جناح الأم بيلمّ - من أدب سلام الراسي

جناح الأم بيلمّ
جناح الأم بيلمّ


يحكى أن راعياً توفي عن زوجة وثلاثة أبناء، فاختلف الأبناء على الميراث واستدعوا أحد المشايخ ليحل الخلاف بينهم فسأل عن الترِكة فقالوا له:

هي بيت وقطيع من الماعز وعصا وجراب وزواّدة وثلاثة كلاب جعاريّة وفي مفهوم العامة الكلب الجعاري يحمي الإنسان ويهتم به بينما الكلب الفرنجي يهتم الإنسان بخدمته!..

قال الشيخ :البيت للأم

والعصا للأبن الأكبر

وجراب الزوادة للأبن الأوسط

وقطيع الماعز للأبن الأصغر

والكلاب لكل واحد من الأبناء كلب ،

أخذ كلٌ نصيبه ،الابن الأكبر أخذ عصاه وكلبه ومضى قائلاً طالما لم يبق لي ما أعيش منه فسأذهب في طلب الرزق

والابن الأوسط علق جرابه وحمل زوادته ورحل وأخذ كلبه معه ،

كذلك فعل الابن الأصغر أخذ قطيع الماعز وكلبه،

أما الأم أقفلت بابها قائلة لم يعد لي ما أعتاش منه سأذهب في طلب الرزق ومرّت بحقلٍ يعمل فيه مزارعون ،يجمعون القمح فسألتهم إمكانية أن تعمل معهم، قالوا لها نعطيكِ من كل غُمر شمله والمثل بيقول "شميلة ع شميلة بتشبع العيلة".

فتنهدت المرأة قائلة:أنا امرأة مقطوعة وليس لي عائلة فقالوا لها "اللي بيحسن فعالو كل الناس عيالو"

وبعد عشرة أيام جمعت المرأة حصتها من الشمايل ودقّتها في يوم عطلتها وحملت غلتها إلى مطحنة قريبة فطحنتها وتوجهت بالدقيق إلى القرية وقالت :

أتفقد بيتي وأتسقط أخبار أولادي عسى أن أحداً يعرف عنهم شيئاً وأعود إلى عملي.

وعندما وصلت فوجئت بوجود الكلاب الثلاثة على مدخل البيت وسرعان ما هبت تشتم رائحة الأم وترحب بها وتدور حولها

فبكت المرأة بكاءً مرّاً وقالت أيمكن أن تكون الكلاب أكث ولاءً لهذا البيت من أولادي الثلاثة وأخذت في الحال دقيقاً ووضعت الملتوت أمام الكلاب وقالت هؤلاء هم عيالي ،لن أبرح هذا البيت حتى ينفذ ما عندي من دقيق وزيت .

قبل أن تغيب شمس ذاك اليوم أقدم الكبير طالباً رضاها مقبلاً يدها وأخذ يقص عليها ما حصل معه أثناء سفره في خان ينزل فيه مسافرون وسمع منهم هذه القصة أن الاسكندر المقدوني عندما حاصر مدينة حلب سمح للذي يريد الخروج أن يأخذ معه ما يستطيع حمله فإذا بأحدهم يحمل أمه معه فاستوقفه قائلاً:

لما تحمل أمك؟

فأجابه:أنت سمحت فقط ما أستطيع حمله وأنا أمي ليس لها أحد سواي فحملتها معي

عندئذٍ أمره أن يعود إلى بيته وأن يعيش معززاً مكرماً وأمر ألا يمسه أحد بسوء وقال الشاب أنه عندما سمع هذه القصة حزن لترك أمه ورجع ليفتش عنها .

ولم يكد يكمل قصته حتى عاد الابن الأوسط وقبل يد والدته وصافح أخاه وقال :

خرجت لطلب الرزق من بلدٍ إلى بلد فصادف امرأة تبيع الخبز قال لها :

كم ثمن الخبز؟

- بالدعاء والثناء

فأخذ عشرة أرغفة وقال لها كثر الله خيركِ وتذكر أمه وحنانها وكيف أن هذه المرأة تبيع الخبز نذراً لأجل ولدها المريض.

وعاد الابن الثالث وقص عليهم ما حصل معه ،

أنه بعدما تركه الكلب وأخذ أخاه العصا صادف أحد الرعاة قائلاً له كيف ترعى الماعز دون عصا وكلب يحميك ويحمي الماعز فأجابه قائلاً كان لي أخوان وتركتهما حتى لا يقاسماني الماعز َوتركني الكلب وعاد إلى إخوته فقال له الراعي :

أنت تركت إخوتك والكلب عاد إلى إخوته

فقال له:

ويحك !أنصحك وكانت النصيحة قديماً بجمل

نصيحتي الأولى :أمك ولا يهمك

نصيحتي الثانية:أهلك ولا تهلك

نصيحتي الثالثة :إذا انوَجعت لا تقول آخ إذا ما كان عندك أخ

عندها أدرك مدى حماقته وعاد طالباً رضا أمه وإخوته وشكرت الأم الله لأنه أعاد لها أبناءها وقالت لولدها استدعِ الشيخ لنسأله عن حكمته في هذه القسمة وعندما حضر الشيخ سألوه قال:

العصا للابن الأكبر ليرعى أخويه ويكون مسموع الكلمة وموفور الكرامة في عشيرته ،والجراب والزوادة للابن الأوسط ليتولى حاجات البيت أما الابن الأصغر عليه أن يهتم بالقطيع وأما البيت للأم حتى إذا تفرق الأولاد وبقيت الأم لا بد وأن يعودوا ويلتمّوا تحت جناحيها

والمثل قال :جناح الأم بيلمّ

* من أدب سلام الراسي

تعليقات: