عند دخول الرصاصة في الجسد لن توقظ أحداً، لن تعيد سلاحك من حكم الإعدام بالصدأ، لن تخرج قلمك من بورصة الربح والخسارة، لن تحرر شبراً واحداً من حبال الخط الأزرق الخبيث، فلماذا صرخت؟ ألماً؟ ندماً؟ تعباً؟ غضباً؟ لو أنك تركت لنا وصية، كي نعرف لماذا كل هذا التعب، لماذا قاتلت ثم كتبت ثم قلت ثم مت، لماذا؟ من أجل ماذا؟ من أجل من؟
هذا السقوط مخيف، حزبك أدان قتلك واستنكر الجريمة يا عساف، نقابة الصحافة أدانت قتلك واستنكرت الجريمة يا عساف، وطنك أدان القتلة واستنكر، وبعد دفنك، عادوا كلهم لمنازلهم، حضنوا أطفالهم، سمعوا نشرة الأخبار الليلية، أعجبهم حجم كروشهم في خبر مسيرة تشييعك، ثم ناموا، وأنت نمت، كان لا بد أن تنام، كي نرتاح من همّ التعزية بك، وثقل الكتابة عنك، وصورتك المخيفة وأنت تتهمنا بالهوية الذليلة، خفنا أن تسألنا عن الشجرة يا عسّاف.
يا عسّاف، ليومٍ واحد فقط، شعرنا بالكرامة الوطنية، قطعوا الشجرة في اليوم التالي يا عسّاف، فشُفينا من داء الكرامة الذي قتلك، قطعوها، لم يتغير شيء، لا تبالي بكل القصائد الكاذبة التي كتبها عنك تجار دمك، قطعوا الشجرة يا عساف، كانت شهادتك رخيصة جداً وفارغة، لا تصدقهم، لم يتغير شيء بعد موتك، الفارق الوحيد أنك مت لا أكثر، يستطيع لبنان أن يقف الآن، ويقول بالفم الملآن: لقد أسفرت المعركة عن قطع الشجرة، والانتصار على عسّاف.
قتلتك الكرامة يا ابن أرضك، ونقص الكرامة يضمن بقاء الأفاعي.
كل ما فعله نهار الثلاثاء في لبنان، أنه قتل عسّاف، لا أكثر.
تعليقات: